{وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة: من الآية280) وخير لكم حتى فيما يتعلق برأس المال، حتى فيما يتعلق برؤوس أموالكم، أن الحلال، أن التعامل في المال بعيداً عن الربا، بعيداً عن المعاملات المنهي عنها سبب هام جداً من أسباب تنميته وتكثيره. إذاً فأفضل للإنسان أن يكثر ماله بطريقة حلال ويترافق معها أن تنمو أيضاً، يتضاعف أجره عند الله، ولا أن ينمو المال ويبدو أمامه مجرد أرقام ولكنها ممحوقة الله سبحانه وتعالى، هو بكل شيء عليم، هو على كل شيء قدير، يستطيع بطريقة معينة أن يبقى المال مجرد أرقام أمامك ويمحقها، تعيش في حالة تكون أشبه شيء بحالة الفقير، كوارث معينة تخفض الأرقام هذه التي أنت تعمل على تجميعها من الربا!.
عندما تلاحظ في الآيات هذه التشنيع الكبير على الربا، هذا مما يعتبر من أبرز الأدلة على أن دين الله سبحانه وتعالى يتناول كل شيء، ودينه وتشريعه في هذا الدين يمثل رعاية للناس، رعاية؛ لأن الربا فيه أضرار اقتصادية كبيرة، ويؤدي إلى خلق تباين فيما بين النفوس، متى يمكن أن تقدر لهذا الشخص ما قدمه لك وأنت تعرف أنه يريد من وراء ما قدمه لك أرقاماً إضافية يعطيك مثلاً: مائة ألف، ولازم أن تعطي في كل سنة 10% زيادة، ثم يأتي بعد فترة وإذا قد المائة ألف تتحول إلى ثلاثمائة ألف كيف ستكون مشاعرك أنت نحوه؟!
فالربا خطير جداً، لأن المال له دور كبير، وقدم على أساس أن يكون له دور كبير فيما يتعلق بصلاح النفوس، فيما يتعلق ببناء المجتمع من أناس متآلفين، رحماء فيما بينهم، يعطف بعضهم على بعض. فالربا نفسه يحطم النفوس، يحطم العلاقات فيما بين الناس، أليس هناك فارق عندما يأتي شخص يقرضك قرضة ولا يريد منك إلا ما قدمه لك فقط وفي موعده، فإذا جاء موعده وأنت معسر أعطاك أجلاً آخر، أو قصَّد لك على آجال متعددة، أو شخص يعطيك مبلغ مثله مرتين ويريد منك زيادة 5% أو 10% في كل سنة على ما أعطاك كيف ستكون مشاعرك أنت نحو هذا ونحو ذاك؟ أليس الفارق كبيراً جداً؟.
ولهذا في الأخير يتحول المجتمع كما يقولون إلى: فئتين، فئة أصحاب رؤوس الأموال المفصولين عن المجتمع تماماً لا رحمة ولا عاطفة ولا يلحظ في نفسه ما يسمى فعل خير أبداً، وطبقة المجتمع هذه الفقيرة المغلوبة أيضاً ترى نفسها في وضعية تتمنى أن تتحطم تلك الأموال، وأن تتهدم تلك البنايات، وأن تتفجر تلك المصانع، وأشياء من هذه! أليس هذا يوجد تبايناً فيما بين النفوس؟ لأن العلاقة الحسنة فيما بين الناس وما بين أصحاب رؤوس الأموال وما بين الفقراء وأصحاب الحالات المتوسطة قضية هامة جداَ في تنمية المجتمع، في نمائه من الناحية الاقتصادية، قضية هامة، وفي نفس الوقت في بقائه مجتمعاَ قادراً على أن ينهض بمسئولياته في مختلف القضايا: في مجال إعلاء كلمة الله، في مواجهة أعداء الله.
فتحريم الربا والتهديد للمرابين وإعلان الحرب أليس في هذا ما يدل على أن هذا الدين يهتم جداً بالناس، أنه رعاية للناس، أنه رحمة للناس؟ أي هل موضوع الربا هذا فيه ضر على الله سبحانه وتعالى؟ لا، لكن فيه إضرار بالناس، والله جعل كتابه رحمة للعالمين، وجعل رسوله رحمة للعالمين، فدينه كله بكتابه ورسوله وكل ما يهدي إليه رحمة للعالمين في كل المجالات بما فيها الجانب الاقتصادي، جانب المعيشة، جانب المال، لم يقل: [هذه دنيا [هل هنا مسألة: [هي دنيا]؟ يعلن حرباً شديدة على المرابين.
والربا هو في موضوع المال، أليس موضوع دنيا؟ لأن فيه إضرار بالآخرين، لم يقل للآخرين: [اصبروا وما عليكم شيء وما هي إلا دنيا] يجب أن يتوقفوا، ولهذا قام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وأعلن بأن ((كل ربا تحت قدمي هاتين)) كما قال، وأول ربا يضع ربا العباس بن عبد المطلب عمه؛ لأنهم كانوا يتعاملون سابقاً في الجاهلية بالربا، ألغاه وصادره قد صار مصادراً.
عندما تجد هنا في موضوع الربا فيما يتعلق بالتعامل فيما بين الشعوب نفسها، شعب من الشعوب يقترض مبالغ وتكون على هذا النحو فيها ربا فلا تدري إلا وقد المبالغ التي هي الربا وحده، الزيادات قد صارت أكثر من المبلغ الأصلي، من المبلغ الرئيسي الذي استلمه أو حول له بشكل مواد أخرى، لم يعد يستطيع الناس يتخلصون منه! الآن معظم الشعوب العربية مليئة بالديون، ترى ما يمثله رأس المال الحقيقي، المبلغ الحقيقي لم يعد يعتبر إلا ربما نصف أو أقل من النصف! صارت الزيادة تلك الأرقام الكبيرة التي تطلع مليارات الدولارات كلها ربا كلها الزيادات التي في كل سنة، نسب معينة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
[الدرس الثاني عشر]
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 12 رمضان 1424هـ
الموافق: 6/ 11/2003م
اليمن ـ صعدة.