وفي محاضرة (محياي ومماتي لله) يبيّن السّيد أنّ المؤمن هو من أمر أن يجعل حياته ومماته لله وفي سبيل الله, ولا يتحقّق له ذلك إلاّ من خلال أن يجنّد نفسه للجهاد في سبيل الله, ويسعى لطلب الشّهادة في سبيل الله, وهذا الشّعور الذي يعيشه الإنسان المؤمن, وهذه الروحية هي من الصّفات الملازمة للمؤمنين, كما بيّن الله في القرآن الكريم, فالإنسان المؤمن هو من نذر حياته ومماته لله, وهو من يسعى لنيل الشّهادة في سبيل الله, والمؤمنون هم من يَعرِضون أنفسهم للبيع من الله سبحانه وتعالى, ولا يمكن للمؤمنين أن يكونوا ممّن يعلون كلمة الله, وينصرون دينه, ويكونون من أنصاره, إلاّ إذا كان لديهم هذا الشّعور, وهذه الروحيّة, فينذرون حياتهم ومماتهم لله وفي سبيله, يقول السيد: (أمرت أن يكون مماتي لله أن يكون موت الإنسان لله هو عندما يجند نفسه لله سبحانه وتعالى, عندما يطلب الشهادة في سبيل الله، عندما يستعد للشهادة في سبيل الله، عندما يكون موطنا لنفسه أن يموت في سبيل الله..
لا أتصور معنى آخر يمكن أن يحقق للإنسان أن يكون موته لله إلا على هذا النحو وليس فقط أن يكون مستعدا، بل يسعى لأن يكون موته في سبيل الله، بأن يحظى بالشهادة في سبيل الله، وهذه هي صفة القرآن الكريم جعلها من الصفات اللازمة للمؤمنين أن لديهم هذا الشعور هو الشعور نفسه الذي نتهرب منه، هو الشعور نفسه الذي قد ينصحنا حتى بعض المتدينين به [بطِّل ما لك حاجة إمش على شغلك وعملك...] إلى آخره.
بينما القرآن الكريم الله سبحانه وتعالى يصف عباده المؤمنين بأنهم هم من يعرضون أنفسهم للبيع من الله عندما قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾[التوبة: من الآية111] ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾[البقرة: من الآية207] وهذه الآية: ﴿إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الأنعام:162] أليس هذا يعني: أن المؤمنين هم دائماً يحملون هذا الشعور، هو: أنهم ينذرون حياتهم لله وأن يموتوا في سبيله.
ولا يمكن للمؤمنين أن يعلوا كلمة الله, ولا أن يكونوا أنصاراً لله, ولا أن يكونوا بشكل أمة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ما لم يكن لديها هذا الشعور هو: أنهم نذروا حياتهم وموتهم لله، هو أنهم يريدون أن يموتوا في سبيل الله) محاضرة محياي ومماتي.
ويضيف السّيد في نفس الدرس أنّ على المؤمنين أن يقتدوا برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في مجال العمل في سبيل الله, وبذل أنفسهم في سبيل الله, وبذل جهدهم على أعلى مستوى في ميادين الجهاد والعمل في سبيل الله, وأن من لا يبذل حياته ومماته في سبيل الله سيفقد الكثير من الأعمال المهمّة التي يجب أن يقوم بها, وسيفقد أهمّ صفة من صفات أولياء الله المؤمنين, وهي أن يبيعوا أنفسهم من الله, وينذروا حياتهم وموتهم في سبيله, كما وضّح الله في القرآن الكريم, يقول السيد: (الإنسان الذي يعلم أنه يجب عليه أن يقتدي برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يجب أن يقتدي به في كل هذه الأشياء التي أمر بها رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ولو قلنا كما قد يقول البعض: بأن هناك أشياء تختص بالنبي، لكن أما في ميادين العمل فقد يختص بالنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) هو أن يبذل جهده على أعلى مستوى, على أعلى مستوى, لكن ذلك لا يعني: بأن الآخرين ليس أمامهم أن يبذلوا جهودهم على أعلى مستوى.
فما أمر به رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) نحن أُمرِنا بأن نقتدي به، فما هو في مجال العمل في سبيل الله لا نجد أن هناك خصوصيات للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في مجال العمل في سبيله إلا خصوصية - إن صحت العبارة - التكليف على أرقى مستوى, أن يبذل جهده على أعلى ما يمكن في سبيل الله.
ولكن الآخرين من الناس لا زال المجال مفتوحاً أمامهم بأن يقتدوا به على أعلى درجة ممكنة، فنحن هنا في قوله تعالى: ﴿وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الأنعام: من الآية162] وهو يقول لرسوله أن يقول هكذا وأنه أمر بهذا، فلو قلنا بأن المسألة لسنا أو ليس مطلوباً منا أن نقتدي به فيها, فننذر حياتنا لله, وننذر موتنا لله سترى ماذا سيحصل! أنه أنت إذا لم تكن ناذراً لحياتك لله ولم تكن ناذراً لموتك لله فإنك ستبتعد عن أشياء كثيرة جداً جداً من الأعمال التي يجب عليك أن تؤديها، وأنك أيضاً ستفقد صفة من الصفات التي فرضها القرآن الكريم كصفة لازمة لأولياء الله هي: أنهم باعوا أنفسهم من الله) محاضرة محياي ومماتي لله.
