الأوروبيون والأمريكيون واليابانيون وهؤلاء الذين هم من يبدعون ويخترعون ويصنعون من أين جاءت هذه الأشياء؟ أليست من خلال التفكر في ظواهر هذا الكون ودراستها؟ دراسة وتجارب وتفكر داخلها حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه، لكنا نحن ضُرِبنا من قبل الآخرين الذين حولوا كل عبارات التفكر هنا إلى المجال العقائدي فقط، الذي هو فقط يتلخص في الأخير إلى إصدار أحكام حتى ولا يترك أثره في الوجدان، والذين حولوا هذه العبارات (يتفكرون) إلى أن معناها ينظرون فأخذوا منها ..ماذا أخذوا؟ إضفاء الشرعية على النظر وأنه هو الواجب في ميدان التشريع وتركوا ميدان الحياة.
فما الذي حصل؟ لا نفوس صلحت, ولا أمة بقيت متوحدة، كل ينظر في أصول الدين وفي فروعه فتطلع العقائد المتعددة, وتطلع الأفكار الشاذة, وتطلع العبارات القليلة الحياء مع الله سبحانه و تعالى، وفي ميدان التشريع, في مجال الأحكام الشرعية تطلع الأحكام المتعددة, والمذاهب المتعددة والأقوال المتعددة، فنرى أنفسنا أمة متفرقة ممزقة, ونرى ما بين أيدينا من ركام الأقوال لا يقدم ولا يؤخر، نرى أنفسنا في مثل هذا العصر منحطين في أسفل درك في عالم الصناعة، في عالم الاختراع، في عالم الإبداع، فنصبح نحن المسلمون جاهلين حتى باستخدام الآليات التي ينتجها الآخرون فنرى أنفسنا في الأخير كيف خضعنا لهم بل كيف انبهرنا بهم، بل كيف تنكرنا لديننا وحمَّلناه مسئولية تخلفنا.
والواقع نحن الذين ظلمنا ديننا من البداية، نحن لم ننطلق على هداه فظلمناه في البداية، وظلمنا أنفسنا حتى عندما وحينما رأينا الآثار السيئة للمسيرة المغلوطة التي سرنا عليها نأتي من جديد لنحمِّل ديننا المسئولية، نأتي من جديد لنقبل ما يقول الآخرون في ديننا: [دين تخلف] [أفيون الشعوب] لازم أن تلحقوا بركاب الحضارة الغربية، ونلحق بركاب الآخرين، فنتثقف بثقافتهم، القرآن لم يعطنا شيئاً، الدين لم يعطنا شيئاً، فلننطلق وراء الآخرين.
فأصبحنا فعلاً، هيَّأْنا أنفسنا، وهيَّأْنا أولئك الذين صرفوا الآيات هذه إلى المجال الذي ليس من مسئوليتهم، إلى المجال الذي قد تكفل الله به {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} (الليل:12) قد تكفل به {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} (الأنعام: من الآية57) تكفل هو بأن يعرفنا بنفسه أن يعرفنا بكماله من خلال كتبه وأنبيائه، تكفل هو بأن يشرِّع لنا من خلال كتبه وأنبيائه وورثة كتبه، إذاً هذا الميدان مضمون، انطلق أنت في ميادين الحياة على وفق ما يرشدك إليه هذا الدين.
عندما تنكرنا لديننا أصبحنا فعلاً بيئة صالحة لتقبل الدعايات ضد الدين، بل أصبح الواحد منا يرى نفسه متحضراً بمقدار ما يتحلل من قيم دينه، بمقدار ما يتنكر لدينه وإلهه، فالقرآن لا شيء؛ ولهذا أصبح في المجتمع الإسلامي علمانيون كثير، علمانيون يتنكرون للدين، ويسخرون حتى من المرأة عندما تلبس الحجاب الإسلامي ويرون فيه مظهراً للتخلف. نقول لهم: لا تحمِّلوا الدين المسئولية، حملوا أولئك الذين نقلوا لكم الدين بشكل مغلوط، ارجعوا إلى القرآن أنتم.
