بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْـمِ
(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ {1} فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ {2} إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ).
الحَـمْـدُ لله رَبِّ العَالمِيْنَ، وأَشْهَدُ أن لا إلهَ إلّا اللهُ المَلِكُ الحَقُّ المُبينُ، وأشهَدُ أن سيدَنا مُحَمَّداً عبدُه ورَسُــوْله، خاتمُ النبيين، صَـلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّاهِرِيْنَ.
وبعد:
أَخَوَاتي المؤمناتُ العزيزاتُ، حرائرَ يَمَنِ الإيْمَـانِ والحكمةِ، الصامداتُ في وجهِ الطغيانِ، والصابراتُ في سبيلِ اللهِ تَـعَـالَـى،
السَّلَامُ عَلَيْكُـنَّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
وأباركُ لَكُنّ بمناسبة الذكرى العزيزة المجيدة (اليوم العالمي للـمَـرْأَةِ المسلمة) ذكرى مولد الصديّقةِ الطاهرة سيّدة نساء العالمين وسيّدة نساء أهل الجنة، فاطمة بنت خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله "صَـلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، بكل ما تحملُه هذه المناسبةُ من دلالاتٍ ودروسٍ، من أهمِّها الصفاتُ والمميِّزاتُ العظيمة للـمَـرْأَة المؤمنة التي تزدادُ سمواً وعظمةً ومكانةً عند الله تَـعَـالَـى بقدر ما تحملُه من قيمٍ وأخلاقياتِ الإيْمَـان بما يسمو بها وبقدرِها وبمكانتها وبدورها العظيم والمشرّف والمعطاء والصالح في الحياة.
لقد جعل اللهُ سُبْحَـانَــهُ وَتَـعَـالَـى فرصةَ الارتقاء في معارج الكمال الإنْـسَـاني والسموّ الإيْمَـاني والسعي لمرضاته تَـعَـالَـى للإنْـسَـان ذكراً أم انثى كما قال تَـعَـالَـى:
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل (97).
وقال تَـعَـالَـى:
(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) آل عمران (196).
وقال تَـعَـالَـى:
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة (71).
(إنَّ الإسْــلَامَ تضمَّنَ في تعليماته ونظامِه وبرنامجه للحياة ما يكفلُ للـمَـرْأَة دورَها الإيجابيَّ العظيمَ في الحياة، وفي نفس الوقت ما يصونُها ويحفظُ كرامتَها ويحوطُها بسياجٍ متينٍ من الأخلاق والقيم، ويحفظُها من عبث وفساد المفسدين في الأرض الذين يبذلون كُلَّ جهدهم للانحراف بالـمَـرْأَة المسلمة تحتَ عناوينَ زائفةٍ؛ بهدف إرْخَاصِها والحَطِّ من كرامتها، وإفسادها، بما يُعتبَرُ إهانةً لها وتحويلها إِلَـى سلعة للفساد.
إنَّ الإسْــلَامَ العظيمَ رَفَعَ قَـــدْرَ الـمَـرْأَةِ وأعلى من شأنها، وخلّد في القُـرْآن الكريم نماذجَ من النساءِ الصالحات، كما خلّد ذكْــرَ الأنبياء، وكما خلّد ذكرَ مواقف بعض المؤمنين والصديقين، ومن أبرز تلك النماذج الصديّقة الطاهرة مريم بنت عمران، ثم بمجيء النبي صلواتُ الله وعلى آله جعل الله تَـعَـالَـى من خاتم الأَنْبيَاء والمرسلين ابنتُهُ الطاهرةُ البتولُ فاطمة "سَـلَامُ اللهِ عَـلَـيْهَا"؛ لتكونَ النموذجَ والقُدوةَ الأسمى والأرقى للـمَـرْأَة المسلمة، ولكمال الـمَـرْأَة الإيْمَـاني الذي بلغت به فاطمة مرتبة عظيمة وعالية قال عنها النبي صَـلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ "إن رضاها من رضا الله، وسيدة نساء المؤمنين ونساء العالمين ونساء اهل الجنة، وأنه يؤذي النبي ما يؤذيها" وهذا بقدر ما يبين فضلها ومكانتها فإنه أَيْـضاً يعتبر من التكريم والمكانة للـمَـرْأَة المسلمة، ونعمت القدوة الزهراء "عليها السلام".
وإنَّ من المهم للأخوات المؤمنات الاستفادة القصوى من مآثر وسير سيدة نساء العالمين فاطمة وابنتها زينب سَـلَامُ اللهِ عَـلَـيْهِمَا والنماذج التي قدمها القُـرْآن الكريم والاحتراز من التأثر بما يسعى له أَعْــدَاءُ الإسْــلَامِ من رُمُوز الخلاعة والضياع.
