في ال٢٠ من مارس 2015 أقدم أربعة انتحاريين على تفجير أنفسهم داخل مسجدي بدر والحشحوش ليسقط المئات من القتلى والجرحى بينهم أطفال.
وبالنظر إلى المجزرتين فقد كانتا فاجعة كبرى وجريمة وحشية لم يسبق لهما مثيل في اليمن بمعنى أن ذلك العمل الإجرامي الجبان هو الأول من نوعه الذي يسقط فيه ذلك العدد الكبير من الشهداء والجرحى، وإن كان العمل ليس جديدًا بالنسبة لأتباع النهج الوهابي، وهو النهج الذي عمل الاستعمار البريطاني على بعثه من جديد وانتزاعه من بين الصفحات السوداء لما يسمى بالتاريخ أو الموروث الذي ينسب إلى الإسلام باعتبار أنه ظهر في المنتمين للإسلام من يستمرأ قتل المخالف، ويبيح سفك دماء المخالفين له عقديا، ومثل ذلك "الخوارج"، وسياسيا يمكن اعتبار العصر الأموي وبالذات منذ صار معاوية بن أبي سفيان يُطلق عليه لقب خليفة المسلمين!! وأما قبل هذا التاريخ فقد كان هناك حوادث يمكن أن نعتبرها منزلقات مهدت الطريق أمام الخوارج والأمويين، ليذهبوا بالأمة بعيدا عن المسار الصحيح الذي رسمه لها الإسلام.
والذي فعله الاستعمار البريطاني هو أنه أعاد صياغة هذين الخطّين من خلال صناعة مؤسس النظام السعودي، ليشكل هو نموذج النظام الأموي المعادي للنهج المحمدي الأصيل وصناعة مؤسس النهج الوهابي ليشكل النموذج الخارجي، وذلك بهدف استغلالهم في حروب الشيطان للحرب بالوكالة عنه وعن اليهود وضرب الإسلام من الداخل ولمواجهة النهج المحمدي الأصيل الذي يخشاه أهل الكتاب ويخشاه بنو إسرائيل على وجه الخصوص، واغتيال الإمام علي (عليه السلام) في المسجد على يد الخوارج وهو الرجل الذي يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، أي هو فاتح خيبر ومن كانت منزلته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعده وهو مَن برز يوم بدر الذي خسر فيه الأمويون، وظلوا يحملون نار الحقد من حينها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته ويخفون رغبتهم للثأر إذ أنهم لم يشتفوا بقتل عم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والتمثيل بجثته ومحاولة هند أكل كبده، لكنهم توارثوا ذلك الحقد حتى واقعة الطف في كربلاء التي أباد المعسكر الأموي فيها الكثير من أهل البيت النبوي الشريف، وعلى رأسهم الحسين بن علي عليهما السلام وابن فاطمة بضعة المصطفى وحفيد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيد شباب أهل الجنة، وقد عبر يزيد بن معاوية بعد تلك الفاجعة عن فرحه بالثأر من أهل البيت بقوله يوم بيوم بدر، وله قصيدة في ذلك صرح فيها بالكفر. وكان اغتيال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وهو الذي حمل راية المسلمين يوم فتح مكة وبرز في كل المعارك التي دارت رحاها بين المسلمين ومشركي قريش والأعراب من جهة وبين اليهود من جهة أخرى، ولهذا كان المستفيد الوحيد من عملية الاغتيال هم بنو أمية بقيادة معاوية واليهود وصدق الله القائل (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) [سورة المائدة]
وما عمليتا اغتيال معاوية وعمرو بن العاص إلا من أجل تضليل الرأي العام عن المخطط للعملية وصاحب المصلحة والمستفيد من الجريمة، ولتفادي تداعيات سخط المسلمين والتغطية على الجريمة وحصرها على المنفذ المباشر، وهم الخوارج والذي يبدو أن صورة الحاضر للوهابية ماهي إلا انعكاس للخوارج في ذلك العصر، وأنهم كانوا مخترقين من السلطات الأموية وأهل الكتاب وبالذات اليهود ومن يدور في فلكهم، كما هو حال الوهابية اليوم ولهذا فشل اغتيال معاوية وعمرو.
