(فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما) نعم يصبح الموت سعادة ولقاء الله شهادة والحياة مع الظالمين في حال الإذعان لهم الخضوع لهم الاستكانة لظلمهم شقاءً وعناءً؛ لأن الظالمين بفسادهم وطغيانهم يطبعون الواقع به، ليس الظلم والطغيان والفساد مجرد عناوين تقال، الفساد والظلم والشر هو فكر وممارسة وسلوك يفسد الحياة ويفسد النفوس، وهو انحرافٌ بالأمة عن النهج القويم وعارٌ عليها.
الطغيان أيها الأخوة الأعزاء والأخوات المؤمنات: الطغيان والاستبداد سمته واحدة، ونهجه واحد، والطغاة المستبدون خريجو مدرسةٍ واحدة، والصراع بين الخير والشر وبين العدل والظلم بين القيم والإجرام معركة واحدة وصراع ممتد عبر الزمن، فإما أن تكون مع الحسين يعني مع العدل، يعني مع الحق، يعني مع الخير، يعني مع القيم، يعني مع الأنبياء، يعني مع القرآن، وإما أن يكون موقفك المناصر للباطل أو الخاضع المستكين للباطل لصالح يزيد، يعني الظلم، يعني الشر، يعني الطغيان، يعني الفساد، يعني الجريمة، الطغاة والمفسدون والأشرار هم خطرون حتى في حدودهم الفردية.
الإنسان الفاسد الإنسان المجرم هو خطر خطر هو يمثل شرًا في واقع الحياة حتى لو كان فردًا، عندما يكون في واقعه كفرد فهو في حالٍ إما أن يكون سارقًا أو يكون قاتلاً أو يلعب دورٍ تخريبيٍ في واقع الحياة؛ ولذلك هم خطرون حتى في حدودهم الفردية فكيف.. كيف عندما يكونون في مستوى السلطة عندما يتحكمون بالأمة عندما تصبح الإمكانيات بأيديهم عندما يسيطرون على الحكم والسلطة يعم ظلمهم، ويعم إجرامهم، وبقدر الإمكانيات والسلطة يمارسون الظلم أكثر، يصبح ذلك الإنسان الذي يمثل خطرًا وشرًا بمفرده من دون إمكانيات ويكون في ذلك المستوى شريرًا إما قاتلاً أو مجرمًا أو قاطع طريق أو سارقًا أو غير ذلك يصبح في موقع السلطة في موقع الحكم بيده إمكانيات دولة وثروات شعب، ويصبح أمامه فرصة للظلم أكبر.
ولذلك أيها الأخوة الأعزاء يجب أن تتعزز وتترسخ الثقافة الحسينية في الثورة على الظالمين والطغاة، وعدم القبول بهم في موقع السلطة أبدًا مهما كان الثمن؛ لأنهم لا نفع فيهم ولا فائدة ترجى منهم، وليس للشعوب أي مصلحةٍ منهم؛ لأنهم ليس لديهم أساسًا أي تفكير و لا اهتمام في كيف يبنوا واقع الأمة ويحققوا لها العدل والرخاء والأمن والاستقرار، وكيف يسخّروا الإمكانيات والثروة العامة التي هي ملك الأمة في خدمتها ومصالحها، هم بعيدون عن ذلك، كل تفكيرهم كل انشغالهم كل اهتمامهم هو كيف يقووا نفوذهم، وينموا ثرواتهم، ويحكموا سيطرتهم وسلطتهم ليتمكنوا أكثر من ممارسة الظلم، وليكونوا أشد اقتدارًا لممارسة الطغيان والاستبداد، وتفكيرهم منصبّ في كيف يشعلون الحروب والفتن والمآسي، كيف يقتلون ذاك، وكيف يسجنون ذاك , كيف ينهبون تلك الثروة، كيف يستحوذون على تلك المصادر لأرزاق الناس ومصالحهم, هذا هو واقع الطغاة والظالمين, لا يمكن أن تراهن الأمة عليهم ولا أن تعتمد عليهم لا لصلاح دين ولا لصلاح دنيا.
والعدل ـ أيها الأخوة الأعزاء ـ هو ضرورة للحياة لا تستقيم الحياة إلا به، لا يستقيم واقع الناس حتى في دنياهم إلا على أساسه، بدونه لا قيمة للحياة، تكون كلها ظلم وهوان واضطهاد، لذلك لا حرج من التضحية من أجل إقامة العدل (ليرغب المؤمن في لقاء الله محقًا).
