{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} (الأعراف: من الآية175)، هذا نموذج، أو تقول: مثال خاص، مثال شخصي، حتى عندما يقول لنا سابقاً: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ} (لأعراف: من الآية169)، قد يقول: ماذا يعني خلف؟ لا ندري من هو الذي قد يكون .. !. يقدم لك بأنها قد وقعت فعلاً على مستوى خلف، ووقعت على المستوى الشخصي، شخص آتيناه آياتنا فانسلخ منها، {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}، أليس هو هنا في الأخير يلحظ موضوع الآخرين، الغاوين عادة الغاوين يكونون مغوين لآخرين، أنه أمكن أن يكون من الغاوين، مع أنْ قد عنده من آيات الله: {نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} (الأعراف: من الآية175)، خرج منها بسبب ماذا؟ بسبب إخلاده إلى الأرض.
{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ} (الأعراف: من الآية176) [مَنْزَل] العبارة هذه راقية جداً، لا يستطيع أحد أن يأتي لها بتفسير أدق منها {أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ}، يعني اتجه اتجاهاً بانقطاع، شغوفاً بالأرض، لم يتجه إلى الله؛ لأن هدى الله بالشكل الذي يرفع الإنسان إلى الله؛ لأن الله هو الذي يجعل السماء والأرض تخلد إلى الناس، متى ما اتجهوا إليه يجعل السماء والأرض تخلد إليهم هي، يفتح بركاتها، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} (الأعراف: من الآية96).
{وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} (الأعراف: من الآية176) نعوذ بالله، يعني: لم يتمسك بما آتاه الله، {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} (الأعراف: من الآية176)، هنا أيضاً يضرب لك الصورة هذه التي قد تبدو نتيجة دعاية إعلامية، دعاية تقدس أشخاصاً هم في الواقع منسلخين عن آيات الله، وهم في الواقع ممن {وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى}، أن الشيء الظاهر في الموضوع دائماً تحاط بهالة من التقديس لأولئك، النظرة إليهم كعظماء.
هنا يبين لك، لا، إن هناك بالتأكيد خلف يحصلون على هذا النحو، هذه النوعية هم عادة ضرب لهم مثلاً سيئاً، هذا المثل السيئ {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} وفي السورة الأخرى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} (الجمعة: من الآية5) أليس هنا يضرب أي قيمة في ذهنيتك؟ بمعنى أنه يجب أن يقوم تقديسك، تعظيمك على أساس رؤية من كتب الله، فبالنسبة لنا كمسلمين على أساس رؤية من داخل القرآن من الذي نعظمه؟ لئلا يصبح التعظيم في حد ذاته يشكل عائقاً، لا، إفهم بأنْ ما كل من ورث كتاب هو عظيم، قد يكون هناك من يرث كتاباً وفي نفس الوقت يكون له هذا المثل السيئ: كمثل الكلب، أو كمثل الحمار؛ لنعرف من هم الذين نعظمهم، ومن هم الذين لا يبقى لهم في نفوسنا أي تعظيم تبعاً لهذا العنوان، عنوان كتاب، عنوان علم.
{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ} (الأعراف: من الآية176)، لاحظ أليس الإنسان بحاجة إلى الإيمان الذي كان عليه موسى، إيمان الانقطاع إلى الله، لا تركن على نفسك أبداً، ولو عندك علوم كم ما عندك، هنا يقول لك: {آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا}، {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} لكن هو حصل عنده خلل، لا تحصل هذه المسألة اعتباطية من جهة الله أبداً، {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} وقد أصبح راكن على الطريقة تلك، الطريقة التي تحصل عادة، تلك التبريرات، وعنده أنه فلان، وربما قد صار يسيِّر الباري هو.
هذا حصل عند اليهود، قد عندهم فكرة أنهم قد صاروا يسيِّرون الباري، ويمشي هو على ما طلع في أنفسهم، وهو معهم، ومن ضمنهم، ونزلت أيضاً في داخل المسلمين: [أن مراد الله تابع لمراد المجتهد، وليس مراد المجتهد تابع لمراد الله] المجتهد ينظر وما غلب في ظنه فهو مراد الله، فمراد الله تابع لمراد المجتهد! عبارة من أسوأ العبارات هذه، من أسوأ العبارات.
لا نعرف هنا الحالة مثلما قلنا سابقاً في موضوع في كلام حول قول الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ} (الجمعة: من الآية5)، المثل هنا، يعني عندما تعرف كثيراً عن طبيعة ووضعية هذا الحيوان الذي ضرب به مثل تجد مقارنة واسعة بين المشبه والمشبه به، أنه فعلاً في آية عندما قال: كمثل الحمار، نحن نعرف أشياء كثيرة بالنسبة للحمار أكثر من معرفتنا بالنسبة للكلب في موضوع أن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، هل معناه بأنه عندما أصبح مخلداً إلى الأرض أصبحت له وضعية المخلد، يعني: المنقطع إليها، يلهث وراءها، سواء حصل على شيء أو لم يحصل على شيء، إن حصل على شيء فهو متلهث على الكثير، وإن لم يحصل على شيء متلهث أنه لماذا لم يحصل!. هنا ماذا يعني؟: مثلما تقول أيضاً يدسه الباري إلى الأرض أكثر، يدسه أكثر.
