مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبِين، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبِين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

أَيُّهَـــــا الإِخْـــــــوَةُ وَالأَخَـــــــوَات:

 السَّــــــلَامُ عَلَيْكُـــمْ وَرَحْمَـــــةُ اللَّهِ وَبَـرَكَاتُـــــهُ؛؛؛

في هذا اليوم المبارك، وفي هذه المناسبة المباركة: الجمعة الأولى من شهر رجب، التي هي من أعظم المناسبات التاريخية الدينية المباركة لشعبنا اليمني العزيز، أتوجَّه بأطيب التهاني والتبريك لكل أبناء شعبنا اليمني المسلم العزيز.

هذه المناسبة التي هي ذكرى عظيمة، لمحطةٍ تاريخيةٍ مهمةٍ لشعبنا العزيز، من المحطات الكبرى لدخوله في الإسلام، وشعبنا العزيز يحتفل بهذه المناسبة من باب الشكر لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والتقدير لنعمته العظيمة بالهداية للإسلام؛ لأنها هي أعظم النعم على الإطلاق، نعمة الهداية للإسلام والإيمان هي أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان.

ومن التقدير لهذه النعمة: الذكر لها، والشعور بقيمتها، وعظمتها، وأهميتها، وكذلك الاستلهام من هذه الذكرى لِمَا يرسِّخ من الانتماء الإيماني، ويرسِّخ الهوية الإيمانية لشعبنا العزيز، في مرحلة تواجه أُمَّتنا فيها بكلها تحديات واستهداف غير مسبوق، في هويتها الإيمانية، وانتمائها للإسلام، فهي محطةٌ ملهمة، محطة هداية، وذكرى عظيمة، نتوجَّه فيها بالشكر لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والتقدير لهذه النعمة، والاعتراف بها، وأيضاً هي محطة مهمة جدًّا تساعدنا على العناية بالتصدي لكل المحاولات التي تستهدفنا كشعبٍ يمنيٍ مسلمٍ، في هويتنا الإيمانية، وانتمائنا الإسلامي، الذي يعتبر من أهمِّ ميادين الصراع مع عداء الإسلام والمسلمين، هذا المجال، وهذا الميدان: المواجهة على المستوى الفكري والثقافي، والاستهداف على مستوى الهوية والانتماء؛ ولهذا يعتبر الاحتفاء بهذه النعمة، والتقدير لها، والشكر لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وكذلك الاستفادة منها- كما قلنا- ثقافياً، تربوياً... وغير ذلك، يعتبر مما يدخل في إطار قول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس:58]، مناسبات جديرة بالابتهاج بها، بالفرح بها، بالتقدير لها، بالاعتزاز بها، وانتماء شعبنا الأصيل والمميَّز للإسلام، وهويته الإيمانية المباركة، في مقدِّمة وقبل كل شيء غيرها مما هو محط اعتزاز وفخر وشرف لهذا الشعب المسلم العزيز.

أعظم وأهم التَّحوُّلات التاريخية المصيرية للشعب اليمني، بامتدادها في الدنيا والآخرة، هو: الدخول في الإسلام، والإقبال على الإسلام بشكلٍ متميز، في جميع المحطات التاريخية في صدر الإسلام:

  • بدءاً من مرحلة مكَّة:
  • بالنموذج الأصيل والمتميز والراقي: آل ياسر، والمقداد "رضوان الله عليهم"، نموذج يمني، من السابقين في الإسلام، والمقبلين عليه، والمتميزين بانتمائهم الأصيل، الراقي، الواعي، المضحِّي، الثابت، المستنير بنور الإسلام، المقدِّم لصورةٍ راقية عن قيم الإسلام، وأخلاقه، ومبادئه.
  • وأيضاً بالأوس والخزرج، الذين أسلموا منهم ما قبل الهجرة إلى المدينة، أثناء وفودهم إلى مكَّة المكرمة للحج، ولقائهم للنبي "صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، وما ترتب على ذلك من تمهيد للهجرة إليهم، وكذلك في مرحلة التهيئة للهجرة، وفي مرحلة الهجرة، النموذج المتميز بالانتماء للإسلام بأصالة، بثبات، باحتضان لهذا الدين العظيم، بمبادئه، بقيامه، بأخلاقه، والنصرة لهذا الهدى، وهذا الدين، ولرسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم".

فكان انتماء المؤمنين من الأوس والخزرج، الذين أقبلوا إقبالاً متميزاً في الدخول في الإسلام، وفي الحمل لراية الإسلام، وفي النصرة للإسلام، والرسالة الإلهية، ولرسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، وسمَّاهم الله بـ (الأنصار)، تسميةً من الله في كتابه المبارك في القرآن الكريم، وأيضاً الثناء عليهم في القرآن الكريم، والثناء عليهم فيما أثنى به رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم".

  • ثم كذلك في مرحلة الهجرة النبوية:
  • الإسلام للشعب اليمني، من خلال الوفود التي كانت تفد إلى النبي "صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، معبِّرةً حتَّى عن إسلام آخرين، ممن تمثلهم تلك الوفود.
  • وكذلك في البعثات التي ابتعثها النبي "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم" إلى اليمن، ومن أهمها: حينما أرسل علياً "عَلَيْهِ السَّلَامُ" إلى اليمن، وأسلم الكثير من أهل اليمن في يومٍ مشهود، هو يتعلَّق بهذه المناسبة المباركة، وكذلك حينما بعث معاذ بن جبل "رَضِيَ اللهُ عَنْهُ".
  • وكذلك ما ترتب على ذلك من إسلامٍ واسع، وإقبالٍ كبير لأهل اليمن إلى الإسلام.

فالتَّوجُّه العام الذي انتشر في مختلف أنحاء اليمن ومخاليفه بشكلٍ كبير، وإقبالٍ طوعي، وبرغبةٍ كبيرة، حظي الإقبال المتميز لأهل اليمن على الإسلام، وحظي النموذج اليمني، في مثل عمار بن ياسر، في مثل المقداد، في آخرين، آل ياسر بشكلٍ عام، ونموذج الأنصار، وهذا الإقبال العظيم الطوعي، برغبةٍ كبيرة، حظي بالإشادة من رسول الله "صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، في نصوصٍ كثيرة، وأحاديث متعدِّدة، مشهورةٍ بين المسلمين، من ضمنها:

  • الحديث النبوي الشريف: ((أَتاكُم أَهْلُ اليَمَن، هُمِ أَلْيَنُ قُلُوباً، وَأَرَقُّ أَفئِدَةً، وَأَبخَعُ طَاعَةً، الْإِيْمَانُ يَمَان، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّة)): هذا النص الذي فيه البشارة، البشارة بإقبال أهل اليمن، بإتيان أهل اليمن، بما يتحلَّون به من هذه المواصفات الراقية، المنسجمة مع تعاليم الإسلام، مع مبادئ الإسلام، المؤهِّلة لدورٍ إسلاميٍ متميز، حيث كان التعبير هذا تعبيراً فيه بشارة بهم، وبإقبالهم، بما يتميزون به من:
  • لين القلوب.
  • رقة الأفئدة.
  • الاستقامة والتفاني في الطاعة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ولرسوله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم".
  • برسوخ انتمائهم الإيماني، الذي أتى عنه هذا التعبير العجيب: ((الْإِيْمَانُ يَمَان))، فيما يعبِّر عنه من دلالة عميقة جدًّا على أصالة هذا الانتماء الإيماني، ورسوخ هذا الانتماء الإيماني، والتَّوجُّه الإيماني.
  • وأيضاً الحكمة، التي هي من أهم الأمور على الإطلاق، تعبِّر عن حالة الرشد، عن حالة الصواب في التفكير، في الرؤية، في النظرة، في التَّوجُّهات... وغير ذلك، وهي من أهم ما ركَّز عليه القرآن الكريم، ومن أهم مواصفاته أنه حكيم، يمنح الحكمة، يقدِّم الحكمة.
  • وهكذا نصوص أخرى، منها الحديث المشهور: ((إِنِّي لَأَجِدُ نَفَسَ الرَّحْمَنُ مِنْ قِبَلِ اليَمَن)): وأصبح من العناوين والمواصفات المعروف بها أهل اليمن، هي: أنهم أهل المدد، وبهم يهيئ الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" كما هيَّأ في صدر الإسلام دوراً عظيماً، يهيئ أيضاً في آخر التاريخ، في المراحل الحسَّاسة من تاريخ الأُمَّة، في مستقبل الأُمَّة، لهم الدور الكبير والمهم.

كان من الأشياء المهمة في هذا الانتماء الإيماني، والهوية الإيمانية لهذا الشعب المسلم، هو: الأثر العظيم للإسلام في أنفسهم، وفي أخلاقهم، في مواقفهم، في نصرتهم للإسلام، في دورهم الرائد المتميز في صدر الإسلام، وفي الدور المؤمَّل فيهم في مستقبل الأُمَّة، هذه كلها اعتبارات مهمة جدًّا، أصالة الانتماء الإيماني في مبادئهم، في أخلاقهم، في سلوكهم، في عاداتهم، في تقاليدهم، في تحليهم بمكارم الأخلاق، في عطائهم في سبيل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، في جهادهم، في روحيتهم الجهادية، في التزامهم الإيماني، لهم نماذج رائدة في التاريخ الإسلامي بكله، ولهم أيضاً محطات تاريخية مميَّزة جدًّا، ويشهد بها التاريخ.

