إذا كنا نثق بالله، نأخذ الحقائق من كتاب الله ربنا الرحيم بنا، الذي يعلم السر في السموات والأرض، العليم بذات الصدور، بذات صدور اليهود، بذات صدور العرب، بذات صدور زعماء العرب، بذات صدور العالمين جميعاً، أليس هو العالم بذات الصدور بدخائلها بخصائصها بأعماق ما فيها؟
ثم هنا يأتي تهديد لهم، تهديد لأولئك الذين يسارعون فيهم ممن في قلوبهم مرض ويبررون مسارعتهم بأي كلام كان، الله يقول لهم: {فَعَسَى اللَّهُ} و[عسى] من قبل الله هي وعد عسى من جانب الله هي وعد فهو إذاً يَعِدُ بأن أولئك الذين يسارعون [هم فعلاً يعرضون أنفسهم لخطورة بالغة].
{فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} (المائدة: من الآية52).... الذين يسارعون فيهم إما بفتح على أيدي أوليائه، وإما بأمرٍ من عنده فهو الذي له جنود السماوات والأرض. وكلمة {أمر من عنده} واسعة جداً يعلمها الله وحده. إلا أن الشيء المؤكد أنه يقول لأولئك وبسرعة من الانتقام منهم، لاحظوا ما أسرع عبارة {فَعَسَى}.. {فَيُصْبِحُوا} {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} (المائدة: من الآية52) ما هذا وعيد شديد، ووعيد بعقوبة عاجلة سريعة سواء كانت عن طريق فتح على أيدي أوليائه أو بأمر من عنده، إذاً فهم فعلاً يعرضون أنفسهم لخطورة بالغة.
فهو يقول لهم على فرض أنكم تقولون: {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} (المائدة: من الآية52) اخشوا من يمكن أن يضربكم بسرعة، الدائرة معناها [ربما يرجع يلف الشريط علينا.. ربما.. هم قالوا: اليمن من ضمن البلدان التي قالت أمريكا أن فيها إرهابيين، وقالوا مصر وقالوا مدري فين وقالوا.. ربما..] لكن الله يقول: إذا كنتم تخشون دائرة وتقولون هكذا فافهموا بأنكم ستتعرضون لغضب سريع، انتقام عاجل، (الفاء) في {فَعَسَى} يفيد التعاقب وتعاقب الأحداث بسرعة {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا} (المائدة: من الآية52) ما كأنها إلا عشية أو ضحاها، {فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} (المائدة: من الآية52) على ما كان في واقع قلوبهم، تلك القلوب المريضة من أشياء، هي الحقائق التي على أساسها ينطلقون نحو المسارعة.
{عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ} (المائدة: من الآية52) يقول لهم - وهو العالم بذات الصدور - قولكم: {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}، مجرد كلام لكن هناك شيء أنتم تسرونه ستصبحون على ما أسريتم في أنفسكم نادمين.
وحينها تتجلى الحقائق، وعندما تتعاقب الأحداث تتجلى الحقائق وتكشف الحقائق بشكل يجعل الناس يندهشون {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ} (المائدة: من الآية53) إذا كشفت التقارير، كشفت الأوراق، كشفت الحقائق أنهم كانوا عملاء، وكانوا على تواطؤ مع كذا وكانوا على لقاء مع فلان، وكانوا.. وكانوا.
حصل مثل هذا في إيران بنحوٍ عجيب، ملك إيران أصبح من النادمين، بعد أن اقتحم الشباب المسلم في إيران السفارة الأمريكية كم اكتشفوا من التقارير، كم اكتشفوا من الأسرار التي كشفت حقائق كثيرة، جعلت الناس يرون أولئك الذين كانوا يقدمون أنفسهم وطنيين، ومخلصين وأنهم أحياناً ينطلقون بعبارات قاسية ضد تلك الدولة أو تلك، ضد أمريكا وإسرائيل {أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ}(المائدة: من الآية53) كيف انكشفوا عملاء، كيف انكشفوا خونة، كيف انكشفوا متآمرين، كيف كشفتهم الوثائق والأسرار، كيف انكشفت بطريقة مدهشة.
كانت وثائق مهمة اكتشفوها في السفارة الأمريكية في طهران ترجموها باللغة العربية وطبعوها ونشروها، وكم داخلها من مؤامرات. وكم داخلها من العملاء يتآمرن على شعوبهم، وهم يقدمون أنفسهم بأنهم وطنيين ومخلصين، وأنهم أحياناً يَتَنَمَّرُون بعبارات ضد تلك الدولة أو تلك الدولة.
