اليوم الثاني..
أما إذا كان قد أصبح الواقع هكذا، في هذا العصر، في مختلف أقطار الدنيا، انتشرت قضية الموت المفاجئ، وقالوا أن هذه هي من أعلام الساعة، موت الفجأة من أشراط الساعة، ومن علامات القيامة، فالإنسان يحاول أن يقدم لحياته، للآخرة، يحسب حساب الآخرة، وإن عانى في هذه الدنيا، وإن تعب في هذه الدنيا، وإن واجه مشاكل في الدنيا، وإن رأى أعداء الله متحزبين عليه، وإن رآهم يكرهونه، وإن رآهم يتآمرون عليه.
لا تحسب لهذه حساب؛ لأن كل هذه هي ستنتهي، وهي محدودة، وإذا أنت على حق، وأنت متجه على صراط الله المستقيم، فستكون كل هذه الأشياء لصالحك، تتحول بالنسبة لك إلى عبادة، كل تآمر يحصل عليك، كل محاولة لمشاكل تفتح عليك لا تكترث بشيء إطلاقاً في سبيل أن تأتي يوم القيامة آمناً، في سبيل أن تأتي يوم القيامة وأنت رأسك مرفوع، مطمئن، تضحك من الآخرين، الذين كانوا في الدنيا يضحكون منك، ويسخرون منك.
هذه هي القضية المهمة، الإنسان مع غفلته - خاصة عندما يكون في مقتبل شبابه - قد يكون عنده تفكيرات كثيرة، طموحات في مقامات، في وظائف، في مناصب، في أن يكون وجيهاً، في أن يكون كذا، كثير من الشباب يكون عندهم هذه التوجهات.
اسعَ في هذه الدنيا أن توفر لنفسك الرزق الحلال، اسعَ بكل ما تستطيع، وبكل ما تتمكن في حدود أنك مـا تدخـل في باطل، ما تدخل في محرم، ولكن ليكون هم الإنسان هو أن يحشر يوم القيامة آمناً، أن يحشر يوم القيامة وهو ممن يحمد الله، وهو ممن يرضى عن نفسه؛ لأنه يوم القيامة كما قال الله عن المؤمنين في سورة [الغاشيـة]: {وُجُـوهٌ يَوْمَئِـذٍ نَّاعِمَـةٌ لِسَعْيِهَـا رَاضِيَةٌ} (الغاشية 9).
فتكون يوم القيامة أنت ترضى عن نفسك، ترتاح من نفسك أنك عملت أعمالاً كثيرة، وكانت أعمالك صالحة، فترى جزاءها الحسن، فترضى عن نفسك، ويرضى الله عنك، وترضى عن الله، ترضى عن الله، وترضى عن نفسك، وترى أنك كنت في نصح نفسك، عملت في نجاة نفسك.
بينما الآخرين، تجد الآخرين كل واحد متحسر، كل واحد يعاتب نفسه، كل واحد يتألم على نفسه {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} (الزمر 56) مـا هـؤلاء يلومـون أنفسهـم؟ يغضبون على أنفسهم؟ يكاد كما قال الله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} (الفرقان 27) يعظ واحد أصابعه من الغيظ على نفسه هو، من الغيظ على نفسه أنه فرط في نفسه، فرط في نجاة نفسه، أضاع الفرصة التي سنحـت لـه في الدنيا فرأى جهنم أمامه لها زفير، لها شهيق، لها تغيض من شدة احتراقها، ويرى بشائر السوء وهو في المحشر عندما يؤتى صحيفة أعماله بشماله، من وراء ظهره، يرى أن قد هي بداية، بداية تعني أن مصيره إلى جهنم.
{وَأَمَّـا مَـنْ أُوتِـيَ كِتَابَـهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ} (الحاقة 25) مـا هـذا تحسر؟ {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} (الحاقة 27) ليت أن الموت الذي حصل في الدنيا أنه كان آخر ما يكون، فلا نبعث من جديد.
