مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

أنت أيها الإنسان تريد أن تنفر من ربك ألا يدبر شأنك؟ وإذا ما أردت أن يدبر شأنك فإنما تريد أن يتجه إلى الجانب الخدمي فقط. أريد منه أن يرزقني أولاداً، أن يرزقني أموالاً، أن ينزل لي مطراً، أن ينبت لي أشجاراً، أن يجعلها تثمر، أن يبارك لي في مالي، أن يبارك لي .. هذا الذي أريده. أليس هذا التدبير الذي يريده الناس؟

لماذا هذا الجانب فقط؟ هذا الجانب إنما هو ملحق للجانب المهم الواسع جداً في حياتك، وهذا التدبير الذي تريده من إلهك هو سيأتي تلقائياً إذا ما اهتديت بهديه، إذا ما سلمت نفسك له أن يدبر شأنك بالشكل الآخر الذي أنت تنفر منه: وهو جانب الإنذار، وجانب الهداية، جانب الإرشاد، جانب التوجيه، جانب التعليم. أليس هذا هو الجانب الذي يهرب منه الناس؟

تأملوا في هذه - مما يدلنا على غرابة موقفنا من الله سبحانه وتعالى - نحن جميعاً بني البشر مسلّمون بأن التدبير هو لله، لكن نريد منه فقط أن يدبر شؤون المخلوقات من حولنا، أما شأننا نحن وهو الشأن الواسع، شأن جانب الهداية، رسم المنهجية في الحياة، الخطة التي نسير عليها في حياتنا، فنحن نتهرب من الله ولا نتركه هو أن يكون هو الذي يختص بوضعها لنا. أليس الناس هم من ينطلقون الآن ليصيغوا الدساتير والقوانين والتشريعات لأنفسهم؟ هم يريدون أن يتولوا هذا الجانب هم، وهذا هو الجانب المهم، هذا هو الجانب الأكبر،

كيف تنظر إلى الله هذه النظرة الغريبة، تريد منه أن يدبر شؤون المخلوقات من حولك ثم لا يتدخل في شؤونك كما يقال الآن: الدين لا علاقة له بالحياة، أليس هذا ما يقال: علماء الدين لا علاقة لهم بالحياة، لا علاقة لهم بشؤون الأمة، لا علاقة لهم بحكم الأمة؟ أليس هذا هو إبعاداً للدين، إبعاداً لهداية الله، إبعادً لله عن أن يتولى شؤون الإنسان؟ كيف لا يتولى شأنك وأنت أنت المخلوق في هذه الدنيا الذي إذا استقمت ستستقيم الحياة كلها، وإذا فسدت ستفسد الحياة كلها {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي} من؟ البقر، أو الحمير، أو الطيور، أو مَن؟ مَن مِن المخلوقات هذه الكثيرة جداً في هذا العالم الذي ظهر الفساد في البر والبحر على يده؟ إنهم الناس {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} (الروم: من الآية41).

إذاً فاعلم بأنك أنت المخلوق الذي لا بد من أن تسلم كل شؤونك لإلهك ليدبرها هو. أم أنك ترى نفسك أكبر من خلق السماوات والأرض {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} (غافر: من الآية57) إذا كان الله هو الذي يدبر شؤون السماوات والأرض وهي أكبر من خلقك، ثم هي كلها مسخرة لك، كل ما فيها، ثم استقامتها، أو فسادها مرتبط بك، فإنك من يجب أن يتوجه التدبير الرئيسي إليه، وأن يتوجه التدبير على أوسع نطاق إليه، لتهتدي، لتستقيم، فإذا ما استقمت فستستقيم الحياة كلها، حياتك أنت وحياة المخلوقات كلها من حولك، سينطلق كل شيء من حولك يؤدي مهمته على النحو الذي رسم له.