لاحظ من الذي سيقول هذا من الذي سيفرح بهذا؟ هم الذين آمنوا؛ لأنهم من سيزدادون إيماناً، ومن يزدادون وعياً، من يزدادون فهماً، عندما ينطلقون فيرسخوا في أنفسهم إيماناً واعياً على ضوء ما يحكيه القرآن الكريم، فهم في واقعهم وكأنهم مؤمنين بغيب، لكن عندما يرون الأحداث تتجلى فيرون أن ذلك الإيمان الذي هو شبه إيمان بغيب يصبح حقائق يشاهد أمامهم. يبادرون إلى أن يفرحوا فيترسخ الإيمان بشكل أكثر وأكثر ويزداد وعيهم أكثر وأكثر.
أليس الإنسان يزداد فهماً، ويزداد وعياً عندما يجد الحقائق تتكشف على وفق ما هو يعتقد؟ على وفق ما يرى؟ بلى. {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} (المائدة:53).
أصبحوا خاسرين حقيقة. شاه إيران أصبح خاسراً، أصبح إنساناً مرفوضاً عالمياً، مرفوض من كل الأمم، استقبلته مصر فقط، وذهب إلى مصر وبقي فتـرة يتجرع مرارة القهر والذل، مرارة القهر والذل كيف تخلى عنه من ظل عمره يخدمهم، القهر والذل على أيدي ذلك الشعب الفاتح الذي قهر ذلك العميل فمات كمداً وغيظاً، ودفن هناك في مصر.
{وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} (المائدة:53). ولأن القضية مع أهل الكتاب هي قضية مواجهة حقيقية في شتى ميادين الصراع عسكري، اقتصادي، سياسي، ثقافي، إعلامي؛ ولأن الآيات كلها تسير في إطار أو في سياق خلق وعي لدى المؤمنين، هدى من الله يسيرون عليه، حقائق تتكشف أمامهم، لتؤهلهم لأن يكونوا هم من يهاجم أولئك، من يضرب أولئك الذين يسعون لأن نكون بطاعتنا لهم كافرين بعد إيماننا، إلى أن نتولاهم فنصبح ظالمين كما أصبحوا هم ظالمين، فنشاركهم في ظلمهم في العالم كله.
عندما نـتخلى، عندما نتوانى، الله يهدد، يصف من يحصل منه هذا بأنه مرتد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} (المائدة: من الآية54) أليس المقام مقام جهاد؟؟ مقام حركة؟ إذاً فالتواني التفريط هو نفسه يكشف أن في القلب مرض، القلب المريض هو معرض لخطورة بالغة أن يتولى اليهود والنصارى، إذاً فهو سيرتد سيصبح مطيعاً لهم فيرتد عن إيمانه، فيصبح كافراً.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}. تأتي الآية هذه مصدرة بهذا النداء، النداء الذي يصل إلى أعماق النفوس التي تدعي أنها مؤمنة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}. الآية هذه تأتي في إطار الحديث عن بني إسرائيل وفي إطار السياق من بداية الآيات فهي لا تأتي تتحدث عن موضوع آخر {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} ماذا يعني يرتد عن دينه؟ يصبح كافراً يصبح يهودياً، يصبح نصرانياً.
فكما قلنا سابقاً من يتوانى، من يفرط، من يقصر، من تنطلي على نفسه عبارات الجمود، عبارات التضليل، فليحذر، وليعلم أن في قلبه مرض، فالله قد حذر في البداية بأن أولئك الذين يسارعون إنما لأن في قلوبهم مرض.
وسواء كانت المسارعة أفقياً أو عمودياً، عمودياً فوق، أو مسارعة تحت كلها واحدة، أنت تخدمهم. أسارع فيهم، أقدم خدمة لهم، أنفذ مؤامرة معينة، أو أسارع نحو التخلي عن مواجهتهم، ونحو التثبيط عن مواجهتهم، هي كلها واحدة، هنا يختلف المرض. ولهذا جاءت بعبارة عامة {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} ما كلمة {مَرَضٌ} في الدنيا تطلق وتحتها أنواع كثيرة؟ أنواع كثيرة جداً، وما أكثر أمراض القلوب، وما أكثر أمراض القلوب.
بل نحن البسطاء، نحن المساكين يحصل في قلوبنا مرض فيجعلنا نسارع باتجاه تحت نَجْمُد ونُجمِّد من حولنا. طيب إن هذا هو خدمة عالية، خدمة مهمة لليهود والنصارى، التثبيط خدمة مهمة لليهود والنصارى، ولهذا هم يحاولون بكل وسيلة أن يتفادوا انبعاث الأمة، يتفادوها بأي وسيلة.
