عبدالفتاح حيدرة
من عجائب سنن الله في التغيير ان تجتمع في هذا الشهر ذكرى إستشهاد عمودين من أعمدة المسيرة القرآنيه ، الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي، والشهيد الرئيس صالح الصماد (عليهما سلام الله ورضوانه) وإن دل هذا الإجتماع على شئ فإنه يدل في المقام الأول على تذكير إلهي لسمو و رقي حقيقة المصداقية في نهج المسيرة القرآنيه بتضحية قادتها بأنفسهم ، ففي تضحية القادة تبرز القيمة الأعظم والأكبر والأشمل في سبيل إحقاق الحق وإنتصاره ، هذا الحق الذي نشاهد بأم أعيننا معجزات إنتصاراته اليوم وهي محاطة بتوفيق ورعاية الله لها ، تتشابه كل دروسها وعبرها ما حدث في كل ثورات الأنبياء والرسل ضد طواغيت الباطل ، و إذا اعتبرنا أن دور المثقف الثوري الواعي يرتكز على قرأة الدروس والعبر التي صاحبت مشروع المسيرة القرآنيه ، او ان يتماهى بشكل أو بآخر مع دور وتضحيات الأنبياء والرسل ، فمن غير اللائق أن يترك المثقف الواعي جماهير الرسالات السماوية في العصر الحديث لتتماهى مع كفار الجاهلية والمنافقين والانتهازيين والفاسدين ليعادوا الرسل وقادة النهج الإلهي والقرآني ..
في هذا المقام الكبير لتضحية الشهيد القائد والرئيس الشهيد "عليهما سلام الله ورضوانه" يلزم لكل مقال أن يستخدم لغة محددة الدلالة ، لإبراز الحق وأهله وتضحياتهم ، لأن هذه اللغة المحددة ضرورية لقطع الطرق المؤدية إلى المغالطات الفكرية التي يتشدق بها اعداء الله ، هذا إذا كنا نريد الوصول إلى فهم صحيح الوعي وقيم ومشروع لمسيرة القرآنية، وتفسير ظواهر معجزات رعاية وتوفيق الله لقادتها وأتباع نهجها ونصرهم على اكبر ترسانة لطواغيت الأرض ، ومن منطلق فكرة المسيرة القرآنيه وتضحية قاعدتها نجدها في المقام الأول مرتبطه بالله ورعاية وتوفيق الله ، وهي منهجية اختارت الفكرة و المادة الأعظم والأرقى لتفرضها على الإنسان ، ليكون هذا الفكر المرتبط بالله هو القائد المحرك للتطور الإجتماعي الثائر مع الحق ومن أجل إحقاق الحق ، و لتكون المادة المرتبطة بمعية الله هي القائد المحرك للتطور الأخلاقي والاقتصادي و السياسي والثقافي.. الخ..
إن تضحية الشهيد القائد وتضحية الرئيس الشهيد "عليهما سلام الله ورضوانه" دلالة على ان الإنسان المرتبط بمعية الله وقيادة الله لايقهر أبداً ، ويتعلم جيداً من خبرته الايمانية هذه ، كيف يثور ضد قاهريه ، و يدرك أن التزامه بذلك يجعله صاحب معرفة بكيفية هلاك الأمم و مئات الملايين من البشر بسبب تخليهم عن الإرتباط بالله و التضحية من اجل الله ، و يؤكد لنا ذلك الواقع غير الإنساني اليوم الذي تعيشه الشعوب تلك الإجابة الحية لكافة شكوكنا ، وإن المسيرة القرآنيه اليوم هي المشروع الحق الذي يثبت ضرورة وجود حركة تمرد إنساني ضد الاستهانة والقهر والظلم والتبعية والإرتهان، وأنه لابد من ثورة تحررية إنسانية ضد الجبرية التي تمارسها الصهيونية العالمية ضد إرادة الانسان حتى وصل بها الأمر إلى إجبار العالم لنكران نوعة الاجتماعي السوي الذي خلقه الله عليه، وتحويل الذكر لأنثى والأنثى لذكر ، والتحكم الرياح والامطار والزلازل ، وهذا تحدي لله في خلقه وشئونه وسننه ، وهذا الأمر يكفي لكل ذي عقل سوى ان يعشق التمرد والتضحية لأن المعركة اليوم مع العدو الصهيوني وأدواته الشيطانية معركة وجود وليست معركة حدود ونفوذ..
ختاما ان تحليل تضحية قادة وأعمدة المسيرة القرآنيه "عليهم سلام الله ورضوانه" يثبت اليوم ان القيادة التي غرستها تضحيتهم هي لله بالله ومع الله ، و أن المجتمعات قد نشأت لأول مرة بوجود الإنسان المفكر بهذا التفكير السوي ، وان مواجة الإنسان لظروفه المادية تدفعه لتطويع وتطوير كل تلك الظروف لإشباع حاجاته المتجددة دائما ، والتي على رأسها إيمانه بالله وحريته وإستقلاله ، وهذه قيم تدفعه للبدء بصناعة تقدمه وتطوّير مجتمعاته كلها ، واعيا ان التأثير المتبادل بينه وبين ظروفه هي أساس اختيار مستقبله الحر والمستقل وتحقيقه على أرض الواقع من خلال تنفيذ مشروع يقوده الإرتباط الكلى والالتزام التام بأوامر ونواهي وتعليمات وتوجيهات الله وكتاب الله ، لأنه سبحانه هو قائد كل حركات العزة والنصر والتطور الإنساني و الاجتماعي والاقتصادي والعسكري والعلمي ، و هذه هي خلاصة تاريخ قيم ووعي ومشروع تضحية قادة المسيرة القرآنيه ببساطة ، و الذي لا بد ان يتحول اليوم إلى ثقافة وسلوك حياتي دائم لدينا ، حتى نساهم في تشكيل ثقافة التضحية لله و المرتبطه بالله ومع الله ، و لإنها الثقافة الوحيدة اليوم التي تعد بمثابة حائط الصد المنيع ضد أي طغيان و استبداد وإرتهان مستقبلي للباطل والشر الصهيوني وأعوانه وأدواته الشيطانية..