مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

هذه السورة [ سورة النساء ] ـ كما قلنا بالأمس ـ من أعظم سور القرآن الكريم، مليئة بالتوجيهات، مليئة بالتشريعات، وتناول فيها مختلف القضايا من داخل الأسرة إلى داخل صفوف الأعداء: مشركين، يهود، نصارى كيفما كانوا؛ ولأن دين الله سبحانه وتعالى هو دين يعتبر عملياً، دين عملي ليس فقط مجرد توجيهات؛ لأن الله سبحانه وتعالى كما قال عن نفسه:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ}(آل عمران: من الآية18) قائماً بالقسط ليس فقط أن تقول: مفتياً أو مخبراً،{قَائِماً بِالْقِسْطِ} لأن هذا الدين هو دين للحياة فيجب أن تكون مسيرة الحياة قائمة على أساس توجيهاته وتشريعاته وهدايته؛ ولأن المؤمنين هم جنود الله، المؤمنون هم جنود الله ومعنى أنهم مؤمنون: أنهم مؤمنون بالله، مؤمنون بهداه، بتشريعاته، مؤمنون بما يريد أن يكونوا عليه، ما يريد منهم وكيف يفهمون هذا الدين أنه دين عملي فكما قال عن نفسه سبحانه: أنه قائم بالقسط كذلك أمر المؤمنين أن يكونوا أيضاً قائمين بالقسط:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}(النساء: من الآية135) قوامين: تعملون لإقامة القسط، القسط عبارة شاملة: إنزال كل شيء في مكانه قد تكون هذه العبارة أشمل من كلمة عدل، أشمل من كلمة عدل، وإن كانت تفسر في كثير من المواضع هي تفسر بأن معنى القسط هو: العدل.

 فهذا يعتبر أمراً صريحاً وأمراً يقدم في غاية الأهمية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} (النساء: من الآية135) فيجب على المؤمنين في البداية: أن يفهموا بأن الطرف ـ في هذه الأرض ـ المعني بإقامة القسط هم المؤمنون لا يكونون منتظرين أن هناك أطرافاً أخرى هي التي تقوم بالقسط، منتظرين لأمريكا لتقيم القسط، أو منتظرين لإسرائيل، أو لأوربا، أو لأي أطراف أخرى !! إقامة القسط مسئولية ملقاة على عاتق المؤمنين والتفريط فيها يؤدي إلى عواقب سيئة جداً على المؤمنين.

{شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}(النساء: من الآية135) فإن إقامة القسط على أيدي المؤمنين هو يمثل شهادة لله سبحانه وتعالى بأنه قائم بالقسط قال سابقاً:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ}(آل عمران: من الآية18) لأن إقامة المؤمنين للقسط إنما يعني ماذا؟ إنزال تشريعه، تطبيق تشريعه، تطبيق توجيهاته، تطبيق هداه؛ ليتجلى في واقع الحياة ليتجلى فعلاً القسط وأن الله قائم بالقسط، وأن تدبيره وتشريعه وهداه كله إقامة للقسط، وكله قسط وإلا فقد يعطي الناس صورة أخرى عن الله وعن دينه وللأسف كما هو حاصل، المسلمون الآن أصبح واقعهم بالشكل الذي يستغله أعداء الدين للهجوم على الإسلام بل أصبحوا إلى درجة أن يعملوا داخل المسلمين أنفسهم لإبعادهم عن هذا الدين، بأن هذا الدين هو هكذا، أن يجعلوا واقع الناس وما المسلمون عليه اليوم يمثل الدين [ولاحظوا كيف هذا الدين...] .

هذا يتنافى منافاة بشكل واضح مع ما يريد الله ويريد للمؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط ليكونوا شهداء، شهداء بالقسط الذي هو من عنده شهداء لله، شهداء لدينه، شهداء لرسوله، وأن لا يتوانوا في إقامة القسط في القضايا الكبيرة والصغيرة؛ لأن الموضوع يمثل شهادة{وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} أن تقبل أنت أن يؤخذ منك الحق وأن تعطي الحق وتقبل أنت إقامة القسط على نفسك، إقامة الحق على نفسك،{أَوِ}على{الْوَالِدَيْنِ} أحد من والديك{وَالْأَقْرَبِينَ} لا يحصل أي تقصير في هذا ؛ لأنه في الأخير التقصير في هذا يعطي صورة سيئة، يقدم صورة سيئة عن دين الله وبالتالي يجعل الآخرين بدل أن يتأثروا بهذا الدين وينجذبوا لهذا الدين يرون صورة سيئة من خلال أعمال الناس وهم يبتعدون عن القسط فيبتعدوا عن الدين، ثم يتجهون أيضاً لمحاربة هذا الدين وللدعاية والتشويه لهذا الدين.