ثم في هذا العصر أيضاً، نجد هذا الامتداد لتلك المحطات التاريخية، فيما عليه شعبنا العزيز من حفاظ على المبادئ الإيمانية والدينية، والالتزام الإيماني، والأخلاق، والقيم، وفي مواقفه المبدئية الأصيلة، والجهادية في سبيل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

ولهذا من أهمِّ ما يستفاد من هذه الدروس، ومن هذه المناسبة المباركة، وما نستلهمه من التاريخ المجيد والمشرِّف لهذا الشعب ومن نماذجه المميَّزة عبر التاريخ: في مرحلة الصحابة والتابعين، وفي صدر الإسلام، وفي محطات مهمة من تاريخ هذا الشعب، وفي الدور المؤمل لهذا الشعب في مستقبل الأُمَّة، وفي هذه المراحل التاريخية الحسَّاسة جدًّا، نجد أنَّ من أهمِّ ما ندور حوله من خلال ذلك كله، هو: ترسيخ هذا الانتماء الإيماني؛ لأن قول رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم": ((الْإِيْمَانُ يَمَان، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّة))، هو وسام شرفٍ عظيم وكبير جدًّا جدًّا، فوق مستوى ما يستوعبه الإنسان، وفي نفس الوقت تقترن به مسؤولية، مسؤولية في كلِّ مرحلة تاريخية.

نحن في هذا العصر، في هذا الزمن، مَنْ نعيش هذه المرحلة، علينا مسؤولية:

  • في ترسيخ هذا الانتماء.
  • في التربية على هذه المبادئ الإيمانية، على هذه القيم.
  • في أن نحذو حذو الأسلاف النماذج، الذين كانوا نماذج إيمانية بشهادة القرآن، بشهادة الرسول "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم"، بشهادة سيرتهم، مواقفهم، تضحياتهم، عطاءاتهم، أن نحيي هذا النموذج، وأمامنا في تاريخنا معالم بارزة واضح.
  • وأن نتصدى لكل محاولات الانحراف بهذا الشعب بأجياله، بأبنائه، عن هذا المسار العظيم، عن الصراط المستقيم، عن هذا الاتِّجاه الأصيل، الذي له معالمه، له تاريخه، له مبادئه، وله أيضاً عناوينه الواضحة، وعناوينه الأصيلة.

وأن نستلهم بما يساعدنا على أن نكون امتداداً، امتداداً لهذه المسيرة الإيمانية، من حيث الأثر العظيم للانتماء الإيماني في أنفسنا، في أخلاقنا، في أعمالنا، في اهتماماتنا، في مواقفنا، في ولاءاتنا، في تَّوجُّهاتنا، في جهادنا، أن نسعى دائماً إلى ترسيخ ذلك.

لأن هناك- وللأسف الشديد- سعيٌ دؤوب من حركة النفاق في الأُمَّة، إلى مسخ الانتماء الإيماني للأُمَّة بشكلٍ عام، ليس فقط على مستوى الاستهداف للشعب اليمني، بحيث يتحوَّل الانتماء الإيماني في واقع المسلمين عموماً إلى انتماءٍ لا ينفع الأُمَّة بشيء، يفقد كل خواصه، كل مميَّزاته، على مستوى الروحية، على مستوى الأخلاق، على مستوى القيم، على مستوى المبادئ الكبرى والأساسية؛ فيتحوَّل واقع الأُمَّة الكبير- وهي أُمَّة كبرى- إلى أُمَّة فاقدة لكل مميَّزات الانتماء الإيماني، في مقدِّمتها: الحُرِّيَّة، الكرامة، العِزَّة، الاتِّباع للتعاليم الإلهية، القيم العظيمة، ويسعون إلى أن تتحوَّل إلى:

  • أُمَّة مدجَّنة لأعدائها.
  • خاضعةً للطاغوت والاستكبار.
  • أُمَّةً يتحكَّم بها أعداؤها في كل شؤونها، تتلقى حتَّى ثقافتها، حتَّى الأفكار، حتَّى الرؤى، من مصدر الضلال، والظلمات، والأباطيل، والجهالات، والغي.
  • ترتبط بالمفسدين في الأرض، الذين يسعون في الأرض فساداً في كل شيء؛ فيمسخونها على مستوى القيم والمبادئ، وعلى مستوى الأخلاق... وغير ذلك.

فيتحوَّل هناك حالة من الانتماء الفارغ، الذي لا مصداقية له في الواقع، على مستوى السلوك، على مستوى الولاءات، على مستوى المواقف، وهي الحالة التي يسعى لها المنافقون، الذين قال الله عنهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}[البقرة:11].

ولهذا هناك أهمية كبيرة جدًّا للعودة إلى التاريخ، إلى صدر الإسلام؛ للاستلهام من المحطات المهمة والبارزة في تاريخ المسلمين، وتاريخ هذا الشعب المسلم، ونماذجه الرائدة، ماذا يعنيه لنا الانتماء الإيماني؟ كيف تحوَّل واقع الأوس والخزرج، واقع النماذج الرائدة التي أسلمت في مكَّة ما قبل الهجرة، واقع الشعب اليمني في محطاته الكبرى في الدخول في الإسلام؟ كيف كان أثر هذا التَّحَوُّل في الناس: في واقعهم، في أخلاقهم، في روحيتهم الإيمانية، في إقبالهم إلى الله، في جهادهم، في نصرتهم للإسلام، في حملهم لراية الإسلام، في ارتباطهم الأصيل بتعاليم الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؟ وهذا شيءٌ مهمٌ جدًّا، كيف انتقل بهم الإسلام والإيمان والاهتداء بالقرآن الكريم، والاتِّباع للرسول "صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، من جاهليةٍ جهلاء، إلى أُمَّة مستنيرة بنور الله، لها مبادئ عظيمة، أهداف كبرى مقدَّسة، قضايا مشرفِّة وعظيمة، وكيف تصدَّروا كل الواقع العالمي آنذاك، فكانوا الأُمَّة التي أصبحت في صدارة كل الأمم، متميزةً عنها؟

الحديث عن الإيمان، والانتماء الإيماني، والمواصفات الإيمانية، من أهمِّ ما ركَّز عليه القرآن الكريم، وأيضاً- كما قلت- بالعودة إلى التاريخ، مع النصوص القرآنية، مع النصوص النبوية، مع النماذج الرائدة، التي جسَّدت تعاليم هذا الدين، قدَّمت الصورة الحقيقية الأصيلة عن هذا الانتماء الإيماني، نرى كيف ينبغي أن نكون، وما يجب أن نسعى له، وكيف نبني كل واقعنا في مجتمعنا بكله على هذا الأساس، لنكون وفق هذا الامتداد الأصيل، الأصيل، ومتمسكين بهذه الهوية بشكلٍ راسخ: الهوية الإيمانية.

الحديث واسعٌ في القرآن الكريم، ومهمٌ جدًّا، هناك الكثير عن هذا الموضوع، مما قُدِّم في هذه المناسبة، مما وزِّع من محاضرات، من ملازم، من فعاليات، من أنشطة، ونتحدث هنا باختصار عن مَعْلمين أساسيين مهمين جدًّا، من أهم المعالم البارزة في الانتماء الإيماني:

  1. الأول: هو التحرر من العبودية للطاغوت، والارتباط التام بمنهج الله الحق في كل شؤون الحياة:

هذا من أهمِّ المعالم البارزة، التي تعبِّر فعلاً لمن يلتزم بها عن الانتماء الصادق، الانتماء الأصيل على المستوى الإيماني، انتماء إيماني صادق وأصيل، هو: الكفر بالطاغوت، والارتباط بمنهج الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وتعاليمه في كل شؤون الحياة، هذا- فعلاً- يحقق للإنسان أن يكون مؤمناً صادقاً في انتمائه الإيماني، واتِّجاهه الإيماني، وأصيلاً في ذلك.

الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" قال في القرآن الكريم: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا}[البقرة:256]، وهذه مسألة مهمة جدًّا، مسألة نحتاج إليها في هذا الزمن بشكلٍ كبير؛ لأن هناك- كما قلنا- حرب رهيبة جدًّا، ناعمة، شيطانية، مفسدة، مضلَّة، تحاول أن تتَّجه بالإنسان المسلم اتِّجاهاً مغايراً لانتمائه؛ فيتحوَّل انتماؤه إلى انتماء شكلي، عبارة عن اسم؛ أمَّا التبعية على مستوى المواقف، التَّوجُّهات في كل شؤون الحياة، فيخضع لتعليمات المضلين والطاغوت، وهذا شيءٌ خطيرٌ جدًّا على الإنسان.