في موضوع إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث، لا ندري كيف نفسية الكلب في هذه، لو يأتي مثلاً محاولة دراسة، أو أحد يحظى بأي بحث يراه عن الموضوع، في هذا الزمن قد تحصل دراسة للحيوانات، للأشياء التي شبه بها في القرآن في مختلف الأشياء، أن نعرف كثيراً عن وضعيتها، وطبيعتها في الحياة، ترى أن هناك أشياء كثيرة من مقومات التشابه ما بين المشبه والمشبه به؛ لأنه في صورته مثل مخزي، نعوذ بالله، مثل سيئ.
{ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا} (الأعراف: من الآية176)، نعوذ بالله، هذا المثل يقولون: إنه لواحد من بني إسرائيل حصلت هذه، يسمونه: [بلعام بن باعوراء] يقولون عنه .. لكن ولها علاقة بالموضوع، أنك أحيانا لا تقل ودائماً نكرر هذه مع أنها قضية يكون فيها نوع من الإحراجات إلا أنها قضية ضرورية، وهامة: أن الإنسان قد يكون متشبثاً عن طريق تعظيم، فيكون عنده كيف يمكن هؤلاء العظماء!؛ لأن قضية عظماء هي قدمت إليهم على أساس صورة معينة، أنه في الواقع قد يكون بعض من أنت منشد إليهم على هذا النحو، ممن ثقافتهم ضالة، ممن هم منسلخون في الواقع عن آيات الله، ممن لديهم تحريف كثير، يكون في واقعه مثلما مثَّل هناك، كمثل الحمار، أو كمثل الكلب؛ لتعرف بأنك قد تكون متمسكاً بتلك النوعية التي تراها عظيمة، وهي أشبه شيء بهذه الحيوانات السيئة.
أسوأ مثل ضرب لمن هم في الواقع علماء يحملون ثقافة باطلة، فإما أن يكون، مثلاً قد يكون متعمداً، فيه نوع من التعمد مثل هذا، أو نوع من الضلال، يوجد فارق، الكلب هو أذكى من الحمار، وفي النفسية عند الناس أحط من الحمار، أليس هكذا؟ يعني: أن الضالين قد تعتبرهم عظماء، وهو في الواقع لا يخلو إما أن يكون في قائمة الحمير، أو قائمة الكلاب!.
قضية قرآنية هذه؛ لأنه فعلاً الهالة التي تحاط بأشخاص معينين ـ مثلما قلنا بالأمس ـ أنه عادة الضلال يأتي من عند أشخاص ـ كذلك تحدثنا عن هذه ـ وفي نفس الوقت يحاطون بهالة من التعظيم تشكل في حد ذاتها عائقاً كبيراً، فيصبحون هم أساس المشكلة هم، وتعظيمهم العائق الكبير عن حل المشكلة التي نريد الخروج منها [مصْيَدة] لا يستطيع واحد يخرج منها إلا إذا ما زال هناك توفيق إلهي.
{ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الأعراف: من الآية176).القضية تحتاج إلى تفكير، وعندما يقدم ما هو خلاف السائد بين الناس، يكون السائد باطل قد أضفي عليه هالة من الشرعية، من العظمة، وأشياء من هذه، يحتاج إلى نوع من التفكر، يتفكرون، الآخرون يتفكرون، أهل العلم، ويتفكر العامة، {يَتَفَكَّرُونَ}.
بعدما قال: {ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} قال: {سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ} (الأعراف:177)، هم كانوا يظلمون، الله لا يحوِّل أحداً إلى أن يضرب له مثلاً من هذا المثل السيئ، كمثل الكلب، أو كمثل الحمار، إلا وقد الظلم من جهة نفسه هو، هناك قال: {حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} (الجمعة: من الآية5) هنا يقول: {آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} (الأعراف: من الآية175) {أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ}، {اتَّبَعَ هَوَاهُ} ألم يظلموا أنفسهم هم؟ كانوا جديرين بهذا المثل السيئ، ترى القضية في الأخير كلها تدور حول كتب الله؛ ولهذا نقول: إن هذه القضية يجب أن نتمسك بها بجدية، وأن نرفض أي شيء سواها على الإطلاق، أي شيء سواها؛ لأن الأشياء العظيمة مبنية على هذا، على كتبه، المخاطر الكبيرة كلها مبنية على الابتعاد عن كتبه، هو لا يحاسبك على أنك لماذا لم تتبع كتب آخرين، سيقوم الحساب على هذا الكتاب نفسه، والحياة المؤاخذة عليها هنا على أساس هذا الكتاب، وموقف الناس منه متبعين له، أو معرضين عنه.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
الدرس التاسع والعشرون من دروس رمضان المبارك.
ألقاها السيد / حسين بدر الدين الحوثي /رضوان الله عليه.
بتاريخ 29 رمضان 1424هـ
الموافق 23/ 11/2003م
اليمن ـ صعدة