{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (الحديد: من الآية4) هو معنا، عندما يحاول المتكلمون دائماً أن يعملوا التعريفات لكل شيء فلا يدعوا الموضوع للمعرفة الفطرية الجُمْلِيَّة تحدث إشكالات، أقل ما يحدث فيها هو تضييق المفهوم الذي فيما لو تركت المفردة تتجه نحو الوجدان سيكون بالشكل الذي -أيضاً - لا يكون فيه ما يتنافى مع توحيد الله سبحانه وتعالى، لا يكون فيه ما هو تشبيه لله.
{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} لا يغيب عنكم، رقيب عليكم، عليم بكم، يحصي عليكم كل شيء، قادر على أن يرعاكم، يعلم كل الحالات والظروف التي تمرون بها، عليم بذات الصدور.
{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، هو يعلمها ويعلم ملابساتها، ويعلم دوافعها، ويعلم غاياتها. {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} (الحديد:5) هذه الآيات تختلف عن الآيات التي يعدد فيها النعم، أليس كذلك في الأسلوب نفسه؟
يتحدث عن ذاته سبحانه وتعالى باعتباره هو ذو الكمال المطلق، وهو الملك لهذا العالم، وهو رب العالمين، وهو ملكهم {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} له وحده ملكها، أليس هذا هو الدليل الكافي على أنه لا يجوز لأحد أن ينطلق نحو التحكم في شؤون عباد الله دون أن يكون له شرعية من عند الله؟ إذا كانوا يقولون: لا.. يجوز هذا، إذاً فيجوز لأي شخص أن ينطلق إلى مركز المحافظة فيتحكم فيها، إلى مركز المديرية فيأخذ المبنى ويتحكم فيه دون إذن من رئيس، ودون إذن من ملك، ودون إذن من رئيس وزراء ولا غيره، هل هذا مقبول في عالمنا؟ ليس مقبولا. لماذا نقبله بالنسبة لله سبحانه وتعالى؟!
نحن في أعمالنا نشهد على أنفسنا نشهد على أنفسنا بأننا نجوِّز على الله سبحانه وتعالى، وفيما يتعلق بشأنه، وفيما هو من اختصاصه ما لا نجوّزه ولا نسوّغه فيما يتعلق بعالمنا، وفي أنفسنا. هو له ملك السماوات والأرض، ما معنى ملكها؟ من فيها، هو الذي له الحق في أن يلي أمرهم، أن يدبر شأنهم، أن يشرّع لهم، أن يرسم هدايتهم، أن يوجههم هو.
عندما يقول: بأن له ملك السماوات والأرض، ليس ملكا كأي ملك من الملوك الآخرين هو ملك رحمن رحيم رؤوف رحيم. يعرض القرآن الكريم في آيات أخرى كيف تدبير الله لشؤون خلقه، ما هو الأساس الذي يقوم عليه تشريعه لعباده ورعايته لشؤونهم، وهدايته لهم، من منطلق رحمته بهم، هو رحمن رحيم.
{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، إذاً فلا شرعية لأي شخص يتحكم على رقاب الناس، أوَليس الناسُ هم ممن داخل السماوات والأرض؟ بل هم العنصر الأساس داخل السماوات والأرض، هم من استخلفوا على هذه الأرض فسخرت لهم السماوات والأرض وما فيها، حتى كثير من الملائكة أعمالهم مرتبطة فيما يتعلق بالناس، فيما يتعلق بالأرض {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} (الشورى: من الآية5) كثير من شؤون الأرض مرتبطة بهم، تأتي من جهتهم ممن اصطفاه الله من داخلهم يقوم بإبلاغ وحيه بإنزال كتبه، ومع عباده حفظة، ومع عباده كُتَّاب، الكل، الكل حول الإنسان. الكل حول الإنسان.
ثم إذا انتزعنا ملك الله من هذا الإنسان، وقلنا: لا حاجة إلى أخذ شرعية من جهة الله - سبحانه وتعالى - فيما يتعلق بالحكم لهذا الإنسان، والهيمنة عليه، والتحكم في شؤونه، فماذا بقي لله؟ تركنا لله الأشياء الباقية! تركنا له الأشياء الباقية! ثم نأتي إلى المخلوق الرئيسي الذي هو خليفة لله في هذه الأرض، وسخر له الأرض والسماوات وما فيهما، فننتزع سلطان الله منه، ونأتي نحن ولا نربط أنفسنا بالله، بل نأتي لنقول: السلطة ملك للشعب يمنحها من يشاء، هكذا في دساتيرنا العربية عبارات كهذه بالتصريح أو ما يُفهم معناها وهو الذي يقول: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} (آل عمران: من الآية26).
(لا، السلطة ملك للشعب) هكذا نقول! هذه العبارة ليست سهلة، هذه العبارة خطيرة جداً على الأمة، أن تدين بها دولة، وأن يدين بها شعب عبارة خطيرة.
{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إذاً فهو هو من له الحق أن يدبر شأنهم ولا شرعية لمن لا يعتبر في حكمه امتداداً لشرعية الله سبحانه وتعالى، الذي هو ملك السماوات والأرض، ولا يجوز أن ندين بشرعية أي شخص تحت أي مسمى كان حتى ولو كان تحت اسم [إمام] لا يكون حكمُه امتداداً لشرعية الله سبحانه وتعالى.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
(الدرس السادس)
آيات من بداية سورة الحديد
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ:10من ذي ال قعدة1422 هـ
الموافق 23/1/2002م
اليمن – صعدة.