بمثل ما نحتاج إلى الوعي القرآني عن الطغيان والطغاة والظلم والظالمين والمسؤولية تجاه ذلك، بمثل ما نحتاج أيضاً إلى تربية إيمانية في مواجهة المخاوف، البعض مثلاً، عندهم حالة خوف كبيرة تدفعهم إلى الاستسلام، تؤثر عليهم وتكبِّلهم، خائفين، مرعوبين، جبناء، فتؤثر عليهم المخاوف وتدفعهم إلى الاستسلام؛ لأنه من الوسائل التي يعتمد عليها الطغاة، والممارسات الاعتيادية لهم، اعتيادية، سلوك بالنسبة لهم معتادون عليه، الجبروت، القمع، البطش بشكل كبير، باستباحة كبيرة بغية إخافة الناس، هذا القتل الجماعي عندما يلقون القنابل على مساكن الناس، عندما يقتلون أسراً بأكملها في بيوتها، عندما يستهدفون الأسواق بالقنابل، ما فعله يزيد بأهل المدينة في وقعة الحرة، أو في كربلاء بعترة رسول الله، أو الاستهداف الجنوني والأعمى بحق مكة وأهل مكة، ما نراه اليوم عندنا في عدوانهم على اليمن، ما رأينا شواهده ونظائره وأمثاله في فلسطين أو في دول أخرى، ما نرى نموذجه أيضاً اليوم في ميانمار، في العالم بكله، الطغيان هو توجهٌ واحد، وسلوكٌ واحد، وممارسةٌ واحدة، ولها أيضاً وسائلها وأدواتها وأطرافها.
فإذاً هذا الطغيان يحاول أن يخيف الناس، أن يرهب الناس، أن يثير حالة الفزع ليدفع الناس للاستسلام له، فإذا استسلموا فعل بهم الأشد، ولحق بهم الأضر والأنكى والأكثر إيلاماً ووجعاً.
حالة الخوف هذه حالة تُحرِّرُنا منها التربية الإيمانية، الله سبحانه وتعالى يعلمنا كيف ينبغي أن لا نخاف إلا منه، يقول لنا في كتابه الكريم { فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }آل عمران175، القرآن الكريم هدى الله سبحانه وتعالى هو يعزز القوة، القوة المعنوية العالية من جوانب كثيرة: يعزز عندك ويعلّمك الاعتماد على الله، التوكل على الله، الأمل بالله، الاستقواء بالله { وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيراً }النساء45 وعلى نحوٍ واعٍ، ليس من واقع التنصل عن المسؤولية، والاكتفاء بالدعاء. لا، التوكل الذي هو توكلٌ عمليٌ تتحرك به في ميدان العمل متحملاً للمسؤولية { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ }آل عمران159، { وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}المائدة23، { ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ }المائدة23 هذا التوكل الذي هو توكلٌ في ميدان المسؤولية، وفي واقع العمل يعطي عندك الأمل بوعد الله سبحانه وتعالى الذي وعد عباده المستضعفين إذا تحركوا بمثل أو على أساس ما وجههم وعلمهم، ملتزمين بتعليماته وتوجيهاته أن ينصرهم على الظالمين، عل الطغاة، على المتكبرين.
ثم يعطيك فهماً بالواقع، وعياً بالأسباب، معرفةً بخطورة أولئك الطغاة، وعياً بعدم جدوائية الخنوع والاستسلام، وأنه لا يشكل وقايةً أبداً، وأن ما يترتب عليه أخطر مما يترتب على تحمل المسؤولية والنهوض بالمسؤولية، وأن العاقبة الحسنة، وعاقبة الخير، وعاقبة الفوز، وعاقبة النجاة، وعاقبة السلامة، وعاقبة القوة هي بتحمل المسؤولية، هي بالتحرك ولو كان بتضحية، ولو كان بمعاناة، هي تضحية لها عاقبة جيدة، لها نتيجة إيجابية، لها ثمرة في الأخير، وهذه مسألة مهمة جداً، وهكذا من جوانب كثيرة في تربيته، في أثره في معالجته لكل عوامل الخوف.
الإمام زيد عليه السلام قال عندما تحرك: (ما كَرِهَ قَوْمٌ قَط حَرَّ السّيُوفِ إلا ذَلُّوا)، الأمة التي تتهيب، تخاف من تبعات المسؤولية، من ثمن هذه المسؤولية، مما تستلزمه هذه المسؤولية من نهوض بها، من تحرك بها، من معاناة، من صبر، من تضحية، هذا التهيب، هذا التخوف، هذا الرعب يكبّل الأمة فتدفع ثمناً باهظاً بأن تُستَذل، وإذا أذلها الطغاة الجبابرة المستكبرون قهروها، وفعلوا بها كل شيء، واستباحوها وهي في حالة الذل، ليس عندها إباء ولا منعة، فيستبيحونها ويفعلون بها ما يشاؤون ويريدون، فإذاً حالة الخوف يعالجها الإسلام في تربيته، فيما يصنعه من وعيٍ عن الواقع، فيما يتركه من أثرٍ نفسيٍ ومعنويٍ عظيم، فيما يصنعه من إباء، من عزة، تربية وقيم ومبادئ تُحرِّك الإنسان.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
كلمة السيد بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام زيد1439هـ