ماجد الكحلاني
في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه الإنسان في حياته اليومية، تبقى مكارم الأخلاق في الإسلام مبدأً ثابتا ومنارة تُضيء الطريق نحو حياة ذات معنى وهدف. وفي هذا السياق، تناول الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- في درس الخميس رؤى عميقة حول دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام): "وانته بنيتي إلى أحسن النيات وبعملي إلى أحسن الأعمال".
هذا الدرس يُبرز أهمية السعي إلى الكمال الإنساني من خلال العمل الصادق الذي يخدم الدين والمجتمع، ليشكل بذلك خارطة حياة مليئة بالمعاني السامية والقيم النبيلة.
دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) ليس مجرد طلب للهداية، بل هو توجيه عملي يدعونا إلى البحث عن أحسن النوايا وأفضل الأعمال.
وأكد الشهيد القائد في درسه أن المؤمن لا ينبغي أن يرضى بالتوقف عند أعمال روتينية معتادة، بل يجب عليه أن يطمح دائمًا إلى ما هو أعظم وأكثر تأثيرا.. فالأعمال الكبرى ليست منفصلة عن الأعمال الصغيرة، بل هي التي تضفي عليها قيمتها وتجعلها ذات أثر أكبر.
فعلى سبيل المثال، كظم الغيظ قد يبدو عملا بسيطا، لكنه عندما يكون دافعه الحفاظ على وحدة الأمة والسعي لنصرة الحق، يتحول إلى عمل جهادي عظيم.
إن قيمة العمل تكمن في النية التي تقف وراءه وفي الغاية التي يخدمها، وهو ما يجعل السعي إلى الكمال رحلة مستمرة لا تنتهي. كما قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُو۟لَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ} (الواقعة:11)، فالسابقون هم من يختصرون المسافات بفضل إخلاصهم واجتهادهم، ليصبحوا أقرب إلى الله.
التدرج في الكمال يمثل جوهر هذا الدرس، حيث يدعو الشهيد القائد إلى السعي المستمر لتحسين الإيمان والعمل والنية. هذا السعي ليس مجرد طموح فردي، بل هو جزء من بناء أمة قوية متماسكة، كما جاء في قوله تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} (المائدة:54).
الدرس يسلط الضوء أيضًا على أهمية مواجهة التحديات التي يفرضها أعداء الأمة، الذين يسعون بكل الطرق لإضعافها على المستويات الفكرية والثقافية والاقتصادية.
هؤلاء الأعداء لا يدخرون جهدا لضرب الأمة في كل المجالات. وفي المقابل، يدعو الدرس المؤمن إلى اتخاذ كل وسيلة متاحة لتقوية الأمة ومواجهة هذه المؤامرات. هذه الجهود ليست مقتصرة على ساحات المعارك فقط، بل تشمل كل عمل يسهم في بناء الأمة وتعزيز وحدتها، سواء كان ذلك عبر التعليم، أو الاقتصاد، أو أي مجال آخر يخدم المصلحة العامة.
إن الأعمال في الإسلام ليست منفصلة عن بعضها البعض، بل تشكل شبكة مترابطة تدعم غايات كبرى. عندما تكون النية صالحة، يصبح كل عمل، مهما بدا صغيرا، لبنة في بناء مشروع أكبر يخدم الأمة. الكلمة التي تُقال بإخلاص، أو المساعدة التي تُقدم بنية صافية، أو الجهد الذي يُبذل في سبيل الله، كلها تسهم في بناء مجتمع قوي ومستقر.
رؤية شاملة
درس الخميس الذي قدمه الشهيد القائد -رضوان الله عليه- ليس مجرد دعوة لتحسين أعمالنا، بل هو رؤية شاملة لإعادة النظر في كيفية تعاملنا مع حياتنا اليومية. إنه درس يعلمنا أن النوايا الصالحة والأعمال المخلصة هي مفتاح تحقيق الكمال الإنساني والرضا الإلهي.
هذا الدرس يدعونا جميعا إلى البحث عن أحسن الأعمال وأعظمها أثرًا، وإلى تحويل حياتنا إلى رحلة دائمة من العطاء والإصلاح. فلنستفد من هذه الرؤية العميقة في بناء ذواتنا وخدمة مجتمعنا، ولنردد معًا: "اللهم صل وسلم على محمد وآله، وانته بنياتنا إلى أحسن النيات، وبأعمالنا إلى أحسن الأعمال".