أليس هذا موقفاً غريباً منا جميعاً، من الناس جميعاً بما فيهم المسلمون، المؤمنون بهذا القرآن العظيم؟ أليسوا هم الآن من يصيغون لأنفسهم دساتير وقوانين؟ أليسوا هم من أبعد أنفسهم عن الله فيما يتعلق بالجانب المهم، جانب الهداية، جانب التشريع، جانب الإرشاد، جانب الإنذار؟ ثم هم من نزلوا قاعدة: (لا علاقة للدين بالحياة، لا علاقة للدين بالدولة،

نحن سنضع شخصاً منا هو الذي يدبر شؤوننا، وهو الذي سيشرع لنا، أنتم وقرآنكم ابقوا هناك بعيداً داخل مساجدكم، داخل بيوتكم، على علماء الدين أن يبتعدوا هناك، نحن سنتولى تدبير شأن الأمة، ونحن سنضع الدساتير، ونحن سنصيغ القوانين، ونحن أعرف بمتطلبات العصر، ونحن أعرف بالمصالح لأمتنا ووطننا).

هكذا يقول الناس المؤمنون بالقرآن الكريم، وفي بقية الأمور يطلبون من الله أن يدبرها: أنزل لنا مطراً، أنبت لنا شجراً، اعمل لنا كذا وكذا وكذا.. إلى آخره. أليس هذا من الجحود بالله؟ أليس هذا من التنكر لله سبحانه وتعالى؟ أليس معنى هذا أن يتحول الله - كما قلنا أكثر من مرة - إلى مجرد عامل معنا؟ مجرد عامل معنا، لا بأس دبر الأشياء تلك من أجل أن توفر ذلك لنا لأننا لا نستطيع أن ننبت الشجر لأنفسنا أنبتها. لكن قيمتها وتصريف قيمتها أين تسير؟ نحن الذين سنتولاها.

أوليس هناك الملايين من الدولارات، الملايين تسير في الإفساد في الأرض؟ ومن أين جاءت هذه الملايين؟ جاءت من البترول الذي خلقه الله وأودعه للناس في الأرض، جاءت من مختلف المصادر التي هي أساساً من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، من المعادن، من الثمار، من مختلف وسائل الإنتاج التي هي من مخلوقات الله سبحانه وتعالى.

فنحن قلنا لله: حقول البترول نحن نؤمن بأنها منك، هذه المزارع الكبيرة هي منك ونريد منك أن ترعاها، لكن فيما يتعلق بتصريف منتجاتها نحن الذين سنصرفها كما نشاء. أولسنا نحن المسلمين فيما يتعلق بالزكاة ننظر هذه النظرة؟

نقول لله في واقعنا: [أنبت لنا (قات) أنبت لنا (بُن) أنبت لنا (حبوب) أنبتها] ومتى ما أصبحت نقوداً في أيدينا أعرضنا بوجوهنا عنه، وقلنا: [هذا إلينا أنت لا تتدخل من الآن فصاعدا لا تتدخل في شأننا] أليس هذا صحيحاً؟ متى ما قال: {آتوا الزكاة} قلنا: لماذا نعطي الزكاة؟ نحاول أن نتهرب منها، والزكاة كم هي 10% أو 5% أو 2.5% نسبة بسيطة جداً. يقول لنا: أنفقوا في سبيلي، نقول: لا.

{قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} (عبس:17) قتل الإنسان ما أجحده! ما أبعده عن معرفة ربه! {ظَلُومٌ كَفَّارٌ} (إبراهيم: من الآية34) كما وصفه الله في القرآن الكريم.

كلنا نحن بني البشر: يهود ونصارى، ووثنيين، ومسلمين نظرتنا إلى الله - تقريباً – واحدة، أليس هناك حكومات متعددة داخل البلاد الإسلامية؟ هل هي تعمل بالقرآن، وتسير على نهج القرآن؟ لا.