في القرآن الكريم تأكيد على هذه الحقيقة، في ترسيخ الانتماء الإيماني، الذي يجعل الإنسان متجهاً في مختلف شؤون حياته على أساس هدى الله، وتعليمات الله، وكتاب الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ ولهذا يقول الله في القرآن الكريم: {وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}[الحديد:8-9]، إيمان يكون مبنياً:

  • على ثقة بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
  • على تعبيد النفس لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
  • على طاعة مطلقة لله "جَلَّ شَأنُهُ".
  • على اتِّباعٍ لتعاليمه وتوجيهاته، وتحرُّكٍ على أساسها في مختلف شؤون الحياة.

بهذا تميَّز الانتماء الإيماني الأصيل والنموذجي في صدر الإسلام، ويبقى أيضاً ميزة في كل مراحل التاريخ، في كل المراحل للمجتمعات التي تنتمي للإسلام، فالقرآن الكريم كشف زيف الادِّعاء لفئات أخرى كانت تنتمي للإسلام والإيمان، وتدَّعي أنها مؤمنة، ولكن كانت في حالةٍ من الانحراف عن هذا الارتباط الوثيق بتعاليم الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وهديه، ومنها: فئة النفاق.

فئــة النفـــاق، بَقِيَت لها ارتباطات بمضلين، بالشياطين (من شياطين الإنس، وشياطين الجن)، ترتبط بهم في مواقفها، في تَّوجُّهاتها، في قضايا أساسية، بعيداً عن هدي الله، عن تعاليم الله، عن نور الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ ولهذا بقي لها ارتباط دخيل ومؤثِّر على طبيعة مواقفها، وتوجُّهاتها، وولاءاتها، فتحدث القرآن الكريم عن هذا المستوى من الارتباطات الأخرى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}[البقرة:14]، مع أنهم يتحرَّكون تحت عناوين إيمانية، وعلى مستوى الانتماء: يعلنون انتمائهم للإيمان، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}[البقرة:8]؛ لأن لهم تلك الارتباطات، التي كانوا ينطلقون من خلالها في تَّوجُّهاتهم ومواقفهم، ارتباطات بمن سمَّاهم القرآن بشياطينهم، {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ}[البقرة:14].

لـذلك هذه قضية أساسية، ومعلمٌ بارزٌ، مهمٌ جدًّا، يبيِّن الأصالة في الانتماء، المصداقية في الانتماء، الرسوخ لهذا الانتماء، والهوية في هذا الانتماء.

  1. ومعلمٌ آخر أيضاً هو من المعالم المهمة والكبرى، هو: الجهاد في سبيل الله تعالى بمفهومه القرآني الصحيح والصادق:

الجهاد بالمفهوم القرآني، وليس بالشكليات المحرَّفة، التي تحمل العنوان، ولكنها تتحرَّك في خدمة أعداء الإسلام والمسلمين.

الانتماء الصحيح لعنوان الجهاد في سبيل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والنموذج الصحيح هو الذي يتحرَّك وفق تعاليم الله، وفق المبادئ الهادية في القرآن الكريم، والتعليمات الإلهية في القرآن الكريم، من أجل الله، في إطار القضايا الحق، ويجسِّد في القيم والأخلاق تلك التعليمات، سواءً في التعامل مع الأعداء، أو التعامل مع جملة الناس.

الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" قال في القرآن الكريم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[الحجرات:15]، قال أيضاً: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}[النساء:76].

الجهاد في سبيل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": هو بذل الجهد في كل المجالات لإقامة دين الله، وإرساء دعائم الحق، والتصدي للطاغوت، للطغيان، للشر، للإجرام، لقوى الشر الظالمة، المفسدة، المستكبرة، المعتدية، التي تسعى لاستعباد الناس، وتسعى لظلمهم واستغلالهم، وتمارس الطغيان في الأرض، فهي مصدر شر، وهي تصدّ عن سبيل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وهي تسعى إلى الهيمنة والسيطرة المباشرة بظلمها، تمارس الإفساد في الأرض، تمارس الطغيان، تمارس الاستعباد للناس من دون الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

فالجهاد هو أيضاً وسيلة لحماية الأُمَّة، لحماية المستضعفين، لحماية الناس من قوى الشر، من قوى الإجرام، قوى الإضلال والطاغوت والاستكبار، القوى المفسدة في الأرض.

ولهذا ندرك أهمية الجهاد في سبيل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، كمعيار للانتماء الإيماني الصادق، كما قال الله: {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[الحجرات:15]، {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[الحجرات:15]، وأيضاً ندرك الحاجة إلى ترسيخ الانتماء الإيماني بمفهومه الصحيح، للحماية في هذا العصر من أسوأ، وأطغى، وأظلم، وأجرم طاغوت في كل تاريخ البشرية وإلى هذا الزمن.

نحن نعتبر طاغوت العصر، المتمثل باليهود والصهيونية العالمية، وأمريكا، وإسرائيل، وبريطانيا، وعملائهم، وأتباعهم، أنَّه أخطر طاغوت في كل تاريخ البشرية، وأظلم طاغوت في كل تاريخ البشرية، وأجرم طاغوت في كل تاريخ البشرية، فيما عرفناه، وفيما سمعنا به، سواءً من خلال ما عرضه القرآن الكريم من تاريخ الأمم والأقوام، وما كانوا عليه من كفر، وإجرام، وطغيان، وصد عن سبيل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"... وغير ذلك.

طاغوت العصر جمع كل أنواع الظلم، والمفاسد، والجرائم، وكل حالات الخروج عن حالة الفطرة والقيم الإنسانية، والقيم الإلهية، وامتلك من الإمكانات الكبرى، سواءً وسائل القتل، والبطش، والجبروت، والتدمير، ما لم يمتلكه الآخرون في التاريخ، أو وسائل الإضلال، وسائل الإضلال على المستوى الثقافي والفكري، طاغوت العصر امتلك من الوسائل والإمكانات التي سخَّرها ما لم يسبق في تاريخ البشرية، وكذلك على مستوى نشر الفساد في الأرض على كل المستويات، في كل المجالات، الإفساد لكل شيء: الإفساد للأخلاق، للقيم، الانحلال، ونشر الرذائل، والمفاسد، والمخازي، والمجاهرة بها، ومحاولة أن تتحوَّل هي إلى حالة سائدة في كل المجتمعات البشرية، بما في ذلك الترويج للانحلال الأخلاقي، لجرائم الفاحشة بكل أنواعها... وغير ذلك، نشر الخمور والمخدرات، نشر كل أنواع الجرائم، العمل الممنهج المنظَّم لتدمير القيم والأخلاق في أوساط المجتمعات البشرية، إلى درجة رهيبة جدًّا، درجة عجيبة جدًّا وصلت إليها المجتمعات الغربية، وتستهدف بها بقية المجتمعات البشرية في كل أنحاء الأرض.

فطاغوت العصر يمتلك من إمكانات الإضلال، والإفساد، وممارسة الطغيان، ما لم يسبق لغيره، ويشكِّل خطورة حقيقية على كل المجتمعات البشرية؛ لأنه يمسخها، ثم يعمل على استعبادها واستغلالها، ويسعى إلى تفريغها من محتواها الإنساني، محتواها القيمي، محتواها الأخلاقي، ويعمل على أن تتحوَّل إلى مجرَّد أداة بيده، يستبيحها في كل شيء، يفعل بها ما يشاء ويريد؛ ولذلك فالانتماء الإيماني على نحوٍ أصيل، والهوية الإيمانية الراسخة، هي حماية، حماية للمجتمعات في هذا العصر من طاغوت العصر المستكبر الظالم.

ونحن معنيون بأن نسعى في انتمائنا الإيماني- كأمةٍ مسلمة بشكلٍ عام، وكشعبٍ مسلم يقدِّم النموذج- إلى تصحيح واقعنا من كل الاختلالات، من كل الانحرافات، والسعي لأن يكون اتِّجاهنا الإيماني نقياً، خالصاً من الشوائب؛ لنمتلك الرشد الثقافي والفكري، من خلال ارتباطنا بهدى الله، بالقرآن الكريم، بنور الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وكذلك على مستوى التزامنا العملي، الذي ينبغي أن نسعى فيه إلى تحقيق هذا الهدف.

عندما نتحدث عن تركيز الأعداء بشكلٍ كبير على استهداف سواءً هذه الأُمَّة، أو بقية المجتمعات البشرية؛ إنما هم أيضاً يحرصون على أن يتخلَّصوا من هذه الأُمَّة التي بقي لديها في واقعها هذا النور، هذا الهدى، هذا الحق، وإن كانت هناك فجوة في واقع الأُمَّة فيما يتعلَّق بمستوى الاهتداء بالقرآن الكريم، الالتزام الإيماني، الاستيعاب للمفاهيم الإيمانية، ومستوى الالتزام بها، لكن لا يزال متوفِّراً لدى هذه الأُمَّة ما يخشاه الأعداء، وهم يحاولون أن يتخلَّصوا من ذلك، وأيضاً ما يسبب لهم القلق الكبير، عندما يشاهدون تَّوجُّهات عملية في واقع هذه الأُمَّة هنا أو هناك، من خلال نماذج لدى الشعوب، لدى تَّوجُّهات هنا أو هناك في أي بلدٍ إسلامي، يزعجهم ذلك بشكلٍ كبير، فحربهم قائمة على كل المجتمعات البشرية بشكلٍ عام، يستهدفونها بإضلالهم، بإفسادهم، كما قلنا: بالسعي لتفريغها من محتواها الإنساني، وكذلك لهذه الأُمَّة بشكلٍ مكثَّف، وبشكلٍ بارز وواضح.