ولذلك أيها الإخوة الأعزاء التغيير والعمل على إصلاح الواقع هو مسؤولية وهو ضرورة، هو ضرورة لصلاح حياة الناس، لاستقرار حياتهم، لأمنهم، لسلامهم، لعزتهم، للرخاء، للارتقاء في واقع الحياة وفي مستوى المسؤولية، هو ضرورة وهو مسؤولية علينا كمسلمين، نحن أولى الأمم بإقامة العدل في واقعنا، لا يجوز ولا يليق ولا ينبغي أن نكون كمسلمين في واقعنا أكثر الأمم معاناة من الظلم والاضطهاد، وأسوأ ساحة تقبل بالظالمين ويهيمن عليها الظالمون والمجرمون.
الإمام الحسين (عليه السلام) وهو يخاطب الأمة ضمن خطاباته التي كان يلقيها حتى في طريقه إلى الكوفة يذكّر بهذا أن السعي للتغيير هو مسؤولية، مسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى خطب (عليه السلام) (بالبيضة) يخاطب أصحابه ويخاطب أصحاب الحر : فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : (أيها الناس إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : من رأى سلطانًا جائرًا مستحلاً لحرم الله ناكثًا لعهد الله مخالفًا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعلٍ ولا قولٍ كان حقًا على الله أن يدخله مدخله) من هذا النص المهم الذي رواه الإمام الحسين (عليه السلام) عن جده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ندرك أهمية هذه المسؤولية، وما يترتب على التقصير فيها والإخلال بها والتخاذل عنها من عقوبة كبيرة, ذلك لسوء أثرها في واقع الحياة؛ لأنه لم يستحكم للظالمين سلطة ولم يتمكنوا من السيطرة على الموقع الأهم في التأثير في واقع الحياة وهو ولاية الأمر إلا بخنوع الأمة إلا بصمتها, ولذلك فسكوت الساكتين وتخاذل المتخاذلين وخنوع الخانعين من جماهير الأمة هو الذي مكّن الظالمين من السيطرة على الحكم، وتقلّد ولاية الأمر، والهيمنة من خلال ذلك على واقع الأمة، فكان الإثم كبيرًا والعاقبة سيئة، هي هذه (فلم يغيّر عليه بفعلٍ ولا قولٍ كان حقًا على الله أن يدخله مدخله) وأين مدخل الظالمين، أين مصير المفسدين والمتجبرين إلا جهنم وبئس المصير .
هو عندما يتحدث (عليه السلام) في ذلك الخطاب ويقيم الواقع الذي تعيشه الأمة في عصره فيتحدث عن الحكومة الجائرة في ذلك الزمن سلطة يزيد وقد أظهروا الفساد واستأثروا بالفيء، من واجب الأمة المسلمة التي تعتبر نفسها أمة محمد، أمة القرآن، أمة الخير، أمة القيم، أن تكون ساحتها ساحة صلاحٍ وخير وعدلٍ واستقامة، لا أن تكون ساحة قابلة بالظلم، قابلة بالفساد، أرضية خصبة للطغيان، فهو عندما يقول : (أظهروا الفساد) يعني: أن الواقع السيئ والمتردي للأمة وصل إلى درجة أن يتمكن أولئك الظالمون المجرمون من إظهار الفساد فيصبح الفساد حالةً مقبولة، حالةً مسكوت عنها، حالةً لا تواجه لا باحتجاج ولا بموقف، بل يكون الحال الغالب هو التغاضي عنها والتجاهل لها، في ظل واقع كهذا يصبح الحال مشجعًا للطغاة والمجرمين والأشرار على ممارسة المزيد والمزيد والمزيد من فسادهم وظلمهم وطغيانهم وإجرامهم بحق الأمة .
(واستأثروا بالفيء) الاستئثار بالمال العام الذي هو حق للأمة كلها وملك للأمة جميعها من أكبر الظلم للأمة، وله نتائج سلبية جدًا، هكذا جرت طريقة الظالمين وسنّة الطغاة والمفسدين أن يستأثروا بالمال العام، يسيطروا عليه ثم يستغلونه للهيمنة على الأمة فيكون ما يقدمونه للناس من قليل ما استحوذوا عليه، القليل مما استحوذوا عليه، اليسير مما حازوه وتغلبوا عليه واستأثروا به مقابل عزة الأمة، مقابل كرامة الأمة، مقابل أخلاق الأمة وكرامتها ودينها, يشترون الناس شراءً يدفعون المال مقابل الموقف، مقابل تركيع الأمة لهم، وكأن المال العام ملكًا لهم فيوظفونه ويسخرونه ويستغلونه مع منافعهم الخاصة للتحكم على الأمة والسيطرة عليها، وتربية الأمة على بيع الضمير، وبيع المواقف، وبيع الولاءات، وهكذا يمتهنون الأمة امتهانًا , بينما في أصل الحق وفي الواقع ذلك المال هو حقٌ للأمة يجب أن تعطى الأمة ذلك الحق من دون مقابل، من دون أن تستذل، من دون أن تشترى ولاءاتها، من دون أن تمتهن، من دون أن يكون مقابل التغاضي عما يمارسه الظالمون بحقها من الظلم والاضطهاد، (أظهروا الفساد واستأثروا بالفيء) وهذا من أهم وأسوأ ما يعمله الطغاة والظالمون في الأمة ويهدمون به واقعها، يتحدث في ذلك الخطاب فيقول :(وأنا أحق من غيّر) الحسين (عليه السلام) بمقامه العظيم وريثًا لجده حاملاً لراية الحق والعدل هو الأولى بأن يكون هو الذي يتقدم في واقع الأمة يعلن الموقف ويحدد المسؤولية ويحدد معالم الطريق (أحق من غيّر) وهو الأحق بأن نقتدي به، ونتأسى به، ونسير بسيرته، ونقتبس من روحيته.