والآخرون الذين أنتم منبهرون بهم هم من شهدوا لهذا القرآن، هم من تجلى على أيديهم من خلال ما أبدعوا إعجاز هذا القرآن. ارجعوا أنتم إلى أولئك الذين قدموا لكم الدين بشكل مغلوط، وشغَّلوا تفكيرهم في المجال الذي قد ضمن لهم، وصرفوه عن المجال الذي أريد أن يتحركوا فيه، أريد لهم من خلال دينهم هو أن يتحركوا فيه، ارجعوا إليهم فتنكروا لما قدموه لكم، وعودوا إلى القرآن من جديد لتعرفوا كيف أن القرآن كان باستطاعتنا لو مشينا على هديه، وعلى إرشاده أن نكون نحن الأمة السباقة حتى في مجال التصنيع، والاختراع، والإبداع في مختلف الفنون.
{لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} يعني ينظرون، ينظر في ماذا؟ ينظر في مجال معرفة الله، هذا مُحْدَث ولكل مُحْدَث مُحدِث، إذاً فله مُحدِث؟ كلمة مفروغ منها، تعرفها حتى الحيوانات، والنتيجة ما هي؟ النتيجة فقط إصدار حكم، فأصدرنا حكماً بأن الفاعل لهذا الفعل المحكم يسمى حكيماً، فقلنا: حكيم، أليس هذا إصدار حكم؟ حتى لم نحصل على أثر وجداني للمعرفة، وتحصل معرفة بسيطة جداً، ونحو هذه المعرفة المحدودة في واقعها، وعديمة الأثر فيما تتركه في النفوس، يسخّر كل آيات التفكر والنظر نحوها، بينما كان ستحصل المعرفة الواسعة من خلال القرآن وهو يرشدنا في مجال معرفة الله سبحانه وتعالى حينما نري أن كل شيء في هذا العالم يتحرك بالشهادة على كمال الله، وهو يرشدنا إلى كيف نتفكر فيما سخر لنا.
من خلال تفكرنا ودراستنا للأشياء وإبداعنا فيها واختراعنا وتصنيعنا، أليس سيظهر الكثير من الأشياء التي تشهد بعظمة حكمة الله، وسعة علمه ولطفه ورحمته وتدبيره لشئون خلقه وعلمه بالغيب والشهادة وعلمه بالسر في السموات والأرض؟ سيترافق الشيئان.
وهذا هو ما يمكن أن نقول فعلاً: أن القرآن الكريم عمل على أن يدفع بالمسلمين نحو أن يسبقوا الأمم الأخرى في مجال الإبداع والاختراع والتصنيع من منطلق عقائدي، ودافع عقائدي قبل دافع الحاجة التي انطلق على أساسها الغربيون، الحاجة والفضول هذا شيء، لكن القرآن أراد أن ننطلق فيما نفهم، أن ننطلق باعتبار هذا عبادة، بدافع عبادي (تفكروا) (يتفكرون) والتفكر ما هو؟ دراسة الأشياء، فهمها، متى ما فهمنا هذه العناصر في هذه الأرض فبطابع الفضول الموجود لدى الإنسان سنحاول أن نجرب كيف سيكون إذا أضفنا هذا إلى هذا، بعد أن عرفنا طبيعة هذا العنصر وطبيعة هذا العنصر، كيف إذا أضفنا هذا إلى هذا بنسب معينة زائد نسبة من هذا ماذا سيحصل؟ قد يحصل كذا فتأتي التجارب.
بل سعة حياة الإنسان وسعة حاجاته أيضاً ستعمل الحاجة ستضيف أيضاً أثرها في الموضوع فيتجلى الكثير من الأشياء التي تفيد في المجالين: تفيد في معرفتنا بالله سبحانه وتعالى معرفة متجددة واسعة، فنحن في كل فترة في كل لحظة يتجلى على أيدينا شواهد كثيرة جداً جداً تعمق في أنفسنا المعرفة الواسعة بحكمة الله وعلمه وأولوهيته وتدبيره ووحدانيته وكماله فنزداد خشية ونزداد معرفة فيما ننتج في واقع الحياة.