 سواء كان الإنسان أو الوالدين أو الأقربين {غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً} يجب أن يقام القسط عليهم لا يقال: الغني استح منه، أو يقال للفقير: هذا مسكين {فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} هو أولى بعباده والكل هم عباد له وكل الناس هم ملك له فهو أولى بهم منكم، هو أولى بهم منكم فإن كان هناك رحمة فهو أرحم، كان هناك عقوبة هو أولى ليس أحد من الناس أولى بنفسه من الله فضلاً عن أن يكون أولى بقريبه أو والده أو ولده أو صاحبه من الله، فالله هو أولى بالناس جميعاً فيجب أن تطبق أحكامه على الناس جميعاً.

{فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} يميل بكم إلى أن لا تعدلوا {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} وهذه هي تهديد في نفس الوقت خبير بأعمالكم كلها خبير بموقفك أنه منطلق من هوى أو عاطفة لقريب أو غني أو أي شيء في هذه لماذا؟ لأن القضية كبيرة، إقامة قسط، شهادة لله.

 هي تفسر هنا عادة بمعنى: أداء الشهادة [أشهد لله إن كذا.. كذا..] ولو على نفسك أو والديك.. إلى آخره..! أداء الشهادة أداء الشهادة هو لإقامة القسط، أداء الشهادة عندما تكون شهادة حق هي واحدة من القضايا التي يعتبر أداؤها إقامة للقسط لكن ما تعنيه الآية بشكل أكثر هو: أن يفهم الناس أنهم بإقامة القسط يمثلون شهادة لله أنه قائم بالقسط. عندما يقول الله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} بالتأكيد أنه أمر أن يعملوا ويوفروا كل ما لا بد منه في أن يكونوا قوامين بالقسط وقد وجه في آيات أخرى كثيرة:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(آل عمران:104) وجه الطريقة بشكل متكامل؛ لأنه سبحانه وتعالى عندما يوجه لا تكون القضايا هكذا مفتوحة، يبين للناس كيف تكون طريقهم من أجل أن يكونوا بالشكل الذي يمكنهم من إقامة القسط، داخل آيات القرآن الكريم يتطلب إقامة القسط: وحدة الكلمة، يتطلب إقامة القسط: الإخلاص لله، الإلتزام بهدي الله، العمل بكتابه، الإيمان به وملائكته وكتبه ورسله ـ كما سيأتي بعد ـ الإيمان باليوم الآخر وفي نفس الوقت في مجال أن يكونوا قوامين بالقسط هو وعد سبحانه وتعالى أنه سيؤيد الناس ويعين الناس{وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ}(هود: من الآية123) {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}(آل عمران: من الآية109) {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ}(آل عمران: من الآية160) {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(محمد: من الآية7) وهكذا آيات كثيرة.

