متابعات../
رغم أن الصورة السائدة والتي يتم تصديرها عن تطور محادثات التطبيع السعودية الإسرائيلية برعاية أمريكية، وارتباط ذلك بملف العلاقات الأمريكية السعودية ووجود صفقة كبيرة بين الدولتين تضم التطبيع مقابل ضمانات وامتيازات أمنية، إلا أن بواطن الأمور وما يتم الحديث عنه في الكواليس، وكذلك طبيعة عمليات التسليح الأمريكية، تشي بأن الأمر أكبر من التطبيع وأكثر عمقا وخطورة.
وربما لامست وكالة “رويترز” جانبا من هذه البواطن في تقرير لها حيث تمر المحادثات بمرحلة تتجنب الشكليات والأقنعة من كافة الأطراف، وهذه الأقنعة تتمثل في سعي السعودية للحصول على تنازلات لصالح الفلسطينيين، كما تتمثل أمريكيا في تحسين ملف حقوق الإنسان بالسعودية لضمان تمرير الكونغرس للاتفاقيات المتعلقة بالتسليح.
إلا أن هذه الأقنعة يبدو أنها ستوضع على الأرفف بعد أن نقلت “رويترز” عن ثلاثة مصادر إقليمية مطلعة على المحادثات الرامية للتوصل إلى تطبيع بين السعودية و”إسرائيل” قولهم أن الرياض “عازمة على التوصل إلى اتفاق عسكري يلزم أمريكا بالدفاع عنها، مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل”، موضحة أنها “لن تعطل الاتفاق حتى لو لم تقدم إسرائيل تنازلات كبيرة للفلسطينيين من أجل إقامة دولة مستقلة لهم”.
كما قال مصدر أمريكي لـ”رويترز”، إن الاتفاق “يبدو مثل معاهدات أبرمتها الولايات المتحدة مع دول آسيوية، أو إذا لم يحظ هذا بموافقة الكونغرس، فإنه قد يكون مشابها لاتفاق أمريكي مع البحرين، التي تستضيف الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية”، ولا يحتاج مثل هذا النوع من الاتفاقات إلى دعم من الكونغرس، وذكر المصدر أن “واشنطن يمكنها أيضا تحسين أي اتفاق، من خلال تصنيف السعودية حليفا رئيسيا من خارج حلف شمال الأطلسي، وهو الوضع الممنوح لإسرائيل بالفعل”.
وهنا فإن الأمر يبدو كصفقة تتخطى السياسة والتكتلات السياسية، لتصل لنطاق التحالفات العسكرية الصريحة، وما يؤكد ذلك وفقا للتقارير، هو أن كل المصادر قالت إن “السعودية لن تقبل بأقل من ضمانات ملزمة للولايات المتحدة بحمايتها إذا تعرضت لهجوم”، مثل ضرب مواقعها النفطية بالصواريخ في 14 أيلول/ سبتمبر 2019، مما هز الأسواق العالمية، واتهمت الرياض وواشنطن وقتها طهران، بشن هذه الضربات، فيما نفت إيران اضطلاعها بأي دور في الأمر.
والمراقب للآليات التي تجري بها صفقات التسليح الأمريكية يمكنه استنتاج أننا أمام وضع استثنائي، ويمكننا هنا القاء الضوء على عدة نقاط توضح هذا الأمر وقد تناولها معهد واشنطن في تقرير هام له، وذلك كما يلي:
1ــ السعوديون مثل سائر عملاء صناعة الدفاع الأمريكية تقريباً: فقد كشفت الحرب الأوكرانية عن المشاكل الكثيرة التي تعاني منها القواعد الصناعية الدفاعية في جميع أنحاء العالم، ومن بينها القواعد الأمريكية. وبينما يتزايد الإنتاج في بعض القطاعات، إلّا أنه لا يزال متخلفاً في قطاعات أخرى. وهذا المأزق ليس بالأمر الجديد على السعوديين. ففي حين تندرج منظومة “ثاد” ضمن المنصات التي يقال إنهم طلبوها مقابل التطبيع، إلا أنهم اشتروا في الواقع المنظومة في عام 2018 وينتظرون ببساطة تسلّمها وتشير بعض المصادر إلى أن عملية التسليم قد تحدث في عام 2026 تقريباً. ويعاني جميع عملاء الولايات المتحدة من تأخير في الحصول على الأسلحة، ويتأثر حتى أقرب شركائها بمفاعيل عملية التسليم البطيئة، ومن بينهم إسرائيل التي تنتظر تسليمها طائرات التزويد بالوقود “كيه سي-46″، وتايوان التي لديها ما يقرب من 19 مليار دولار من المشتريات المتراكمة.
2ــ يمكن للكونغرس الأمريكي أن يؤخر أو يعقد عملية تمويل معينة لمبيعات الأسلحة وأن يسن تدابير للرقابة على استخدامها. وعلى الرغم من أن الكونغرس لم ينجح مطلقاً في منع عملية بيع أسلحة بشكل مباشر، إلا أنه كاد أن ينجح في ذلك، وكانت السعودية هي المستهدفة. وفي عام 2019، اتخذت إدارة ترامب إجراءً طارئاً للمضي قدماً في عملية بيع أسلحة بقيمة 8 مليارات دولار للسعودية والإمارات من دون إخطار الكونغرس. وعندما صوّت الحزبان الجمهوري والديمقراطي في مجلس الشيوخ الأمريكي لصالح قرار يقضي بمنع البيع، استخدم ترامب حق النقض ودفع عملية البيع قدماً.
وفي أحيان أخرى، قام أعضاء الكونغرس الأمريكي بتأخير عمليات بيع الأسلحة أو تعقيدها. ففي الشرق الأوسط، تمت عرقلة رغبة تركيا في توسيع وتحديث أسطولها من طائرات “إف-16” في مجلس الشيوخ، حيث غالباً ما يُنظر إلى هذه العملية على أنها جزء من ترتيب لحشد دعم أنقرة لانضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي. ومن ثم، إذا تعهدت إدارة بايدن بتسهيل مبيعات الأسلحة إلى السعودية، فسيتطلب ذلك التنسيق مع شركات الدفاع بالإضافة إلى تضافر جهود البيت الأبيض والرياض لتحسين صورة المملكة في “الكابيتول هيل” (مقر المجلس التشريعي للحكومة الأمريكية) وإثبات سبب بقاء هذه المبيعات في المصلحة الوطنية للولايات المتحدة.
3ــ ستواجه الرياض عقبتين رئيسيتين تَحول دون حصولها على هذه الأسلحة الأمريكية المتطورة، وتتمثل العقبة الأولى بعلاقتها مع الصين. وعلى الرغم من أن علاقات السعودية مع الصين ربما ليست واسعة النطاق بقدر علاقات الإمارات معها، إلا أن السعودية تحافظ على علاقة وثيقة مع الصين في قطاعات تجارية حساسة مثل الاتصالات، وقد اشترت أسلحة متطورة من بكين، كما تعاونت مع الصين، وفقاً لبعض التقارير، في إنتاج الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية. ومؤخراً، تم إلغاء اتفاق بين شركة دفاع أمريكية وشركة دفاع سعودية، وفقاً لبعض التقارير، على خلفية علاقة هذه الأخيرة مع شركات الدفاع الصينية الخاضعة للعقوبات.
وتتمثل العقبة الثانية في المطلب الأمريكي بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لــ”إسرائيل” في أي عملية بيع للمنطقة. وسابقاً، أدت الاتفاقيات الإسرائيلية مع مصر والأردن إلى بيع أسلحة أمريكية متطورة إلى كل دولة، ولكن مع قيود لاحقة على قدرات التسلح. ومن المرجح أن تكون النقطة المحورية في هذه الحالة طائرة “إف-35” والمتغيرات والقدرات المرتبطة بها، نظراً إلى تصنيف الطائرة المقاتلة وواقع أن “إسرائيل” هي الدولة الوحيدة التي تستخدمها في المنطقة. وبما أن “إسرائيل” ترغب في إبرام اتفاق تطبيع مع السعودية، يمكن الافتراض إلى حد معقول أنها ستخفف بعض الشيء من مخاوفها بشأن التفوق العسكري النوعي، علماً أنه سيبقى من الضروري تسوية تفاصيل عمليات البيع المعنية وفقاً للأنظمة الأمريكية.
وهنا يمكننا ببساطة استخلاص ملامح الصفقة المنتظرة، وهي أنها صفقة تتخطى كثيرا ملف التطبيع والذي يمكن الاكتفاء بجوانب شكلية به لا تتخطى المستوى الدبلوماسي والسياسي لتحسين صورة العدو أو دعمه سياسيا، وبعض المشروعات الاقتصادية، بل تصل للعمق العسكري والاستراتيجي، وهذه المرة يكون العدو الاسرائيلي طرفا به، وهو تطوير للشراكة الاستراتيجية التاريخية الامريكية السعودية.
أي أننا أمام توسيع للتحالف الاستراتيجي الامريكي السعودي التقليدي ليضم العدو الإسرائيلي، وهو ما يفسر التساهل الصهيوني في الملف النووي السعودي وتقليص فجوة التفوق الصهيوني في التسليح، وهو ما يفسر أيضا التلكؤ السعودي في ملف اليمن حيث تخشى السعودية من أي هجوم واشتباك مع اليمن قبل عقد اتفاقية تضمن حماية امريكية فعلية وليس مجرد غطاء سياسي.
العهد الاخباري: إيهاب شوقي