هذا من الخسارة الرهيبة للطرف الآخر أن يكونوا فريقا آراؤهم ورؤاهم التي تجعلهم يتقهقرون ويرتدون على أعقابهم فينقلبوا خاسرين. خسارة ألا يكون الإنسان من النوعية هذه فعلا، ألا يكون من هذه النوعية، نوعية من وعد الله بأنه سيأتي بهم {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} فمعنى هذا بأنه عندما ترى لبني إسرائيل حركة على هذا النحو، أنه يجب أن تسارع إلى أن يجعلك الله من هذه النوعية التي وعد بأنه سيأتي بها، لا أن تسارع فيهم، نخشى أن تصيبنا دائرة، [ويمكن، ويمكن، وأحسن لواحد كذا.. ولا..] لا، لأن هذه خسارة، والواجب هو أن تسارع إلى الله عسى أن يكتبك واحدًا من هؤلاء الذين وعد بأنه سيأتي بهم.
ولئلا يصاب الناس مهما كانوا قليلا، أو مهما كانوا يرون العدو كبيراً، ويرون التراجع الكبير، لا يصابون بإحباط. عندما ترى العرب تقهقروا، ترى المسلمين تراجعوا، ترى قممهم تعلن تراجعهم، أليس القمم العربية، والقمم الإسلامية كلها يبدو منها التقهقر والرجوع؟ ليس فيها منطق جهاد، ليس فيها منطق مواجهة في أي ميدان من الميادين على الإطلاق، إذًا ما هنا تحقق ارتداد بكل ما تعنيه الكلمة في هذا الإطار، تأتي إلى الشعوب نفسها وإذا الكثير ليسوا حول الموضوع نهائيا، وهم يرون أمريكا، ويسمعون ما تريد أمريكا، وتكتب صحف، ويرون في التلفزيون والإذاعات، وكل شيء، ولا يبالي، ولا يوجد عنده فكرة، والكثير عنده فكرة أنه ماذا؟ يترك ولا يتدخل من أجل أنه يسلم!! نزل لهم أوراق تعلن بأن الأمريكيين يتجهون لتغيير المناهج بما فيها القرآن الكريم، لا يتحرك، أليس هذا من المتراجعين؟ يعني ماذا؟ وقت تحقيق الوعد الإلهي، أليس وقت تحقيقه؟ لأنه قال: {مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ} (المائدة من الآية: 54) بالفاء التي تعني التعقيب مباشرة بدون مهلة، فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، وإن كان المرتدون ملايين أو عشرات الملايين.
هذه الآية أيضا تعطي الناس منهجا في كيف يجب أن يكون تثقيفهم لأنفسهم، وكيف يجب أن نوجه الآخرين، وكيف كان يجب أن توجه وسائل الإعلام لو ما يزال هناك توفيق، أنك تربي الناس، توجه الناس كيف يكونون محبين لله هذه واحدة؛ ليحبهم، أليست هذه قضية أساسية، ونقطة هامة جدًا؟ لأنه هنا ذكر نوعية ينطلقون في مواجهة بني إسرائيل بديلا عن أولئك المرتدين من داخل المسلمين، من منطلقات أساسية، لا تتأثر بالمصلحة على الإطلاق، لا تتأثر بالإغراءات، لا تتأثر بالتخويف، لا تتأثر بالدعايات، لا تتأثر باللوم، ينطلقون من منطلق حب لله، لا يبحث عن فتاوى [هل قد هذا يلزم أو ما يلزم] حب لله، سواء هو لازم أو لا، المهم أنه شيء يعتبر عملاً صالحاً، ويحبه الله، ومن يحب الله هو يسارع إلى العمل الصالح، وإن لم يكن قد وجب، أما هذا فربما قد وجب ربما مئات المرات وليس أن تقول: هل قد وجب أو لم يجب.
النوعية هذه الذين ينطلقون من منطلق حب لله لا يتأثر بمصالح أمريكية أو إسرائيلية أو كيفما كانت، في بلاده، عند بيته، له شخصيا، لا يتأثر؛ لأن موقفه منهم موقف ثابت وليس موقفا شخصيا، وسيعرف أنما يقدمونه إنما هو خداع، سيعرف أنما يقدمونه إنما هو خداع وتضليل؛ ليحبهم بدلا من أن يحب الله، ولن يحبوه، أما الله فإنك ستحبه، وهو يحب في المقدمة هو، أما بنوا إسرائيل قدمهم بشكل آخر: {هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ} (آل عمران من الآية: 119) .