 في مجال إقامة القسط هناك قضايا باستطاعة الإنسان كفرد أن يتناولها شهادة مثلاً لديه شهادة حق، أمر بمعروف في متناوله، نهي عن منكر، النصيحة، كثير من القضايا التي بإمكانك أن تتناولها أنت كفرد تناولها ولا يغير هذا أن تكون أيضاً في إطار أمة كما أمر الله {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}(آل عمران: من الآية104) فإقامة القسط بشكل كامل يحتاج إلى أن تكون هناك أمة تسير على هديه تلتزم بشرعه تبني نفسها على أساس هديه تبني نفسها، والقرآن الكريم يقدم للناس الطريقة التي على أساسها تبنى الأمة التي يأمرهم بأن يكونوا عليها{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} (النساء: من الآية136) القضية هامة في أن ينطلق الناس ليقيموا القسط؛ لأنها شهادة لله سبحانه وتعالى بأنه قائم بالقسط؛ ولأن لها أثرها الكبير في بقية عباد الله أن ينجذبوا إلى هذا الدين {آمِنُوا} ألم يخاطبهم هنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا}؟ هنا يوجد شيء أنتم كمؤمنين تعتبرون أنفسكم مؤمنين ومحسوبين على هذا الدين الذي هو إسلام ومسلمون ومؤمنون لكن يجب هنا تفاعل بشكل جدي اهتمام توجه عملي وإيمان إيمان بكل ما تعنيه الكلمة يبدأ من ترسيخ الثقة بالله سبحانه وتعالى إيمان يجعل الإنسان يعرف أن دينه هام جداً وأن كل قضية في هذا الدين هامة ويعطي كل قضية أهميتها لا يكون إيمانا هكذا مع تخاذل وحالة لا مبالاة وابتعاد! لا، إيمان بما تعنيه الكلمة.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}(النساء: من الآية136) شبيهة بالآية التي في سورة أخرى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(الحديد:28 ـ29) أي عندما تنطلقون لتقيموا القسط ولإقامة القسط يجب أن تكونوا مؤمنين على هذا النحو: إيماناً عملياً باهتمام  برؤية صحيحة واضحة وصحيحة فإنكم ستحصلون على شيئين أولاً: الإلتزام الديني العمل الديني الذي يكتب الله عليه الأجر الكبير للإنسان ثانياً: باعتباره يقدم شهادة لله عندما يقول:{يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} كفل لكونكم ملتزمين ، وكفل لأنكم تقدمون شهادة لله .

إذاً أليست هذه تعتبر قضية هامة للمؤمنين أن يحصلوا على أجرهم مرتين خاصة في زمن كهذا في زمن كهذا يحصل حملات دعائية مشوهة لهذا الدين أنه إلى درجة لا يصلح نظام للحياة ماذا يعني لا يصلح نظام للحياة؟ أي ليس قسطاً ولا عدلاً ولا فيه شيء ولا يمثل شيئاً ولا يصلح أن تقوم عليه الحياة لا يبني أمة لا يبني حياة لا يبني شيئاً نهائياً حملات دعائية أثرت ربما على الملايين في البلدان الأخرى وداخل البلاد الإسلامية نفسها حتى أصبحت النظرة إلى الإسلام نظرة وكأنه لا يمثل شيئاً حتى في هذه الفترة التي فيها الناس يبحثون عن أي مخرج وعن أي حل مما يواجههم من الأمريكيين والإسرائيليين والمؤامرة الكبيرة هذه جداً ليس هناك التفاتة إلى الدين بالشكل المطلوب؛ لأنه أصبح لديهم وكأنه لا يمثل حلاً.

 لأن إقامة القسط أمام القضايا الكبيرة عندما تجد هناك: أن الله وجه كيف أن يقام القسط في داخل الأسرة الواحدة الآيات التي قبل هذه الآية حتى لا يحصل هناك ظلم على شخص واحد لتبقى مهما أمكن تبقى بنية الأسرة على ما هي عليه لا تتفكك الأسرة فلا يكون هناك ظلم على أشخاص، أشخاص فقط داخل الأسرة وألا تتفكك بنية هذه الأسرة إلا في الوقت كما قال في الأخير: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ} (النساء: من الآية130) إذاً أليس هذا الدين بالشكل الذي يرعى الأمة؟ الدين الذي تراه يهتم بأسرة واحدة كيف لا يهتم بأمة كيف لا يهتم بالبشر جميعاً وهو يقدم لنا صورة عن الأعداء أليس هو يقدم لنا صورة عن الأعداء بأنهم لا يتوانون عن استغلال أبسط الأشياء؟ ألم يذكر عن اليهود بأنهم لا يتوانون عن استغلال كلمة: راعنا؟ وعن الشيطان بأنه لا يتوانى عن استغلال بأن يأمر الإنسان بأن يقطع أذن نعجة أو ناقة أو بقرة ما دام فيها ضلال فلن يتوانى عن شيء؟ ألن يكون الشيطان نشيطا في القضايا الكبيرة التي تعتبر ضلالاً كبيراً؟

