الروح الجهادية، عندما تنطلق الأمة فيها ببصيرة، بوعي، بدءاً بمن هو العدو لهذه الأمة، أنَّه الأمريكي والإسرائيلي، وأنَّه المشروع الصهيوني، وأنَّ العدو لهذه الأمة هو العدو الذي بيَّن الله لنا في القرآن أنَّه عدونا، في قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:82]، وعندما بيَّن لنا في آيات كثيرة جداً مستوى حقدهم علينا: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}[آل عمران:118]، والواقع يشهد، الواقع، هم يسعون لإبادة هذه الأمة، وما يفعلونه في فلسطين، يمكن أن يفعلوه في أيِّ بلدٍ آخر.
ما فعله الأمريكي سابقاً في العراق، في الإبادة لمئات الآلاف من الشعب العراقي المسلم، وفي أفغانستان، وفي الانتهاك للأعراض، الانتهاك للشرف، للكرامة، الانتهاك بالاغتصاب للنساء والرجال، النهب للثروات، السيطرة على كل شيء، التحكم في كل شيء، يمكن أن يفعله في أيِّ بلدٍ آخر، يمكن أن يفعله معه الإسرائيلي أيضاً، في إطار المشروع الصهيوني، الرامي إلى تغيير وجه هذه المنطقة بكلها، وهم يصرِّحون بذلك رسمياً، جهاراً نهاراً، [نتنياهو] بنفسه يقول: أنه يريد تغيير وجه ما يسمونه بالشرق الأوسط، يعبِّرون بهذا عن البلاد العربية بكلها، بكلها، يهتفون بـ [الموت للعرب].
فأمتنا تجاه هذا التحدي، تجاه هذا الخطر، عندما تتحرك بالروح الجهادية، بوعيٍ وبصيرةٍ قرآنية، تدرك من هو العدو، وتتحرك ضده؛ عندها تكون في مستوى المنعة، والقوة، والعزة، وتدرك أهمية كل عناصر القوة، وتسعى لها، تعمل لتغيير واقعها، لتصحيح وضعها، لبناء نفسها، وتتحرك في المواقف الصحيحة التي تساهم في بناء قدراتها، وتسعى إلى مواجهة العدو، بدلاً من أن تكون أداةً بيده، تعمل ضد نفسها لمصلحته، الخيار هو بين هذا وذاك:
- إمَّا أن تكون أداةً بيد العدو ضد نفسك وأمتك في كل شيء.
- وإمَّا أن تسعى لما فيه عزك، وفلاحك، والخير لك في الدنيا والآخرة.
الروح الجهادية التي تتحرك فيها الأمة وهي تعي المخاطر الكبيرة، من أهم ما فيها: أنها تنهض بالأمة إلى مستوى مواجهة التحدي، دون اكتراث بما يمتلكه العدو من جبروت، ودون تهيب ولا خوف، وأمتنا بحاجة إلى أن تتحرر من عقدة الخوف، الخوف من أمريكا، والخوف من إسرائيل، هي حالة خطرة جداً؛ لأنها لا تمثل حمايةً للأمة، الخوف الذي يدفع للاستسلام، وليس يدفع للحذر، والموقف، والتحرك المضاد؛ إنما الخوف الذي هو ذعرٌ ورعبٌ، يبعث الكثير من أبناء هذه الأمة (رسمياً، وشعبياً) نحو الاستسلام، والخضوع، والطاعة، والتسليم بالأجندة الأمريكية، والمؤامرات الأمريكية والإسرائيلية، والتَّوجه لخدمة أمريكا وإسرائيل، هذه حالة خطيرة جداً؛ لأنها لا تحمي الأمة من أي شيء، لا تحميها لا في دينها ولا في دنياها، ولا تحقق لها السلام نهائياً، نهائياً، لن تحقق لها السلام، ولن تحفظ لها كرامةً، ولا عزاً، ولا استقلالاً، ولا حُرِّيَّةً... ولا أي شيء؛ لأن أولئك طامعون بما يفوق تصوُّر كلَّ الذين يفكرون في خيارات كهذه: خيارات انهزامية استسلامية، هم يريدون أخذ كل شيء، لديهم من الحقد والعقد ما لا يقبلون لأحدٍ من أبناء الأمة أن يكون في وضعية محترمة، ويعيش في وضع عادي، في وضع عادي فقط! ولا يكون له تجاههم أي توجه عدائي ولا أي شيء، هم لا يتركونه.