يتركون الآخرين هم يضربون، ويتلقون الجفاء، يتركون هذا هو الذي يزحف ليتلقى الجفاء ويتلقى الخسارة؛ لأنهم يريدون أن نبقى ماذا؟ قاعدين، وأن يثبط بعضنا بعضاً؛ لأن هذا هو نفسه يوفر عليهم الشيء الكثير، يسهل مرور ونفاذ مؤامراتهم.
إذاً فأنت قد يكون في قلبك مرض - ونعوذ بالله من أن يكون في قلوبنا مرض من هذا النوع - فتسارع فيهم، ولكن بأسلوب آخر هو أسلوب القعود عن مواجهتهم، التثبيط عن مواجهتهم، هو نفس الشيء، كما يقول أولئك الذين يسارعون باتجاه عمودي فوق بتنفيذ مؤامرات وأعمال {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}(المائدة: من الآية52) تقول أنت نفس العبارة وأنت تدس رأسك في التراب {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} وكما يقدمون أنفسهم للآخرين ليُـبجِّلوهم على ذلك الموقف، أنت في الداخل قد ترى بأنك إنسان حكيم، وأن هذا هو الرأي، وهذا هو التصرف الواعي، لكن لا. الحكمة، الهدى، الوعي هو أن تنطلق انطلاقة القرآن، لا تسارع لا باتجاه عمودي ولا باتجاه تحت تسارع في خدمتهم.
إذا حصل أن أصبح الناس على هذا النحو فإن الله قد وعد - وهو القادر على تنفيذ وعده - {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ} غيركم، وإذا قال غيركم [سيأتي الله بقوم غيركم] معناه أنتم سيضربكم، سيذلكم، وتنالون بسبب ارتدادكم، بسبب تثبيطكم وتوانيكم تنالون ماذا؟ الخسارة والذل في الدنيا، والخسارة والذل في الآخرة في نار جهنم، نعوذ بالله من نار جهنم.
{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ} عبارة {بِقَوْمٍ} هي نفسها تفيد، أو تكاد تصور لك أولئك القوم وكأنهم صخرات، كأنهم قطع من الصلب، في قوتهم في إيمانهم، في وعيهم، في فهمهم، {بِقَوْمٍ}، وليس كأي قوم ليسوا كمثلكم، قوم {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} والله لا يحب إلا نوعية متميزة. يمكن يرحم وتكون رحمته واسعة للناس جميعاً كما هو هنا يرحمنا، أليس هو يرحمنا ونحن مقصرون؟ لكن أما أن يحب لا، إنما يحب نوعية متميزة.
{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ويقدم كلمة {يُحِبُّهُمْ} على {يُحِبُّونَهُ} لتشعر كيف أن هؤلاء جديرون بأن يحبهم هو، فهم جديرون بحبه، فيسارع إلى التعبير عن محبته لهم قبل التعبير عن محبتهم له.
القوم الذين يحبهم ويحبونه هل سيكونون من هؤلاء الذين في قلوبهم مرض؟ فيسارعون نحو تنفيذ الخطط والمؤامرات في خدمة اليهود، أو يسارعون نحو القعود فيصبحوا مرتدين؟ هذا ارتداد كله، من يسارع مطلع ومن يسارع منزل كله ارتداد.
هؤلاء قوم نوعية أخرى عمليين، وبنفوس قوية، وليس فقط زحزحة ودفع. لاحظوا كيف تصور الآية هذه النوعية من القوم هم ليسوا حتى ممن يحتاجون إلى تحريض كثير، وكلام كثير، [وانت بعده كل يوم تكلمه والاّ رجع، ويحتاج له مجبر ثاني يوم والا جا له كلمه من واحد وَبَرَد]. لا, هؤلاء واعين لدرجة أنهم يقدمون أنفسهم للآخرين بالشكل الذي يهزم نفس من يمكن أن تنطلق من فمه عبارة مثبطة، هو يرى أنك تخلق في نفسه يأساً أن يؤثر فيك؛ لأنك معتز بالموقف الذي أنت فيه لا تحس بحرج. كنبي الله موسى بعدما حصل منه ما حصل، ففقد ذلك المقام الذي كان فيه، وتلك النعمة التي كان فيها في قصر فرعون، بعدما قتل القبطي، من منطلق غيرته على المستضعفين وكراهيته للباطل واعتزازه بأن يقف موقف حق، ورأى نفسه في مواجهة مجرمين، ما هو رأى نفسه في مواجهة كافرين مجرمين؟: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} (القصص: من الآية17) أليست هذه عبارة رجل لا يمكن أن يتأثر؟ هو الذي سينطلق يؤثر.
