وأمتنا اليوم معنية في ظل هذا الاستهداف الشامل، وفي ظل معركةٍ تعنيها جميعًا، إلى تعزيز وتظافر الجهود، وترسيخ مستوى التعاون، نحن أمةٌ مسلمةٌ واحدة، مهما تعددت البلدان، تعدد البلدان لا يعني أن تتجزأ المعركة، هذا ما يجب أن نعيه جميعًا، نحن أمةٌ مسلمة، هذا الانتماء العظيم يشرفنا جميعًا، ويجمعنا جميعًا، والاستهداف لنا جميعًا في نفس الوقت، فمعركتنا اليوم معركة واحدة، وكل من يتحرك في الساحة وهو يحمل هذا الوعي، ويدرك ويستشعر مسؤوليته تجاه هذه الأمة، هو يتحرك وفق المفهوم الصحيح، هو ينطلق من المبادئ العظيمة التي تنتمي إليها هذه الأمة، هو يتحرك في الاتجاه الصحيح الذي ينبغي أن يُشكر عليه، أن يُعتبر اتجاهًا إيجابيًا وصحيحًا، لا أن يُعتبر هذا خطأ. ما الذي يسعى إليه عملاء أمريكا وإسرائيل؟ هم يسعون إلى حصار كل شعبٍ بمفرده، وإلى أن يتحركوا في مؤامراتهم المؤامرة تلو الأخرى على شعبٍ هناك، على جزءٍ من أبناء الأمة هناك، ثم يتجهون بقَضِّهم وقَضيضِهم: الأمريكي، والإسرائيلي، وكلُّ أدواتهم، لاستهداف بعضٍ من أبناء الأمة هنا أو هناك، وليقولوا للآخرين: [أنتم فلتبقوا مكانكم، لا تتحركوا، لا تقولوا شيئًا، سنقول عنكم إيرانيين، سنقول عنكم كذا، سنطلق عليكم ألقابًا معينة واسماءً معينة]، هذا كله بهدف تجزئة المعركة؛ للسَّعي للنجاح فيها.
ولكننا نقول لأمتنا جميعًا نحن أمةٌ مسلمةٌ واحدة، والاستهداف لنا واحد، ويجب أن نكون في خندقٍ واحد، ويجب ألَّا نقبل بتجزئة المعركة التي تستهدفنا جميعًا، ويجب أن تبقى عناويننا الرئيسية بارزة وواضحة، العدو هو أمريكا وإسرائيل، والآخرون هم عملاء وأدوات، نحن نعي هذه الحقيقة مهما أظهروا من عناوين مخادعة.
القضية الرئيسية، وهي القضية الفلسطينية، ستبقى قضيةً أساسيةً بالنسبة لنا، مهما فرط فيها الآخرون الذين قد انكشف أمرهم، واتضحت حقيقتهم؛ وإذا بهم مجرد منافقين، وبعضهم اليوم يدخل في مشاريع مباشرة لصالح دعم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وفي مؤامرات مكشوفة، لمصلحة إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، ويشتركون حتى في الحصار ضد الشعب الفلسطيني، ومعظمهم يقاطعون الشعب الفلسطيني: مقاطعة في كل شيء، أو في أغلب الأشياء؛ بينما يمدون جسور التعاون مع العدو الإسرائيلي في كل أشكالها، وهم على قطيعة مع الشعب الفلسطيني، تلك القطيعة المتعمدة -التي تحولت إلى سياسةٍ بالنسبة لهم- هي في حقيقة الأمر عمل عدائي ضد الشعب الفلسطيني.
القطيعة مع الشعب الفلسطيني، ومد الجسور مع إسرائيل في نفس الوقت، يعني: أنهم في صف إسرائيل ضد ذلك الشعب المظلوم. وصل الحال ببعضهم كما بالنسبة لسلطة الإمارات، بالنسبة للسلطة في البحرين أن استعدوا باستقبال بضائع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة وفي أطراف القطاع، أن يستقبلوا بضائعها في الوقت الذي قاطعها الأوروبيون، فكانوا إلى هذا المستوى من الدناءة والانحطاط والتعاون مع الإسرائيلي، وهناك أجندة ومشاريع وشراكة مع الإسرائيلي فيما يضر بشكل مباشر بالشعب الفلسطيني، بل هناك استهداف بأشكال متعددة للشعب الفلسطيني.
الذي قام به النظام السعودي في اعتقاله لنشطاء محسوبين على حركة حماس في فلسطين، وبقائهم في سجونه مع التعذيب، ومع المضايقة لهم، هو عمل عدائي، هو استهداف، وليس لهم من ذنب، وليس لهم من مشكلة مع هذا النظام السعودي، إلا أنهم يدعمون المقاومة ضد إسرائيل، معنى هذا اصطفاف واضح في صف إسرائيل.
فمرحلة الاصطفاف هذه هي: إما أن تكون مع أمتك، مع مبادئك، مع قيمك الإسلامية، مع الحرية والكرامة والاستقلال، مع الخير لهذه الأمة، وإما أن تكون مع أعدائها فيما هو شرٌ عليها، فيما هو ضرٌ بهذه الأمة، خانعًا، لا قيمة لك، لا شرف لك، لا اعتبار لك، لا كرامة لك، أنت بنظرهم مجرد أداة من الأدوات.
ولأن المعركة هي معركة الأمة جميعًا، ولأن الحاج الشهيد الكبير قاسم سليماني “رحمة الله تغشاه”، والمجاهد العزيز أبو مهدي المهندس، قتلتهما أمريكا مع رفاقهما في هذا السياق: باعتبارهما قائدين من قادة هذه الأمة، من أبناء هذه الأمة، من أحرار هذه الأمة، في معركةٍ هي تعني هذه الأمة، ولذلك قلنا عنهما وعن رفاقهما أنهم: شهداء هذه الأمة، شهداء الأمة الإسلامية، واستُشهدوا عندما قتلتهم أمريكا؛ لأنهم يتصدون لخطرٍ هو يشمل هذه الأمة، وهو يهدد كل هذه الأمة. ويجب أن نقدر لكل قائدٍ من أبناء هذه الأمة يحمل هذا التوجه، ويتحرك فيه، أن نقدره، أن نعرف قدره، أن نعتبره يسير في الاتجاه الصحيح، وأن نعتبره إذا استُشهد: بطلًا من أبطال الأمة الإسلامية، وشهيدًا من شهداء الأمة الإسلامية كافة، هذا ما يجب عليه أن نكون كأمةٍ إسلاميةٍ تعزز حالة التعاون والتآخي بينها، كما أمرها الله “سبحانه وتعالى”، وكما ذلك في مصلحتها، وكما ذلك يعزز من قوتها، ومن موقفها.
هذا ما يجب -أيضًا- أن نرسخه على مستوى محور المقاومة، وأحرار الأمة في كل أقطارها، أن نرسخ وأن نعزز هذا التوجه في إطار شعوب بلداننا هذه كافة: أننا أمةٌ واحدة، في الخندق الواحد، في الموقف الواحد، وأولئك الذين يصطفُّون مع إسرائيل، تحت الراية الأمريكية، تحت الهيمنة الأمريكية، ويقبلون بإسرائيل وكيلًا لأمريكا في المنطقة تقودهم، ويرتبطون بها على هذا الأساس: سياسيًا، وإعلاميًا، واقتصاديًا، وعسكريًا، وأمنيًا؛ هم الخاسرون، هم المنحرفون، هم الشاذُّون عن المسار الصحيح والاتجاه الصحيح الذي عليه الأمة؛ ويجب أن تكون عليه الأمة، هم الذين يخدمون عدو الأمة فيما لا يفيدهم، في نهاية المطاف خسارتهم كبيرة، خسارتهم كبيرة؛ لأن برنامج التطبيع في كل تفاصيله سيكون على النحو الذي يعزز سيطرة إسرائيل عليهم هم في المقدمة. الشعوب التي هي في حالةٍ من المنعة، في حالةٍ من المقاومة، شعوب الجهاد والاستشهاد والمواقف الصحيحة، شعوب الحرية والاستقلال والكرامة، هي ستكون في منعة من هذه السيطرة، من هذا الاستحواذ؛ أما أولئك فهم يتجهون فعليًا إلى تمكين الإسرائيلي وبكل طوعية من السيطرة عليهم، فيتحولون بكل ما في أيديهم من إمكانات ووسائل للعمل في مصلحة العدو الإسرائيلي، تصبح وسائلهم الإعلامية أبواقًا لخدمة إسرائيل، منابرهم -حتى منابرهم التي تعنى بالخطاب الديني- تشتغل على هذا الأساس، كُتَّابهم، مثقفوهم… الكل سيتحركون كأبواق للإسرائيلي، يروجون للتطبيع مع إسرائيل، للولاء لإسرائيل وأمريكا، للاشتراك والاصطفاف في صف العدو والاشتراك معه، يروجون لذلك. على المستوى السياسي يحاولون أن يقنعوا بقية البلدان هنا أو هناك، ضغطوا مؤخرًا على باكستان وعلى إندونيسيا، وربما يسعون في الضغط على بلدان أخرى بوسائل متعددة، بمعنى أن برنامجهم العملي يتجه لمصلحة إسرائيل، لا يعملون حتى لأنفسهم شيئًا، وليس في صالحهم ذلك. والله إنهم خاسرون، ولكن هذه ورطتهم، هذه مشكلتهم، هذه خسارتهم، هذا خيارهم الخاطئ والمنحرف عن منهج الإسلام العظيم، عن مبادئه العظيمة والكريمة.
والسائرون في الاتجاه الصحيح من أحرار الأمة، ومحور المقاومة، وكل الناضجين في هذه الأمة، كل المتطلعين للحرية والاستقلال والكرامة، هم المعنيون أن يواصلوا المشوار بكل قناعة، بكل ثبات، بكل استبسال، وهذا أهم درسٍ نستفيده من ذكرى كهذه: الذكرى السنوية للشهيد، التي تعلمنا فيها أن نتحرر من الطاغوت وهيمنته، وألَّا نكون عبيدًا إلا لله، وأن نعيش بكرامة، وأن نسعى للاستقلال، وأن نسعى للتمسك بالمبادئ الإلهية العظيمة، وأقدس وأشرف وأسمى شيء في هذه الحياة، وأنه يستحق منا حتى التضحية بالروح؛ لأننا لن نخسر مع الله أبدًا، إذا لقينا الله في هذا الميدان؛ نلقاه شهداء بكل ما تعنيه الكلمة. لا يمكن لأي إنسانٍ يخسر حياته، أو يقاتل تحت الراية الأمريكية والإسرائيلية -بشكلٍ مباشر أو عبر العملاء في المنطقة- أن يكون شهيدًا إذا لقي الله؛ إنما يكون خاسرًا، خسر حياته في خدمة أمريكا وإسرائيل؛ من لا يقدرون له ذلك، ولا يعرفون له ذلك، ولا يعتبرونه حتى جميلًا؛ إنما يعتبرونه إنسانًا تافهًا، تمكنوا من خداعه، وتمكنوا من السيطرة عليه واستغلاله.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
كلمة السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
في الذكرى السنوية للشهيد 1442هـ