ولاحظوا- مثلاً- ما يفعلونه بالسودان، مع أنه ليس في السودان في هذه المرحلة حركة قوية، ظاهرة، نشطة في الساحة، لها توجُّه معلن معادي لأمريكا وإسرائيل، لكن هم يعرفون بالنسبة للشعب السوداني، أنَّه يختزن في واقعه: مبادئه، توجهاته منذ زمن، كانت في إطار الموقف الطبيعي، الموقف الصحيح، في المقاطعة لأمريكا وإسرائيل، وعدم الخضوع لأمريكا وإسرائيل، والتوق للحُرِّيَّة والكرامة، فهم يتَّجهون بالرغم من أنَّ أدواتهم في السودان هي الأدوات المسيطرة على الوضع، ومع ذلك لم يتركوا الشعب السوداني لحاله، لنفسه، لوضعه، دون مؤامرات عليه، يستنزفونه بمشاكل وصراعات وحروب، وهكذا يمكن أن يفعلوا في أيِّ بلدٍ آخر: الاستنزاف لهذه الأمة، الضرب لهذه الأمة بأشكال متعددة، إغراق هذه الأمة في مشاكل وأزمات لا حصر لها ولا عد، التسخير لها في صراعات أخرى، وتصفية حسابات مع منافسين آخرين، بما فيهم مستقبلاً ضد الصين... وغيرها، وهكذا هم أعداء لهذه الأمة بكل ما تعنيه الكلمة.
فخيار الجهاد في سبيل الله وفق رؤية قرآنية، ومشروع قرآني، هو خيارٌ حكيمٌ؛ ولذلك نرى شعبنا العزيز في هذه المرحلة اتَّجه بكل شجاعة؛ لأنه يثق بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، يثق بوعود الله "جَلَّ شَأنُه"، وينطلق من منطلق إيماني وقرآني، فتبنى الموقف الصحيح، والخيار الصحيح، واتَّجه للجهاد في سبيل الله، في نصرة الشعب الفلسطيني، في هذه المعركة الكبرى، وفي هذه الأحداث الراهنة، بالرغم من حجم التحديات والمخاوف لدى الكثير من الشعوب والأنظمة.
فيما يتعلَّق بالشهداء: هم مدرسةٌ عظيمةٌ ومتميزة، من الأخلاق، والقيم، والمبادئ، واستذكارهم يشحذ الهمم، ويعزز الروح المعنوية الجهادية، ويحيي الضمائر؛ ولــذلك فللتذكر لهم، ولِسِيَرِهِم، وأخبارهم، وما يتم إنتاجه عن سيرهم، وعن مواقفهم، وعن ذكرياتهم، له أثره العظيم في النفوس.
والشهداء هم من كل أطياف المجتمع، من كل فئاته: من علمائه في الدين، من المزارعين، التجار، من الفلاحين، من المدرِّسين، من الطلاب، من الشباب، من الكبار... من مختلف أبناء المجتمع، انطلقوا بروح إيمانية، بتضحية في سبيل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فازوا بالشهادة، بكل ما لها من قيمة عظيمة في القرب إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وما يحظى به الشهداء من التكريم الإلهي، والمنزلة الرفيعة عند الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، المنزلة التي تحدَّث عنها الله في القرآن الكريم في قوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}[النساء:69]، مرتبة عالية، وكذلك بالتكريم والفوز بالحياة السعيدة، كما قال الله عنهم في القرآن الكريم: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}[آل عمران:169]، الحياة السعيدة، الحياة العظيمة.
ثم ما يكتبه الله أيضاً لإسهامهم وتضحياتهم من نتائج، في خدمة القضية المقدَّسة والعادلة، التي يتحرَّكون فيها، ولنصرتها، في إحقاق الحق، وإزهاق الباطل، في ترسيخ المبادئ الإلهية، التي تحمي عباد الله، تحمي الناس، تحمي الأمة من شر أعدائها من الأشرار المجرمين، الذين هم في الاتجاه الشيطاني الظلامي، أولياء الشيطان يتحرَّكون بما هو شر، بما هو إفساد، بما هو طغيان، بما هو إجرام، بما هو ظلم؛ ولــذلك فالمواجهة بيننا وبينهم هي مواجهة في هذا الإطار: هم ظلاميون، مجرمون، وأشرار، وأولياء للشيطان، ونحن نتَّجه على الأساس المبادئ الإلهية، القيم الإلهية، قيم الحق والخير والعدل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومواجهة الفساد، والتصدي للإجرام والطغيان.
فيما يتعلَّق بأسر الشهداء:
- نحث الجهات المعنية ذات العلاقة على الاهتمام أكثر وأكثر، في إطار مسؤولياتها نحوهم.
- نحث المجتمع بشكلٍ عام على أن يكون مدركاً على الدوام لمسؤوليته نحوهم.
- نحثهم هم (أسر الشهداء)، على أن يكونوا متَّجهين إلى الاقتداء والتأسي بما عليه الشهداء، من الروح الإيمانية، روح العطاء، روح الإحسان، روح العمل، أن يكونوا ممن يحذون حذو أولئك، الذين هم من صفوة عباد الله، في الاقتداء بهم، في التخلق بأخلاقهم، في حمل روحيتهم، في الاتجاه الإيماني العظيم.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي
حـــول آخـــر التطـــورات والمستجـــدات الأسبوعيـــة
الخميس 12 جمادى الأولى 1446هـ 14 نوفمبر 2024م