{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} يحبونه فينطلقون في السعي فيما يحصلون به على رضاه، يحبونه فينطلقون غاضبين له، يحبونه يكرهون أعداءه، يغضبون على أعدائه، يكرهون الفساد في أرضه، يغضبون لأن يعصى في أرضه، يغضبون للمستضعفين من عباده؛ لأنهم يحبون الله، ومتعلقة قلوبهم بالله [وليس فقط ممن لا ينطلق إلا متى ما لزمه وما عاد معه أي مخرج فينطلق وهو يدهف نفسه، ويحاول بأي طريقة أن يتملص ويتخلى].
هؤلاء ينطلقون من واقع المحبة لله سواء قالوا واجب والاَّ مندوب المهم أن فيه لله رضى، وليس من أولئك الذين عندما تحتدم المواقف عندما يحمى الموقف يبحث مع سيدي فلان أو سيدنا فلان يسأله: [يا خبير قدو يلزمنا إن احنا نخرج مع أولا، أو نسبر مثل ذولا؟ قدو يلزمنا؟ قال: لا عز الله ما قدو يلزم]. قال: [ها خاطرك... يا جماعة قال سيدي فلان قال سيدنا فلان ما كو يلزم].
هؤلاء قوم يحبون الله لا يبحثون عن لزم ولا ما لزم، إما أن يكون واجب فذاك واجب، أو كان مندوب، مندوب، مستحب... واجب مندوب كله واحد، المهم أن فيه لله رضى، من منطلق الحب لله.
وهم فيما بينهم أذلة على المؤمنين متواضعين يبدون أذلة؛ لأنهم جداً حريصون على وحدتهم، حريصون جداً على أن يكونوا بمستوى القيام بالموقف الذي يهمهم، وأداء المهمة التي تهمهم فعلاً، وليسوا ممن ينشغلون بأنفسهم ومصالحهم الخاصة فقط، فيأنف من هذا ولا يغضب لله، ولا لرسوله ولا لدينه، ولا للمستضعفين من عباده، ولا يغضب لهدم أمة بكلها.
يغضب لنفسه ويبدو قوياً على صاحبه وكبيراً على صاحبه وشجاعاً على صاحبه، عزيز على صاحبه، وذليل على أعداء الله، هذه صفة سيئة، صفة سيئة عادة ما تكون منتشرة في المجتمع الذي لا يحمل أي اهتمام بأي قضية من القضايا الكبرى، مجتمع معرض نفسه لأن يُستبَدل ويُرفَض، الإستبدال معناه أن تُرفَض من قبل الله، إذا كنت قد ترفض من قبل الله فهذه حالة خطيرة جداً، ترفض في الدنيا وفي الآخرة.
هؤلاء فهم نوعية أخرى فيما بينهم أذلة مع بعضهم بعض يكظم غيظه، ويعفو، ويصبر، ويتحمل ويسامح ويحاول أن تبقى علاقته مع أخيه قوية، ويبقى الود فيما بينهم قائماً، تبقى العلاقة فيما بينهم قائمة، ونفوس متآلفة، وقلوب متحابة، لكنهم في ميادين المواجهة {أعزةٍ على الكافرين} ما معنى أعزة؟ أقوياء ينطلقون بنفوس قوية، هم ينطلقون بنفوس قوية، وليسوا ممن يحتاجون إلى تحريض ودفع، ولا ممن يثاقل {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} (التوبة: من الآية38) ليسوا هذه النوعية.
تجـد الألفاظ هذه ما أجملها وهي تعبر عنهم تعبيراً يصورهم تصويراً أمامك، تتخيلهم {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} جهاد، جهاد في سبيل الله {وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} (المائدة: من الآية54) فلأن هذا الميدان هو ميدان صراع متكامل يجاهدون بالكلمة، يجاهدون بالمال، يجاهدون بالقلم، يجاهدون بالسيف، يجاهدون بمختلف الأسلحة التي يمكن أن يحصلوا عليها، جهاد، يجاهدون جهاد بناء للأمة وجهاد يهدم أعداء الله.
{فِي سَبِيلِ اللَّهِ}؛ لأنهم يحبون الله والله يحبهم، فهم يبتغون بجهادهم رضاه، وما أعظم أن ينطلق الإنسان في سبيل الله، وما أعظم أمة تنطلق للجهاد في سبيل الله حيث ستكون فيما بينها أقرب أقرب إلى أن يتحقق على يديها النصر.