ونحن نرى اليوم وجود عناصر أجنبية داخل مكونات الجماعات الوهابية الإجرامية وانكشاف علاقتها باليهود، حيث إن الجماعات الإجرامية التي تقاتل في سوريا يتم معالجة جرحاهم في مستشفيات الكيان الصهيوني، وقد نشر مقطع فديو لزيارة رئيس وزراء الكيان الصهيوني "نتن ياهو" لبعض جرحى الوهابية في أحد المستشفيات الإسرائيلية وهذا أمر لم يعد خافيا.
أما علاقتها بالأمريكان والنظام السعودي والإماراتي وباقي الأنظمة المنضوية في الظل الأمريكي الغربي، فهي مشهورة غير خافية منذ الحرب في أفغانستان، ومن هنا نستطيع القول إن المستفيد من جريمة مسجدي بدر والحشوش هم هؤلاء، وعلى رأسهم الأمريكي الذي فر من صنعاء ولحقته بقية سفارات دول العدوان بعد ثورة ال21 من سبتمبر 2015م.
الغلو في الدين دخل على المسلمين عبر أهل الكتاب
أشار القرآن إلى هذا الجانب الانحرافي في بعض السور التي تناولت واقع أهل الكتاب والانحرافات التي ظهرت فيهم قال الله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (٧٧)' [سورة المائدة]
والأهواء هي التي تصوغ العقائد الباطلة والأحكام الجائرة وتبيح لأصحابها القتل واستحلال ما حرم الله، ولهذا في نفس السياق قال الله سبحانه وتعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) 'كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩)' [سورة المائدة]
وكانت أهواؤهم التي شكلت أخطر معتقداتهم تدفعهم إلى تكذيب الأنبياء واتهامهم ونسبة ما لا يليق إليهم وحتى قتلهم، قال الله سبحانه وتعالى: ( لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ۖ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (٧٠)' [سورة المائدة]
وهذا الغلو والانحراف انتقل عنهم إلى البيئة الإسلامية من خلال بعض المنتمين للإسلام والذين كانوا على اتصال بهم، ولهذا قال الله عز وجل يخاطب المؤمنين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (١٠٠)' [سورة آل عمران]
وقال جل شأنه أيضا وهو يوجه الخطاب للمؤمنين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١)' [سورة المائدة]
وهذا في زمن نزول الوحي وبإمكان الباحث أن يتعرف على ذلك البعض من المؤمنين في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين كانوا على ارتباط باليهود من خلال ما روته كتب الحديث عن تلك العلاقة حتى أنه روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله الموجّه أولا للصحابة (لتتبعن سنن من كان قبلكم ..إلخ )، وقوله ( لتحذن حذو بني إسرائيل حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل ولو دخلوا جرح ضب خرب لدخلتموه )، أو كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم).
وهذا الفريق من المؤمنين هو الذي عبره استطاع اليهود دس الكثير من الإسرائيليات والانحرافات، ونحن نرى اليوم امتداد ذلك البعض أيضا على صلة باليهود في عصرنا الحاضر. وكما كان أولئك يحسدون ويكرهون آل محمد ويعادونهم كذلك هم اليوم؛ ألسنا نرى ونسمع مسؤولي الكيان الصهيوني يعتبرون الشيعة أعداءً لهم، وكذلك الوهابية الإجرامية يعتبرون أعداء اليهود أعداءهم تماما كما كان الخوارج والأمويون.
إذن الغلو والعصيان بمخالفة هدى الله، والاستناد إلى الأهواء لاستباحة المخالفين وتسويغ العدوان عليهم وعدم التناهي عن المنكر.. كل ذلك يعتبر سمة بارزة في بني إسرائيل وهي نفس ما نراه في الوهابية الإجرامية.
استهداف المساجد:
تعتبر أماكن العبادة أماكن لها قداستها واحترامها، وقد قال الله سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) [سورة الحج]
وهناك روايات تروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه كان ينهى المقاتلين عن التعرض لأماكن العبادة المتعلقة بأهل الكتاب وعن المساجد، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١١٤)' [سورة البقرة] وما تقوم به الوهابية الإجرامية من استهداف للمساجد هو انتهاك صارخ لحرمة بيوت الله بمنع ذكر الله فيها وسعي منهم في خرابها، بما يمارسونه من استباحة وتفجيرات فيها على طول وعرض البلاد الإسلامية، ولو حاول أحدهم أن يبحث في هذا الموضوع (استهداف المساجد) من قبل الوهابيين بتنفيذ العمليات الانتحارية والتفجير فيها فسيتكون له كتاب من ذلك، وربما مجلدات. وكان الخوارج والأمويون هم أول من استباح حرمة بيوت الله بأعمال الفتك والعدوان عليها، فقد فتك ابن ملجم بالإمام علي (عليه السلام) في مسجد الكوفة، كما أن يزيد استباح جيشه بقيادة الحصين بن النمير المسجد الحرام ورماه بالمنجنيق وأحرقه، وكذلك استباح جيشه بقيادة مسلم بن عقبة المسجد النبوي الشريف فيما عرف بوقعة الحرة.