فعندما تجد أن الله سبحانه وتعالى يهتم بالفرد الواحد يهتم بالأسرة الواحدة وألا يظلم شخص واحد داخل هذه الأسرة فكيف لا يكون ضمن إقامته للقسط وتوجيهاته لإقامة القسط ألا يكون دينه بالشكل الذي يشكل حماية للأمة أن لا تظلم! قال هذا صريحاً في آية: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ} (آل عمران: من الآية108) وعندما يقول: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ} ليس فقط مجرد أمنية مثلما يتمنى واحد منا: [أتمنى أن لا يظلم الناس لكن ماذا أعمل؟] أما هو عندما يقول: لا يريد، فإنه يقدم للناس ما يجعلهم فعلاً بعيدين عن أن يظلموا يقدم للأمة ما يجعلها بعيدة عن أن تظلم لكن لاحظ لما أصبحت النظرة إلى الإسلام إلى درجة وكأنه لم يعد يمثل حلاً على الرغم من متابعتنا للقضية هذه: بداية تحرك أمريكا وإسرائيل لأفغانستان إلى اليوم أليسوا في العراق؟ تحليلات ومحاورات ونقاشات في التلفزيون لا تلمس بأنه يقدم الإسلام ولو كحل من الحلول، أكثر الأشياء تكون كلاماً آخر إما بأن على الحكومات هذه أن تقيم إصلاحات معينة أو مزيد من الديمقراطية أو أشياء أخرى ليس هناك توجه إلى أن الله قد جعل دينه هذا بما يعتبر حماية للأمة!

 ولهذا تجد أن القضية على هذا النحو كلما يذكر في دينه وهو يأمر الناس أن يتحركوا وهو يأمر الناس أن يقاتلوا أن يجاهدوا لا يذكر بأنه دفاع عن دينه ؛ لأنه يعلم بأن دينه هو الذي فيه دفاع عن الناس وحماية للأمة وحماية للناس من الأسرة إلى العالمين كلهم كما قال:{وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ} إذاً فالتفريط في مرحلة كهذه يعتبر جريمة ربما مرتين أو أكثر ؛ لأن معناه ستقدم برهاناً للعدو فعلاً الذي يقدم الدين هذا بأنه لا يصلح أن يكون نظاماً للحياة ولا يمثل للبشرية أي شيء وليس فيه أي حل لمشاكلها لا على مستوى الأسرة ولا على مستوى الشعب الواحد ولا على مستوى الأمة ويكون المسلمون بتفريطهم وابتعادهم عن تفهم دينهم يقدمون شهادة للعدو، والله هنا يريد ويوجب عليهم أن يقدموا شهادة له أليست القضية كبيراً جداً؟ فعندما يتحرك الناس على أساس دينه وتكون حركتهم دائماً أن يحسبوا كل شيء من إيجابيات عملهم أنه بسبب انطلاقتهم على أساس دينه على أساس كتابه ما يهدي إليه كتابه ما يهدي إليه الله سبحانه وتعالى لا تكون بطريقة أنه حزب أو تنظيم أو كيان مثلما يأتي الآخرون قيادات عبقرية سياسيون محنكون خبراء على خبرات عالية وأشياء من هذه، لا، أن ينطلق الناس وكل ما لديهم من خبرات كلما يتحقق على أيديهم من إيجابيات يقدمونه بأنه للإلتزام بكتاب الله للسير على هدي الله بالطريقة هذه فعلاً يحصل الناس على أجرهم مرتين، كم قد تكون للمرة الواحدة عندما يقول:{يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} ليس المعنى أنه فقط بالملعقة الله هو كريم، الكفل كم قد يكون الكفل؟!

وفي نفس الوقت يبشر الناس بقضية هامة هم يحتاجون إليها في إقامتهم القسط في نصرهم لله في إقامة دينه: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} (الحديد: من الآية28) ترى الآخرين يتخبطون في الظلام وفعلاً نراهم يتخبطون في الظلام حتى منهم في أمس الحاجة إلى أي حل يجعلهم بمعزل عن هذا الخطر الكبير خطر أمريكا وإسرائيل تجدهم يتخبطون في الظلام ويجلبون المشاكل على أنفسهم! فعندما ينطلق الناس على أساس دين الله في ظرف كهذا يعني في الأخير: أن الله سبحانه وتعالى يجعل لهم نوراً يمشون به في حركتهم.

