بعد أن قال موسى لقومه: {ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (المائدة21) قالوا نفس المنطق الذي نقوله الآن، وكنا نقوله أيام حزب الحق، {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا} (المائدة24) ألم يقولوا هكذا؟ ماذا حصل؟ {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} (المائدة23) قال رجلان، ألم يعتد الله سبحانه وتعالى بقول رجلين من تلك الأمة؟ وهناك - أيضاً - في تلك الأمة عبادها، وعلماؤها، ووجهاؤها؛ لكنهم كانوا في الصف الآخر الذي يقول: {لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا} (المائدة24).
كلام رجلين وضعوا خطة لدخول تلك الأرض المقدسة التي قد كتبت لهم، وقد كتب الله للعرب في القرآن الكريم، وكتب لمحمد وآل محمد، وشيعة آل محمد في القرآن الكريم أكثر مما كتبه لبني إسرائيل.
{قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} أليست هذه خطة حكيمة في الواقع العملي، وفي الواقع النفسي؟ إن كنتم مؤمنين فتوكلوا على الله، وانطلقوا في هذا العمل، رجلان قالا هذا الكلام الذي هو إيقاظ لأمة. أوليس من المفترض أن في ذلك الصف الآخر علماؤها، وفيهم عبادها، وفيهم قراؤها، في الجانب الآخر؟
رجلان.. لم يقل: عالمان، ولم يقل: شيخان، أو وجيهان.. رجلان، لكن الرجلين لما جاءوا بخطة حكيمة، وانطلقوا ليوقظوا أولئك إلى أنه يجب عليهم أن ينطلقوا في مسؤوليتهم، وإذا كانوا مؤمنين فعليهم أن يتوكلوا على الله، هو منطق القرآن الكريم لنا، إن كنتم مؤمنين فلتتوكلوا على الله. أليس منطق القرآن بالنسبة للمؤمنين أن يتوكلوا على الله؟ وتكرر في القرآن كثيراً.
{قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} أليست هذه حالة سيئة من الرفض؟ كنا نسمع مثيلها أيام [حزب الحق] من بعض علمائنا، كنا نقول: نتحزب، هذه فرصة لنا نحن، نحن أحوج الناس إلى أن يكون لنا حزب، نحن من نحن ضائعون، وتراثنا ضائع، ومذهبنا محارب، نحن مَن مسؤوليتنا كبيرة، نحن كذا... قالوا: [ما هم راضين لنا] كانوا يقولون هكذا: [ما هم راضين لنا نتحزب] أي: ليرضوا لنا أولاً، وليمنحونا تصريحاً، وليمنحونا ضمانة بأنه لن يمسنا من جانبهم سوء، ولن يعملوا أي تحرك ضدنا، ونحن إذاً سنتحزب!
{لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} {إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ} جبارين {وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (المائدة22).
هكذا واقعنا أيضاً، الحالة التي نحن عليها هي حالة من ليس مستعداً أن يعمل شيئاً أبداً وإن كان يتعلم هذا الدين الذي كله عمل، هذا القرآن الكريم الذي كله عمل، وكله هداية، وكله وعود إلهية عظيمة، لن نعمل شيئاً إلا بعد أن ينتهي كل شر من هذه الساحة، من هذه الدنيا، فلا يكون هناك أمريكا، ولا يكون هناك إسرائيل، ولا يكون هناك أي دولة نخافها، ولا يكون هناك أي حزب نخافه، حينئذ سنعمل!
أليس هذا منطق بني إسرائيل؟ ماذا حصل على بني إسرائيل؟ بعد أن طُلب منهم أن يدخلوا بأمر من موسى، وبعد أن عُرضت عليهم خطة حكيمة، ووعدوا بالنصر، باعتبارها قد كتبت لهم {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (المائدة262) تيه أربعين سنة.
نحن الآن ألم يكن من المفترض أن العرب هم من يكونون دخلوا سواحل أمريكا وأوربا؟ أليس هذا كان هو المفروض؟ الآن الأمريكيون هم من دخلوا سواحل اليمن، ودخلوا جبال اليمن، وفي مواقع عسكرية في اليمن.
ثم من يأتي يتحدث مع الناس أن هذا موقف خطير.. يقولون: [نحن مشغولون بطلب العلم، نحن نتعلم] إن العلم إذا لم يكن علماً يدفع إلى العمل بالقرآن الكريم فأنت لا تتعلم دين الله، وإنما تتعلم كيف تموِّت القرآن، وفق قواعد معينة، وتبحث عن مبررات، وتبحث عن حِيَل، لكن لنفترض....، الوضعية التي نحن عليها الآن ليست وضعية أن يبحث الإنسان عن مبررات إطلاقاً حتى ولو كان هناك مبررات شرعية، وضعية خطيرة، ليست وضعية أن يبحث الناس عن المبررات، ولا أن يقولوا: [نحن منشغلون بكذا أو كذا] هي وضعية يجب أن نتجه فيها لأن نتحدث دائماً مع الناس جميعاً عن خطورة المرحلة، وعن خطورة اليهود والنصارى، وعن أضرارهم ومفاسدهم، وعن كيف يجب أن نواجههم، وعن موقف نتبناه، أدناه وأقله أن نصرخ في وجوههم، ونرفع الشعار الذي قد جربوا هم مرارته.