علينا كمسلمين أن ندرك أنَّ هذا هو أخطر أشكال الاستهداف: الاستهداف في الهوية الإيمانية، الاستهداف في الانتماء الإيماني، السعي لتفريغنا من كل محتوانا الإنساني، والقيمي، والأخلاقي، والمبدئي؛ لأن هذا هو الذي يمكِّن أولئك الأعداء من السيطرة التَّامَّة على الإنسان بعد أن مسخوه، مسخوه عن إنسانيته الحقيقية، فيتحوَّل إلى دميةٍ لهم، إلى ألعوبة بأيديهم، يستغلونه، يستعبدونه، يصبح بالنسبة لهم مثل بقية الأشياء المادية المطوَّعة بأيديهم، المستغلة، وسيلة من وسائل الاستغلال في الاتِّجاه الذي يريدون، وهذا فيه خسارة الدنيا والآخرة، خسارة رهيبة، وكارثة كبيرة، يفقد الإنسان حُرِّيَّته بمفهومها الصحيح، كرامته الإنسانية، ويخسر كل شيءٍ في الدنيا والآخرة.

الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" قال في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران:100]، يبيِّن لنا أنهم يسعون إلى تطويع المنتمين من أبناء هذه الأُمَّة للإيمان والإسلام، إلى تحويلهم إلى مطيعين لهم.

هذا ما نشاهده على مستوى أنظمة، على مستوى حكومات، على مستوى قادة، على مستوى زعماء، يتحوَّل زعيم دولة، أو نظام في دولة، إلى مطيع لأمريكا وإسرائيل، ويتجلَّى ذلك في سياساته، في مواقفه، في تَّوجُّهاته، أنَّه تحوَّل إلى مطيع لهم، ينفِّذ إملاءاتهم، توجيهاتهم، أوامرهم في مختلف شؤون بلاده، تأتي منهم توجيهات، أوامر، تتعلَّق- مثلاً- بالسياسة التعليمية؛ فيسعى إلى تطبيقها وتنفيذها، وهذه الحالة ما هي؟ حالة طاعة، حالة طاعة، {إِنْ تُطِيعُوا}[آل عمران:100].

وهم عندما يعملون ذلك، هم يعملون- بالنسبة لذلك الفريق: فريق الشر، فريق الطاغوت، الفريق المضل، الفريق الذي يسعى في الأرض فساداً- عندما يقدِّم تعليمات، إملاءات، أوامر، توجيهات، لزعماء، لأنظمة، لحركات، وحتَّى في الأوساط الشعبية التي يخترقها مباشرةً من خلال منظَّمات، من خلال مؤسسات معيَّنة، منظَّمات معيَّنة، تستقطب في الوسط الشبابي، والوسط النسوي، تستقطب الكثير، وتؤثِّر عليهم، ويصبح لهم ارتباطهم بأولئك الأعداء، هو يقدِّم ما يمسخ هذه الأُمَّة، ما يفصلها، وبأسلوبه في الإضلال، هو يعرف كيف يعمل بطريقة إضلال: عناوين مخادعة، عناوين جذَّابة، عناوين استقطابية، أطروحات ينخدع بها البعض ممِّن ليس لديهم الحصانة الثقافية والفكرية من خلال هدى الله وتعليماته؛ ولهـذا هو يسعى لأن يفصل هذه الأُمَّة، على مستوى أنظمتها، حكوماتها، نخبها، شعوبها في الاختراق المباشر لها، أجيالها في الأنشطة التعليمية وغيرها، أن يحوِّلها في حالة انفصال نفسي وذهني عن القرآن الكريم.

وهنا نأتي إلى هذه المسألة المهمة جدًّا: الحرب الكبرى التي يتحرَّك بها اليهود، ومعهم الصهيونية العالمية ضد القرآن الكريم، وهم يعملون على أن يفصلوا الأُمَّة عن القرآن الكريم، لماذا؟ لأن الملاذ الوحيد الذي يحمي المجتمعات البشرية، والذي يكشف كل الظلمات، وكل الضلال، وكل الباطل الذي تتحرَّك به الصهيونية العالمية، هو: القرآن الكريم، كتاب النور، كتاب الهداية الإلهية، إرث الأنبياء، الذي يحتوي كتب الله، وتعاليم الله، والهداية لعباد الله، النور الذي ينقذ الناس من الظلمات، هم يدركون هم ما يمثِّله القرآن الكريم من أهمية لإنقاذ الناس منهم، من إضلالهم، من إفسادهم، وما للقرآن الكريم من أهمية في الارتقاء بالإنسان في قيمه، في أخلاقه، في روحيته، بما يحصنه من تأثيرهم في كل وسائلهم التي يستخدمونها للإضلال، وللإفساد... وغير ذلك، ويدركون أنَّ القرآن يمثِّل صلة بين الناس وبين الله؛ لأنه مرتبط بقيومية الله الحي القيوم، الذي قدَّم الوعود لمن يتَّبعون كتابه أن يهديهم، أن يعينهم، أن يوفِّقهم، أن يزيدهم هدىً، أن يؤيِّدهم بنصره، أن تكون صلتهم بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" صلة ولاية، يتولاهم برعايته الشاملة والواسعة... وغير ذلك ممَّا في القرآن الكريم، فالقرآن بالنسبة لقوى طاغوت والاستكبار يشكِّل خطراً كبيراً عليهم.

الأصالة الإيمانية، النور والهداية، المعرفة بحقيقة قوى الطاغوت والشر الظلامية المفسدة، بأساليبها المخادعة، الفضح لها، ولكل ما تتحرك به من عناوين من خلال القرآن الكريم، هم يدركون أنَّ القرآن الكريم هو الذي يفضحهم، يكشف حقيقتهم، يجلِّي واقعهم، حتَّى على المستوى النفسي، كيف هي نفسياتهم، مشاعرهم، أحاسيسهم، نواياهم، تَّوجُّهاتهم؟ يكشف ممارساتهم العملية وما تهدف إليه، برامجهم، الأهداف الرئيسية التي يتحركون بتحقيقها، يكشفها القرآن الكريم، فهم ينزعجون جدًّا من القرآن الكريم، ويسعون لفصل الأُمَّة عنه، بدءاً من ضرب قدسية القرآن الكريم في نفوس المسلمين أولاً قبل غيرهم.

ما يقومون به من أعمال إجرامية تجاه المصحف الشريف، بممارسات متنوعة: حرق للمصحف الشريف... وغير ذلك من الوسائل والأساليب التي يعبِّرون بها عن حقدهم على القرآن الكريم، هم يعملون أيضاً على إسقاط قدسية القرآن الكريم في نفوس الناس، وفي نفس الوقت يعملون على أن يقيسوا مستوى ما قد أثَّروا في الأُمَّة الإسلامية من تأثيرٍ سلبي في علاقتها بالقرآن، في إيمانها بقدسية القرآن الكريم، وهو أقدس المقدَّسات الإسلامية، القرآن الكريم هو أقدس المقدسات الإسلامية على الإطلاق.

فهم عندما يعملون جريمة معيَّنة في الإساءة إلى المصحف الشريف، يحاولون أن يقيسوا ردة الفعل في العالم الإسلامي: هل هذه الأُمَّة لا تزال على علاقة وثيقة بهذا الكتاب العظيم، بهذا النور، بهذا الهدى، بهذا الشرف الكبير الذي منحها الله إياه، لتهتدي به، ولتهدي به البشرية، أم أنَّ علاقة هذه الأُمَّة على مستوى قدسية القرآن الكريم، والتعظيم للقرآن الكريم قد صارت هابطة، علاقة هابطة، علاقة ضعيفة، يقيسون ذلك من خلال قياس ردة الفعل تجاه الإساءات إلى القرآن الكريم.

وفعلاً تجلَّى في واقع الكثير من أبناء الأُمَّة، كثير من الحكومات والزعماء، أنهم لا يتَّخذون حتَّى أبسط المواقف التي قد يتَّخذونها، ويتَّخذون ما هو أقوى منها بكثير لاعتبارات أخرى، لقضايا تافهة، لأمور ثانوية، لكن من أجل القرآن لا يتَّخذون أي موقف على الإطلاق: لا موقف دبلوماسي، ولا مقاطعة اقتصادية... ولا أي موقف، دع عنك مسألة أن يحاربوا أو يقاتلوا، حتَّى الكلام، بل تكون ردة فعلهم هي تجاه من يتَّخذ موقفاً من أعداء الإسلام تجاه تلك الإساءات.

