فمن أهم ما ينبغي أن نركِّز عليه على المستوى الشخصي كإنسان: أنت، وأنا... كلٌ منا، على المستوى الجماعي كأمة، أن نجدد العزم والنية، وأن نعقد العزم والتوجه الصادق إلى العمل بطاعة الله -سبحانه وتعالى-، مع الاستعانة به للتوفيق لذلك، إلى أن ننهض بمسؤولياتنا في هذه الحياة التي حمَّلنا الله إياها على ضوء توجيهاته وتعليماته، إلى أن نسعى للجد في ذلك، وأن نلتمس من الله ونطلب منه المعونة على ذلك، والتوفيق لذلك؛ حتى يعلم الله منا نيتنا الصادقة، وتوجهنا الجاد لطاعته والعمل بما يرضيه، هذا من أهم الأمور التي يجب أن يركِّز عليها الإنسان في مثل هذه الليالي المباركة وهو يلتمس ليلة القدر، فإذا علم الله منك في نيتك، وفي مقصدك، وفي توجهك، وفي عزمك، هذا التوجه الجاد في هذا الطريق الذي هو رضا لله -سبحانه وتعالى-، فهذا مما يرجى به من الله -سبحانه وتعالى- الخير والبركة، وأن يكتب للإنسان في واقعه الشخصي وللأمة التي تتجه هذا التوجه، أن يكتب لها الخير الكبير في حياتها، في شتى شؤون حياتها، وعنده كل الخير، وهو يريد لنا الخير، هو -جل شأنه- أرحم الراحمين، إنما مشكلتنا دائماً هي ذنوبنا، هي معاصينا، هي مخالفاتنا لتوجيهات الله وتعليماته، مشكلتنا في تقصيرنا الكبير في مسؤولياتنا وواجباتنا في هذه الحياة، هذا ما يسبب لنا الكثير من الشقاء، والعناء، والمتاعب في هذه الحياة، وما يترتب عليه الكثير من النتائج السيئة في هذه الحياة.
من أهم الأمور أيضاً التي ينبغي أن يحرص الإنسان عليها، وأن يحرص عليها المؤمنون في توجههم العملي: أن يكونوا أيضاً على المستوى العملي في ظل اهتمام فعلي، وتحركٍ جاد، فعندما الله -سبحانه وتعالى- عندما يطَّلع على واقع عباده، ويعلم منهم ومن واقعهم ما هم فيه من العمل، والجهد، والسعي، والتضحية، والبذل، وإخلاص النية، فهذا أيضاً له أهميته الكبيرة في القربة إلى الله -سبحانه وتعالى-، ويرجى من وراء ذلك ما يكتبه الله لعباده المؤمنين، وقد رأى منهم في نيتهم الصدق، وفي واقعهم العملي الجد، والالتزام، والعطاء، والتحرك الجاد والفعلي.
من أهم الأمور التي ينبغي التركيز عليها أيضاً: القربة إلى الله بالعمل الصالح، فالأجر في ليلة القدر مضاعفٌ جدًّا جدًّا جدًّا، أضعاف كبيرة جدًّا، الله -جل شأنه- قال في القرآن الكريم عن هذه الليلة المباركة:
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[القدر: الآية1]، {إِنَّا}: الله -جل شأنه- عظيم الشأن، أنزل كتابه المبارك، كتاب الهداية للعباد، كتاب الفوز والفلاح والنجاة في هذه الليلة المباركة: {فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}، {فِي} هذه يعني في الإشارة إلى النص القرآني، وإلَّا لا يدري الإنسان متى هي، في أيٍ من الليالي العشر على وجه الدقة والتأكيد، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}[القدر: الآية2]، هذا للتعظيم، لتعظيم هذه الليلة، هذا التعبير القرآني: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}، يعبِّر عن الأهمية الكبيرة جدًّا لهذه الليلة، عن عظيم فضلها وبركتها، أنها ليلة عظيمة ومباركة.
