هؤلاء فهم نوعية أخرى فيما بينهم أذلة مع بعضهم بعض يكظم غيظه، ويعفو، ويصبر، ويتحمل ويسامح ويحاول أن تبقى علاقته مع أخيه قوية، ويبقى الود فيما بينهم قائماً، تبقى العلاقة فيما بينهم قائمة، ونفوس متآلفة، وقلوب متحابة، لكنهم في ميادين المواجهة {أعزةٍ على الكافرين} ما معنى أعزة؟ أقوياء ينطلقون بنفوس قوية، هم ينطلقون بنفوس قوية، وليسوا ممن يحتاجون إلى تحريض ودفع، ولا ممن يثاقل {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} (التوبة: من الآية38) ليسوا هذه النوعية.
تجد الألفاظ هذه ما أجملها وهي تعبر عنهم تعبيراً يصورهم تصويراً أمامك، تتخيلهم {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} جهاد، جهاد في سبيل الله {وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} (المائدة: من الآية54) فلأن هذا الميدان هو ميدان صراع متكامل يجاهدون بالكلمة، يجاهدون بالمال، يجاهدون بالقلم، يجاهدون بالسيف، يجاهدون بمختلف الأسلحة التي يمكن أن يحصلوا عليها، جهاد، يجاهدون جهاد بناء للأمة وجهاد يهدم أعداء الله.
{فِي سَبِيلِ اللَّهِ}؛ لأنهم يحبون الله والله يحبهم، فهم يبتغون بجهادهم رضاه، وما أعظم أن ينطلق الإنسان في سبيل الله، وما أعظم أمة تنطلق للجهاد في سبيل الله حيث ستكون فيما بينها أقرب أقرب إلى أن يتحقق على يديها النصر.
أي ليسوا من أولئك الذين ينطلقون إذا كان هذا أو ذاك سيعطيهم بنادق وفلوس وطحين ومصروف وصرفة وأشياء من هذه. ما كانوا أيام الثورة يوم ملكي ويوم جمهوري؟ يسير لبندق من عند الملكية، ويقول ملكي، وراح في يوم ثاني ودخل بـ[زامل] للجمهورية وقال جمهوري وصرفوا لهم بنادق وفلوس، هؤلاء متعيشين، هؤلاء يسمون مرتزقة، مرة هنا ومرة هنا. أما هؤلاء فهم يهمهم أن يجاهدوا في سبيل الله وعندما ينطلقون في الجهاد في سبيل الله ينطلقون بأموالهم وأنفسهم.
{ولا يخافون لومة لائم}، أيَّ لومة كانت، وأي لائم كان؛ ولأنهم هم أصبحوا إلى درجة أنهم لا يخافون ممن يمكن أن يحذرهم من القتل؛ لأنهم مجاهدون؛ ولهذا لم يأت ليقول ولا يخافون مثلاً من يهددهم بالقتل، أو من قد يقول قد تتعرضون للقتل أو أشياء من هذه؛ لأنهم هم مجاهدون والمجاهدون في سبيل الله هم يبحثون عن الشهادة، أن تخوفه بالقتل ستخوفه بماذا؟ {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} (التوبة: من الآية52) تخوفه بالحسنى بالنصر، أو تخوفه بالحسنى بالشهادة، ليس هناك ما يمكن أن تخوفه به.
يمكن أن يكون هناك لومة لائم من قريب من بعيد، من يقول له: [يا أخي ما عادك أحسن من فلان، هو ذا عندك من أولياء الله جالس أما أنت فبا تقوم تتحرك عادك أعلم منه عادك اما أنت كذا .. كذا] بيجي لوم كثير وبوسائل متعددة، هم ليسوا ممن يخافون لومة لائم. أما أنهم يخافون قتل، أو يخافون سجون أو يخافون أي شيء هم مجاهدون. هم أعزة مجاهدون فينطلقون برغبة، فأن تخوفه مما يرغب فيه فليس معقولاً، وليس منطقياً أن تخوفهم مما هم يرغبون فيه.
ثم هل هؤلاء يعتبرون ناس حمقى أو تورطوا؟ لا. هم ممن حازوا الفضل، هم من أصبحوا وحدهم من حازوا هذا الشرف العظيم {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ} ما معنى فضل الله؟ فضل الله أن يهيئهم هم أن يكونوا هم من يحظون بأن يكونوا على هذه الصفة، من يكونوا بدلاً عمن تقاعدوا وتوانوا وتخاذلوا. أليس هذا اصطفاء من جانب الله لهم؟ تفضيل من الله لهم أن اختارهم هم؟ أن اصطفاهم هم ليكونوا بدلاً عن أولئك المتقاعسين المتوانين المثبطين المتعرضين للارتداد؟ فهم هم مفلحون هم فائزون، وليسوا متورطين.
{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ} وهو فضل من الله أن يكونوا هم من يقوم بهذه المهمة بهذه المسؤولية التي يعد القيام بها فضلاً من قبل الله سبحانه وتعالى {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} (المائدة: من الآية54) عاد فيها يؤتيه من يشاء، وليست المسألة تكاد أن تكون مجرد اختيار من قبل الناس هنا أو هنا، بل قد يكون من قبل الله هو أن يرى أمة من الأمم أن يرى ناساً من الناس مؤهلين وجديرين بأن يؤتيهم ذلك الفضل وبأن يكونوا ممن يستحق هذا الفضل العظيم، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (المائدة: من الآية54).
الله واسع الفضل {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} (النساء: من الآية95) ففضله واسع، فضله واسع وهو العليم بمن هو جدير بفضله، بمن هو جدير بأن يصطفيه لمثل هذه المهام التي يتقاعس عنها الكثير من الناس، وإن كانوا يحملون اسم الإيمان. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ} (المائدة: من الآية54) فيرتدون وهم يحملون اسم الإيمان، فلا يدرون أين بلغ بهم الحال، وكيف أصبحوا، وهم يظنون أنهم ما يزالون مؤمنين، وهم قد ارتدوا، وهم قد استبدل الله بهم غيرهم، وهم قد رُفضوا وأذلوا وأُبْعِدوا، وهم يقدروا بأنهم مؤمنين.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من سورة المائدة الدرس الأول / ص - 13 - 14.
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 13/ 1/2002م
اليمن – صعدة.