موضوع الهدى في القرآن الكريم يبتني أساساً على أساس بناء أمّة متكاملة, وقد قدّم القرآن الكريم الرّؤية المتكاملة لبناء أمّة واحدة ومتوحّدة, وتعتبر هذه هي الغاية منه, والهدف الرّئيسي الذي يسعى إليه القرآن الكريم, والقرآن الكريم في خطابه, ووسائله, وأساليبه, وتوجيهاته جاء بشكل جماعي, ممّا يعني أنّ فهمه واستيعابه متوقف على العمل الجماعي, والأمّة الواحدة, لأنّه كتاب عمل, وحركة, وحيويّة, وإلاّ فإنّ النسبة الواسعة منه ستبقى مجمّدة, وغير ممكن ولا متوفر القيام والنّهوض بها, وقد قدّم القرآن الكريم من النّاحية الهيكليّة والتّربويّة الخطّة الوافية, والرّؤية الشّاملة لبناء الأمّة, والخلاصة أنّ الإنسان لا يستطيع ولا يتمكن من الإهتداء والعمل التّطبيقي والتّنفيذي بالقرآن الكريم بمفرده, ويأتي على رأس بناء الأمّة موضوع القيادة الموكل إليها بناء وتنظيم الأمّة الّتي تتمكّن من العمل والتّحرك بالقرآن الكريم, وهنا يوضّح السّيد "رضوان الله عليه" هذا الموضوع بطريقة مفصّلة فيقول: (فعندما نفهم فعلاً بأن الهدى هكذا من جهة الله سبحانه وتعالى، في خطاب، في مساحة واسعة من الخطاب جماعي، ومعلوم عند البشر بفطرتهم عندما يقول: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ﴾(آل عمران: من الآية104)، ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ﴾(النساء: من الآية135) أليس معناه: أن يبنوا أنفسهم على أفضل طريقة، ككيان لأمة، ومعلوم عند البدو من البشر، عند البدائيين من البشر، كيف يجب أن يكونوا أمة، ومع هذا تناول القرآن الكريم تعليمات وافية، وخطة وافية، وكاملة في بناء أمة، من الناحية الهيكلية، ومن الناحية التربوية، قدمها بشكل كامل.
إذاً فلتفهم بأن موضوع الهدى هو مبني على هذا، غير طبيعي أن يقال بأن بالإمكان أن تتناول أنت كل شيء في القرآن؛ لأنك ترى معلوماً أمامك تراه أن كثيراً منها، وإن كنت مؤمناً بها لا تستطيع أن تقوم بها أنت؛ لأنها منوطة بالأمة، إذاً أنت من ضمن أمة يعنيً يجب أن يكون الموضوع مرتبطاً بمن؟ بمن هو على رأس تلك الأمة التي تبني نفسها على ما أمر الله في كتابه: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ﴾ و﴿كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾.
وجدنا في أيام الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) مع أن القرآن نزل بلغة العرب، وهم عرب، ونزل بلغتهم، ألم يكن موضوع الهداية، موضوع هدايتهم، تعليمهم، تزكيتهم، تربيتهم متوقفة على النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ هل أمكن أن يقول كل شخص منهم: هذا كتاب عربي، وبلغتي، وسوف آخذ منه، وأفهمه من غير هذا، ومن غير هذا؟ لا يمكن, إذاً فإذا لم يفهم هذا، أو هذا، أو هذا، لم يفهم من القرآن إلاّ أشياء معينة، وأشياء أخرى لم يفهمها فيرجع إلى نفسه، ويقول: يكفي، هذا القرآن هو هذا الذي قد فهمناه، فمنه ما فهمناه يمكن نؤديه، وأشياء فهمناها نتركها مكانها.
عندما انطلقوا فعلاً داخل، في مسيرتنا الثقافية قدموا فكرة: أن الله كيف يمكن يخاطب الإنسان بالقرآن ثم لا يفهمه، أليس هكذا؟ معنى هذا أن كل إنسان يستطيع أن يفهم القرآن كاملاً، هذه جاءت من عند المعتزلة، لكن لو تسأل أي واحد منهم، اتفقنا، هذا القرآن أمامك وأمامي، فهمنا منه، أو افترض أننا فهمناه، فهمنا منه أشياء يمكن أن أؤديها فردياً، كيف سيكون العمل بالنسبة للأشياء الكثيرة جداً التي داخله ونراها خطاباً جماعياً، ولا يمكن أن يؤديها إلا أمة؟.
