وأراد أولئك العملاء أن يقدموا شاهدا لليهود والنصارى: أن الإسلام يقبل الهزيمة، ففي أفغانستان هزموا سريعا، وفي اليمن انطلقوا ليحلقوا لحاهم (ذقونهم ) انطلقوا وذابوا وتلاشوا في اليمن أمام كلمة وليس أمام قنبلة أو صاروخ، فتلاشوا فرأيناهم كيف أصبحوا ضعافاً بينما هم كانوا أقوياء على الشيعة! ألم يكونوا أقوياء علينا في مساجدنا, وفي مدارسنا؟ أقوياء على علمائنا، أقوياء على أئمتنا، أقوياء على تراثنا: هذا بدعة, وهذا ضلال, وهذا كفر.. يكفر هذا, يضلل هذا, يبدع هذا، وهذا كتاب ضلال، وهذا كتاب بدعة.. إلخ .
إذاً أنتم قد أصبحتم في مواجهة مع الكفر الصريح، مع الكفر البواح يا من كنتم تقولون [إلا أن تروا كفرا بواحا] ألستم الآن يقال عنكم: أنكم إرهابيون، وأن أمريكا تطاردكم، وأن أمريكا تريد أن تضربكم، لماذا لم تثبتوا ولو يوما واحدا؟!.
لماذا لم تستمر مواجهتكم ولو مواجهة كلامية في مساجدكم على المنابر، في المدارس, في الجامعة؟ أين جامعة الإيمان؟ أين تبخر هذا الإيمان؟ جامعة مملوءة بالإيمان بطوابقها كلها! تبخر كله, وهم قوة لا يستهان بها فعلا.
هل أن ذلك خوفا من السلطة نفسها؟ رأيناهم في الانتخابات لم يكونوا يخافون من الرئيس, ولم يكونوا يخافون من المؤتمر, دخلوا بمنافسة شديدة, وحصل صراع، وحصل قتال في مراكز كثيرة، وفعلا أتعبوا المؤتمر بشكل ملحوظ, أرهقوه في الانتخابات, وكانوا يتكلمون, وكانوا صريحين في كلامهم في الانتخابات.
أمام صرخة يهودية واحدة تتبخر جامعتهم ومعاهدهم ومساجدهم، ومشائخهم ! ثم تتلاشى ذقونهم أيضاً! ما هذا؟! أليس هذا دليلا على أن أولئك لم تكن تربيتهم إيمانية، وأنهم يفتقدون إلى الأسس الصحيحة للإيمان، وأن جامعتهم لم تكن إيمانية, وأن معاهدهم لم تكن إيمانية، وأن ذقونهم لم تكن إيمانية، وأن شدتهم تلك لم تكن إيمانية؟.
لو كانوا مؤمنين لكانوا كما حكى الله عن المؤمنين الذين هم مؤهلون لأن يقفوا في مواجهة اليهود والنصارى: {أذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}(المائدة: من الآية54).
وجدنا شواهد كثيرة جدا, من حكومات, ودعاة, وجامعات, ومعاهد, ومراكز, وكل العناوين المختلفة, كلها لم تتجه لتربية الأمة تربية إيمانية حقيقية.
لكن لاحظ هناك تربية إيمانية حقيقية في: [إيران] وفي [حزب الله] ألم يتجه حزب الله لضرب معسكرات إسرائيل بعد التهديد؟ وهو مصنف في قائمة الإرهاب من زمان, من قبل أن يقال عن هؤلاء الدعاة أنهم إرهابيون.. ماذا عمل؟ حزب في نفسه عزيز على الكافرين, وأذلة على المؤمنين حقيقة.
نقول لأولئك الدعاة: أنتم بعقائدكم من ضربتم أنفسكم، أما نحن فلم تكن ضربتكم ضربة لنا بل كانت شاهدا أعطانا قوة في إيماننا, وبصيرة في عقائدنا، وإلا لو كنا ننظر نظرتكم لاهتزت ثقتنا بالقرآن وبالإسلام كله؛ لأنكم كنتم تبرزون أمامنا كتلا من الإيمان, كتلا من الإلتزام حتى فيما يتعلق بالثوب والسواك، يحرك السواك وهو في الصف للصلاة التزاماً بالسنة, احتمال أن يكون المراد بأن السواك قبل الطهور, أو أن يكون أيضا مقصودا به قبل التكبير للصلاة، وأنت في الصف, فيخرج السواك من جيبه ويتمسوك, ويقصر الثوب!.
هم يبرزون بأنهم ملتزمون حتى في أدق الأشياء، ثم تبخرت كل هذه الأشياء أمام صرخة واحدة من اليهود.. والدقن (اللحية ) كان بقاؤها وإطالتها ركن من أركان الإيمان، ركن من أركان الإسلام، انطلقوا ليحلقوها سريعا!.
أذكر وأنا في مرة من المرات حول الكعبة قبل سنوات ورأيت شابا يبدو من ملامحه أنه لبناني بدون ذقن ( ولحية) وهو يقف بخشوع وهو يدعو الله دعاء حاراً أن يرزقه الشهادة في سبيله.
وهؤلاء بذقونهم أين الشهادة في سبيل الله؟ وهم فئة لها قاداتها, لها إمكانياتها الهائلة, إمكانياتهم أعظم من إمكانيات حزب الله، إمكانياتهم في اليمن, وعددهم, أكثر عدة وعددا من حزب الله في لبنان، ثم لماذا لا نسمع أنهم يهتفون بشعار: الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. وأن يلعنوا اليهود.