ثم لاحظوا نحن نقول أحياناً: نحن طلاب علم، ونحن نبحث عن الهداية، نريد أن نهتدي... من يتأمل القرآن الكريم، مهما عملت من برامج روحية، مهما عملت من برامج على أساس أن تهتدي وتهدي الآخرين، إذا لم تسر على السنة الإلهية التي تحقق لك الهداية، ويمنحك الله العلم، فإنك لن تهتدي، {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (القصص14) المحسنون قمتهم المجاهدون، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت69).
إذا كنا نريد العلم، ونريد الهداية، فليس ميدانها الكتب وحدها، ليس طريقها كتاب بعد كتاب، ومجلد بعد مجلد، وعام بعد عام، لا بد أن نرجع إلى القرآن؛ لنعرف أسباب العلم، وأسباب الهداية، وأسباب العلم، وأسباب الهداية مرتبطة بالعمل، هذا هو من علمنا، وثقافتنا، وهذا هو من هدانا.
أوليس من هدانا أيضاً، ومن ثقافتنا أيضا أننا نقول: نحن لا نستطيع أن نعمل شيئاً، نحن مستضعفون، ونحن مساكين... أليست هذه العبارة [هي العبارة التي نسمعها؟! مع أن الله سبحانه وتعالى يقول كما في]؟ تلك الآية التي قرأناها: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}(القصص5) وتلك الآية الأخرى التي كانت تحكي واقع صدر هذه الأمة: {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ}(الأنفال26) إنه يؤكد أن المستضعفين هم محط تأييد الله ونصره إذا ما وعوا، إذا ما كانوا من ذلك النوع الذي يعرف واقعه، ذلك النوع الذي أمر الآخرين أن يجاهدوا عنهم عندما قال: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ}(النساء75).
هم يفهمون واقعهم، يفهمون وضعيتهم، يرجعون إلى الله، يبحثون عن ولي من أولياء الله يعملون تحت لوائه، {يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً}.
هذا النوع من المستضعفين لا يضيعهم الله أبداً، وعلى أيديهم تقوم الرسالات، وعلى أيديهم يتم تغيير الدنيا، هل جاء في واقع الرسالات أن تغير الدنيا نحو الأفضل على يد المستكبرين والجبابرة، أم على يد المستضعفين؟ لكن أما إذا كان الناس المستضعفون من ذلك النوع الآخر: {قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} (النساء97)، هؤلاء مستضعفين من نوعيتنا لا نعي شيئاً، ولا نفهم واقعنا، ولا نفهم مسؤوليتنا، ولا نفهم من أين أوتينا، مما هو مرتبط بأعدائنا، ومما هو مرتبط بثقافتنا، من هذا النوع ماذا يقال لهم؟ {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً} ألم يقل: {مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ}؟ وهم مستضعفون؟
هكذا نحن متى ما قلنا: نريد أن نعمل شيئاً، نواجه بأشياء تدل على أننا لا نهتدي بالقرآن، ولا يجوز لي ولا لك أن تسمي نفسك عالماً، أو أسمي نفسي عالماً وأنا بعد لم أهتد بالقرآن، ولم أعرف كيف أهتدي بالقرآن، في أوضح الأمور وأبسطها، فيما هو متعلق بواقع الحياة، الواقع الذي أعيشه أنا، ليس أعماق القرآن، وأسرار القرآن، وغوامض القرآن.
من أين أوتينا؟ لأننا نرى أن العلم والهداية كلها تأتي من صنعنا نحن، ووفق برامج معينة، وركام من الكتب، كتاب بعد كتاب [يالله.. بطِّل.. لا تنشغل بشيء، اقرأ.. اقرأ] اقرأ واعمل برامج لكن ليكن ضمن قراءتك، وضمن برامجك هو ماذا؟ هو أن تسلك تلك الأسباب التي يمنحك الله من خلالها الحكمة، والعلم، والهدى، والنور، والفرقان بين الحق والباطل.
هذا ما يجب علينا أن نسير عليه، وما هو المطلوب منا جميعاً في ظروف كهذه هو أن نحمل روح القرآن، واهتمام القرآن، ونهتدي بالقرآن، وسنرى كيف أن باستطاعتنا أن نعمل الكثير، الكثير، وأن كل شيء يبدو أمام كل واحد منا سهلاً وممكناً.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لما فيه رضاه، وأن يبصرنا، وأن يرشدنا، وأن يجعلنا من أنصار دينه، ومن الهادين إلى صراطه المستقيم، إنه على كل شيء قدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ملزمة (خطورة المرحلة)
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.