 سياق الآية هذه باعتبار ما قبلها من الآيات وما سيأتي بعدها شبيه بما قبل الآية هذه التي قرأناها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} (الحديد:28) هذه أليست هذه تعتبر أشياء عظيمة جداً؟ عظيمة جداً وتتجلى عظمتها في نفس الوقت عندما يقول: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} الحياة مليئة بالظلمات والدنيا مليئة بأمم متخبطة سواء الظالم والمظلوم متخبطين من يخطط لاحتلال العالم ومن يخطط كيف يدفع عن نفسه هذا الخطر الكبير أليس الناس بحاجة إلى نور؟ وعندما يقول: نور ليس معناه: كشاف بطاريته ضعيفة أو شمعة! نور والنور يكون بمقدار الظلام، الظلام العام لازم نور كشافات كبيرة فعلاً والله سبحانه وتعالى سيهدي الناس معنى هذا أنه سيهديهم وينير طريقهم عندما يستشعرون أهمية عملهم أنهم سيقدمون شهادة لله.

 فيجب على الناس علينا جميعاً أن نعتبرها فعلاً ـ أن يكون عند الناس توجه إلى أن يهتدوا بكتاب الله وأن يعملوا على أساس كتاب الله في وضعية كهذه ـ أن يعتبروها نعمة كبيرة جداً، والمتخاذلون والمبتعدون فعلاً تعتبر خسارة كبيرة جداً عليهم مرحلة حساسة جداً وسائل الدعاية فيها ضد الإسلام وضد نبي الإسلام وضد القرآن نفسه ألم يصلوا إلى درجة أنهم يريدون أن يفرضوا رؤاهم هم فيما يتعلق بالقرآن فيخفوا الكثير منه؟ قد أخفوا الكثير من الكتاب الذي أنزل على موسى وهو الكتاب الذي يعتزون بأنه نزل عليهم فكيف لا يتجهون إلى إخفاء الكثير من القرآن كيف لا يتجهون إلى إخفاء القرآن بنفسه ضيعوا التوراة كيف لا يضيعون القرآن.

عندما يكون الناس قاعدين متخاذلين معناه أنها خسارة كبيرة جداً عليهم في مرحلة كهذه فبمقدار ما يكون العمل عظيما جداً وفضلا كبيرا جداً بمقدار ما يكون التخلي عنه جريمة كبيرة جداً ولهذا كانت عبارات جميلة من الشباب الذين يسجنونهم عندما يقولون لهم: ما هو الذي يجعلكم تكبرون وتسيرون وأنتم عارفون بأنكم ستسجنون؟! يقولون: القرآن. هذه العبارة هامة جداً. لاحظ العبارة كيف توحي بهذا من أكبر قضية إلى أصغر قضية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} (النساء: من الآية135) يعتبرها آخر العملية يعني: من أصغر القضايا من أكبر القضايا إلى أصغر القضايا يكون فيها إقامة للقسط.

أمام أوامر كهذه أليس الكثير من الناس يقولون: [صحيح لكن ما معنا ولا إحنا ولا جهدنا ولا بأيدينا..] أليس الله يعلم بأنه سيقول الناس هكذا؟ أليس هو يعلم سبحانه وتعالى بأن الإنسان هو خلقه ضعيفاً؟ لكن لم يترك المسألة على هذا النحو، قطع كل العلل، قدم سبحانه وتعالى نفسه بأنه سيكون هو عوناً للناس وينصر الناس ويؤيدهم وقدم أمثلة كثيرة جداً لمظاهر تأييده للسابقين من البشر لمن انطلقوا لإقامة القسط لمن استجابوا له.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ} (النساء: من الآية136) كل واحد منا يجب أن يعرف بأن عليه أن يؤمن، يؤمن إيماناً صادقاً نحن مؤمنون ولا أحد يقول بأنه ليس مؤمناً اسأل أي واحد سيقول بأنه مؤمن ويعتبر نفسه مؤمناً ولن يرضى أحد أن يقول بأنه فاسق نهائياً أيُّ واحد من الناس؟ لكن آمنوا، آمنوا إيماناً صادقاً، فعندما يُقرأ القرآن الكريم وتجد فيه هذا الهدى العظيم تجد فيه الوعود الإلهية تجد فيه البيان، البيان الذي يعتبر في حد ذاته من أعظم التأييد الإلهي، البيان عن واقع العدو ألم يبين للناس واقع أعدائهم من داخل أنفسهم من وهم يتآمرون في داخل أنفسهم إلى النتيجة النهائية بالنسبة لهم؟