ويؤكّد السّيد أنّ هذه الصّفة ليست من المسائل الّتي اُختصّ بها رسول الله فقط دون سواه من المؤمنين, بل هي صفة مطلوب من كلّ المؤمنين أن يصلوا إليها, وأن يتحلّوا بها, وأن يسعوا لتحقيقها, فالمؤمن هو من يبذل حياته ومماته في سبيل الله, وهو من يبيع نفسه من الله أوّلاً, فيجاهد ويعاني, ويبذل مهجته لله وفي سبيله, يقول السيد: (فلو أنها مسألة مختصة بالرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) لما ذكرها في مقام آخر من الصفات التي أثنى على عباده المؤمنين بالتحلي بها ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾ [التوبة:111].
كذلك في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾[البقرة:207] لاحظوا كيف هذه الآية تؤكد أن المسألة هي أيضاً من الرحمة والرأفة التي مَنَّ الله بها على عباده ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ باع نفسه من الله ليقتل في سبيله، ليعاني في سبيله، ليتعب في سبيله، ليبذل مهجته في سبيله قال بعدها: ﴿وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ هو رؤوف بهم إلى درجة أنه فتح أمامهم أن يستثمروا موتهم) محاضرة محياي ومماتي لله.
ويبين السيد أن هذا من الرأفة والرحمة من الله بعباده أن فتح لهم المجال ليبيعوا أنفسهم في سبيله, وينذروا حياتهم له, ويستثمرون موتهم في سبيله, وابتغاء مرضاته, ومن رحمة الله ورأفته أن فتح بابا للمؤمنين لينالوا رضوانه, ويحظوا بالنعيم الدائم, والسعادة الأبدية في الجنة, إضافة إلى ما يتجلى من رحمة الله في الدنيا بعباده المؤمنين المجاهدين الذين باعوا أنفسهم منه يقول السيد: (ما معنى رؤوف بهم؟ أنه يعني: حصل هذا منهم وهو لا يريده منهم وإنما هكذا غامروا بأنفسهم وإلا فهو رؤوف بهم لا يريد أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه من شراء أنفسهم منه وبيع أنفسهم ابتغاء مرضاته؟!.
إن الرأفة والرحمة بالإنسان تتحقق بأن الله يفتح أمامه مجالات واسعة ومتعددة ليحصل على القرب منه، ليحظى بالقرب منه، ليحظى برضوانه، ليحظى بالنعيم الدائم في الجنة، ليحظى بالسعادة الأبدية في الجنة، هذه هي الرحمة, إضافة إلى مظاهر الرحمة في الدنيا التي تتحقق للإنسان في هذه الدنيا وهي كثيرة جداً.
فالمسألة إذاً مما لا يمكن أن نقول بأنها مما هي مختصة بالرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فإذاً فما دام أن الرسول قد أمر فنحن كذلك مأمورون بأن ننذر حياتنا لله, وننذر مماتنا لله, وحينئذ بعد هذه الآية كل من يحاول معك أن يقعدك عن عمل أن يخوفك أن يثبطك فافهم بأنه يعمل على أن يحول بينك وبين أن تؤدي هذا الأمر الإلهي الذي هو شرف عظيم لك، ونعمة عظيمة عليك أن تنذر موتك لله، أن تنذر حياتك أولاً وتنذر موتك ثانياً لله سبحانه وتعالى, وما أكثر ما يحصل هذا) محاضرة محياي ومماتي لله.
ويبيّن السّيد أنّ المسألة خطيرة جدّاً في هذا الزّمن وخاصّة على الشباب, فمن لم يكن بهذا المستوى, ويجنّد نفسه, وينذر حياته ومماته في سبيل الله ومن أجل الله فإنّه من ستكون حياته, ويجنّد نفسه, ويكون مماته في سبيل أمريكا, ومن أجل أمريكا واسرائيل وعملاءهم, بأيّ شكل كان, وبأيّ طريقة كانت, يقول السيد: (مثلاً في هذا الزمن والكثير منكم شباب فيما أعتقد إذا نظرنا إلى أمثال لكم في معسكرات في مناطق أخرى مشى بهم الحال وسوء الحظ إلى أن تنذر حياتهم - سواء رضوا أو لم يرضوا تنذر حياتهم في سبيل من؟ في سبيل أمريكا, في سبيل إسرائيل.