هذا جانب: جانب السعي للانفصال الذهني والنفسي لدى الكثير من أبناء الأُمَّة عن القرآن الكريم، وهم يعملون على ذلك، وأن تتحوَّل حالة الارتباط ببدائل، يعني: بدلاً من أن يكون الكثير من أبناء هذه الأُمَّة، من شبابها، من نخبها، من أجيالها المتعلمة، من قادتها، من تياراتها الفكرية والثقافية، في الرجال والنساء، بدلاً من أن تكون قضية أساسية لديهم: الارتباط الوثيق بالقرآن الكريم، في ثقافتهم، في أفكارهم، في تَّوجُّهاتهم، في نظرتهم إلى الأمور، في تَّوجُّهاتهم العملية، في ولاءاتهم؛ يتركون القرآن هناك على جنب، ويتَّجهون للارتباط ثقافياً فكرياً عملياً، والارتباط ببرامج أيضاً وأنشطة، من خلال منظَّمات، من خلال مؤسسات، من خلال حكومات، من خلال جهات مختلفة، العدو يشتغل بأذرع، بكيانات، بوسائل، بأدوات كثيرة، ارتباط بهم، ارتباط بهم، ويستقطبون- كما قلت- حتَّى في الأوساط النسوية، والشبابية، والنخبوية في الأُمَّة، بهذه الوسائل، بهذه الأدوات، ويعزِّزون حالة صلة بهم وارتباط ثقافي، منهجي، فكري، عملي، تَّوجُّهات، ومن ذلك ورش ينظِّمون لها، وندوات، وأكثر من ذلك: مسارهم التعليمي، التثقيفي، الإعلامي، يصب كله في أن تتحوَّل أنظار الأُمَّة إليهم؛ لتأخذ منهم أفكاراً، رؤى، تَّوجُّهات، مواقف، ثم تصبح الرؤى التي تحكم مسار الكثير من الناس في مواقفه، في اهتماماته العملية، هي رؤى منهم، مستوردة منهم، مقدَّمة منهم، مع انفصال تام عن القرآن الكريم في كل ذلك.

فهم يحاولون أن ترتبط الأُمَّة بهم، بدلاً من الارتباط بالقرآن الكريم في مقام الاهتداء، في مقام الاتِّباع، في مقام العمل برؤية واسعة في مختلف شؤون الحياة، ويحاولون حتَّى على مستوى الولاءات والعداوات أن يرتبط بهم الناس، وأن يوالوا على أساس رؤاهم، أطروحاتهم، مواقفهم.

فطاغوت العصر هو يسعى لإبعاد الناس عن القرآن الكريم ثقافياً، وفكرياً، وعملياً، وعلى مستوى البرامج والتَّوجُّهات والرؤى، وضرب قدسية القرآن في النفوس، والتَّحكُّم أيضاً فيما يتعلَّق بالمناهج الدراسية من أجل الأجيال، وهذا ما رضخت له وتقبَّلته كبريات الأنظمة العربية.

مثلاً: النظام السعودي، ما الذي يحكم منهجه التعليمي؟ ارتبط بالصهيونية في منهجه التعليمي، أنظمة عربية أخرى، مثلاً: في مصر، في بلدان كبرى في العالم العربي، ارتبطت بالصهيونية في مناهجها التعليمية، وأصبح ما يحكم الثقافة والرؤى، وما يقدَّم في مناهجها التعليمية، محكوماً بالمعيار الغربي، حتَّى فيما يبقى من القرآن في المناهج، وما لا يبقى، يعني: أصبح المعيار الصهيوني الأمريكي الغربي الإسرائيلي فوق القرآن عندهم.

ولهـذا يجب أن نستوعب ماذا يعني ذلك، أنه خلل رهيب للغاية، خلل كبير جدًّا، ضربة قاصمة في الانتماء الإيماني، عندما يصبح المعيار الأمريكي الغربي، ويصبح المعيار الصهيوني والإسرائيلي عند أنظمة عربية كبرى، وفي بلدان عربية وإسلامية كثيرة، يصبح المعيار حتَّى فوق القرآن، والحاكم لما يبقى في المناهج من القرآن، وما لا يبقى، فتحذف آيات من المناهج الدراسية؛ لأن الأمريكي لا يريدها أن تكون موجودة في المناهج التعليمية، تغيَّر مفاهيم، تحرَّف معاني؛ لأن الأمريكي لا يريدها أن تبقى في المناهج التعليمية، تغيَّب مفاهيم أساسية في الإسلام والإيمان؛ لأن الأمريكي لا يريدها أن تبقى موجودة، ويريد أن تكون مغيَّبة من المناهج، من الخطاب الديني... من غير ذلك، وهكذا، هي جزءٌ من حالة المسخ، من حالة الفصل عن الهدى، عن النور، عن القرآن الكريم، وهذه مسألة خطيرة جدًّا، وضربة قاضية، تؤثِّر على مستوى أجيال اتَّجهت حصرياً وفق تلك المناهج، ومعها أيضاً ما تتلقفه من وسائل إعلام ارتبطت بها من أدوات غربية، تقدِّم هي التغذية المعرفية والفكرية والثقافية، وفي الولاءات والرموز... وغير ذلك، وما تربط به الأجيال، وهذه إشكالية كبيرة، وخطر كبير جدًّا.

ثم لنعرف عندما نتحدث- مثلاً- عن الجهاد في سبيل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، لنعرف أننا نتحدث عن هذا العنوان ونحن أُمَّة مستهدفة، أُمَّة محاربة، أُمَّة معتدى عليها، أُمَّة مظلومة، مقهورة، أُمَّة تعيش حالة هجمة غير مسبوقة، استهدفتها في كل شيء.

الأعداء يتحركون في منطقتنا بشكلٍ عام بكل وضوح، بكل وضوح، يجاهرون بما يريدونه، عندما يتحدثون عن: [تغيير الشرق الأوسط]، وهم يعنون منطقتنا، وفي منطقتنا هذه كل بلد، كل دولة، والتغيير لماذا؟ وإلى ماذا؟ وكيف؟ من الواضح أنَّه بما يحقق لهم السيطرة الكاملة، ويساعد على تنفيذ هدفهم فيما يقولونه أيضاً بتعبيرٍ آخر: [إسرائيل الكبرى]، تخضع هذه المنطقة، وتخضع كل شعوبها لأعدى عدو، لأجرم عدو، لأحقاد عدو، لأسوأ عدو، وهذه كارثة، كارثة أن تقبل الأُمَّة بذلك! لا يليق، ولا يجوز، ولا ينبغي.

فالأعداء هم يستمرون في العمل لتحقيق هذا الهدف، وفي مقدِّمة ذلك: القبول بمعادلة الاستباحة، هم يريدون فعلاً- نحن لا نبالغ في الكلام، ولا نتجنى، ولا نطرح عندما نقدَّم هذا العنوان طرحاً غير منطقي ولا واقعي، نقول الحقيقة، نتحدث عن الواقع- فعلاً الأمريكي والإسرائيلي يسعون إلى أن تقبل شعوبنا، وكل أبناء أُمَّتنا، بأن يكونوا أُمَّةً مستباحةً للإسرائيلي، أُمَّةً مستباحةً في الدم، في العرض، في الأرض، في الثروة، في المقدَّسات، في الدين والدنيا، وهذه قضية خطيرة جدًّا، يعني: الإنسان إذا بقي فيه ذرة من الإنسانية، من الكرامة الإنسانية، من الإحساس الإنساني، من الميزة الإنسانية عن سائر الحيوانات، فلا يمكن أن يقبل، أن يقبل بأن يتحوَّل إلى إنسان مباح لمن؟! لليهود الصهاينة، المجرمين، السيئين، أشر خلق الله، شر البرية، الأسوأ في هذا العالم، الأجرم في هذا العالم، الأطغى في هذا العالم، الذين هم أسوأ من كلِّ شيءٍ سيء في الدنيا بكلها، أيُّ شيءٍ يقنع الإنسان بأن يتقبَّل ذلك؟!

وفعلاً هناك سعي ليس من قِبَلهم فقط بتقبُّل هذه المسألة، بل أدواتهم من حركة النفاق في الأُمَّة، أعوانهم الذين يعملون معهم من أبناء هذه الأُمَّة، يسعون إلى أن تكون هذه المسألة مقبولة، أن تقبل هذه الشعوب بأن يقتلها الإسرائيلي كمَّا أراد، وبشكلٍ يومي، ويكون هذا الموضوع من المواضيع العادية في نظر الناس! يعني: يتحوَّل إلى موضوع مقبول لدى الناس، طبيعي، طالما هو الإسرائيلي الذي قتل هذا الإنسان، قتل هذه الأعداد، قتل أبناء هذه المنطقة، قتل هنا وقتل هناك؛ ليس هناك ردة فعل، ممنوع أن يكون هناك ردة فعل! تتحوَّل إلى مسألة مقبولة، عندما يدمِّر، عندما يحاصر، عندما يجوِّع، عندما يستهدف شيئاً من المقدَّسات، في ممارساته الإجرامية، التي يريدون أن تتحوَّل إلى حالة يعتاد الناس على سماعها، وعلى مشاهدة مشاهد عنها في التلفاز، لكن دون ردة فعل، الممنوع هو رد فعل صحيح، تحرُّك صحيح، موقف صحيح بمستوى المسؤولية، بمقتضى الواجب، بمقتضى الحكمة، يمنعون ردة الفعل، وتستمر حالة توجيه اللوم إلى من يعترض، إلى من له موقف من كل هذا، وهذه مسألة مؤسفة جدًّا! قضية واضحة تماماً أنهم يعملون لها باستمرار، يعملون على الإقناع بها، على الإقناع بها.