فما الذي سيحصل؟ ستعمر الحياة حينئذٍ على أرقى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان، وفي المجال الذي يخدم الإنسان حقيقة, تعمر بالصلاح النفوس وهي تزداد خشية من الله، وهي تعمق فيها معرفته من خلال ما تكتشفه حيناً بعد حين وهي تنطلق بعد قوله: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} برجال يتفكرون، عبارة (قوم) هنا تعطي معنى لمن هم جديرون، لمن هم رجال يتفكرون, وليس للناس الذين ينصرفون ببساطة عن هذه الأشياء فيرون هذه الآيات لا قيمة لها، فتعمر النفوس بالصلاح والتقوى ثم تعمر الحياة؛ لأن نفس الإنسان هي الأساس في أن يتجه عمله في واقع الحياة بالشكل الذي يكون صلاحاً، بالشكل الذي يكون عمارة للحياة، بما يصلح الحياة هذه على أسس صلاح.
حتى في مجال البيئة ربما كان باستطاعة المسلمين أن يتوصلوا إلى أكثر مما توصل إليه الغربيون فينتجوا الأشياء الكثيرة التي هي نفسها لا تؤثر على البيئة، أو لو كان فيها ما يؤثر على البيئة لدفعهم تقواهم وصلاحهم وخشيتهم من الله إلى أن يحترموا هذا الإنسان فيحاولوا أن يعدلوا إلى المواد الأخرى التي هي أكبر حفاظاً على سلامة البيئة وإن كانت التي تلوث البيئة أقل تكلفة؛ لأنه هنا سيقال إنني في مقام مسئولية لا أريد أن أضر بعباد الله.
ولكن ما الذي حصل على أيدي الغربيين؟ أليسوا هم من لوثوا البيئة؟ أليسوا هم من يحدثنا بأن البيئة قد تلوثت بشكل رهيب؟ على أيدي من؟ على أيديهم هم؛ لأنهم انطلقوا عندما هم اخترعوا فسبقونا سبقونا فأصبحوا هم القوم الذين يتفكرون، لكن نفوسهم لم تكن صالحة، فما الذي حصل؟ لوثوا البيئة، ولم يرعوا حرمة الإنسان، ولم يحافظوا على سلامة الإنسان، المهم هو أن ينتج بأقل تكلفة فتأتي النفايات النووية وتأتي نفايات أخرى كثيرة جداً فيتحدثون عنها وهي تهدد العالم، لكن ماذا كان سيحصل لو أن من بأيديهم هذه الأشياء هذه الآليات ومن هم سادة الإنتاج لو كانوا مؤمنين لكانوا يراعون سلامة الإنسان والحفاظ على البيئة فيعدلون إلى الأشياء التي فيها سلامة البيئة وإن كانت أكثر تكلفة.
تجد الله سبحانه وتعالى كيف أنه فيما خلقه وفيما صنعه كيف كانت سنن هذه الحياة كلها قائمة على الحفاظ على البيئة، ترى مثلاً مخلفات الحيوانات أليست هي مما يساعد على تخصيب التربة؟ تتلاشى تلقائياً ثم تتحول من جديد إلى فوائد للتربة، لكن حاول أن تغير زيت سيارة عند مزرعة ما الذي سيحصل؟ تسكب هناك الزيوت أليست نفايات السيارات ستترك أثرها فتحرق المزرعة وتتلفها؟ لأن المؤمنين حينها سينطلقون ليتخلقوا بأخلاق الله سبحانه وتعالى فيكونون حريصين على أن يحافظوا على البيئة فهم من كان سيعمر الحياة ويعمر النفوس ويتجلى على أيديهم المعرفة الواسعة لله تعالى، فما الذي حصل؟
عندما أصبح الإنتاج بأيدي الآخرين وكان الآخرون هم المبدعون وهم المخترعون وهم من طوروا علوم الصناعات وطوروا الصناعات وغيرها، ما الذي حصل؟ جاء اليهود ليستخدموا الثورة الصناعية فاستغلوها في الجانب الثقافي أن يقدموا للمسلمين بأن عليكم أن تتخلوا عن دينكم حتى تكونوا كمثلنا فتلحقوا بركابنا، استغلوها أيضاً في الجانب الاقتصادي فملأوا الدنيا ربا، استغلوا الاقتصاد السياسي في الهيمنة على الشعوب واستنزاف ثرواتها.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
(معرفة الله – نعم الله - الدرس الثاني)
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ 6 من ذي القعدة 1422 هـ الموافق:19/ 1/2002م
اليمن – صعدة.