وهكذا أيها الأخوة الأعزاء نستذكر الحسين الرمز والقائد والمعلم لنتحرك من مدرسته القرآنية المحمدية في مواجهة كل التحديات، ولنتحمل مسؤوليتنا في مواجهة الظلم والعمل على إصلاح الواقع، ونحن ننطلق من نفس الرؤية التي انطلق من خلاها الإمام الحسين (عليه السلام) والتي منبعها القرآن الكريم ونهج النبي الأعظم، هذه الرؤية تعلمنا أن أكبر خطرٍ على الأمة أن يحكمها ويسيطر على أمرها ظالمون مجرمون فاسدون مفسدون طغاة متكبرون وأن تتحكم بها حكومات جائرة، هذا هو الخطر الأكبر على الأمة. خطر على قيمها وخطر على مبادئها وخطر على أخلاقها وخطر على مسؤوليتها ودورها المنشود بين الأمم، خطر على أمنها وخطر على سلمها وخطر على وحدتها وخطر على مستقبلها الخطر الأكبر الذي لا يساويه خطر على واقع الأمة وعلى دورها ومسؤوليتها الكبرى. من المدرسة الحسينية نعرف بوعي بشاعة الظلم والطغيان وسوئه في الحياة، وأثره السلبي في واقع الحياة كما رآه الحسين (عليه السلام) وهو يقدم أصدق تعبير وأدق تقييم للواقع.
واقع الحياة واقع الناس حينما تسيطر عليه الحكومات جائرة رموزها وقادتها مفسدون جبابرة ظالمون فيقول (عليه السلام): (إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت جدًا) هكذا أثر الظالمين حينما يحكمون الأمة، حينما يسيطرون عليها يتغير واقع الحياة إلى واقع مرير مليء بالمآسي، تحكمه المعاناة، يطغى فيه الهوان والإذلال والقهر، واقعٌ لا يصلح لا لأن تنمو فيه قيم ولا لأن يصلح فيه حال، واقعٌ مرير مرير جدًا جدًا (وأدبر معروفها واستمرت جدًا فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيشٍ كالمرعى الوبيل)؛ لأن الطواغيت والمجرمين هم شؤمٌ وشر حتى على الواقع المعيشي للناس، شرهم وضرهم وظلمهم يطال واقع الناس في كل شأنٍ من شؤون حياتهم، حتى في لقمة عيشهم لا تصل إليهم بهناء يعانون أشد المعاناة من أجل تحصيلها، يفقدون السعادة في كل شيء ويعيشون الذل والهوان؛ لأن المجرمون والطغاة هم لصوص لصوص، عندما يتحكمون بواقع الأمة ينهبون الثروة يستأثرون بالمال العام ويتركون الجماهير جماهير الأمة وأفراد الأمة وأبناء الأمة يعانون بينما أرزاقهم مصادر ثروتهم تنهب ويستأثر بها، وتصل المعاناة في كل شأن في كل شيء حتى فيما يتعلق ببناء القيم والأخلاق، يعملون هم على هد القيم والإطاحة بالأخلاق وتربية الأمة تربيةً مختلفةً تمامًا، تربيةً يمكن للأمة من خلالها أن تتقبل بظلمهم وأن تتقبلهم بكل ما هم عليه من فساد حتى تكون الأمة أمة تألف الفساد وتقبل المفسدين وتذعن للمجرمين وترضخ للطغيان.
(فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيشٍ كالمرعى الوبيل آلا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه) الحق الذي تصلح به الحياة تبنى عليه الحياة ينعم به البشر تنمو فيه القيم، الحق الذي يجب أن يكون هو الأساس الذي نبني عليه واقعنا كمسلمين يزاح يبعد من واقع الحياة لا يعمل به لا يعمل به، لم يعد مقبولاً ويزاح عن الواقع العملي للحياة، ويكون البديل الذي يحل محله في واقع الناس في حياتهم في شؤونهم في أمورهم هو الباطل، وتصبح السيادة للباطل، والهيمنة للباطل، الباطل بكل ما يتركه من سوء في واقع الحياة نفسها، بكل ما يترتب عليه من ظلم واضطهاد وهوان، تصبح السيادة للباطل الذي لا يتناهى عنه ويصبح الواقع العام هو واقع قائم على السكوت والاستكانة والإذعان والخنوع، هذا الواقع السيئ الذي يصبح واقعاً تحت هيمنة المجرمين واقع لم يعد فيه للحياة أي قيمة، تصبح الحياة لا قيمة لها، حياة ملؤها الظلم والمعاناة والشقاء والهوان والامتهان، أضاعوا منها كل ما هو جميل، كل ما هو خير، كل ما هو سعادة، كل ما هو صلاح للناس في دينهم ودنياهم، حينها (ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً) حتى لا يفرض عليه الباطل لقاء بقائه في الحياة؛ لأن الظالمين الطغاة المتجبّرين يعتمدون على البطش والجبروت والطغيان وإلحاق الأذى بالناس من أجل أن يفرضوا عليهم حالةً من الرضوخ والاستكانة والاستسلام، لكن الإنسان المؤمن الحر يعرف أنه لا قيمة لحياة يكون فيها عبدًا خاضعًا مستسلمًا لطغاة مجرمين مفسدين فيرغب في لقاء الله، يصبح لقاء الله والتحرك مع الله ومن أجل الله واستشعار المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى حتى لو كان الثمن هو لقاء الله، أي شرف أي سعادة أي خير أعظم من ذلك، من أن ينتقل الإنسان من واقع حياة مليئة بالظلم والذل والهوان تغلب عليها الشر، وهيمن عليها الطغيان فيلقى الله سبحانه وتعالى وينتقل إلى الله وهو ثابتٌ على الحق، متمسكٌ بالحق، لم يتأثر أبدًا بالواقع الذي تغلّب فيه الشر وسيطر فيه الطغيان، لم يتراجع أمام بطش الظالمين، ولم يهن أو يستذل من أجل جبروتهم؛ لأنه يحمل عزة الإيمان والتطلع إلى الله وإلى ما عند الله من الخير .
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
بمناسبة ذكرى عاشوراء للعام الهجري 1434هـ.