عندما نتأمل ما يعمله العدو الإسرائيلي بشراكةٍ أمريكية ودعمٍ غربي، هو مستمرٌ ومواصلٌ لإجرامه في فلسطين، وكذلك في لبنان، وكذلك في الاستباحة لسوريا، القتل يومياً، عندما نسرد قائمة فيما يفعله العدو الإسرائيلي من ممارسات إجرامية:

  • القتل يومياً: يقتل أبناء الشعب الفلسطيني في كل يوم، نتابع الأخبار، وسائل الإعلام، وهي تذكر لنا كم قتل يومياً، يقتل أطفالاً، كباراً، صغاراً، ما من يومٍ إلَّا وهو يقتل فيه من أبناء الشعب الفلسطيني، فالقتل حالة يومية.
  • الاختطاف يومياً: كذلك في كل يوم اختطاف إلى السجون والمعتقلات، بدون حق، بشكلٍ ظالم.
  • الإصابة أيضاً: هناك شهداء يقتلهم العدو الإسرائيلي يومياً، وهناك أيضاً من هم مصابون، استهدفهم بالرصاص، أو أصيبوا بجراحات نتيجة الاعتداء بالضرب المبرِّح... أو غير ذلك، وبشكلٍ يومي.
  • الانتهاك المستمر لحرمة المسجد الأقصى: الذي هو من المقدَّسات الكبرى للمسلمين، ذات الأهمية والقدسية البارزة، وكذلك لمسجد الخليل، المسجد الإبراهيمي، وهناك تقدِّم في الإجرام الصهيوني، في الاستباحة الإسرائيلية ضد المسجد الأقصى، وكذلك فيما يتعلَّق بمسجد الخليل.
  • التعذيب للأسرى بشكل مستمر، وبطريقة مؤلمة جدًّا، ومحزنة للغاية: تعذيب مستمر للأسرى، وتصبح المسألة يسمعها الناس حتَّى وكأنها قضية عادية، يعني: لا يترتب عليها حتَّى موقف شعوري، جداني، تعبيري، في الكره للعدو الإسرائيلي، في التعبئة العدائية ضد العدو الإسرائيلي، دع عنك حتَّى على مستوى مواقف دبلوماسية عربية، مواقف مقاطعة اقتصادية... أو غير ذلك. التعذيب والتفنن في التعذيب، بل إنَّ ممَّا أعلنته وسائل الإعلام: سعي (المجرم بن غفير) إلى إحاطة المعتقلات والسجون التي يعذَّب فيها المختطفون الفلسطينيون ببرك، وتجعل فيها التماسيح، يعني: في تفنن ليس له مثيل في كل العالم في الإجرام والطغيان.
  • فيما يتعلَّق أيضاً بجرائم انتهاك الأعراض: الاغتصاب، الجرائم المنتهكة للكرامة الإنسانية.
  • في التدمير اليومي للبيوت، للمنازل، للمساكن.
  • في التجريف للمزارع وبشكل يومي، من الممارسات الإجرامية اليومية.
  • كذلك فيما يتعلَّق بالسطو، والنهب للمنازل والممتلكات، يعني: منازل تدمَّر، منازل تنهب، ممتلكات أيضاً تدمر أو تحرق، وممتلكات تنهب، حتَّى على مستوى وسائل النقل، على مستوى المزارع... وغير ذلك.
  • فيما يتعلَّق أيضاً بالإحراق للمحاصيل الزراعية في حالات، ونهب وسيطرة بطريقة دنيئة وعدوانية على محاصيل أخرى.
  • كذلك تجاه المواشي: حالة إعدام وقتل للمواشي، وحالات نهب وسطو واغتصاب.
  • التهجير من مناطق وقرى كثيرة في الضِّفَّة: عمليات التهجير في الضِّفَّة نشطة جدًّا، كما هي في قطاع غزَّة، توسيع للنشاط الذي يسمونه بـ [الاستيطان]، الاغتصاب للأرض في الضِّفَّة الغربية بشكلٍ مكثَّف، وتوسيع لنطاق ذلك على مستوى مناطق كثيرة في الضِّفَّة.
  • المطاردة والتهجير حتَّى للبدو.
  • السيطرة على المياه: على منابع المياه، على الآبار، والسعي لحرمان الشعب الفلسطيني منها، والتضييق عليه جدًّا فيما يتعلَّق بذلك.
  • النهب للثروات العامة: كل ثروات فلسطين منتهبة: ثروة الغاز... كل الثروات الفلسطينية منهوبة.

والشيء المؤسف جدًّا أن تتحوَّل البعض من البلدان العربية إلى زبون، زبون يشتري من العدو الإسرائيلي ما ينهبه من ثروات الشعب الفلسطيني، ومنها: الغاز؛ ولـذلك من كبائر الذنوب والأخطاء الكبرى، التي هي ذنب أخلاقي وديني، وذنب أيضاً تجاه الأمن القومي المصري: الإقدام على أكبر صفقة في تاريخ العدو الإسرائيلي من جانب النظام المصري في شراء الغاز المنهوب، المسروق على الشعب الفلسطيني، المغتصب من ثروة الشعب الفلسطيني.

العدو الإسرائيلي يريد أن يستحوذ على الثروات حتَّى المياه، مثلما هو الحال مع الأردن، يغتصب ماء الأردن، ثم يتحكَّم بما يبيعه من المياه بالشعب الأردني، بالنظام الأردني، وتصبح هذه الأُمَّة حتَّى في ثرواتها الأساسية، بما في ذلك شربة الماء، مرتبطة بالعدو الإسرائيلي، يبيعها منها بأغلى الأثمان، ويتحكَّم بها، ويجعل منها وسيلة ابتزاز وإخضاع وسيطرة، والشيء المؤسف هو التَّقَبُّل لذلك! يعني: الارتباط بالعدو الإسرائيلي بكل ما هو عليه من إجرام، من طغيان، من جرائم رهيبة جدًّا بشكلٍ يومي، من انتهاكات شاملة، من نهب، من سرقة، ويقبل به الكل في المنطقة ليكون هو المسيطر والمتحكِّم، ويرتبطون به في كل شيء، والنظام السعودي ارتبط به في كابلات الاتصالات... وغير ذلك، يساعدونه على التَّحكُّم بهم في كل أمورهم، في كل شؤونهم، حتَّى في ما يسرقه عليهم، في ما ينهبه من ثرواتهم، وهذا شيء مؤسف جدًّا!

في غـــزَّة، كل الجرائم التي ذكرناها يمارسها العدو الإسرائيلي يومياً، ولا يفي أبداً بالتزاماته في اتِّفاق وقف إطلاق النار، حتَّى في الاستحقاق الإنساني فيما يتعلَّق بدخول الغذاء، والدواء، والاحتياجات الإنسانية إلى قطاع غزَّة، تضمَّن الاتِّفاق مستوى معيَّن ممَّا يدخل، أرقاماً محدَّدة مما يدخل يومياً، مع ذلك يستمر في التضييق عليهم، بحيث لا يخرج الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة من حالة الجوع، من حالة ما يعانيه أيضاً بعد تدمير العدو الإسرائيلي ولا يزال مستمراً في النسف والتدمير لبقايا ما بقي من المنازل، مع ذلك عندما أتى المنخفض الجوي والأمطار، عانى الشعب الفلسطيني أشد المعاناة من البرد القارس، منع العدو الإسرائيلي دخول الكرفانات (البيوت المتنقلة)، الخيام بالشكل المطلوب، منع أيضاً العمل على توفير بيئة وظروف مواتية للحياة، في كل المتطلبات الإنسانية للشعب الفلسطيني، يستمر في إغلاق المعابر، يمنع خروج الكثير من المرضى والجرحى للدواء، يعاني الشعب الفلسطيني أشد المعاناة، وتستمر المسألة، لكن المؤسف أنه يراد لها أن تكون حالة مقبولة، وأن تكون كل المنطقة متقبِّلة للعلاقة مع العدو الإسرائيلي مع كل ذلك الطغيان، مع كل ذلك الإجرام، ومذعنة للأمريكي، والأمريكي شريك مع العدو الإسرائيلي في كل ذلك، في كل ذلك!

ثم الأنظمة تدفع المليارات للعدو الإسرائيلي، وما تدفعه له عبر الأمريكي، تريليونات إلى الأمريكي، والأمريكي يدفع للإسرائيلي، وهذا شيءٌ مؤسفٌ جدًّا!

فنحن عندما نتحدث عن الجهاد في سبيل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" كوسيلة لحماية هذه الأُمَّة التي هي أُمَّة مستهدفة، أُمَّة تحتل أوطانها، تنتهك أعراضها، تنهب ثرواتها، تستباح مقدَّساتها، أُمَّة يقتلها أعداؤها يومياً، يستبيحونها، يقتلون أطفالها، ونساءها، وكبارها، وصغارها، ليس عنواناً في إطار تهجُّم، أو تسلُّط، أو إثارة فتن؛ لكن الشيء المؤسف هو أنَّه يراد لهذه الأُمَّة من قوى النفاق الموالية للأعداء، ومن كلِّ الأغبياء والمغفلين، الذين يتصوَّرون أنَّ الحل هو في الخضوع المطلق لأمريكا وإسرائيل! وهو تصور باطل بكل ما تعنيه الكلمة.

الغطرسة الأمريكية، الصهيونية، الإسرائيلية، هي غطرسة واضحة، يعني: قوى متكبرة، ظالمة، مجرمة، تعتدي على الشعوب والبلدان، تحتل الأوطان، تغتصب الثروات، تتعامل بالظلم، بعيداً عن كلِّ القيم، عن كلِّ المواثيق، عن كلِّ القوانين، حتَّى القانون الدولي لا يحترمونه.

وانظروا ما تفعله أمريكا في هذه الأيام تجاه فنزويلا، الأمريكي ينهب بشكلٍ مستمر ثلث ما تنتجه فنزويلا من النفط، هو مستأثر بثلث، ثلث نفط فنزويلا، وبشكلٍ مستمر، يأخذه بشكلٍ مستمر، لم يكتفِ بذلك أبداً، هو يريد السيطرة الكاملة على أكبر احتياطي من النفط هناك، وربما بحسب بعض الإحصائيات على مستوى أي بلد آخر، أو على مستوى القارة الأمريكية، فنزويلا لديها أكبر احتياطي من النفط، يريد السيطرة والاستحواذ عليه، يرفع عنواناً معيناً: [مكافحة المخدرات]! وأكبر بلد متاجر في المخدرات هو أمريكا، وأكبر بلد تنتشر فيه المخدرات هو أمريكا، وأكبر بلد منتج ومروِّج للمخدرات هو أمريكا، ثم يجعل من هذا العنوان ذريعة لمحاولة السيطرة على فنزويلا، يقول: [المخدرات]، ثم يأخذ سفن النفط، المحملة بالنفط، ليست محملة بالمخدرات، يتعامل بقرصنة، ببلطجة، بتلصص، بنهب، ويسعى بشكلٍ مكشوف إلى السيطرة عليها، والاغتصاب لثروتها.

فنحن أمام هذه القوى الشيطانية، الظالمة، المجرمة: (أمريكا، إسرائيل، الصهيونية العالمية)، التي هي طامعة، جشعة، مجرمة، مستكبرة، مفسدة، لا ترعوي، ولا تلتزم بأي مواثيق، ولا أيِّ قيم، ولا أخلاق، ولا أيِّ اعتبارات محترمة بين البشر، تتعامل بتسلُّط، بعنجهية، بطغيان، بتكبُّر، بظلم، مع ذلك: يسعى عملاؤهم في أوساط أُمَّتنا لصرف الأنظار عنهم، وعن التعبئة ضدهم، ويسعون لتدجين هذه الأُمَّة لهم! وهذا ظلم كبير للأُمَّة، وإساءة كبيرة للأُمَّة.

ولذلك يعملون على تبرير كل ما يفعلونه، يتبنون إملاءاتهم، أطروحاتهم، يوجِّهون اللوم دائماً إلى المظلومين، إلى الأحرار من هذه الأُمَّة، من أبناء هذه الأُمَّة، عندما نسمع- مثلاً- فيما يتعلَّق بقصة السلاح، والكلام عن السلاح، والكلام يتعلَّق- مثلاً- بحزب الله في لبنان، المقاومة اللبنانية، المجاهدين في فلسطين، في غزَّة... وهكذا على مستوى المنطقة بكلها، كلام عن السلاح الذي يمكن أن يكون وسيلة حماية في مواجهة العدو الإسرائيلي، والطغيان الأمريكي، حديث عن ضرورة أن ينزع هذا السلاح، ثم يتحوَّل هذا الإملاء الأمريكي والإسرائيلي إلى مطلب لقوى من هذه الأُمَّة، وأنظمة في هذه الأُمَّة، تتبناه، تسعى لتحقيقه، تصرُّ عليه، تمارس الضغوط لتحقيقه، تتآمر من أجل تحقيقه.

ونحن نرى بشكلٍ عام أنَّ هناك في قصة السلاح، كوسيلة حماية لهذه الشعوب، عمل وسياسات واضحة:

  • أولاً: تجريد أي فئة من أبناء هذه الأُمَّة، أي دولة، أو حركة... أو أيِّ ناس من أبناء هذه الأُمَّة يمتلكون هذا السلاح، ممَّن يظهر في واقعهم أنهم سيواجهون به أي عدوان أو تسلُّط وطغيان إسرائيلي وأمريكي، يواجهون أي احتلال أمريكي أو إسرائيلي به، أن يجرَّدوا من هذا السلاح، هذا مسار يعمل عليه الأمريكي والإسرائيلي.
  • ثم فيما يتعلَّق بغيرهم، ممَّن يقبل بالإذعان لأمريكا وإسرائيل، يمكن أن يمتلك من السلاح ما يوجِّهه في خدمة الأمريكي والإسرائيلي، حينما يكون هذا السلاح في خدمة أمريكا وإسرائيل لمواجهة من يعاديها، ولا يقبل بسيطرتها، وطغيانها، وإجرامها، وظلمها، وحينما يكون هذا السلاح لتفكيك الأُمَّة من الداخل وتدميرها تحت كل العناوين، وبمستوى معين، وفي نطاقات معيَّنة.
  • ثم أيضاً يتحكَّم الأعداء حتَّى على المستوى الجغرافي، [هذه المنطقة يجب أن تبقى منزوعة السلاح]، حتَّى بالنسبة لمن يخضع لأمريكا وإسرائيل، ونجد النموذج السوري فيما يتعلَّق بالجماعات المسيطرة على سوريا، هي واضحة في أنَّها لا تعادي إسرائيل، وأنَّها تسعى للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، مع ذلك من غير المقبول لها أن يكون لها سلاح في جنوب سوريا، من غير المقبول، وفي بقية المناطق أن يكون سلاحها دائماً موجهاً لإثارة الفتن الداخلية، للصراعات الداخلية، للمشاكل الداخلية، للاقتتال الداخلي، للإبادات الجماعية في الأوضاع الداخلية، لكن دون أن يوجَّه إلى العدو الإسرائيلي رصاصة واحدة حتَّى لو فعل ما فعل، حتَّى مع ألف غارة جوية، واحتلال مئات الكيلوهات المربعات من سوريا في الجنوب السوري، والتوغُّلات اليومية، والقتل، والبلطجة الإسرائيلية اليومية، لكن من الممنوع أن توجه لها رصاصة واحدة.
  • ثم حتَّى عندما تأتي أنظمة عربية لتشتري أسلحة متطوِّرة، كسلاح الجو، من فئة: (إف 35، أو إف 16)، أو بأي مستوى، أن يكون خاضعاً في تشغيله، وفي التَّحكُّم به للأمريكي مباشرة، حيث لا يعمل إلَّا بالتشغيل الأمريكي، وحيث يريده الأمريكي أن يعمل.

معنى ذلك: أنهم يريدون أن تكون حالة السلاح فقط متوفِّرة بالقدر الذي يخدم أمريكا، وأن تُنزع وتُحاصر كل فئة لا تخضع للأمريكي والإسرائيلي، فلا يبقى بيد الأُمَّة ما يحميها من وسائل الحماية؛ هذا هو ما يتبنونه تبعاً للمطالب الأمريكية، والإملاءات الأمريكية والإسرائيلية.

ولذلك ندرك تجاه كل ذلك، أهمية أن يكون هناك نشاط مستمر، وتعبئة مستمرة، تجاه ما يعمله الإسرائيلي في هذا الظرف: يقتل يومياً، يدمر يومياً، ينتهك حرمة المسجد الأقصى يومياً، ويشتغل في كل أشكال الجرائم، الاجتياحات، التَّوغُّلات في لبنان، الاعتداءات على الشعب اللبناني، القتل في لبنان بشكلٍ مستمر، وكذلك الاستباحة لسوريا، ما يفعله العدو الإسرائيلي بشكلٍ عام، مؤامراته في بقية المنطقة، ما يعدُّ له الأمريكي والإسرائيلي، الجسر الجوي مستمرٌ في تعبئة كل مخازن السلاح في فلسطين المحتلة وفي المنطقة؛ لأن الأمريكي فرَّغ كل مخزونه في المنطقة للعدو الإسرائيلي، ومعه خلال العامين الماضيين، احتاج لأشهر من تعبئة كل تلك المخازن بمخزون جديد، لتوفير كل القنابل والصواريخ والسلاح المدمِّر، والقاتل لاستهداف هذه الأُمَّة، لاستهداف هذه الشعوب، لتحقيق أهداف العدو الإسرائيلي، العدو الإسرائيلي بكل بساطة يمكن أن يرفع ذريعةً معيَّنة من عناوينه المخادعة، من أكاذيبه، من افتراءاته، أو لأبسط سبب ممَّا هو في إطار الحق المشروع لهذه الشعوب، ويجعل من ذلك وسيلة لعدوان كبير هنا أو هناك.