لكن تعال إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته، فلن تجد هذا السلوك البعيد عن الأخلاق والدين، ففي فتح مكة دخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليه السكينة والوقار، وقد جعل المسجد الحرام أمنا لكل من دخله حين قال : (من دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل داره فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن).
فلم يقتل قريش التي حاربته سنين طويلة، ولا ذبح أبا سفيان، ولا سبى هند، ولا فعل ما تفعله الجماعات الوهابية باسم الدين. وعن القتل غيلة تعال إلى بيت أحد محبي أهل البيت (عليهم السلام) في زمن يزيد الذي بعث ابن مرجانة لحكم الكوفة والتصدي للحسين حفيد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ فقد ذهب ابن زياد لزيارة شريك بن الأعور وكان مسلم بن عقيل مبعوث الحسين (عليه السلام) مختبئا هناك وقد اتفقوا على قتل ذلك الفاجر -الذي وجّه الجيش لقتل الحسين وأهل بيته وأصحابه - وقد اتفقوا على أن يصيح المريض اسقوني وهي إشارة ليخرج مسلم بن عقيل لقتل ابن زياد، فكان الرجل يصيح اسقوني ولو ذهبت فيها نفسي، لكن مسلم لم يخرج وشك ابن زياد وسارع إلى مغادرة البيت، وحين سُئل ابن عقيل عن سبب تفويت تلك الفرصة للتخلص من إنسان معادي ومجرم ومفسد، فأجاب: أنه تذكر قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): الإيمان قيّد الفتك)، أي أن المؤمن لا يقتل غيلة وغدرا، فليس ذلك من أخلاق المؤمنين، فقط اليهود ومن على صلة بهم، ومن حذا حذوهم هؤلاء هم من يلجؤون إلى الغدر والاغتيالات، فكيف بالقيام بتلك الأعمال في المساجد وبالشكل الذي تمارسه الوهابية من استهانة بحرمة بيوت الله وفي يوم الجمعة، فيدخلونها ليغدروا بالمؤمنين الذاكرين الله فيها، ويفتكوا بالتالين لكتاب الله، والمصلين، والقائمين، والركع السجود، والداعين الراغبين إلى الله!!! يدخلون هذه الأماكن التي عظمها الله ورسوله وأهل التقوى من المؤمنين (ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢)' [سورة الحج]
لكن أولئك الناس بعيدون عن الإسلام الصحيح، بل ما صنعهم الاستعمار والاستكبار إلا لضرب الإسلام وتشويه صورته، وسفك دماء أهله، وما فعله الوهابيون في مسجدي بدر والحشحوش هو يدخل ضمن هذا الإطار، وما تمتاز به المساجد في اليمن هو أنها يصلي فيها الناس من مختلف التوجهات والمذاهب، فلا يوجد مساجد تكون لفئة دون أخرى كما هو في بعض البلدان العربية والإسلامية، أي أن المجرمين ارتكبوا جريمتهم وهم يدركون هذه الحقيقة، ومع ذلك قاموا بجريمتهم غير مبالين لأن هدفهم هو القتل فقط، وليقتلوا أكبر عدد ممكن فينتظرون حتى يكتظ المسجد بالمصلين. ولأن تلك العناصر هي تتبع أجهزة استخبارات معادية للإسلام والمسلمين وعلى صلة بالخط الصهيوني الذي تقوده أمريكا والغرب، رأينا في الأيام الماضية تلك الجريمة البشعة بحق المسلمين في نيوزيلندا، وهي نتاج للشحن العنصري ضد المسلمين، وهو عين ما تمارسه الوهابية من الشحن والتحريض، وهو ما يكشف عن أن العناصر الإجرامية وهابية كانت أو أجنبية هي تعمل ضمن مخطط واحد، وتحرك خيوطها تلك الأيدي الخفية لليهود.
ــــــــــــــــ
بقلم / محمد القعمي