جميل المقرمي
في زمن تذبلُ فيه الإراداتُ وتُخدَّرُ فيه الشعوب تحت عناوين الخوف والتطبيع، ينهض الشعب اليمني كأنما بين جنبَيه محرِّكٌ من نار، لا يعرفُ الخمودُ. إنها ثقافة (هيهات منا الذلة). و(من أحبَّ الحياة عاش ذليلًا).
ففي عصر يوم الجمعة، تدفَّقت الجموعُ اليمنية إلى ميدان السبعين بصنعاء وامتدت المسيراتُ إلى أكثرَ من ألف ساحة في محافظات البلاد، تحت راية: ((مُستمرّون في نصرة غزة والمقدسات مهما كانت التحديات)).
مشهد لم يكن استعراضًا عدديًّا بقدر ما كان رسالةً للعالم أن هذه الأرض لا تزال حيّةً نابضة يقظةً لا تخونُ القضايا ولا تسقُطُ في متاهات الصمت. والانبطاح..
وما إن هدأ وَقْعُ الأقدام في الساحات، حتى اشتعلت ليالي القرى والمدن بالأهازيج الشعبيّة والبَرَع وأصوات الألعاب النارية التي لامست السماء وكأنها تكتب بالألوان (لا سيفَ إلَّا ذي الفقار ولا فتى إلَّا علي).
ثم، لم يكن الاحتفال وحدَه هو الحاضر، بل رافقه إطلاقُ صاروخ باليستي وفرط صوتي نحو كيان العدوّ الصهيوني، في توقيت شديد الدلالة: حَيثُ الفعل يتقدّم على الشعارات، وتتحوّل الهُتافاتُ إلى نارٍ تقضّ مضاجع العدوّ.
وصباح السبت، لم تكد الشمس تبزغ حتى استقبلتها مئاتُ الساحات اليمنية بألوان الفرح؛ رقصًا على وقع البرع، والأهازيج الشعبيّة للأرض والدين والمقدسات.
شعبٌ يصحو على المجد ولا يترك للراحة مكانًا حين تناديه القضايا الكبرى.
وفي الخامسة مساءً كانت العيونُ مشدودةً إلى كلمة السيد القائد عبد الملك بن بدرالدين الحوثي -يحفظه الله- يتابعونها بشغف.. الكبير والصغير المزارع والجندي وَالعالم والطالب والمعلِّم والمهندس والطبيب وكأنها نبضٌ يُوحِّدُ القلوب ويصُبُّ الزيت على فتيل الوعي والبصيرة.
هكذا هو اليمن…
إذا استنفر تزلزلت له الأرض.
وإذا احتشد صمتت الأبواق. وَإذَا احتفل صنع من الفرح مقاوَمةً ومن الصوت صاروخًا، ومن البرع موروثًا لا يندثر.