هي من أبعدت نفسها وأبعدت شعوبها عن تدبير الله، وكما أسلفنا: أن تدبير الله للإنسان يختلف عن تدبيره للمخلوقات الأخرى، تدبيره لنا يتمثل جانب كبير منه - جداً في جانب الهداية، توجيهات، وإرشادات، وتشريعات، أليس هذا هو الجانب الأكثر الذي نحتاج إليه؟ ومما يشهد على أن هذا هو الجانب الأكثر: أن كل الشعوب من مختلف أجناس البشر كلهم ينطلقون لوضع تشريعات لأنفسهم، أليس كذلك؟ لأنهم يشعرون أنهم بحاجة إلى وضع دساتير ووضع قوانين ووضع لوائح، أليس هذا هو الذي يحصل؟ أي بنو البشر مسلِّمون على أنهم بحاجة ماسة إلى تشريعات تنظم شؤونهم، تكون هي في واقعها تدبيراً لشأنهم الواسع، بل تتردد الكلمات ونسمعها كثيراً: أنه لا يستقيم وضع الشعب إلا إذا مشى على ماذا؟ وفق القانون، أليس كذلك؟ أي أن نلتزم جميعاً بالدستور، أليس هذا الذي يحصل من توجيهات الرئيس، وتوجيهات الملك، وتوجيهات أي زعيم في أي بلد آخر؟ يوجه بالالتزام بالقانون، الالتزام بالدستور من أجل استقرار اقتصادي، من أجل التنمية، من أجل استقرار سياسي، من أجل سعادة الأمة، أليس هذا ما يقولون؟

وهذا هو ما سيكون شاهداً علينا بين يدي الله سبحانه وتعالى؛ لأننا ما من شيء مما وجهنا الله إليه ومما طلبه منا إلا ونحن نشهد على أنفسنا بأننا بحاجة ماسة إليه، هذا واحد من الشواهد.

كلنا بنو البشر مجمعون على أننا بحاجة إلى تشريعات، ودساتير، ولوائح، وأنظمة على مستوى الشعب الواحد، ثم على مستوى المجموعة الواحدة الآسيوية أو العربية، ثم على مستوى الدول كلها، القانون الدولي أليس هذا حاصل؟

هناك حتى قوانين دولية تنظم شؤون الدول كدول. ألسنا نشهد على أنفسنا أننا بحاجة إلى هذا الجانب، وأن هذا الجانب، هو الجانب المهم الذي تستقيم به الحياة في كل مجالاتها؟

طيب. إذاً فنحن شهدنا على أنفسنا بما يريد الله منا أن نعترف به له، فلماذا ننكره إذا كان من جانب الله ونراه ضرورياً إذا ما كان من جانبنا؟! الله الذي يدبر الشؤون لمخلوقاته الواسعة على هذا النحو الواسع: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} (السجدة: من الآية5) نتنكر له أن يدبر شأننا، هذا الذي نرى أنه ضروري.

هذه من الشواهد، تشهد على الإنسان مواقفه في الحياة، يشهد على الإنسان ما هو مسلّم به في الحياة أنه لماذا تسلم بهذا فيما يتعلق بنفسك إذا كان من جانبك فضروري، أما أن يأتي من جانب الله فـ(لا)؟! تشهد على الإنسان مواقفه، تشهد على الإنسان ضرورياته التي يعترف بها في الحياة، يشهد على الإنسان لسانه، يشهد عليه جلده، تشهد عليه أيديه وأرجله، وما أكثر الشواهد!

ألم يتضح لنا هذا الموضوع الآن؟ أننا وضعنا أنفسنا بديلاً عن الله في الجانب المهم، وأننا كفرنا بالله أن يدبر شأننا هو؟ وتدبير شأننا هو المهم في الحياة كلها؛ لأن شأن الإنسان هو الذي إذا استقام فاستقام الإنسان فستستقيم الحياة كلها.

لو أن المسألة بالنسبة لنا أن نقول: لسنا بحاجة إلى تدبير شأن إطلاقاً لكانت القضية أهون، لكننا من نشهد على أنفسنا بأننا بحاجة إلى أنظمة ودساتير ولوائح وقوانين، إذاً فلماذا لا نرجع إلى الله؟ أليس الله هو أعلم بنا وأعلم بهذا الكون كله من القانونيين؟ من الاقتصاديين، من فلاسفة القانون، من فلاسفة الاقتصاد، من فلاسفة النظم السياسية؟

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

 

(معرفة الله وعده ووعيده - الدرس الثاني عشر)

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.

 

بتاريخ:22من ذي القعدة1422 هـ

الموافق: 4/2/2002م

اليمن – صعدة.

 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر