الآن لاحظ لا يوجد أمر بمعروف، من أهم المعروف مثلاً: الجهاد في سبيل الله، أن يعد الناس أنفسهم، وأن يعدوا كل ما يستطيعون من قوة لمواجهة أعداء الله، أليس الناس ساكتون عن هذا المعروف؟ تكون النتيجة في الأخير ماذا؟ أن يتولوا الذين كفروا، سيقول فيما بعد: [أمانة باهر، أما الحاكم هذا الذي نصبوه لنا باهر، وليس مثل الحاكم الأول] وهكذا يصبح الناس في وضعية ـ لغياب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ يصبحون إلى درجة أن يتولوا الذين كفروا.
{تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} (المائدة: 80) هذا ـ نعوذ بالله ـ من أخطر الأشياء {أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ} هنا في الدنيا، وفي الآخرة، والسخط يعني: وراءه خزي وعذاب وأشياء شديدة نعوذ بالله .{وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء} (المائدة من الآية: 81) بأي نبي من أنبيائه، لو كانوا يؤمنون ما اتخذوهم أولياء، ولما وصلت بهم الحال إلى أن يتخذوهم أولياء، { وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}(المائدة من الآية: 81) خارجون عن هذا النهج الذي رسمه الله لهم، عن هذه الطريقة التي رسمها لهم .
{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ} (المائدة من الآية: 82) هنا يوجد تركيز على قضية؛ لأنه أحيانا عندما ترى طرفا آخر، موقفه منك متشدد، ويقدم أشياء من لديه، يقدم قوانين، أو باسم رؤى، أو أفكار، أو أشياء من هذه، ولا يرضى أن يقبل ما لديك، أحيانا إذا ما عندك معرفة بواقعه، ومنطلقاته، ودوافعه، قد يحصل عندك اضطراب، فتظن أنه فعلا قد يكون عنده رؤية أخرى، فتنتظر ما يقدم؛ ولهذا دائما هنا في القرآن الكريم يبين لك الطرف الآخر: لأنه هكذا في واقعه، ليس إلى مستوى ـ على الإطلاق ـ أن يقدم أي شيء جميل، أن يقدم أي شيء جيد، أبداً، ما قد تراه يقدمه جيد، وراءه سوء، فهنا يقول: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ}.
فعندما نراهم معادين لنا بشدة، لا نرجع إلى أنفسنا ـ وهذا الذي يحصل أعني: من النعمة علينا ربما في هذا العصر عندما نقرأ القرآن نجد الأمثلة متوفرة بشكل كبير أمامنا ـ متى ما رأيناهم معادين لنا، جاء الكثير منا، من داخلنا، يعود علينا نحن، [اسكتوا، أنتم ستؤثرون علينا بأننا نتشوه أمام الغرب] لماذا؟ لأنه ينظر إليهم وكأنهم إيجابيين، وكأن منطلقاتهم صحيحة، وكأن رؤاهم تنطلق من نفوس طاهرة، وقلوب طاهرة. هنا القرآن يبين واقعهم، يبين واقعهم حتى أنك لا تضعف أنت، أو تضعف ثقتك بما أنت عليه، وفي الأخير تحاول أن تتنصل من أشياء من لديك، أليس هذا الذي يحصل الآن في الأمة؟ فاعرف بأنهم هم لما كانوا على هذا النحو؛ لأنهم سيئون هم؛ لأنه هكذا منطلقاتهم، ودوافعهم، ونفسياتهم، بالشكل الذي يقدمهم سيئين أمام ما كان من داخلهم هم، من أنبيائهم، وكتب تنزل عليهم، بينها بشكل واضح.
تجد ألم يكن الناس بحاجة إلى هذه الرؤية؟ لأنك عندما تلمس متى ما قالوا هناك: [الإسلام هذا دين العنف لم ينتشر إلا بالسيف] يعود صاحبنا علينا [اسكتوا ولا كلمة عن الجهاد ولا كلمة عن كذا شوهنا الإسلام أمام أولئك] أليسوا في الأخير يقولون هكذا: [اتركونا نقدم صورة جميلة عن الإسلام أمام الغرب]؟ وعلى من يرجع؟ هو لا يرجع بالطريقة التي تجعله فعلا يقدم صورة جميلة عن الإسلام في الداخل وأمام الغرب، لا، وإنما يحاول أن يبعد الأشياء الجميلة في الإسلام، الأشياء الهامة التي تجعل هذه الأمة تقدم بشكل جميل أمام الآخرين !.
فعندما يشرح كثيراً عن نفسياتهم، عن أهدافهم، عن توجهاتهم، هم ليسوا إلى درجة أنك تراجع نفسك على الإطلاق أمام أي مطلب من لديهم، أو دعاية من لديهم، تراجع نفسك فتقول: [أمانة عندنا غلط] وأنت تسير على طريقة صحيحة، راجع نفسك عندما ترى بأنهم يستغلون أشياء هي أخطاء حقيقية، تنسفها قبل أن يستغلوها لتشويه الإسلام، هذه أبعدها أنت، أشياء سيئة حقيقة، لكن ما كونهم ينقدونها؛ لأنهم جيدون في كل ما ينقدون، ليس المعنى أنهم جيدون ، هم سيئون، لكن هم سيئون، إذا كان لدي شيء هو سيء، ولن يكون هناك شيء من داخل الإسلام سيء نهائيا، لا يوجد داخل الإسلام ما يمكن أن يستغل فيشوهه، ويقدمه سيئاً، إنما ما يقدم من جهة المسلمين أنفسهم على طول المرحلة هذه، مئات السنين، كثير من المعتقدات، والرؤى، وحسبوها على الإسلام، وهي بعيدة عن الإسلام، هي مشوهة للإسلام في داخلنا ما بالك أن تكون مشوهة أمام الآخرين .
{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً} (المائدة من الآية: 82) أقرب الفئتين، هنا يجب أن نلحظ مسألة: أقربهم، هناك أشد عداوة، وهنا أقرب، أقرب الناس هؤلاء مودة للذين آمنوا، ميلا إليهم، ميلا ممكن يحدث استجابة لهم ويميلون إليهم {الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى} يعني: فئة معينة داخلهم، ولا أدري هل ما يزال هناك من هذه الفئة، أو ليس هناك أحد داخل النصارى فئة هي تبدو ملتزمة؟ هنا يذكر تاريخها، فكان منهم من أدركوا الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فآمنوا. {الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى} ماذا تعني العبارة هذه؟ هنا يقدمهم بشكل عندهم رؤية صحيحة عن الإسلام، عن الدين، نحن نصارى أي: معناه نحن أنصار لهذا الدين مثلما قال سابقا: {مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ} (آل عمران من الآية: 52) ليسوا فئة تقدم الدين وتعطيه هوية قومية تسميه باسمها هي، {إِنَّا نَصَارَى} هذه فئة لا نعلم عنها شيئا الآن.
{ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (المائدة: 81 ـ83) لاحظ: آمنا فاكتبنا مع الشاهدين، أي: كأنهم امتداد لمن قالوا: نحن أنصار الله، فعندهم الرؤية هذه: نحن مؤمنون بك، ونحب أن تكتبنا مع الشاهدين، ما معنى الشاهدين؟ مثلما قلنا سابقا: أنصار لدينك، نجسد دينك، نمثله بشكل نقدم شهادة لعظمته.
{وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ} (المائدة: 84) وهذه رؤية صحيحة عندهم، هاتين العبارتين تشخص واقعهم، ناس عندهم حرص كبير على أن يعملوا أعمالا صالحة، لم نعد نحن بالشكل هذا! للأسف لم يعد السائد في أوساط المسلمين هذه الرؤية، في ثقافتهم، في حركتهم، هو: أننا نريد أن نعمل عملا صالحا، تجد الكثير محاولين فتاوى، هل قد وجب، هل قد لزم! هؤلاء لديهم الرؤية هذه التي حكاها الله عن سليمان عندما قال: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} (النمل من الآية: 19).
{وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ} (المائدة من الآية: 84) هذا معنى أنهم لا يستكبرون: مسلمين أنفسهم لله، فعندما جاءهم الحق قبلوه بكل بساطة، هي هذه الفئة، ولا نعلم بأحد من هذه الفئة، لو حصَّل الناس هذه الفئة لكانت سريعة الإيمان، لكن هم قدموا أنفسهم متميزين عن الباقي من البداية {الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى} أليست هذه تعني أنهم فئة لا يعتبرون أنفسهم كالباقين، ولا تحت العنوان العام بكل ما تحته من مفاهيم باطلة، وضلال، فقدموا أنفسهم وكأنهم فئة أخرى من داخل هذه الطائفة الكبيرة .
{فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ} (المائدة: 85) هذه الآية لا تعني أن تقول في المقابل النصارى، تأتي تأخذها وتقول: النصارى أقرب الناس مودة، قد يكون النصارى الطبيعيين، قد يكونون أقل من اليهود عداوة، وليس المعنى أنهم يودوننا، ولذلك تجد ما عملوا في الأندلس، ما عملوا في بلدان أخرى، ما يعملونه اليوم أشياء سيئة جدًا، أليسوا هم الآن يتحركون هم واليهود بشكل واحد؟ قدمهم في القرآن وكأنهم اتجاه واحد [أهل الكتاب، أهل الكتاب] ويقدم أحيانا تفاصيل تبين أن المراد اليهود، وتفاصيل تبين أن المراد النصارى، بعده يأتي بحديث عن رؤيتهم العامة بالنسبة للناس.
إذًا فالنصارى بشكل عام قد يكونون بوضعهم الطبيعي أقل عداوة من اليهود، أما أن تقول: أن لديهم ـ أيضاً ـ مودة، ولديهم ميل، لا، النصارى بشكل عام، هنا يقدم لك طائفة معينة متميزة ميزت نفسها هي: {الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى} يحكي عن داخلهم بأن من كان منهم قسيسين آمنوا وأسلموا في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).
إذًا من قيمة هذه هي تبين أيضاً بأن دين الله سبحانه وتعالى، وهداه، هو بالشكل الذي يترك أثراً كبيرًا عند من يحبون أن يتأثروا، ويستجيبوا، مثلا نوعيات كهذه متميزة، ألم يقدم هذه داخل بني إسرائيل؟ حتى داخل اليهود، ألم يقدم نماذج عالية؟ هذه هي في نفسها تقدم شهادة على أن الآخرين فيما هم عليه من ضلال وخبث إنما كان بسبب أنفسهم هم، عنادهم هم، انصرافهم هم، أما دين الله من يقبله، ويهتدي به، لاحظ كيف نماذجه التي يقدمها.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
[الدرس الثالث والعشرون – من دروس رمضان]
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ: 23 رمضان 1424هـ
الموافق: 17/11/2003م
اليمن – صعدة.