إذاً فكيف الموضوع هنا؟ لمن هذا الموضوع موكول؟ أليس معناه أنه لا بد من أمة، الأمة أليس معناها أن تبنى بناء، وأن تربى تربية؟ إذاً نقول: لا بد أن تكون هذه القضية، إما أن تؤدي إلى أنه فعلاً فهمنا القرآن، لكن فهمنا أن 70% منه يجلس على جنب، أليس هكذا؟ هذا يعتبر غلط، ألا يعتبر غلط؟ بالتأكيد، فهمنا أنه لا بد من أمة، وأن هذا القرآن في منطقه، في أسلوبه، كتاب عملي، وليس كتاباً يمكن تقرأه هكذا كما تقرأ كتاب مجموع فتاوى، أو مجموع قصص، أو أشياء من هذه، كتاب عملي.
نقول: إذاً هنا القرآن الكريم يخاطبنا، وأنا وأنت الأفراد الذين نقول أننا فهمنا القرآن يخاطبنا ضمن أمة، إذاً لا بد أن هناك طريقة لبناء الأمة، ولا بد أن يكون النسبة الكبيرة موكلة إلى من هو موكول إليه توجيه أمة، وتربية أمة؛ لبنائها بهذا الشكل على أساس القرآن.
القضية برزت بالنسبة لمن قالوا هذا الكلام بشكل واقعي، أصبح ملموساً، ورأيناهم فعلاً فشلوا، مثلاً كل واحد عنده أن بإمكانه أن يعرف القرآن، يفهم القرآن، إذاً أنت فهمت القرآن، وهذا فهم القرآن، وذلك فهم القرآن، لكن ماذا قدمتم بعد؟! الذين ادعوا أنهم فهموا القرآن، والإنسان يستطيع أن يفهم القرآن هو كاملاً! سلمنا أنت فهمته، لكن ماذا قدمتم بعد، تراهم صفوفاً مجتهدين، ممن يدعون أنهم يفهمون القرآن كاملاً، ماذا قدموا؟ هل قدموا القرآن؟ هل استطاعوا أن يقدموه؟ وهل استطاعوا أن يبنوا الأمة على أساس القرآن؟ هل استطاعوا أن يهدوا الناس على أساس القرآن؟ هل استطاعوا أن يبنوا أمة قائمة بالقسط؟ بل العكس الذي رأيناه فعلاً، قدموا مفاهيم مغلوطة، جعلت الناس يقعدون عن أن يكونوا قوامين بالقسط، ويتفرقون عن أن يكونوا أمة واحدة تدعوا إلى الخير، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أليس هذا الذي حصل؟.
إذاً فمسألة الهدى هي مبنية على أساس الغاية التي يريدها الله سبحانه وتعالى من وراء هذا القرآن بالنسبة للناس، وكما نقول أكثر من مرة: أنه يجب أن تفهم عندما نسمع الله يقول: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ﴾ أن تنظر إلى القرآن أنه كل توجيهاته، وكل أحكامه، وكل تعاليمه مبنية على بناء أمة، وخطاب لأمة، حتى في منطقه، في أسلوبه، أليس هو يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾(الصف: من الآية14) أليس يخاطب أمة؟ عندما يخاطب أمة على هذا النحو ليس معناه أن كل واحد سيأخذ نصيبه من الأمر مثلما حصل بعد، الذي حصل بعد يأتي واحد يقرأ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ﴾(الصف: من الآية14)، هو يعرف أنها خطاب جماعي، ويعتبر أن الجماعة تكون مكونة من أفراد هو واحد منهم، نظر لقسمه من كونوا ووجد بأنه ماذا؟ لا يستطيع أن يكون إذاً فما يلزم! هذا الذي حصل فعلاً؛ ولهذا تجد أنه كثير ممن قرأوا على أساس الثقافة هذه التي نشكو منها دائماً يعرفون أن هذه خطابات جماعية، لكن قد ترسخت لديه النظرة الفردية، وأصبح التكليف لديه يعني ماذا؟ تكليف فردي، الخطاب أن يأخذ ما يخصه من الموضوع، فإذا رأى نفسه بأنه لا يستطيع أن يقوم بنصيبه قال: [إذاً ما يلزم]! أليس هذا في الأخير أدى إلى تجميد القرآن الكريم؟.
أدى قراءة اللغة العربية نفسها، وهم قرئوا اللغة العربية، وفي اللغة العربية يعرف الإنسان الخطاب الجماعي، والخطاب الفردي، أليسوا يعتبرون أن واو الجماعة يعني خطاباً جماعياً ﴿كُونُوا﴾ ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ﴾ أما هذه فقد كلمة أمة تعني الجماعة بنفس الصيغة، ومع هذا كان للنظرة الفردية أثرها الكبير في أنه ينظر إلى الخطاب الجماعي، ويرى واحد نفسه واحداً من الجماعة، أخذ نصيبه، ورأى بأنه لا يستطيع، وتركها مكانها، والثاني مثله، وتركوا كل شيء مكانه) سورة الأعراف الدرس الثامن والعشرون من دروس رمضان.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.