ثم يزيد أكثر من ذلك فيقول: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[القدر: الآية3]، فهذه الليلة المباركة، العظيمة الفضل، المشار إليها في الآية المباركة، وهي ليلة القدر، {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، منزلتها فضلها يفوق ألف شهر، وليس يساوي، إنما يفوق، {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، بمعنى: أنَّ ذلك يفوق الثمانين عاماً، فما يعمله الإنسان من العمل الصالح إذا قُبِلَ منه في ليلة القدر، سيتضاعف بأضعاف كثيرة جدًّا تفوق عمراً كاملاً؛ لأن ثمانين عاماً هو عمرٌ كامل، فالأعمال الصالحة من جهاد، من إنفاق... من أنواع البر، من الصدقات، من الإحسان، من الصلاة... من كل أعمال البر المتنوعة، تضاعف في هذه الليلة أضعافاً كبيرةً جدًّا، وكأنَّ الإنسان قدَّم ذلك على مستوى أكثر من ثمانين عاماً، فضل عظيم يفوق الخيال، يفوق التصور، وفرصة عظيمة جدًّا، ومن الخسارة الرهيبة أن تفوت الإنسان هذه الفرصة، وأن يفوتها، أن يضيع مثل هذه الليالي العشر، التي فيها هذه الليلة المباركة بالاحتمال الأكبر، خسارة كبيرة جدًّا.
ثم يقول: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر: الآية4]، هي ليلةٌ تنزل فيها وتتنزل الملائكة فيها من السماء إلى الأرض، وفق التدبير الإلهي؛ لأمور لها صلة بالتدبير الإلهي، والترتيبات والإجراءات التي يتم الترتيب لها في الأرض حسب تدبير الله -سبحانه وتعالى-، {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: الآية5]، وهي ليلة سلامٍ من العقوبات الإلهية، يمنُّ الله فيها برحمته فلا ينزل فيها عذابٌ، ليلة مباركة، وليلةٌ عظيمة، وليلةٌ مهمة.
يقول الله -جل شأنه- في سورة الدخان: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}[الدخان: من الآية3]، عن القرآن الكريم طبعاً، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ}، يعني: القرآن، {فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}، يصفها بالبركة، وبركتها بركة عظيمة، {إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا}[الدخان: 3-4]، يعني: في تلك الليلة ليلة القدر، {يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}[الدخان: من الآية4]، يفصل ويميز وتحدد في تدبير الله -سبحانه وتعالى- للعباد كل أمورهم المتعلقة بشؤون حياتهم، ووفقاً لحكمة الله -سبحانه وتعالى-، {أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[الدخان: 5-6].
فليلة القدر لها أهميتها من حيث أنها ليلة لتقدير الأمور وتدبير شؤون العباد على مدى عامٍ قادمٍ، ولها أهميتها في عظيم فضلها بالنسبة للعمل، والتقرب إلى الله -سبحانه وتعالى-، وتجديد العزم والنية على الالتزام بكتاب الله، والتمسك بهدي الله، الطاعة لله -سبحانه وتعالى-، والاهتداء بكتابه، والتمسك بكتابه الذي نزل في ليلة القدر، والذي سيتحدد مصير البشر ومصير الإنسان على ضوء علاقته بهذا الكتاب في مستوى: الاهتداء به، والتمسك به، والالتزام به؛ لأنه صلتنا بالله -سبحانه وتعالى-، وهو نزل في ليلة القدر، وله علاقة بالتدبير الإلهي، والتدبير الإلهي سيكون له علاقة بمدى تمسُّكنا بهذا الكتاب، واهتدائنا بهذا الكتاب الذي هو حبل الله، وصلة بيننا وبين الله -سبحانه وتعالى-.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
أهمية العشر الأواخر، والتماس ليلة القدر فيها.
المحاضرة الرمضانية العشرون: 1441هـ 13-05-2020م.