سند الصيادي
بوركتم أيها اليمانيون.. نصرةٌ تُشبه الطوفان حين يهب فعلًا، بوركتم لهذه النصرة الصادقة، نصرةٌ توحي وكأن القرآن الكريم قد أُنزل عليكم حصرًا؛ لا لأن غيركم لا يقرأونه؛ بل لأنكم وحدكم من عرفوه وجعلوه موقفًا، ومسؤولية، ودمًا في الشوارع، لا حروفًا تُتلى في المناسبات، ولا شعاراتٍ تُستهلك عند الغضب ثم تُنسى.
خرجتم بالملايين، وكان المشهد أكبر من حدث، وأعمق من ردّة فعل؛ كان إعلان هُــوية، وتجديد عهد، ورسالة مدوّية للأُمَّـة كلها: أن القرآن ما يزال حيًّا، وأن من يحمله بحق لا يُهزم.
واللهِ لن نُهزَمَ ما دُمنا على هذا الصراط، صراط الوضوح، وصراط العزة، وصراط الموقف الذي لا يساوم؛ فالقرآن الذي خرجتم لنصرته اليوم، هو نفسه الذي علّمنا أن الصمتَ على الإهانة خيانة، وأن السكوت على الظلم مشاركة فيه.
لقد جاء بيانُكم واضحًا لا لبس فيه، مؤكّـدًا التمسُّكَ بالقرآن الكريم، ورافضًا أية إساءة أَو استهداف له، واصفًا ما يتعرض له كتاب الله من حملات إساءة متكرّرة وممنهجة بأنه جزء لا يتجزأ من الحرب الصهيونية الشاملة على عقيدة الأُمَّــة، ووعيها، وهُــويتها.
ولم يُوارِ الحقيقة؛ فحمّل أمريكا وبريطانيا والعدوّ الصهيوني المسؤولية الكاملة عن هذه الإساءَات، والتي لا تعكسُ إلا حقدَهم المتجذِّرَ وعداءَهم الصريحَ للإسلام والمسلمين، قرآنًا وقضيةً وإنسانًا.
ومن صنعاء، من اليمن الجريح الصامد، انطلقت الدعوةُ الصادقةُ إلى الأُمَّــة الإسلامية كلها: تحَرّكوا، استنفروا، عبّروا عن غضبكم، وأعلنوا الرفض القاطع لهذه الجريمة النكراء؛ فالقرآن لا يحميه الصمت، ولا تصونه بيانات الشجب الباردة.
كما أن المقاطعةَ الاقتصاديةَ ليست خيارًا هامشيًّا أَو سلوكًا موسميًّا يُستدعى عند الغضب ثم يُنسى، بل هي واجبٌ أخلاقي وديني وإنساني، وموقف عملي يترجم البراءة من أعداء الله إلى فعلٍ مؤثر؛ فشراء منتجاتهم دعم مباشر لاقتصادهم، وتقوية لقدرتهم على تمويل الحروب، وصناعة القنابل، وإدامة العدوان.
جاءت الدعوةُ الصريحة والواضحة إلى مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، وكل ما يرفد آلة القتل الصهيونية، حتى لا نكون – بوعينا أَو بلامبالاتنا – شركاء في إجرامهم، ولا مساهمين في سفك دماء الأبرياء، ولا ممولين لانتهاك المقدسات وتدنيس أولى القبلتين.
جدَّد اليمانيون العهدَ على ثباتٍ إيماني لا يتزحزح، وجاهزية في مساندة الشعب الفلسطيني المظلوم، مساندةً نابعة من العقيدة قبل السياسة، ومن القرآن قبل الشعارات.
والجاهزية ليست مُجَـرّد إعلان، بل موقف مُستمرّ واستعداد دائم لكل جولة قادمة من الصراع مع الأعداء؛ لأن من نصر القرآن لا يمكن أن يتخلى عن فلسطين، ومن حمل كتاب الله في قلبه لا يخذل المستضعفين، ومن صدق مع الله كان حاضرًا في ميادين المواجهة، لا على هامش الأحداث ولا في مناطق الحياد المزيّف.
لم تغب القضايا المؤلمة والمواقف الصادمة عن ضمير المسيرات الحي؛ إذ أدانت بشدة صفقة الغاز المشينة، الأكبر في تاريخ العدوّ الصهيوني، تلك الصفقة التي عقدتها مصر مع الكيان في توقيتٍ بالغ الحساسية، وكأنها مكافأة سياسية واقتصادية للعدو على جرائمه الوحشية في غزة، ورسالة تطبيع قاسية تُقرأ في عيون الأُمهات الثكالى، وطعنة موجعة في خاصرة الدم الفلسطيني الذي ما زال ينزف تحت القصف والحصار.
وانطلاقًا من المسؤولية الأخلاقية والتاريخية، دعت المسيرات بوضوح لا يقبل التأويل إلى إلغاء هذه الصفقة المشينة، وإلى عدم الإساءة لتاريخ مصر العروبي والإسلامي، ولا لجهاد الشعب المصري العظيم الذي قدّم التضحيات الجسام في مواجهة كَيان الاحتلال الصهيوني؛ فمصر أكبر من أن تُختزل في اتّفاقيات عابرة، وأعظم من أن يُشوَّه تاريخها بمكاسب آنية؛ فالتاريخ لا يُشترى، والدم لا يُساوَم عليه، وكرامة الشعوب لا تُقايَض بالغاز ولا بالدولار.
اليوم، خرج اليمن كحجّـة حيّة على أُمَّـة كاملة، يقول لها بوضوح لا لبس فيه: هكذا تكون نصرة القرآن قولًا وفعلًا، وهكذا يكون الوفاء لفلسطين موقفًا لا مساومة فيه، وهكذا يُصنع التاريخ حين يغيب الكثيرون، ويثبت القليلون على الحق مهما كان الثمن.
بوركتم أيها اليمانيون.. فما دمتم مع القرآن؛ فالقرآن معكم، وما دام هذا هو دربكم؛ فلن تُهزموا أبدًا.

.jpg)




.jpg)
