{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ} عبارة {بِقَوْمٍ} هي نفسها تفيد، أو تكاد تصور لك أولئك القوم وكأنهم صخرات، كأنهم قطع من الصلب، في قوتهم في إيمانهم، في وعيهم، في فهمهم، {بِقَوْمٍ}، وليس كأي قوم ليسوا كمثلكم، قوم {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} والله لا يحب إلا نوعية متميزة. يمكن يرحم وتكون رحمته واسعة للناس جميعاً كما هو هنا يرحمنا، أليس هو يرحمنا ونحن مقصرون؟ لكن أما أن يحب لا, إنما يحب نوعية متميزة.
{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ويقدم كلمة {يُحِبُّهُمْ} على {يُحِبُّونَهُ} لتشعر كيف أن هؤلاء جديرون بأن يحبهم هو، فهم جديرون بحبه، فيسارع إلى التعبير عن محبته لهم قبل التعبير عن محبتهم له.
القوم الذين يحبهم ويحبونه هل سيكونون من هؤلاء الذين في قلوبهم مرض؟. فيسارعون نحو تنفيذ الخطط والمؤامرات في خدمة اليهود، أو يسارعون نحو القعود فيصبحوا مرتدين؟!. هذا ارتداد كله، من يسارع مطلع ومن يسارع منزل كله ارتداد.
هؤلاء قوم نوعية أخرى عمليين، وبنفوس قوية، وليس فقط زحزحة ودفع. لاحظوا كيف تصور الآية هذه النوعية من القوم هم ليسوا حتى ممن يحتاجون إلى تحريض كثير، وكلام كثير، [وانت بعده كل يوم تكلمه والاّ رجع، ويحتاج له مجبر ثاني يوم والا جا له كلمه من واحد وَبَرَد]. لا, هؤلاء واعين لدرجة أنهم يقدمون أنفسهم للآخرين بالشكل الذي يهزم نفس من يمكن أن تنطلق من فمه عبارة مثبطة، هو يرى أنك تخلق في نفسه يأساً أن يؤثر فيك؛ لأنك معتز بالموقف الذي أنت فيه لا تحس بحرج. كنبي الله موسى بعدما حصل منه ما حصل، ففقد ذلك المقام الذي كان فيه، وتلك النعمة التي كان فيها في قصر فرعون، بعدما قتل القبطي، من منطلق غيرته على المستضعفين وكراهيته للباطل واعتزازه بأن يقف موقف حق، ورأى نفسه في مواجهة مجرمين، ما هو رأى نفسه في مواجهة كافرين مجرمين؟: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} (القصص: من الآية17) أليست هذه عبارة رجل لا يمكن أن يتأثر؟ هو الذي سينطلق يؤثر.
{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} يحبونه فينطلقون في السعي فيما يحصلون به على رضاه، يحبونه فينطلقون غاضبين له، يحبونه يكرهون أعداءه، يغضبون على أعدائه، يكرهون الفساد في أرضه، يغضبون لأن يعصى في أرضه، يغضبون للمستضعفين من عباده؛ لأنهم يحبون الله، ومتعلقة قلوبهم بالله [وليس فقط ممن لا ينطلق إلا متى ما لزمه وما عاد معه أي مخرج فينطلق وهو يدهف نفسه، ويحاول بأي طريقة أن يتملص ويتخلى].
هؤلاء ينطلقون من واقع المحبة لله سواء قالوا واجب والاَّ مندوب المهم أن فيه لله رضى، وليس من أولئك الذين عندما تحتدم المواقف عندما يحمى الموقف يبحث مع سيدي فلان أو سيدنا فلان يسأله: [يا خبير قدو يلزمنا إن احنا نخرج مع أولا، أو نسبر مثل ذولا؟ قدو يلزمنا؟ قال: لا عز الله ما قدو يلزم]. قال: [ها خاطرك ... يا جماعة قال سيدي فلان قال سيدنا فلان ما كو يلزم].
هؤلاء قوم يحبون الله لا يبحثون عن لزم ولا ما لزم، إما أن يكون واجب فذاك واجب، أو كان مندوب, مندوب, مستحب ... واجب مندوب كله واحد، المهم أن فيه لله رضى، من منطلق الحب لله.
وهم فيما بينهم أذلة على المؤمنين متواضعين يبدون أذلة؛ لأنهم جداً حريصون على وحدتهم، حريصون جداً على أن يكونوا بمستوى القيام بالموقف الذي يهمهم، وأداء المهمة التي تهمهم فعلاً، وليسوا ممن ينشغلون بأنفسهم ومصالحهم الخاصة فقط، فيأنف من هذا ولا يغضب لله، ولا لرسوله ولا لدينه، ولا للمستضعفين من عباده، ولا يغضب لهدم أمة بكلها.
يغضب لنفسه ويبدو قوياً على صاحبه وكبيراً على صاحبه وشجاعاً على صاحبه، عزيز على صاحبه، وذليل على أعداء الله، هذه صفة سيئة، صفة سيئة عادة ما تكون منتشرة في المجتمع الذي لا يحمل أي اهتمام بأي قضية من القضايا الكبرى، مجتمع معرض نفسه لأن يُستبَدل ويُرفَض، الإستبدال معناه أن تُرفَض من قبل الله، إذا كنت قد ترفض من قبل الله فهذه حالة خطيرة جداً، ترفض في الدنيا وفي الآخرة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من سورة المائدة الدرس الأول / ص - 13 - 14.
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 13/ 1/2002م
اليمن – صعدة.