بينما المؤمن يحمد الله على البعث، يحمد الله وهو في مقام الحساب، يحمد الله عندما يدخل الجنة؛ لأنها كلها يجد نعمة عظيمة عليه أنه بعث من جديد ليلقى الجزاء الحسن، يرى في المحشر الناس خائفين وهو مطمئن، الناس في هول شديد وهو على الأرائك مع المؤمنين آكلين شاربين ويتفرجون على الآخرين، ويسخرون منهم، ويضحكون منهم.
{فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} (المطففين 34) تجد أناساً أبصارهم شاخصة، لا يعد يستطيع يطرِف بعينه، وأنت شارب آكل مرتاح على [كَنَب] على كراسي تضحك من أولئك وهم في حالة شديدة.
هذه هي القضية التي يجب أن الإنسان يحرص مهما عانى، مهما تعب، مهما لقي من مشاكل من أجل الحياة الأبدية، أن يقدم على الله وهو آمن فيها، يفوز برضوان الله، يفوز بجنته، فيكون راضياً عن نفسه، ويكون ممن ترفعهم القيامة.
لاحـظ عندمـا يقـول هنـا: {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} ما هو يتحدث عن القيامة؟ أي ستحصل هذه في القيامة، فتخفض ناس وترفع ناس.
{إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً} (الواقعة 4) يتحدث عن أهوال القيامة نفسها، ترتج الأرض، زلزلة شديدة، تتقلع منها الجبال، تندك منها الجبال، تتحول إلى هباءً منبثاً كما قال هنا: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً} (الواقعة 5) الهبـاء كالذرات التي تراها عندما يدخل شعاع الشمس إلى غرفتك، وترى في شعاع الشمس تلك الذرات، تصبح الجبال مثل الضباب، تتحول إلى هباء منبثاً، وتندك الأرض كلها، وتتحول إلى صعيد واحد.
وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً} (الواقعة 7) في يوم القيامة تكونون ثلاثة أصناف، الناس يكونون إجمالاً ثلاثة أصناف، والناس كل الناس، كنتم أنتم أيها المخاطبون من البشر، لا يتحدث فقط عمن كانوا في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، كنتم أنتم أيها الناس في أي زمـان كنتـم؛ لأن المسيرة واحدة، الذين كانوا في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ونزل القـرآن فـي أيامهـم، ويسمعونـه وهـو يقـول: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً}، المسيرة واحدة، ما هم ساروا هم إلى الآخرة؟ ماتوا، من في القرن الثاني ماتوا، من في القرن الثالث ماتوا.
وهكذا مسيرة البشرية جيل بعد جيل رائحين إلى حيث سيكونون أزواجاً ثلاثة، يعني أصنافاً ثلاثة، يتحدث عن هذه الأصناف الثلاثة: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} (الواقعة 8) مثلما نقول: باهرين، وعظماء، وجيِّدين، أصحاب الميمنة، اليُمْن، أصحاب اليمين واليُمن، {مَـا أَصْحَـابُ الْمَيْمَنَـةِ}! هذا من الصنف الجيد، من الصنف الذي يكون آمناً يوم القيامة، ويكون مصيرهم الجنة.
وهي عبارة تعظيم {مَـا أَصْحَـابُ الْمَيْمَنَةِ}، عبارة تعظيم، لكن ما يزال هناك أعظم من هؤلاء، الصنف الثالث وهم: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}، وقبل هذا قال: {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} (الواقعة 9) أصحاب المشأمة، أصحاب الشمال، أصحاب الشؤم، الشقاء، الذين هم يعدون أشقياء، ويعتبرون أشقياء، هم كذلك، تهويل لموقفهم، تهويل لما سيلاقون من العذاب ومن سوء الحساب.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
(آيات من سورة الواقعة)
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ: 10 رمضان 1423هـ
اليمن – صعدة.