لهذا تجد الحديث في القرآن الكريم عن النعم المادية واسعا جداً، والحديث عن النعم المعنوية، نعمة الهداية، نعمة إنزال الكتاب، نعمة الرسول، تجدها قليلاً، لكنها تتوجه إلى أصحابها كما يقول لأنبيائه هنا: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}(الأعراف: من الآية144) يقول لمحمد (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) ويقول لموسى عليه السلام لأننا نحن البسطاء لا نزال نحتاج إلى نقلة، أن نستشعر أن ما بين أيدينا هو من الله، ونعترف بأنه نعمة، ثم يتوفر لنا ما يعطيه هذا التذكر من المعاني العظيمة، ولو بعض منها فيكون من حصل منا على هذا الشيء يعتبر أنه قد حصل على مكسب كبير، أنه قد تذكر نعم الله عليه أو جانباً منها وعرف بعضاً من الفوائد المعنوية التي تتركها في نفسه.
فمتى يصل الإنسان؟ متى يصل الإنسان؟؟ وبأي وسيلة يمكن أن يصل إلى أن يفهم القيمة العظيمة لنعمة الهداية؟.
فعلاً أنا لا ألوم الناس، (عوام الناس المساكين) لأن الدين لم يقدم لنا ديناً متكاملاً على أيدي الكثير من المتحدثين باسمه، يعرِّفوننا جوانب معينة ويتركون الكثير مما نحن بحاجة إلى معرفته؛ لأن ثقافتهم تركزت على ما يتعلق بأحكام شرعية. إذاً فالعامي هذا قد نعرِّفه علي : ما يتعلق بكيف يتوضأ، ويغتسل، ويصلي، ويزكي، ونوع من العبادات والمعاملات هذه، وهذا هو الدين!.
لم نعرف كم أعطى الدين من اهتمام كبير بنا في كل مجالات حياتنا، لم نعرف عظم هذا الدين باعتبار ما فيه، ما يتمثل فيه من رعاية إلهية عظيمة بنا، فنراه هنا لجانب من شؤون الحياة، والتي هي أكثر ما يشغلنا وتشغل أكثر مساحة من ذهنيتنا هناك في جانب آخر.
لهذا تجد الناس عندما تذكرهم بأن الإسلام نعمة عظيمة يجب علينا أن نشكرها، سيجامل، يقول: [الحمد لله فعلاً نعمة عظيمة، نعمة عظيمة، الإسلام نعمة عظيمة]، ولكن تعاون في سبيل الإسلام، يقول: " والله ما معي إلا قليل فلوس محتاج كذا وأعمل كذا...الخ " هو لا يتعاون في شيء وإن كان لديه أموال كثيرة, الإسلام هذا هو بحاجتك أن تتحرك في سبيله فتدافع عنه وأن تعمل على إعلاء كلمته، لا يتفاعل كثيراً، لماذا؟ لأننا لم نعرف بعد عظمة الإسلام.
أولئك البدو الذين جاءوا إلى رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) وأسلموا وظنوا بأنهم قد قدموا خدمة كبيرة لمحمد ولإله محمد أنهم أسلموا!، فقال الله عنهم: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا}(الحجرات: من الآية17)، ظنوا أنهم قد قدموا [وحدة كبيرة لمحمد]، يعني : نعمة عظيمة من جانبهم قدموها لرسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) يجب عليه أن يشكرهم كلما لَقِيَهُم {قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ}(الحجرات: من الآية17) افهموا، {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ}(الحجرات: من الآية17) فكم هي نعمته العظيمة عليكم بأنه هداكم للإيمان.
هذا فيما أعتقد هو عامل من عوامل قلة تفاعلنا مع الإسلام، مع القرآن الكريم، مع الرسول (صلي الله عليه وعلى آله وسلم)، حتى بلغت القضية درجة أنه قد لا يكون إلا في النادر، في النادر من يغضب فينا لله إذا عُصي، من يحب في الله، من يبغض في الله، من يوالي في الله، من يعادي في الله، وهكـذا لاحـظ كلمة بعيدة: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}(التوبة: من الآية111) من منا الذي سيبيع نفسه وماله؟، نحن نراها بعيدة هناك، من هو هذا المجنون الذي سيبيع نفسه وماله!.
لكن لا، من يعرف الله سبحانه وتعالى، من يعرف الرسول (صلي الله عليه وعلى آله وسلم), من يعرف القرآن الكريم، من يعرف هذا الدين، عظمة هذا الدين، سيرى بأنه قليل أن يقدم في سبيله أن يبذل نفسه وماله، ومن لا يعرف إلا مجرد عناوين، لا يقدم حتى ولا القليل من ماله، ولا الجهد البسيط من أعماله، لا يبذل شيئاً من هذا.