على كلٍّ العدو الإسرائيلي بشراكة أمريكية مستمر في كل إجرامه، بكل عدوانيته، بكل حقده: تدمير، قتل، اختطاف، كل ممارسات الإجرام، بكل أشكال المؤامرات، ويعد للمزيد من التصعيد والجولات، ويتوعَّد بذلك، يعلن أنه يتحرَّك بشكل مستمر في إطار عنوان [تغيير الشرق الأوسط]، الجولات القادمة جولات مؤكَّدة لا شك في ذلك، إذاً لابدَّ أن تكون هذه الأُمَّة في حالة يقظة.

الحرب- كلما قلنا- من خلال تصعيد الإساءات ضد القرآن الكريم، الأنشطة المختلفة في الحرب الناعمة الشيطانية، المضلَّة، المفسدة، حالة الاستهداف هي حالة قائمة على قدم وساق من قبل الأعداء، لابدَّ أن نكون في حالة يقظة مستمرة، روحية جهادية عالية، يقظة، إدراك لمسؤولياتنا، إدراك أنَّ الذي يحمينا هو أن نتحرَّك وفق منهج الله الحق، وتعليماته القيِّمة، الله يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال:60]، الله كشف لنا عنهم بما نجد مصاديقه وتجلياته في الواقع بأعلى مستوى، عن إجرامهم، عن عدوانيتهم، عن حقدهم، عن نواياهم السيئة، عن شرهم، عن فسادهم، عن جرائمهم بكل ما هي عليه من بشاعة، عدوانية رهيبة حتَّى ضد الأطفال الرضع، ضد النساء والكبار والصغار؛ ولـذلك يجب أن نكون في عمل مستمر، أنشطة مستمرة، وعي دؤوب، استعداد مستمر، عمل لمواجهة ما هو قائم، واستعداد لما هو آتٍ.

ولهذا يتحرَّك شعبنا العزيز، يمن الإيمان والحكمة، بأصالته الإيمانية، بانتمائه الإيماني، بهذه الروح الإيمانية التي أرادها الله له، التي هي في إطار توجيهات الله، وتعليمات الله، وهداية الله في كتابه الكريم، يعدُّ ويستعد، يبني، يجهِّز، يدرِّب، يؤهِّل، أنشطة مستمرة، يقظة دائمة، وهذا ما هو قائم بشكلٍ عظيم، وبشكلٍ مشرِّف؛ ولـذلك استمرت كل الأنشطة: أنشطة التعبئة العامة في كل مساراتها، وكذلك الفعاليات، الوقفات، في إطار المسؤولية الإيمانية، وتحصين الساحة الداخلية.

شعبنا العزيز خرج خروجاً شعبياً، مليونياً، عظيماً، متفرِّداً على مستوى كل الساحة العالمية في الموقف من أعداء الله تجاه إساءتهم للقرآن الكريم، وكان هذا الخروج عظيماً، مليونياً، حاشداً وكبيراً جدًّا، يعني بما يليق، بما يليق؛ لأن القرآن الكريم- كما قلنا- هو أقدس المقدَّسات، يجب أن تبقى له هذه المكانة في قلوب الناس، في اهتمامهم، أن يدرك الأعداء عندما يقيسون ردة الفعل، كيف هي العلاقة في هذه الأُمَّة بهذا المقدَّس العظيم، أن يدركوا أن هناك فعلاً من لا يزال له هذا الارتباط الوثيق بالقرآن الكريم، وقدسيته، ويتحرَّك على أساسه ويستنير به.

الأنشطة والفعاليات العلمائية، التي تحييها رابطة علماء اليمن، أنشطة عظيمة في كل المحافظات، ومكثَّفة، وقوية، وبالموقف الإسلامي والقرآني الراقي، بمستواه، بمستواه، دون خشية من أحد إلَّا من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، بالخضوع لله، والطاعة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وتبني المواقف الجريئة والقوية من قِبَل العلماء الأجلاء، وسماحة المفتي "حَفِظَهُ الله".

كذلك الأنشطة الجامعية، المدرسية، والشعبية، وللرجال والنساء، الخروج في المظاهرات كان في (ألف وأربعمائة وأربعة وثمانين مسيرة ووقفة)، الجانب النسائي خروج كبير جدًّا في (مائة وثلاثة وثمانين مسيرة ووقفة)، نشاط مستمر على ضوء القرآن الكريم، تثقيف قرآني واسع ونشط جدًّا.

كذلك الوقفات القبلية: الوقفات القبلية المسلحة، المعبِّرة عن العزَّة الإيمانية لهذا الشعب، عن الموقف الأصيل لهذا الشعب؛ لأن الوقفات القبلية هي من العمود الفقري للمجتمع اليمني، لقبائل اليمن، الذي يعبِّر عن الأصالة الراسخة والمتينة للتوجُّه الإيماني، يعني: فوق كل أطر سياسية، فوق كل اعتبارات أخرى، هذا المجتمع بمكونه الأساس، مكونه الاجتماعي، هو يحمل هذا التَّوجُّه الإيماني الراسخ الثابت، وينطلق هذه الانطلاقة بعزة الإيمان، وقوة الإيمان وشموخ الإيمان...

وهكذا في إطار الأنشطة المتنوِّعة: السعي للحفاظ على الاستقرار الداخلي، التصدي لكل مساعي الأعداء للاختراقات الأمنية، من خلال وعي المجتمع وأنشطة الأجهزة الأمنية، وما تكشفه من خلايا، وما تتخذه من إجراءات.

النشاط الإعلامي: وأنا أشيد بشكلٍ متكرر بما يبذله فرسان الإعلام، والمجاهدون في ميدان الإعلام من جهود كبيرة، في مختلف أنشطتهم التي يواجهون بها الأعداء في ميدان من أهم ميادين المواجهة.

هذا النشاط، هذا المسار- أيضاً مسارات الاستعداد العسكري، في التصنيع، في التطوير... وغير ذلك- كله فيه اتجاهنا الإيماني، المتميز، الراقي، الأصيل، النموذجي، في الترسيخ للهوية الإيمانية لكل أبناء شعبنا: لشبابهم، لنسائهم، لرجالهم، لصغارهم، لكبارهم، نشاط واسع ونموذجي ومستمر في إطار هذا التَّوجُّه الإيماني، وتأكيداً مستمراً على ثبات موقفنا في نصرة الشعب الفلسطيني، والاستعداد للجولة القادمة، هذا عنوان بارز، وعنوان أساس، نعمل عليه ليل نهار؛ لأننا ندرك ما يحدث، ما يسعى له الأعداء، ما يخططون له، نحن لا نغمض أعيننا ونتجاهل ما يحصل؛ لأن هذا لا يليق بالمؤمنين والأمة المؤمنة، بمن ينتمون للإيمان والقرآن، يجب أن يكونوا في يقظة، في انتباه، في اهتمام، في استعداد، {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال:60].

ومثلما هذه المناسبة المباركة هي مناسبة عظيمة ومقدَّسة، أيضاً هي تذكِّرنا بالعدوان الأمريكي نصرةً للعدو الصهيوني، وهو عدوان بذل فيه الأمريكي كل مساعيه لمنع شعبنا وجيشنا عن مواصلة الإسناد لغزَّة، ومع ذلك فشل، فشل الأمريكي، لم يتمكن بكل أنواع سلاحه، بكل طائراته التي استخدمها، بكل عملياته من قصفٍ جويٍ وبحري، من إيقاف عمليات جيشنا العسكرية في نصرة الشعب الفلسطيني، سواءً على مستوى العمليات بالصاروخية، والمسيَّرة، أو على مستوى العمليات البحرية، كل ذلك استمر حتَّى إعلان اتِّفاق وقف إطلاق النار، ولن يتمكن مستقبلاً كذلك؛ لأن هذا السلاح هو سلاح بأيدي أُمَّة معتمدة على الله، متوكلة على الله، تنطلق انطلاقةً مبدئية، قرآنية، إيمانية، أخلاقية، قيمية، انطلاقة المبادئ والقيم الراقية والعظيمة.

نَسْألُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيْعُ الدُّعَاء.

وَالسَّــــــلَامُ عَلَيْكُـــمْ وَرَحْمَـــــةُ اللَّهِ وَبَـرَكَاتُـــــهُ؛؛؛

 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر