مرتضى الجرموزي
"واجتمع العرب أنظمة وشعوبًا وشكّلوا لُحمةً عربية واحدة تحت سقف واحد وعلى هدف واحد" جملةٌ طالما حلمنا بترديدها بفخر، لكن وَقْعَها اليوم يمزق القلب بمرارة الحقيقة.. لقد اجتمعوا فعلًا، وشكّلوا ما بدا أنه وحدة متماسكة، ولكن السؤال الذي يَثْقُبُ الوجدان: ما هو هذا الهدف الذي وحّدهم؟
كان الأمل أن تكون هذه الوقفة التاريخية لإثبات الجدارة بالدفاع عن الحق، والثبات على المبدأ، والوقوف الأبيّ في وجه الطغيان.
لكن الحقيقة الصادمة التي يجب أن نُعلنها بصوت يرتجف ألمًا هي: ليس مع غزة! فقد خذلوها وخانوّها، تلك الحقيقة القاسية التي لا تحتمل التجميل.
بل إن هَبَّتَهم ووحدتهم واجتماعهم اليوم هو؛ مِن أجلِ كرة قدم، وللأسف الشديد! يا لَلْمفارقة، ويا لَلْمأساة التي تُدْمِي ضلوع كُـلّ ضمير حي.
صيحات الملاعب تُغْرِقُ صرخات الضحايا
بينما يعاني أبناء غزة الأبية من العدوان الغاشم، وقسوة البرد الذي يتسلل إلى عظامهم في العراء، ومن الحصار الخانق الذي يستهدف لقمة عيشهم، والتجويع المتعمد الذي يَفْتِكُ بأطفالهم، وهم لا يبعدون عنهم إلا بمسافة صرخة مسموعة وعلى مَرْأَى العين؛ نجد أن أُمَّـة العرب قد تاهت وغَرِقَت في وَحْلِ الملاعب، وصيحات شعوبها تَضِجُّ بها مدرجات قطر الكروية.
إنهم يلعبون ويرقصون على أنقاض بيوت غزة المدمّـرة.
إنهم يفرحون بانتصارات زائفة على حساب دموع وأوجاع غزة الحقيقية.
يصرخون ويشجعون بصخب مجنون، لعلّهم يغطون بأصواتهم وأهازيجهم صرخات وأَنَّات الأطفال والنساء التي ترتفع من تحت الركام! يا له من صمت اختياري، ويا له من صمت مُدَوٍّ!
رفاهية الملاعب وقسوة العراء على أطفال غزة
لقد فُرِشَتِ الملاعب بالعشب الأخضر النَّضِر، وزُوِّدَتْ بتجهيزات خيالية، بل وبإمْكَانية إغلاق سقفها تَحَسُّبًا لقطرات المطر، حتى لا تتساقط على اللاعبين والجماهير المُتْرَفَة! وفي الوقت ذاته، يعيش أبناء غزة، كُـلّ غزة، تحت المطر الذي يغسل جراحهم ويزيد بردهم، وتحت أشعة الشمس الحارقة صيفًا، في خيام بائسة لا تَقِي من حر ولا برد.
لقد تم تجهيز المدرجات والمقاعد بِمَكَائِنَ وأجهزة مُكَيَّفَة للتدفئة والتبريد، بينما أطفال ونساء غزة، وكل غزة، ينامون في العراء، عُرْضَةً للبرد القارس والشتاء القارس، بلا غطاء ولا مأوى.
أين الإنسانية في هذا التناقض الصارخ؟ سؤال يَحْرِقُ الضمائر
أي عروبة تلك التي تَتَبَلَّدُ فيها المشاعر أمام أشقاء يُذْبَحُون؟ وأي إسلام يحمله هؤلاء، يَرْضَخُون لِلَهْوِ والترف بينما الدماء تسيل في أرض الإسراء والمعراج؟ وأي هدف وغاية يتسابق من يسمون أنفسهم عربًا وهم يرون إخوة لهم في الدين والعقيدة والأصل يتعرضون ويعانون ويواجهون أصعب الظروف والمحن التي لم يشهد لها التاريخ مثيلًا؟
نحن لا نمانع من إقامة البطولات الكروية والمناسبات؛ ليجتمع الإخوة العرب والمسلمون تحت سقف واحد.
فالوحدة هدف نبيل.
ولكن ليس على حساب أَنَّاتِ ومظلومية وأوجاع غزة.
فاجتماعنا الحقيقي يجب أن يكون وقفة عِزٍّ وتضامن يرفع عنهم الظلم، لا أن يكون مهرجانًا يَطْمِسُ صوتهم المؤلم.
ليكن اجتماعنا لُحْمَةً تُسَجَّلُ في صفحات المجد، لا وَصْمَةَ عار في سجل الخِذلان!



.jpg)
.jpg)