كانوا يلعنون الشيعة.. لماذا لا يلعنون اليهود!؟ وهل الشيعة يشكلون خطورة بالغة على الإسلام أشد من أمريكا وإسرائيل؟ هم كانوا يلعنوننا ونحن هنا شيعة ضعاف مستضعفون فكانوا يلعنون الشيعة في مساجدهم وعلى منابرهم! لماذا لم ينطلقوا ليهتفوا بشعار: ( الله اكبر/ الموت لأمريكا/والموت لإسرائيل/ اللعنة علي اليهود / النصر للا سلام ) وهو شعار له أثره المهم, وأثره البالغ في نفوس اليهود والنصارى؟.
لم نجد أي شيء من هذا، ولم نسمع أيضا منهم كلاما كثيرا عن فضح مؤامرات اليهود والنصارى, وتعبئة عامة للمسلمين ضـد اليهود والنصارى، تعبئة ولـو فيما يتعلق بجانب الوعي! لا شيء، بل ضـاعوا هم, وأصبحوا يلتجئون - كما يقال عن بعضهم - في الجبال, وفي المغارات, وانتهى الموضوع.
أريد أن أقول لأولئك الذين يقولون: (كل, أولئك الآخرون هم مسلمون, وهم على حق، لماذا ليس إلا نحن على الحق؟) نقول: أنظر هكذا تجلي الحق عندهم ، ثم عد إلى القرآن إذا كنت تعتقد أن ما لديهم هو الحق, وكنت تغتر بكثرتهم فانظر إلى كثرتهم كيف تبخرت في مواجهة أعداء الله.. والحق هو من الله, والحق جاء في كتاب الله، وتلك آيات كتاب الله تصف المؤمنين, والجهاد في سبيل الله, والعزة في مواجهة أعداء الله, والاستبسال في سبيل الله هو من أبرز صفات المؤمنين.. هل هذه فيهم؟. لا. أليسوا هم من تبخروا أمام أعداء الله؟ فكيف بإمكانك أن تقول: أنهم على حق! انضم إلى صفهم لتكون واحدا من المهزومين.. أو أنهم متحرفون لقتال؟ لا. بل ينكمشون, وانتهى الموضوع.
يتبين لنا هنا أيضا: بأن الله سبحانه قد بين للناس الأدلة على الحق في كتابه الكريم، ثم الأدلة والشواهد على الحق في واقع الحياة, وفي ممارسات الناس جميعا.. إذاً فلا تغتر بكثرتهم. لا يخدعك ضجيجهم, ولا تخدعك ذقونهم,(لحاهم ) ها هي تهاوت هذه الذقون (اللحى)سريعا دون أن تعمل شيئاً.
لماذا وقفوا في وجه المؤتمر, وفي وجه الرئيس في الانتخابات من أجل أن يحصلوا على مقاعد في مجلس النواب؟. وإذا كانوا هم يرون أنه هو الذي انطلق ليوقفهم عن أن يقولوا كلمة في مواجهة اليهود والنصارى لماذا أطاعوه هنا وعصوه هناك؟. لماذا لم يقولوا له: لا؟ لماذا لم يقولوا له: لا يمكن أن نسكت حتى وإن لم نكن نحن مستهدفين شخصياً, أما وهم مستهدفون شخصيا - كما يزعم البعض - فبالأولى أن لا يسكتوا.. بالأولى أن يتكلموا, وأن يتحركوا.
((إن الحق لا يعرف بالرجال - كما قال الإمام علي (عليه السلام) - وإنما الرجال يعرفون بالحق فاعرف الحق تعرف أهله)) تجد شواهد الحق كثيرة، والإمام علي يريد من كلامه هذا أن شكليات الرجال: ذقونهم,(لحاهم ) ملابسهم, أجسامهم, ضجيجهم, حتى عبادتهم ليس هو المقياس على الحق، إعرف الحق.. نحن عرفنا الحق في القرآن الكريم أنه هو الوقوف في وجوه أعداء الله, أليس كذلك؟. الحق هو الذي قال: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة:29).
أليس هذا هو الحق؟ وجدنا الحق هو الذي قال سبحانه وتعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُون ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ}(آل عمران: من الآية112). أليس هذا هو كلام الحق, يكشف الحقيقة عن أعداء الله؟. المؤمنون هم مصدقون بهذا الوعد، والمصدقون بهذا الوعد الحق هم الذين سينطلقون أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم.. هل هذا حصل منهم؟!. إذاً فشكلياتهم ليست دليلا على الحق.. المواقف أبانت لنا بأنهم ليسوا أهل حق.
أم أنهم كانوا يرون أن هناك جوانب من معتقداتهم الحقة لاتزال غائبة ليس بإمكانهم أن يفصحوا عنها؟ لا. نحن الزيدية قد نقول فعلا: ليس بإمكاننا, وليس لدينا الإمكانيات الكافية أن نوضح للناس الحق الذي نعتقده, ليس بإمكاننا, ولا لدينا الإمكانيات الكافية أن نتحدث للناس جميعا عن أهل البيت, وعن عقائدنا كلها..
لكن أولئك كانوا يرون أنفسهم يستطيعون أن يقولوا كل شيء من عقائدهم, وليس شيء من معتقداتهم غائبا عنهم. إذاً فهم قد كمل إيمانهم.. أليس كذلك؟. من وجهة نظرهم, وعلى أساس معتقداتهم، إيمانهم كامل, إسلامهم متوفر, لكن هناك ما شهد بأن إيمانهم من أساسه ناقص، والإسلام الحق في أوساطهم ضائع.
السيد / حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه .
في ضلال دعاء مكارم الاخلاق – الدرس الثاني / ص – 8 – 9 .