وستظل القضية هكذا في ما أتصور، ونستمر جيلاً بعد جيل، جيل بعد جيل ، إذا لم نحاول أن نتعرف على هذه النعمة العظيمة التي نحن فيها، نعمة الهداية، أننا مؤمنون بالله، أننا مؤمنون برسوله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم)، أننا مؤمنون بكتابه الكريم، أننا مؤمنون بهذا الدين العظيم، دين الإسلام، يضاف إلى ذلك بالنسبة لنا نحن شيعة أهل البيت أننا متمسكون، أو نؤمن بالتمسك بالثقلين: كتاب الله، وعترة نبيه (صلي الله عليه وعلى آله وسلم)، وأننا نؤمن أن عقائدنا التي نؤمن بها صحيحة، هذه نعمة أعتقد نعمة عظيمة علينا نحن الشيعة أكثر من غيرنا، من يعرف ما يتخبط فيه الآخرون من الضلال سيجد أنه في نعمة عظيمة يجب عليه أن يشكر الله عليها، كلما يتذكر يشكر الله عليها باستمرار {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} فإذا ما وجدنا أنفسنا فعلاً، من هدانا الله للإيمان، ما نحن مؤمنون به هو حق، ما نعتقده هو حق، إذاً فنعمة الله علينا أعظم، والمسؤولية التي ستتبعها علينا أكبر، والحق علينا أوجب.
كم تحدثنا في الجلسات السابقة، في دروس متعددة حول كثير من الإشكاليات التي لدى الآخرين، والتي تعتبر من الضلال الرهيب لديهم، والتي نحن بحمد الله بمعزل عنها، نحن بمعزل عنها بحمد الله.
إذا كان الله سبحانه وتعالى يذكِّر عباده بأن عليهم أن يذكروا نعمه فنحن الزيدية، نحن شيعة أهل البيت من يجب علينا أن نتذكر أكثر فأكثر هذه النعم، ندع ذلك التذكر يترك آثاره المهمة العظيمة في نفوسنا, ننطلق من واقع حبنا لله وإيماننا الواعي به، واستشعار وجوب الشكر له على نعمه ننطلق بكل ما نستطيع في مجال الحصول على رضاه؛ لأن من أعظم ما تتركه النعم من آثار في النفوس هو أنها تدفعك إلى تولي الله - سبحانه وتعالى - وإلى حبه، كيف لا أحب من أراه يرعاني؟. من أرى كل ما بين يدي مما أملك، ومما لا أملك من نعمته العظيمة الواسعة، من أرى أن هذا الدين الحق الذي أنا عليه هو الذي هداني إليه؛ فأتولاه، وأحبه وأعظمه وأجله، وأسبحه، وأقدسه، وأخشاه ؟! وهذه المعاني عظيمة الأثر في النفوس فيما تمثله من دوافع نحو العمل في ميادين العمل.
أوليس الموضوع من بدايته هو حول أن نعرف كيف نتولى الله سبحانه وتعالى؟ كيف نتولاه : إذا عرفت وتذكرت عظيم نعمته عليك سترى بأنه هو وحده من يجدر بك أن تتولاه، وأن لا تتولى غيره، فكل أولياء تبحث عنهم دون الله - سبحانه وتعالى - من أولئك البعيدين عن هدايته وصراطه، الله قد ضرب لهم مثلاً {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ}(العنكبوت: من الآية41) كلهم وهميون، ما يدفعك نحو توليهم؟. أنك تبحث عن العزة، أو تبحث عن القوة، أو تبحث عن الرزق، أو تبحث عن أي شيء من المطامع؟ فاعلم بأنك كمثل العنكبوت التي اتخذت بيتاً، تعمل في البيت وتمد الخيط من هنا إلى هنا وتعمل النسيج الذي هو أوهى الأنسجة، بيت لا يدفع عدواً، ولا يدفع برداً، ولا يدفع حراً، ولا يعمل شيئاً، أحياناً ترجع فقط تستغله في الأخير ليكون شبكة صيد {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ}، لكن الله عندما تتولاه تتولى القوي العزيز، تتولى من أنت تحظى برعايته، من هو على كل شيء قدير.
لن تترسخ في أنفسنا معرفة الله سبحانه وتعالى، ولن نصل إلى درجة أن نكون من أوليائه حقاً إلا إذا كنا ممن يتذكر نعمه علينا، نعمة الهداية، والنعم الأخرى التي نملكها والتي لا نملكها مما نحن جميعاً نتقلب فيها؛ لهذا يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (فاطر:3) إلى أين تتجهون؟ وإلى أين ستنصرفون؟ تبحثون عن من؟ تبحثون عن أمريكا، تبحثون عن بريطانيا، تبحثون عن هذا الرئيس، عن هذا الملك، عن هذا الزعيم، عن هذا التاجر، هل هناك أحد يملك لكم رزقاً؟. يملك لكم ضراً؟ يملك لكم نفعاً؟ {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} إلى أين أنتم ذاهبون؟ تنصرفون عن إلهكم الذي أنعم عليكم الذي يرزقكم من السماء والأرض والذي هو وحده الإله {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}.
كل هذه المعاني المهمة التي تخلق في نفسك متى ما وعيتها دافعاً قوياً نحو تولي الله سبحانه وتعالى هي تبدأ بتذكر نعمه {اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} متى ما ذكرت نعمته عليك عرفت بأنه هو وحده الخالق، هو من يرزق من السماء والأرض، {هو الذي لا إله إلا هو} إذاً فلن أنصرف إلى هذا ولا إلى هذا، سأتولاه هو.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.