محمد صالح حاتم
لطالما سعى كَيان الاحتلال الصهيوني إلى إيجاد موطئ قدم له في البحر الأحمر وباب المندب؛ نظرًا لما يتمتع به هذا الممر البحري من أهميّة جيوسياسية بالغة.
وقد ظل هذا الهدف حاضرًا في استراتيجيتها طيلة العقود الماضية؛ باعتبَاره أحد مفاتيح النفوذ في حركة التجارة العالمية وأمن الطاقة وخطوط الملاحة الدولية.
البحر الأحمر وباب المندب لم يعد مُجَـرّد ممر ملاحي في الحسابات الإسرائيلية، بل تحوّل إلى محور صراع مباشر، خُصُوصًا بعد أن برز اليمن كقوة مؤثرة في معادلة المنطقة، عقب موقفه العملي الداعم لغزة.
فقد أظهرت الحرب أن التهديد الحقيقي لكَيان الاحتلال لم يعد محصورًا داخل فلسطين المحتلّة، بل امتد إلى اليمن الذي بات يشكّل الخطر الخارجي الأبرز على أمنها ومصالحها.
استراتيجية التطويق: أرض الصومال نموذجًا
في هذا السياق، جاء الاعتراف الإسرائيلي بما يسمى "أرض الصومال" كخطوة استراتيجية تهدف إلى تطويق باب المندب، ومنع تحوله إلى ورقة ضغط بيد اليمن.
فموقع أرض الصومال المطل على خليج عدن، والقريب من المضيق، يمنح كَيان الاحتلال فرصة لإيجاد موطئ قدم أمني وعسكري متقدم، يتيح له مراقبة الملاحة البحرية والتحكم بها، وتأمين خطوط تجارته، وعلى رأسها طريق ميناء أُم الرشراش الموسوم احتلاليًّا بـ"إيلات".
وقد شكّل الموقف اليمني من حرب غزة نقطة تحوّل مفصلية، حين استخدم اليمن موقعه الجغرافي كورقة سيادية، ومنع السفن المرتبطة بكَيان الاحتلال من المرور عبر البحر الأحمر.
هذا التحَرّك العملي أربك الحسابات الإسرائيلية، وهو ما دفع رئيس وزراء الاحتلال "بنيامين نتنياهو" مؤخّرًا إلى التصريح بأن الحسابات مع من سمَّاهم "الحوثيين" لم تنتهِ بعد، في إقرار واضح بأن اليمن بات التهديد الوحيد القادر على إيلام كَيان الاحتلال خارج ساحة المواجهة التقليدية.
جنوب اليمن: الأدوار الوظيفية والمشاريع الانفصالية
وعلى الضفة الأُخرى من باب المندب، تتكامل هذه التحَرّكات مع ما يجري في جنوب اليمن، حَيثُ يقود المجلس الانتقالي الجنوبي مشروع الانفصال، وُصُـولًا إلى الترويج لإعلان ما يسمى «دولة الجنوب العربي».
هذه التحَرّكات لا يمكن فصلها عن الدور الإماراتي، الذي شكّل خلال السنوات الماضية رأس الحربة في تنفيذ هذا المشروع، سياسيًّا وعسكريًّا، عبر دعم المجلس الانتقالي، وتمكينه من السيطرة على محافظات وموانئ وجزر استراتيجية.
لقد لعبت الإمارات دور الوسيط التنفيذي للمخطّط الإسرائيلي في اليمن، مستفيدة من غطاء التحالف، ومن شبكة علاقاتها المتقدمة مع تل أبيب بعد التطبيع.
فإضعاف اليمن، أَو تقسيمه إلى كيانات هشة، يخدم بشكل مباشر الهدف الإسرائيلي المتمثل في تحييد باب المندب، ومنع استخدامه كورقة ضغط ضد كَيان الاحتلال، كما حدث في معركة غزة.
ويزداد هذا المشهد وضوحًا في ظل التأييد الإسرائيلي لمشروع الانفصال في جنوب اليمن، إضافة إلى عدم ممانعة، بل ورغبة رئيس المجلس الانتقالي "عيدروس الزبيدي" في التطبيع مع كَيان الاحتلال والاعتراف به في حال تحقّق الانفصال، وهو ما يكشف الطبيعة الوظيفية للمشروع، وارتباطه بحسابات إقليمية ودولية تتجاوز الداخل اليمني.
الموقف السيادي اليمني
وفي مقابل هذه التحَرّكات، كان اليمن هو الطرف الوحيد الذي أعلن موقفًا صريحًا من الاعتراف الإسرائيلي بما يسمى "دولة أرض الصومال".
فقد جاء بيان السيد القائد واضحًا وحاسمًا، مؤكّـدًا أن أي وجود إسرائيلي على سواحل أرض الصومال سيُعد أهدافًا مشروعة للقوات المسلحة اليمنية، في رسالة مباشرة بأن تطويق اليمن بحريًّا لن يمر دون رد.
خاتمة: في ظل صمتٍ عربي وإسلامي لا يتجاوز حدود الشجب والاستنكار والإدانة، تتضح الصورة في محصلتها النهائية؛ إذ تتقاطع الأطماع الإسرائيلية في البحر الأحمر، مع الدور الإماراتي في تنفيذها، ومشاريع الانفصال في جنوب اليمن، ضمن هدف واحد يتمثل في تحييد التهديد اليمني، وتأمين باب المندب لصالح كَيان الاحتلال.
غير أن تجربة غزة أكّـدت أن الجغرافيا، حين تُدار بإرادَة سيادية، قادرة على قلب المعادلات، وأن باب المندب والبحر الأحمر ليسا ساحتين مفتوحتين للمشاريع الصهيونية، بل جبهة سيادية ستظل عصيّة على التطويع، مهما تعددت الأدوات وتغيّرت الواجهات.



.png)



