أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
ما يزال الموضوع هو حول الآية الكريمة: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة:56) وقلنا: من المهم جداً أن نعرف من هم أولياء الله، وأن نعرف كيف نتولى الله، والشيء المؤكد أن معرفة الله سبحانه وتعالى معرفة كافية معرفة واسعة لا بد منها في تحقيق أن يكون الإنسان من أولياء الله؛ لأن من أبرز صفات أولياء الله سبحانه وتعالى أنهم عظيمو الثقة بالله، ثقتهم بالله قوية.
والثقة القوية بالله إنما تحصل من خلال معرفته، ولا نقصد بمعرفته سبحانه وتعالى ما هو متصالح عليه في كتب (علم الكلام) بل معرفته الواسعة من خلال القرآن الكريم معرفة كماله، معرفة ما أسبغ على عباده من نعمه، معرفة مظاهر قدرته ودلائل حكمته، ومظاهر رحمته، أيضاً معرفة شدة بطشه، معرفة ما أعده لأوليائه، وما أعده لأعدائه، معرفة ما يحظى به أولياؤه من الرعاية منه سبحانه وتعالى، معرفة أنه غالب على أمره، هذه المعرفة الواسعة.
بالأمس كان الموضوع حول ألوهية الله سبحانه وتعالى, أن نعرف ألوهيته سبحانه وتعالى، ماذا تعني بالنسبة لنا, أن نعرف أنه {لا إله إلا الله} وكما قال سبحانه وتعالى لرسوله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم): {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (محمد: من الآية19) ومتى ما تحقق لدينا ـ بإذن الله وبتوفيقه وبتنويره ـ معرفة كافية بمعنى {لا إله إلا الله} معرفة كافية بمعنى ألوهيته, أنه إلهنا ونحن عبيده فإن هذه تعتبر من أهم الفوائد وأعظم المكاسب التي لو قطع الإنسان عمره الطويل في ترسيخ معانيها في نفسه لكانت من أعظم النعم التي يحصل عليها طول عمره.
الله سبحانه وتعالى هو إلهنا ونحن عبيده، ومعنى ذلك: أنه وحده الذي له الحق أن يكون له الأمر فينا، والحكم فينا، هو من له الحق أن يشرّع لنا، ويهدينا ويرشدنا، هو من له الحق أن يحكم فينا، هو من له الحق أن يدبر شؤوننا؛ لأننا عبيده. هو من له الحق ألا يتدخل غيره في شأن من شؤوننا بما يخالف ما يريده سبحانه وتعالى لنا ومنا، هو وحده الذي له الحق أن نطيعه، ونطيع مَنْ طَاعتُه مِنْ طَاعته.
هذه القاعدة المهمة، والقاعدة الواسعة هي التي تفصلك عن كل آلهة في الأرض سواء تَمثل في هواك، أو تَمثل في إنسان، أو تَمثل في أي شيء من هذا العالم، فمتى ما فصلت نفسك عن كل ما سوى الله أن يكون إلهاً لك تحقق لك معنى {لا إله إلا الله} ومنحت مِن عزة مَن وحدّته، مِن قوة مَن وحدته، مِن حكمة مَن وحدته، مِن علم مَن وحدته، كما قال الله سبحانه وتعالى في نبي الله يوسف عليه السلام: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (يوسف:22). ونبي الله موسى عليه السلام: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}.
لو تقرأ ما قرأت طول عمرك، ورصَّات الكتب بين يديك مجلد بعد مجلد وأنت لا تحظى برعاية من الله سبحانه وتعالى أن يعلمك هو، أن يرشدك هو، أن يهديك، أن يفهمك فإن غاية ما تحصل عليه قليل من العلم وكثير من الجهل.
كم سمعنا عن أشخاص في تاريخ الإسلام، كم تركوا من تراث من الكتب، وكيف عرفت حياتهم حتى قيل عن بعضهم: أن كراريس علمه بلغت أكثر من أيام عمره، أكثر من شخص قيل فيه هذا، ولكن لو تستعرض ما تركه تجد أنه كان بحاجة ماسة، في حاجة ماسة إلى أن يهتدي بالقرآن الكريم، وأن يستأنف حياته من جديد مع القرآن الكريم.
إن كل خلل يحصل سببه نقص في معنى {لا إله إلا الله} في نفسك، فترى الركام الذي تركه هذا، والركام الذي تركه ذاك، وتلك العبارات المنمَّقة عند هذا، والعبارات المنمَّقة عند ذاك، تراها وكأنها هي الحكمة، وكأنها هي الهدى, وكأنها هي الصواب، وترى وكأن القرآن الكريم الذي عايشته وأنت صغير, وقرأته وأنت ما تزال طفلاً, لايزال فهمك محدوداً, لا يزال إدراكك للمعاني ضعيفاً، تتعامل معه وكأنه هو نفس ذلك الكتاب الذي عايشته في الصغر فتنطلق وراء هذا, ووراء ذاك, ووراء تلك العبارات المنمقة، وبعد تلك المجلدات الطويلة العريضة ، وكأن هناك الهدي, وكأن هناك الحكمة, وكأن هناك العلم.
وفي الحقيقة ـ كما أسلفت ـ نحن نعرف أشخاصاً كـ (ابن تيمية) مثلاً من العلماء الذين عُرفوا بغزارة العلم ـ بالمعنى المتعارف عليه ـ أي: كثرة المقروءات، والكتابة، والحديث هنا وهنا، في هذه المسألة وتلك المسألة، لكنه كان يفتقد إلى أسس، إلى أسس ينطلق منها، أسس يرشد إليها القرآن الكريم، لينطلق منها هو وغيره من أمثاله ممن يمكن أن تلمس لديهم عقائد باطلة، أقوالاً غريبة، وجهة نظر شاذة.
سبب ذلك كله هو أنه لم يحصل اعتماد ـ بالشكل المطلوب ـ على القرآن الكريم، وأنه لم يحصل اعتماد بالشكل المطلوب على القرآن الكريم، سببه تأثر بثقافة معينة، وضعف في تحقق معنى {لا إله إلا الله} لأن مما أكد الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم وهو يؤكد ألوهيته أنه هو من له الحق أن يهدي عباده، وأنه هو من سيتولى هدايتهم، وعندما يتولى الله هدايتك فما أوسع هداية الله، إنه عالم الغيب والشهادة، إنه الذي يعلم السر في السموات والأرض، إنه العليم بذات الصدور.
فعندما يهديك هو يهديك للمعرفة الصحيحة الواسعة يهديك إلى أبواب من الهدى تفتح أمامك أبواباً، وأبواباً.
مهم جداً أن تترسخ لدينا معاني {لا إله إلا الله} والتي من أبرزها أن نمنح أنفسنا لله فنفتح قلوبنا لهديه، نَدَعُه هو الذي يهدينا؛ لأنه هو الذي قال: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} (الليل:12)
يقول: هذا عليَّ، وهذا هو من مسئوليتي، وهذا أنا سأتكفل به لمن فتح قلبه لي {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} (آل عمران: من الآية73) {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} (النجم: من الآية23).
فنحن عندما ننطلق لنتعرف على إلهنا يجب أن نعتمد على القرآن الكريم، وأن نتوجه إلى الغوص في بحور معرفته، معرفته الواسعة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
(معرفة الله – نعم الله - الدرس الثاني)
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ 6 من ذي القعدة 1422 هـ الموافق:19/ 1/2002م
اليمن – صعدة.