إذًا فهذه نوعية راقية جدًا، وأنها قضية منهجية فعلا، كيف يمكن للناس أن يحبوا الله؟ لمعرفته وفق ما يقدم القرآن وليس وفق ما تقدمه كتب علم الكلام على الإطلاق، هذه قضية، قد تكره الله فعلاً، إذا اعتمدت على تلك الكتب؛ ولهذا يقولون: أن الكثير فيهم يكونون قساة قلوب، ويتأقلم كثير منهم مع أي سلطة تحكم، وينتظرون للهبات منها، والجوائز والعطايا! هذه قضية أساسية، ولهذا نقول من البداية أن هذا القرآن يدل على أنه من عند الله يشهد هو، في هذا العصر أليس الأمريكيون يحاولون أن يقدموا خدمات، ويحاولون مثلا يضللون بأنهم يريدون مصلحة الناس من أجل يحبهم الناس، ومن أجل يقبلون احتلالهم، ونهب ثرواتهم، أليست هذه قضية معروفة؟ اعتمادهم على تقديم خدمات هي مزيفة في الواقع.
إذًا الإنسان الذي ينطلق من منطلقات شخصية، عداوة شخصية، أو حتى وطنية، أو قومية، ليس مضمونا أن يثبت في مواجهة مصالحهم، ووجدنا في المرحلة هذه من كانوا يتشدقون بالقومية أليسوا هم من أصبح الكثير منهم من سقطوا في أحضان أمريكا؟ فعلاً، عندما تأتي إغراءات كثيرة، لأنه ماذا؟ قد تكون دول عندها إغراءات كثيرة لكن المؤمن هنا سيعرف بأنها قيمة الله، وقيمة نفسه، وقيمة دينه، وقيمة الجنة، أليس هو سيعرف هذا؟ ليس مستعداً على الإطلاق مهما قدموا من إغراءات. الحب لله يشكل ضمانة ضرورية، يعني: كأنه يكشف بأنه فعلا في مرحلة كهذه يحتاج الناس في مواجهة بني إسرائيل إلى أن يكونوا محبين لله، وإلا فقد يستفتي، قال لك: [ما يلزم] تقول: نريد كذا.. قال: [بل اترك الأمريكي يقدم لنا مصلحة]، وجلس، ألم يجلس؟ بقي ماذا؟ لا يتحرك إلا من ينطلق من الحب لله؛ لأنه ليس وراء [يلزم أو ما يلزم أو هذا قد وجب يا سيدي فلان أو ما وجب] وليس وراء: [إنهم يريدون أن يقدموا لنا مصلحة] بل أصبحوا إلى درجة أن يقول آخرون لنا، الذين يأكلون مصالحنا، الذين هم من داخل بلادنا، يقول: [من أجل مصلحة] والمصلحة ستأتي له هو، أي: قد صارت المسألة إلى أنه يباع الدين، ويباع الوطن من أجل مصلحة آخرين! أما هذا فقد صار يعتبر من أسوء الأشياء، تعتبر خسارة كبيرة جدًا أن تبيع دينك بمصلحة لك شخصية مهما كانت، أما أن تبيع دينك ووطنك من أجل مصلحة آخرين فستكون أشقى الأشقياء.
أيضا هؤلاء الأعداء لديهم فيما يتعلق بأنواع الصراع، يركزون على أشياء كثيرة يحركونها، تلويم عن طريق مثلا تثقيف، عن طريق دعاية، عن طريق ترغيب، وعن طريق ترهيب، حتى ينطلق اللوم ضد من يتحركون من كل جهة، من يلومك باعتبار أن عملك مخالف للمصلحة الوطنية، يضر بالمصلحة الوطنية، ومن يلومك باعتبار عملك يقضي على المذهب، ومن يلومك باعتبار عملك لا يجوز في المسجد، ومن يلومك باعتبار أنه خائف عليك، ومن يلومك باعتبار أن عملك يسد عليه مصلحة وقد هو مجهز لنفسه ليبيع في الأخير نفسه وهو يعتبر عملك يحول دون أن ينفق بثمن جيِّد، ومن.. ومن.. كم!
إذًا معناه لا بد من أمة، من أناس لا يخافون لومة لائم، سواء عالم، أو زعيم، أو مسئول، أو أب أو أم، أو كيفما كان، إذا كان وعيه، إيمانه لم يرتق إلى الدرجة هذه قد يأتي لوم وطأطأ برأسه وجلس، يصطرع، يدخل في قائمة المرتدين. هنا لا يوجد مجال على الإطلاق في مرحلة كهذه، وبمنطق الآيات هذه إلا أن تكون واحداً من: إما مرتدين، أو ممن يأتي الله بهم. إذًا عندما لا تكن ممن يأتي الله بهم فأين موقعك؟ معناه موقع الساكتين، موقع الجالسين، أو ربما موقع المعارضين؛ لأنه ذكر عن البديل: يجاهدون، الذين يجاهدون يعتبرون ماذا؟ لأن هذا هو قطب الآية هنا، من يرتد قابل ما يساوي الارتداد بكلمة ماذا؟ يجاهدون، كلمة: يرتد، ليس معناها: ارتداد كفر، كلمة ارتداد، كلمة كفر، أشياء هي واسعة، ليس معنى ارتداد هنا يعني: كفراً، وقد يصلون بالناس فعلا إلى درجة الكفر، قد يجعلون الناس يكفرون بالدين نهائيا خلي عنك الكفر بأنواعه الكثيرة، كم قد أوقعوا إلى الآن!
إذًا فكلمة: يرتد، معناه أنه في الواقع تراجعهم عن جهاد هؤلاء يعتبر ارتداداً؛ ولهذا ذكر البديل بعبارة ماذا؟ يجاهدون، لو لم يكن المعنى هكذا لم يقابل يرتد بكلمة يجاهدون؟ سيقول: يسلمون مثلا، أو يؤمنون لو أن المسألة معناها هناك ارتداد أي: خروج عن الملة، وقد يحصل خروج عن الملة، آيات أخرى تتناوله.
إذاً فأن يكون الإنسان على هذا النحو، وأن يكون توجيه الناس على هذا النحو: حب لله، هذه واحدة من القضايا الأساسية بأنه لا يؤثر فيه لوم لائم؛ لأن ذلك الذي قد يفتيك بأنه ما قد وجب أنت تعرف بأن هذا عمل يحبه الله [عساه لا يجب] هل ستتراجع؟ واحد هناك يريد أن يقدم لك مصلحة، أنت تحب الله لا يمكن أنك تؤثر على الله أي مصلحة، واحد من أقاربك مهما كان عزيزا عليك، أنت تحب الله أكثر من نفسك خلي عنك أن تحبه أكثر من واحد آخر. أليست هذه قضية هامة؟ تجد أيضاً في نفس أن يكون الله يحب الإنسان استعرض القرآن في موضوع الرحمة تجد أنه أرحم بالإنسان من أي قريب تطيعه؛ لأنك تحبه؛ ولأنه يحبك فتعدل عما يجب أن تكون عليه، تجاهد في سبيل الله ولا تخاف لومة لائم، هذه واحدة من الضمانات، قضية الحب لله، الحب لله تأتي عن طريق المعرفة الواسعة القرآنية.
{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} متواضعين بالنسبة للمؤمنين، وأقوياء بالنسبة للكافرين، من يرتدون هم يكونون بالعكس: أعزة على المؤمنين، أذلة على الكافرين، حقيقة، أمام المؤمن يبادر إليه يكمم فمه حتى لا يقول: [الله أكبر] وبقوة وصرامة! أليست هذه واحدة؟ وأمام الكافر يقول له: هذا عمل إرهابي في بلادك، وهو يعرف أنه كاذب فيقول: نعم، يطأطأ رأسه ويقول: نعم عمل إرهابي! لم يعد يدفع عن بلاده تهمة فضلا عن أن يدفع عن بلاده حرباً، لا يعد يدفع تهمة هي أساس في الاعتداء على بلاده، أليست هذه قمة الخضوع، الذلة للكافرين، وعزة على مؤمنين، مؤمنين يعرف بأنهم من الناحية السياسية لا يؤثرون عليه على الإطلاق، بل لو سلك طريقتهم لنجي هو، أي سلطة حاكمة لو تسلك هذه الطريقة لكانت ناجية، لكن من يضمن أنه ما يزال هناك توفيق أن يهتدوا بهدى الله، ويسيروا على كتابه. ووجدنا آخرين، ألم نجد آخرين كانوا يتنمرون على من يسمونهم بـ[الشباب] يتنمرون عليهم، وشدة عليهم، وفتاوى، وارتداد، وأشياء من هذه، وإذا بهم في وقت بروز الكافرين يصدر بعضهم بياناً للمرشدين بأنه لا تسبوا أحدًا وإن كان كافراً!! أليس هذا ماذا؟ أمام الكافرين ولا كلمة، وهو من كان يكفِّر بعضهم، أو يحكم بارتداد علماء؛ لأنهم ماذا؟ لأنهم مؤيدون لمؤيد للشباب، شدة بشكل رهيب، وإذا هي تلاشت بطريقة غريبة أمام الأمريكيين؛ لأنه قد أصبح يرى أنه ربما قد يصل هذا الموضوع إلى عنده.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
[الدرس الثاني والعشرون – من دروس رمضان]
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ: 22/ رمضان 1424هـ
الموافق: 16/11/2003م
اليمن ـ صعدة.