أخواتي العزيزات: تمُــرُّ بنا هذه الذكرى وبلدُنا يواجه محنةَ العُـدْوَان الأَمريكي السعودي الإسْرَائيْلي الإجْــرَامي ومرور أَكْثَر من عام والسفك للدماء البريئة من الأَطْفَـال والنساء والرجال كُلَّ يوم وكلَ ليلة في مسلسل إجْــرَامي لا مثيلَ له في أيَّة بقعة في العالم، وقد برز الدور المتميز للـمَـرْأَة الـيَـمَـنية في صمودها وصبرها وثباتها، وهي تُقَدِّمُ أغلى التضحيات من الأبناء والإخوة والآباء والازواج شهداءَ في ميادين العزة والشرَف، وهي تنفقُ وتساهمُ من مالها في القوافل والتبرعات بحسب ما تستطيع، وهي تساهمُ في كُلِّ ما أمكنها من المساهمات بحسَبِ قدراتها مع الصبر العظيم على معاناة وظروف الحرب، كما برَزَ الأَثَرُ الطيّبُ والمتميزُ للـمَـرْأَة الـيَـمَـنية في تربية النشء والأولاد على قيم الإسْــلَام العظيمة من عزة وإباء وشجاعة وثبات، وَبَرَزَتْ أَيْـضاً مظلومية الـمَـرْأَة الـيَـمَـنية المسلمة شاهدةً على مظلومية شعبها - حيث استشهد مئاتُ النساء في العُـدْوَان الجائر - وشاهداً أَيْـضاً على زيف وخداع الغرب فيما يحكيه ويدّعيه عن حقوق الـمَـرْأَة وحقوق الطفل..
ففي مقابل "البترودولار" لم يعُد الغربُ يحكي عن مظلومية الـمَـرْأَة الـيَـمَـنية التي هي أَكْبَر مظلومية اليومَ على وجه الأرض، بل إن أَمريكا وبريطانيا وفرنسا ودولاً أخرى هي التي تقدم للنظام السعودي سلاحَ الفتك والتدمير، بما في ذلك الأسلحة المحرمة دولياً "مثل القنابل العنقودية وغيرها"؛ ليقتل بها أهل الـيَـمَـن نساءً وأَطْفَـالاً ورجالاً بأبشعِ صور الإجْــرَام وحشية.
وفي هذا درسٌ مهمٌّ لبعض الأخوات اللواتي ينظُرْنَ بإيجابية إِلَـى نشاط بعض المنظمات الغربية أَوْ الدول الغربية.
إنَّ الوقائعَ والأحداثَ تكشفُ الحقائقَ بما يفوقُ كُلَّ المحاولات الرامية للتزييف والخداع. وبئسَ ما يفعلُــهُ الأَعْــدَاءُ الضالون.
إنَّ شعبَنا الـيَـمَـني فخورٌ بالـمَـرْأَة الـيَـمَـنية المسلمة وَما تتحلى به من صبر وأخلاق وعفه والتزامها بأخلاق وقيم دينها وموروثها الحضاري وما تقوم به من دور أَسَـاسي في البُنيان الأُسَرِيِّ الذي يقومُ به بُنْيَانُ الأُسرة..
وإني لأرجو من الله تَـعَـالَـى أن يوفقَكُنَّ للمزيد والمزيد من الارتقاءِ في الإيْمَـانِ والوعيِ وسُلّم الكمالِ الإنْـسَـاني والالتزام بتعليماتِ الله تَـعَـالَـى في مسيرةِ حياتكن عملاً وصلاحاً وَطهارةً وعفةً وحشمةً وتحرُّزاً من التقليدِ لعادات وتقاليد الغرب الذي حرِصَ على تجريدِ الـمَـرْأَةِ من كُلِّ ما يصونُها، وعمل على دّسّ حالة السفور والتبرُّج والاختلاط والفوضى والتجرُّد من الضوابط الأخلاقية، استهدافاً منه للـمَـرْأَة، وسعياً لتقويضِ الأسرة والنظام الاجتماعي الأَسْمَى والأرقى في الإسْــلَام.
أسالُ اللهَ أن يُــوَفِقَــنَا جَميْعاً لما يُرْضِيْهِ.
وَمُبَارَكٌ لَكُــنَّ هَذِهِ الذِّكْرَى، السَّلَامُ عَلَيْكُنَّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
أخوكن/
عبدُالملك بدر الدين الحوثي
بتأريخ 20 / جمادى الآخرة / 1437هـ.
النصُّ الكاملُ لرسالة السيّد عبدالملك بدر الدين الحوثي إِلَـى حرائرِ يمن الإيْمَـان والحكمة.. الصامدات في وجه الطغيان.. بمناسبة ذكرى ميلاد سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سَـلَامُ اللهِ عَـلَـيْهَا (اليوم العالمي للـمَـرْأَةِ المسلمةِ)