وحينما تحرك الإمام الحسين (عليه السلام) بمشروعه العظيم الهادف إلى تغيير ذلك الواقع السيء المتردي الكارثي على الأمة تحرك وهو يحمل من القيم والمؤهلات العظيمة ما يحتاج إليه لحمل ذلك المشروع العظيم والمقدس وفي مقدمتها الثبات والعزم رغم الظروف الحرجة ثباتًا وعزةً وقوةً، رغم الظروف الحرجة بالرغم من مستوى التخاذل ومن قلة العدد وقلة العدة، بالرغم من وحشية وجبروت الطغاة والظالمين وقف (عليه السلام) الوقفة العظيمة ثابتًا صابرًا عزيزاً بعزة الإيمان بمشروعه العظيم وهو يقول: (لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد).
في مواجهة طغيان الطغاة جبروتهم استكبارهم وحشيتهم نحتاج إلى هذا الدرس من الإمام الحسين (عليه السلام) درس الثبات في أي ظرفٍ مهما كان حرجًا، مهما كان هناك من تخاذل في الواقع وإن كان جمهور الساكتين والمتخاذلين والمتنصلين عن المسؤولية والذين يكتفون بالتفرج على الواقع دون استشعار للمسؤولية وكأنهم لا مسؤولية عليهم ولا دور لهم في الحياة، لا يؤثّر ذلك على هذا الموقف الحسيني، الموقف الإيماني، الموقف القرآني، الموقف المحمدي، موقف العزة والإباء والثبات على الحق وبالحق (لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل)؛ لأنه في خط الحرية في درب الإيمان لا مكان للذل ولا مكان للاستسلام ولا مكان للاستكانة ولا مكان للخنوع .
ولذلك في مقامٍ آخر يؤكد (عليه السلام) نفس الموقف وهو يقول: (ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة وبين الذلة)؛ لأنه هكذا نهج الطغاة نهج الظالمين نهج المستكبرين، إما أن يقبل الناس بالإذلال والامتهان ويخضعوا ويركعوا ويستكينوا ويستسلموا وإلا واجهوهم بالطغيان والجبروت وقمعوا واستهدفوا، في مثل هذا الحال أمام واقع كهذا ما هو الموقف؟ هل الموقف الصحيح أن يقبل الناس بالاستسلام؟ أن يرهبوا الطغاة فيستسلموا لهم؟ الإمام (عليه السلام) يقول: (وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون) (هيهات منا الذلة): شعار الحرية والإباء والعزة الذي يمثل المنهج المحمدي الأصيل منهج الله المقدس، لا يمكن أبداً لمن يحملون الإيمان لمن يسلكون درب الحرية أن يقبلوا بالإذلال أبدًا.
عندما يكون هناك مساومة بين العزة وبين الذلة، بين الامتهان وبين الكرامة، فإن الخيار الوحيد والوحيد والوحيد للإنسان المؤمن الحر العزيز الأبي هو ألا يقبل بالذلة أبدًا أبدًا؛ لأن الله لا يقبل لعباده بذلك. الله خلق عباده أحرارًا، أرد للإنسان في الحياة أن يكون حرًا، وكرَّم بني أدم، فعندما يحاول الطغاة والظالمون أن يفرضوا على الأمة حالة الذل والاستسلام والامتهان والهوان والعجز فواجب الأمة مسؤوليتها ألا تقبل بذلك، ألا تقبل بذلك أبدًا مهما كانت وحشية الأعداء، مهما بلغ إجرامهم وطغيانهم وجبروتهم.
من مدرسة الحسين نتعلم الثبات الذي لا يساويه ثبات، والعطاء بدون حدود، والصبر والإباء، نتعلم الصدق مع الله، نتعلم تجسيد قيم الإيمان في مقابل سلاح الطواغيت الذين يعتمدون في فرض هيمنتهم على الوحشية والإجرام، يعتمدون على الترغيب ويعتمدون على الترهيب.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
بمناسبة ذكرى عاشوراء للعام الهجري 1434هـ.