من أشنع الجرائم ومن أكبر المآسي في الواقع البشري هو القتل، وهذه المأساة تحدث كثيراً في كثيرٍ من الأمم والشعوب عبر الأجيال، وكانت بدايتها كما وثَّقها القرآن الكريم في قصة ابني آدم، أول حادثة قتل، وأول جريمة قتل في قصة ابني آدم، وتحدثنا عنها في محاضرات متعددة، ثم من بعد ذلك استمرت في الواقع البشري، وتكثر في بعض الأقوام، في بعض الأمم، في بعض الكيانات التي تتجرد من الإنسانية، ومن القيم، ومن الأخلاق، ومن التعليمات الإلهية، والمأساة كبيرة في الواقع البشري نتيجةً لهذه الجريمة التي هي أشنع جريمة تعاني منها البشرية، وبسببها صاحت الملائكة عندما أخبرها الله أنه سيستخلف البشر على الأرض: {قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء} [البقرة: من الآية30]، صاحت الملائكة من الإنسان، من فساده ومن سفكه للدماء.
في عصرنا الراهن نلحظ كم نعاني كبشر من جرَّاء ارتكاب هذه الجريمة من قبل كيانات ودول وجهات تمتلك قدرات للقتل الجماعي، والتدمير الهائل، والسفك للدماء بشكلٍ كبير، بالذات كلما تطورت القدرات لدى البشر وامتلكها الطغاة والجائرون والظالمون، كلما كانت المأساة أكبر؛ ولأنهم يستهينون بالإنسان، ويستبيحون قتل البشرية لأتفه الأسباب، أو للمطامع والأهواء والنزوات والرغبات، من أجل المناصب، من أجل السلطة، من أجل المال… من أجل عوامل واعتبارات كثيرة يقتل البعض، وكم يحصل في الواقع البشري من مآسٍ، تحصل مآسٍ كبيرة جدًّا، فالله -جلَّ شأنه- حرَّم قتل النفس البشرية، أعطاها حق الحياة، والاعتداء على الإنسان في حياته يعتبر أكبر ظلمٍ له؛ لأنه يفقد كل شيء إذا فقد حياته في هذه الدنيا، ومن هذه الحياة، فتكون المأساة كبيرة عليه وعلى أسرته، أقاربه، أصحابه، محيطه الاجتماعي، يمتد هذا الأثر في الواقع، وقد تكبر المأساة بقدر أيضاً ما لهذا الإنسان البشري الذي تنتهك حرمة حياته ويسفك دمه من أثر ودور في هذه الحياة. في مراحل في التاريخ قتل البعض من الأقوام أنبياءهم بغير حق كما يؤكِّد القرآن الكريم، في مراحل معينة قتل في الواقع البشري أعداد هائلة من البشر ظلماً وعدواناً.
وعلى كلٍ الحرمة لقتل النفس البشرية أتى التأكيد عليها في القرآن الكريم، وفي كتب الله السابقة، لدرجة أنَّ الله -جلَّ شأنه- جعل هذه الحرمة مشددة ومؤكد عليها بقوله تعالى: {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً}، {مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة: من الآية32]، عندما يترسخ في الواقع العام هذا المفهوم، ويدرك الجميع الخطورة الكبيرة على المستوى الإنساني والإيماني والديني لهذه الجريمة، هذا بحد ذاته سيمثل عاملاً مهماً في الحد منها، في التخفيف منها، في التقليل منها، الحالة الخطيرة في واقع الناس هي حالة اللامبالاة والاستهتار والتهاون، هذا التهاون الذي يدفع البعض للقتل لأبسط وأتفه الأشياء، أحياناً كلمة أغضبته من شخص فاعتدى عليه وقتله، في مقابل كلمة قالها، وكان بإمكانه أن يقابل الكلمة بكلمة، أو الإساءة بإساءة، أو السب بسب… أو غير ذلك. أحياناً طمع في شيء تافه قد يؤدي بالبعض إلى ارتكاب هذه الجريمة الشنيعة جدًّا، أحياناً خلافات، يمكن أن تحل تلك الخلافات عن طريق الشرع، أو عن طريق الصلح، فيلجأ البعض إلى القتل والقتال في أتفه الأمور: نزاع على أرضية، نزاع على شيءٍ ما من المختلف عليه بين الناس، وكم يحصل مما يؤثر حتى على السلم الاجتماعي، والله أراد على مستوى الواقع البشري أن يكون واقعاً قائماً على الاستقرار والسلم، ثم على مستوى الأمة الإسلامية، أن يكون الواقع الذي يحكم الجميع هو الأخوة الإيمانية: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: من الآية10]، وأن تعم حالة الاستقرار التي بها تعمر الحياة، ويترتب عليها آثار إيجابية وصالحة.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
سلسلة المحاضرات الرمضانية 1440هـ المحاضرة السادسة عشر