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ}(النساء: من الآية136) لأن مهمة الكتاب هو أنه يرسخ إيمانك، إيمانك الواسع بالله سبحانه وتعالى{وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} ألسنا مؤمنين بالله وكتابه ورسوله, لكن هنا يقول: آمنوا إيماناً صادقاً به وبالكتاب الذي نزل على رسوله هذا القرآن والكتاب الذي نزَّل من قبل يكون مؤمنا بأن الله قائم بالقسط على طول تاريخ البشر وقائم بالقسط من قبل أن يستخلف بني آدم على الأرض{وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} الكتاب هنا: جنس الكتاب الذي يشمل كل الكتب التي أنزلها الله على رسله وأنبيائه من الماضين{وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً}(النساء: من الآية136) ضياع، ضياع إلى النهاية بكل ما تعنيه الكلمة لاحظ هنا وهذا من الشواهد لمعنى كلمة: ضل، كلمة: ضل في اللغة تعني: الضياع، والضياع يعني: أن تضيع الأمة في كل المجالات التي كان يمكن أن تحصل عليها لو اهتدت بهدى الله.

 تجدها مجالات الحياة كلها، كلمة: ضل في اللغة تعني: هذه، لا تعني في اللغة العربية ضل يعني: كفر، ضل يعني: نافق، لا، الكفر يقال له ضلال، النفاق يقال له: ضلال، الفسق يقال له: ضلال، ارتكاب المعصية يقال لها: ضلال أليست هذه الأعمال كلها ضياع؟ ضياع للإنسان لحياته في هذه الدنيا في الحياة الدنيا وفي الآخرة يضيع عنه كلما كان سيحصل عليه من أشياء عظيمة جداً لو سار على هدى الله لأنه غير ممكن أن تأتي كلمة: ضلال هنا بعد قوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ} لو كانت كلمة ضلال تعني كفراً لكان معنى الآية: ومن يكفر بالله فقد كفر كفراً بعيداً! وهذا لا يستقيم.  كلمة: ضل قدمت أعني: في التعريفات الإصطلاحية لها تعني: هذا، ثم أصبحت وإذا هي مرتبطة فقط بالقضايا العقائدية ضل يعني: كفر، ضل معناها: نافق أي فسق فقط !! يجب أن يعرف الناس أن الضلال معناه: الضياع ولهذا يذكر في القرآن الكريم الخسارة أليس الله يذكر الخسارة بالنسبة للإنسان خاسرين ضائعين تائهين ويذكر الضلال حتى في جهنم: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} (القمر:47 ـ48) أليس هذا ضياعاً.

عندما يقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} أليست هذه الآية تعني: أن جانب المؤمنين هم فقط من سيكونون قوامين بالقسط معنى هذا أن يكون موقفك أنت من أعداء الله بأنه لا يمكن مهما كانت دعاياتهم جذابة أنهم يريدون إقامة قسط أبداً أنه لا يمكن أن يقوم القسط على أيديهم، لو أن القسط كان يمكن أن يقوم على أيدي الكافرين لكانت الدنيا الآن كلها قسطا وكلها عدلا، أليست القوة في أيدي الكافرين؟ أليست وسائل الإعلام بأيدي الكافرين؟ والأموال الضخمة والإمكانيات الكبيرة بأيديهم؟ هل هناك قسط؟ أو هناك ظلم؟ ظلم داخل كل الشعوب وفي كل الدنيا. إذاً فليفهم الناس ونفهم جميعاً بأنه فقط فئة واحدة التي يمكن أن تقيم قسط الله امتداداً لأمر الله وشهادة لله.

 من ناحية الوعي معناه: إذاً عندما يقول لك: نحن نريد أن نكون محررين ونقيم ونؤدي حقوقاً ونعطي الآخرين حقوقهم وحقوق امرأة وأشياء من هذه أليست ادعاءات قسط؟ أبداً لن يقيموا قسطاً أبداً، ولو كانوا قوامين بالقسط لكانت الدنيا كلها قسطاً وعدلاً.

إذاً فالمنافقون عادة هم فئة لا يهتمون على الإطلاق لا بدين الله ولا بعباد الله {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} وكان الواجب عليهم أن يتخذوا المؤمنين أولياء لأن المؤمنين دائما ينشدون إلى بعضهم بعض {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (التوبة: من الآية71) يكونون عبارة عن أمة واحدة وكتلة واحدة ليكونوا قوامين بالقسط.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

[الدرس العشرين من دروس رمضان من الصفحة [1 ـ 5] ]


ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر