لم يكُن ترامب غبيًا؛ كما صوَّره البعض، بل كان شُجاعًا مقدامًا، فقد كشفَ قناعَ أمريكا بكلِّ وضوح، وكشفَ للعرب قناع ملوك وشيوخ وأمراء النفط .
لقد كان ترامب أول الرؤساء الأمريكيين الذين يزورون حائط البراق- كما يسميه العرب أو(حائط المبكى)أو(الحائط الغربي) كما يسميه الصهاينة- خلال حكمهم الرسمي!
وكان ترامب أول رئيس أمريكي يحدد مكانة الصهاينة حين قال للإسرائيليين
" أنتم رقم 1 بالنسبة لنا"
وكان ترامب هو من يفتح أبواب التطبيع السرية إلى العلَن، وهو من يكسر نوافذ المقاطعة الهلامية الظاهرة؛ ويطير من أرض الحرمين من الرياض إلى إسرائيل في أول رحلة جوية مباشرة مُعلنة!
وهو من رفع شعار "إدفع لتبقى" قولاً وعملاً للسعودية وأذيالها، واحتلبهم نقدًا وعدًا، ومازال يحتلب، ولن يطيب له خاطر إلاَّ أن يراهم يهودًا بزنانير، وفقراء معدمين، وبعدها سيذبح البقرة، ويوزعها قطعًا قطعا.
ولم تضع إيفانكا قدمها اليوم في القدس إلا بعدَ أن وضعت خطوتها الأولى في أرض الحرمين، ومن هناكْ أخذَت هي وأبوها قيمة أرض وأثاثَ السَّفارة، وتكاليف الإفتتاح، وأتعاب الزيارة بآلاف الأضعاف.. لم تأتِ إيفانكا للقدس آمنةً مطمئنة؛ إلا بعدَ أن أخذت مفاتيحَ القدس من مكة الأم..
أخذتِ الخيطَ والمخيط من يد بني سعود، وباركَ الخطة والتخطيط؛ علماء البلاط السعودي من المفتي إلى السديس إلى القرني إلى العريفي إلى بقية القطيع المُنعَّم..
قصَّت إيفانكا شريط سفارتها في القدس، وقيمة الشريط والمقص والسجادة الحمراء من الرياض، بل قيمة حذائها وملابسها الفاخرة من هُناك، من خزائن أولئك القوم الذين أكلوها بنظراتهم، فأكلتْ هي وأبيها خزائنهم، وثرواتهم، بل واحتياطهم، وكل ما سيحصلون عليه لعقود قادمة..
افتتحت إيفانكا السفارة الأمريكية على دماء أكثر من 50 شهيدٍ و1000 جريح فلسطيني حتى الآن، ولم يرفُّ لها جفن أو تهتز لها شعرة، وكيفَ يكون ذلك وقد رأت الملوك والشيوخ يتراقصون ويتمايلون ترحيبًا بقدومها وهي تطأ أرض الحرمين الشريفين..
لكنَّا في اليمن لم نكُن مثل بني سعود المتصهينين، وقد كانَتْ البصيرةُ حاضرة، والإستشعارُ موجودًا؛ منذ وقتٍ مبكر؛ فقد أنبأنا القائد الشهيد قبل عقدٍ من الزمان وأكثر، وفي 2002 تحديدًا؛ بخطر أمريكا، ومؤامراتها، وشرها، وكيدها وبأنها تسعى لشرعنة الاحتلال وللتطبيع مع الصهاينة، وجر الزعماء إلى شباكها طوعًا وكرها، وكانوا يومها يسخرون من حديثه، ويستهزئون من تحذيراته.. وهانحنُ اليوم؛نرى ما حذَّر منه يحدث وكأنه كان يرى بنور الله..
لم يكُن ترامب غبيًا حين قال" لن نسمح لدولةٍ ترفعُ شعار الموت لأمريكا" لأنه يعرفُ قيمة وخطورة هذا الشعار..يعرف القيمة الكبيرة التي تنفذُ إلى العقول، فترفع مستوى الوعي والبصيرة، وتحرك الهمم والطاقات؛ في سبيل المعرفة والعمل، والفهم والإدراك للواقع والمستقبل، ومعرفة العدو من الصديق..
ولهذا حرَّك الأمريكي أدواته الرخيصة لحرب اليمن منذ أربع سنوات؛ تمهيدًا لهذا اليوم المشئوم، ولم يكُن بعيدًا عن الحرب لحظةً واحدة تسليحًا وتمويلاً، وفي الأخير دخل في المواجهة وجها لوجه، وكانت أولى محطات جنوده أصحاب القبعات الخضراء هي الحدود السعودية...
وكان الوعي اليمني يزدادُ بصيرةً وإعدادًا، ويقينًا وبأسًا وعرفانا، وخرجَ أشبالٌ لهم قلوبٌ كزبر الحديد؛ يواجهون العملاء والأصلاء، ببصيرةٍ نافذة، وعزيمةٍ ثابتة، وعلى كل المستويات، وكانت القوة الصاروخية ترسل صواريخها الباليستية؛ لتدك قصر المؤامرات والخيانة، وما يسمونه قصر اليمامة، والذي تم فيه إتمام الصفقة، وبيع فلسطين لترامب وإيفانكا..
وكان اليمن ومازال..
ومع ما يعانيه من حربٍ ظالمة آثمة، اجتمعت عليه فيها سبعة عشر دولة؛ لم تغِب فلسطين عنه لحظةً واحدة، وخرجَ بالملايين في مظاهراتٍ عارمة، لمراتٍ عديدة...
ويوم غدٍ ستشهد اليمن خروجًا كبيرًا؛ بعد دعوة رئيس اللجنة الثورية للخروج..
وقبلَ خروج المظاهرات اليمنية كانت الصواريخ اليمنية قبل قليل؛ تضربُ خزائن ترامب وتُصيب خزانات أرامكو بصاروخ باليستي من نوع بدر1، وكانَ أولو البأس والقوة يسقطون طائرة تجسس أمريكية في العمق السعودي في واي جارة بجيزان..
وبينما يعيش الفلسطينيون يومًا دمويًا حزينًا؛
كان الصهاينة والأمريكان والسعودية ومن لفَّ لفهم يهنئون بيومٍ سعيد، وفرحةً كبرى بافتتاح السفارة الأمريكية في القدس..
وأقول للإخوة في فلسطين؛ لا تأسوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون، وليست القدس قدسكم فقط بل هي قدس جميع المسلمين، وإن رأيتم الخيانة والطعنة في الظهر تأتيكم من أرض الحرمين؛ فإن هناك شعوبًا ودولاً تأبى الضيم، وترفض الظلم، وهي معكم قلبًا وقالبًا، وعلى رأسها اليمن، وسوريا ولبنان وإيران والعراق والجزائر...والكثير من الأحرار في هذا العالم.
وستبقى القدس عاصمة فلسطين الأبدية!
(يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم، ويثبت أقدامكم، والذين كفروا فتعسًا لهم، وأضل أعمالهم)