والبشر الآن.. الشباب الآن.. أنتم الشباب بالذات أمام مرحلة فيما أعتقد: إما أن يكون الإنسان قد رسم لنفسه أن تكون حياته وموته لله، وإلا فستكون حياته وموته من أجل أمريكا، هذه القضية الشباب مقبلون عليها, ستكون ممن ينذر حياته لأمريكا وأنت في معسكر فتكلف أن تخرج ضمن حملة على منطقة معينة يقال: فيها إرهابيون, أو تكون أنت معلم ممن يجمد الناس، ويهدئ الناس، ويثبط الناس، ألست هنا تعمل لمصلحة أمريكا؟ أو تكون أيضاً ولست معلماً وأنت إنسان عادي ينطلق من فمك كلمة مع هذا، وكلمة مع ذاك: [بطل ما لنا حاجة با تكلفوا علينا لاحظ ما حصل في أفغانستان!] أليس هذا العمل الذي يؤدي بالناس إلى القعود إلى الخنوع، أليس خدمة للأعداء؟ فتكون أنت قد نذرت حياتك في سبيل أمريكا، وستموت في سبيل أمريكا، يكون موتك خدمة لأمريكا لأنه لم يكن موتك مؤثراً عليها) محاضرة محياي ومماتي لله.
وفي هذه المرحلة الخطيرة الّتي بلغ الصراع فيها ذروته, وتعدّدت فيها التجاذبات والإستقطابات, يبيّن السّيد أنّ المسألة خطيرة جدّاً, نحتاج فيها إلى أن نتفهّم أهمّية وخطورة هذه المسألة, فنعرف المنهج والصراط الذي نسير عليه في بيعنا لأنفسنا من الله, وبذلنا لأرواحنا في سبيله, حتّى لا نكون جنودا ننطلق ونتحرّك في خدمة أمريكا واسرائيل, وخاصّة أنّ لديهم القدرة الكبيرة على تثقيف النّاس بالشكل الذي يخدمهم, ويجعل النّاس يندفعون وينطلقون كجنود لهم, وفي سبيلهم سواء شعروا أم لم يشعروا, والواقع الآن يشهد بهذا, فنحن نرى عشرات بل مئات الآلف ممّن ينطلقون, ويضحون, ويبيعون أنفسهم من أمريكا واسرائيل, في اليمن, وفي سوريا, وفي العراق تحت راية ومظلّة تلك الحركات الّتي أنشأتها أمريكا واسرائيل, كالقاعدة, وداعش, وغيرهم من العملاء, سواء بشكل أنظمة, أو حركات وكيانات, وجماعات, يقول السيد: (فالإنسان إذا لم يتفهم من الآن ونحن في مقتبل هذه المرحلة والكثير منكم في مقتبل العمر لا زالوا شبابا طلابا، اليهود عندهم قدرة أن يثقفوا الناس وأن يعملوا الأشياء الكثيرة حتى يجعلوا الناس ينذرون حياتهم لهم، فالجندي يتحرك بغضب وشراسة, ويضرب بيت أخ مسلم له.. يقتل.. يدمر.. ينهب، وهو في نفس الوقت، - سواء فهم أو لم يفهم - إنما يخدم أمريكا.
وهكذا تصبح قضية؛ لأن المجال فيها واسع يمكن للمعلم، يمكن للمرشد، يمكن للوجيه، يمكن للتاجر يمكن حتى التاجر نفسه سيخرج من أمواله مبالغ كبيرة خدمة لأمريكا.
والله سبحانه وتعالى يريد منا - لأنه رحيم بنا - أن نفهم بأنه يجب أن ننذر حياتنا له، فمتى ما نذرت حياتك لله خاصة وأنت تعرف النهج الذي تسير عليه وتعرف الصراط المستقيم الذي يجسد ما أنت عليه من أنك قد نذرت حياتك لله سبحانه وتعالى وحينئذ لن تسير على طريق آخر، لن تجعل حياتك في خدمة الطغيان لن تجعل حياتك في خدمة أعداء الله سبحانه وتعالى) محاضرة محياي ومماتي لله.
ويبيّن السّيد أنّ من ينذر حياته لله, ويتّخذ القرار بأن يجعل موته في سبيل الله, هو من سينطلق في ميادين الجهاد في سبيل الله, والعمل على إعلاء كلمة الله, ونصر دينه, لأنّه قد باع نفسه من الله, ولم يعد خائفاً من الموت, ولا متشبّثا بالحياة, فمن القرارات الحكيمة في مسيرة الإنسان أن يستثمر موته, وينذره في سبيل الله, يقول السيد (إذا كنت أيضاً قد نذرت موتك لله فأنت من سينطلق في سبيل إعلاء كلمة الله في نصر دين الله في دفع أعداء الله في محاربة أعداء الله؛ لأنك لم يعد لديك خوف من الموت, أنت قد اتخذت لنفسك قراراً أن تستثمر موتك، وأنك قد نذرت موتك لله.
وهذه القضية إذا تأملها الإنسان سيرى بأنها قضية من الحماقة أن لا تحصل لدى أي إنسان منا, من الحماقة أن لا يكون أي مؤمن قد نذر موته لله لماذا؟ لأن الموت قضية لا بد منها أليس كذلك؟ الموت قضية لا بد منها, وستموت إما بالموت الطبيعي أو تموت على يد أعداء الله إذا كان الأمر على هذا النحو فقد يكون الخوف لدى بعض الناس ليس لتصوير الألم، ليس لاستشعار أن هناك ألم، وإنما لاستشعار أنه يريد أن يبقى حيا، يتشبث بالحياة، يحس بالحياة، لا يريد أن يدخل في غيبوبة مطلقة) محاضرة محياي ومماتي.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.