أي ليسوا من أولئك الذين ينطلقون إذا كان هذا أو ذاك سيعطيهم بنادق وفلوس وطحين ومصروف وصرفة وأشياء من هذه. ما كانوا أيام الثورة يوم ملكي ويوم جمهوري؟ يسير لبندق من عند الملكية، ويقول ملكي، وراح في يوم ثاني ودخل بـ[زامل] للجمهورية وقال جمهوري وصرفوا لهم بنادق وفلوس، هؤلاء متعيشين، هؤلاء يسمون مرتزقة، مرة هنا ومرة هنا. أما هؤلاء فهم يهمهم أن يجاهدوا في سبيل الله وعندما ينطلقون في الجهاد في سبيل الله ينطلقون بأموالهم وأنفسهم.
{ولا يخافون لومة لائم}، أيَّ لومة كانت، وأي لائم كان؛ ولأنهم هم أصبحوا إلى درجة أنهم لا يخافون ممن يمكن أن يحذرهم من القتل؛ لأنهم مجاهدون؛ ولهذا لم يأت ليقول ولا يخافون مثلاً من يهددهم بالقتل، أو من قد يقول قد تتعرضون للقتل أو أشياء من هذه؛ لأنهم هم مجاهدون والمجاهدون في سبيل الله هم يبحثون عن الشهادة، أن تخوفه بالقتل ستخوفه بماذا؟ {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} (التوبة: من الآية52) تخوفه بالحسنى بالنصر، أو تخوفه بالحسنى بالشهادة، ليس هناك ما يمكن أن تخوفه به.
يمكن أن يكون هناك لومة لائم من قريب من بعيد، من يقول لـه: [يا أخي ما عادك أحسن من فلان، هو ذا عندك من أولياء الله جالس أما أنت فبا تقوم تتحرك عادك أعلم منه عادك اما أنت كذا.. كذا] بيجي لوم كثير وبوسائل متعددة، هم ليسوا ممن يخافون لومة لائم. أما أنهم يخافون قتل، أو يخافون سجون أو يخافون أي شيء هم مجاهدون. هم أعزة مجاهدون فينطلقون برغبة، فأن تخوفه مما يرغب فيه فليس معقولاً، وليس منطقياً أن تخوفهم مما هم يرغبون فيه.
ثم هل هؤلاء يعتبرون ناس حمقى أو تورطوا؟ لا. هم ممن حازوا الفضل، هم من أصبحوا وحدهم من حازوا هذا الشرف العظيم {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ} ما معنى فضل الله؟ فضل الله أن يهيئهم هم أن يكونوا هم من يحظون بأن يكونوا على هذه الصفة، من يكونوا بدلاً عمن تقاعدوا وتوانوا وتخاذلوا. أليس هذا اصطفاء من جانب الله لهم؟ تفضيل من الله لهم أن اختارهم هم؟ أن اصطفاهم هم ليكونوا بدلاً عن أولئك المتقاعسين المتوانين المثبطين المتعرضين للارتداد؟ فهم هم مفلحون هم فائزون، وليسوا متورطين.
{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ} وهو فضل من الله أن يكونوا هم من يقوم بهذه المهمة بهذه المسؤولية التي يعد القيام بها فضلاً من قبل الله سبحانه وتعالى {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}(المائدة: من الآية54) عاد فيها يؤتيه من يشاء، وليست المسألة تكاد أن تكون مجرد اختيار من قبل الناس هنا أو هنا، بل قد يكون من قبل الله هو أن يرى أمة من الأمم أن يرى ناساً من الناس مؤهلين وجديرين بأن يؤتيهم ذلك الفضل وبأن يكونوا ممن يستحق هذا الفضل العظيم، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(المائدة: من الآية54).
الله واسع الفضل {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} (النساء: من الآية95) ففضله واسع، فضله واسع وهو العليم بمن هو جدير بفضله، بمن هو جدير بأن يصطفيه لمثل هذه المهام التي يتقاعس عنها الكثير من الناس، وإن كانوا يحملون اسم الإيمان. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ} (المائدة: من الآية54) فيرتدون وهم يحملون اسم الإيمان، فلا يدرون أين بلغ بهم الحال، وكيف أصبحوا، وهم يظنون أنهم ما يزالون مؤمنين، وهم قد ارتدوا، وهم قد استبدل الله بهم غيرهم، وهم قد رُفضوا وأذلوا وأُبْعِدوا، وهم يقدروا بأنهم مؤمنين.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.