أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبِين، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبِين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أَيُّهَـــــا الإِخْـــــــوَةُ وَالأَخَـــــــوَات:
السَّــــــلَامُ عَلَيْكُـــمْ وَرَحْمَـــــةُ اللَّهِ وَبَـرَكَاتُـــــهُ؛؛؛
في تطورات العدوان الإسرائيلي، الهمجي، الإجرامي، الوحشي، على الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة:
ارتكب العدو الإسرائيلي في هذا الأسبوع كل أنواع وأصناف الجرائم، وأبشعها، وأفظعها:
- ففي عمليات القتل بالغارات الجَوِّيَّة، والقنابل الأمريكية المدمِّرة والحارقة: قتل المئات من أبناء الشعب الفلسطيني، وأصاب الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني.
- وفي مسار التجويع: كذلك وفيات، وارتقاء للشهداء يومياً، وفي المقدِّمة: الأطفال.
فالشهداء في هذا الأسبوع، نتيجةً للقتل بالغارات الجَوِّيَّة والقصف، ونتيجةً للتجويع... وكل وسائل الاستهداف والإبادة الجماعية التي يمارسها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، الشهداء (بالمئات)، والجرحى (بالآلاف)، وبالأمس كان هناك تصعيد أكثر من الأيام الماضية على مستوى الأسبوع، مع إعلان العدو الإسرائيلي للمرحلة الثانية مما يسميه بـ [عربات جدعون].
العدو الإسرائيلي من نماذج جرائمه في هذا الأسبوع: استهدافه لخيمة للنازحين داخل أسوار (مستشفى شهداء الأقصى)، يستهدفها بالقصف؛ وأدَّى هذا إلى ارتقاء شهداء وإصابات بالقرب من (قسم الباطنية) في المستشفى، بكل وحشيَّة وإجرام يُهَدِّد حياة المرضى والجرحى في المستشفى.
في مسار التجويع، والإبادة بالتجويع، وبحسب البيانات الفلسطينية، فإنَّ ربع مليون طفل فلسطيني، بينهم أربعين ألف رضيع، مهدَّدون بالموت البطيء؛ بسبب سوء التغذية في غزَّة، والحالة صعبة جدًّا بالنسبة للشعب الفلسطيني، حجم المعاناة من التجويع رهيبٌ وهائلٌ جدًّا، وهي جريمة رهيبة جدًّا يمارسها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، جريمة القرن، جريمة العصر.
على مستوى تأثير ذلك على النساء الحوامل: مئات حالات الإجهاض للنساء الحوامل، مئات حالات الإجهاض؛ نتيجةً لسوء التغذية وانعدام الطعام.
المدير العام لوزارة الصحة في غزَّة يقول: [نحن على أعتاب مرحلة استشهاد خمسمائة شخص يومياً، إذا استمرت المجاعة].
ومع ذلك يتباهى أكابر المجرمين الصهاينة اليهود بالتجويع، بهذه الجريمة البشعة، فما يسمُّونه بوزير الدفاع الصهيوني يقول: [سنقطع كل شيءٍ عن غزَّة، لا كهرباء، لا طعام، لا ماء، لا غاز]، بكل هذا المستوى من الإجرام، يتباهى أمام مرأى ومسمع العالم.
المجرمان الوقحان السيئان: (بن غفير)، و(سموتريش - المسمَّى وزير المالية)، يقولان: [لن ندخِل حبة قمح واحدة إلى غزَّة]، (سموتريش - من يسمَّى وزير المالية) هو من أسوأ المجرمين الصهاينة، وكذلك (بن غفير)، كلاهما مجرمان من أكابر المجرمين الصهاينة، وباسم وزراء، وهما يتباهان بهذا الإجرام الشامل العام، الذي هو في إطار الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، الاستهداف للجميع: للنساء، والأطفال، والكبار، والصغار.
إضافةً إلى جريمة التعطيش، والعدو الإسرائيلي مستمرٌ في هذه الجريمة، وهي جريمة بشعة ورهيبة، والإبادة الوحشيَّة بالتعطيش المتعمَّد يلخِّصها ذلك المشهد المأسوي، المؤلم للغاية، للطفلة (آمنة المفتي)، الطفلة الفلسطينية التي تعمَّد العدو الإسرائيلي الهمجي المجرم استهدافها بصاروخ، وهي تحمل جالوناً من الماء، ذهبت له؛ لتأتي به إلى أسرتها، فاستهدفها بشكلٍ مباشرٍ متعمَّد، وسفك دماءها مع جالون الماء الذي كانت تحمله، في (مخيم جباليا - شمال قطاع غزَّة)، وحوَّلها إلى أشلاء، جريمة من أبشع الجرائم، ووثِّقت هذه الجريمة، ونُشِرت في وسائل الإعلام، وهي تعبير مع ممارسة عملية عن إجرامٍ لا حدود له، إجرام رهيب جدًّا يقوم به أولئك السفَّاحون، القتلة، الهواة للإجرام، والمتفننون في الإجرام، والمتعطِّشون للدماء.
فيمـــا يتعلَّـق بالضِّفَّــــة الغربيــــة:
هناك بؤرة جديدة للاغتصاب والاحتلال أعلن عنها العدو الإسرائيلي، ومن الواضح أنَّ لها هدفاً كبيراً؛ فهي تفصل ما بين شمال الضِّفَّة عن وسطها وجنوبها، وتعزل مدينة القدس، وهذا هدفٌ أساسيٌ لتلك البؤرة، العدو الإسرائيلي يهدف من خلالها إلى: عزل مدينة القدس عن الضِّفَّة الغربية، وعزل أيضاً جزء من الضِّفَّة الغربية عن الجزء الآخر، تقطيع أوصالها بهذا المستوى.
والعدو الإسرائيلي- في هذا السياق- هو يتَّجه لتنفيذ مخططاته المعلنة، والصريحة، والواضحة، في الاحتلال الكامل، والسيطرة التَّامَّة، وألَّا يبقي أي مجال لما يقال عنه: دولة فلسطينية، ولو على جزءٍ يسيرٍ من فلسطين، وبشكلٍ شبه رمزيٍ وعشوائي، ليست حكومةً حقيقية، ولا دولةً حقيقية؛ وإنما أشبه ما يكون بحكمٍ ذاتيٍ، وحالةٍ وهمية، حتى الدولة الوهمية لا يسمح بها العدو الإسرائيلي.
العدو الإسرائيلي في الضِّفَّة يواصل كل أنواع الجرائم، في الاستهداف للشعب الفلسطيني، والاعتداءات من: قتل، واختطاف، وتجريف، ومداهمات، والتَّعَدِّي على الممتلكات، والإحصائيات كثيرة في هذا الأسبوع.
أيضــاً فيمـــا يتعلَّـق بالمعــاملة السيئـــة مـع الأســـرى:
- أُعلِن هذا الأسبوع عن تعذيب واضطهاد للأسيرات الفلسطينيات.
- وكذلك كان من ضمن ما حدث في هذا الأسبوع: دخول المجرم (بن غفير) إلى السجن؛ لتهديد الأسير الفلسطيني القيادي البارز مروان البرغوثي، في تصرفٍ يعبِّر عن لؤم، وخِسَّة، ودناءة، وحقد، في تهديده إلى داخل الزنزانة.
فيمـــا يتعلَّــق بالقــــدس:
- العدو الإسرائيلي سعى ويسعى لعزل مدينة القدس، هذه خطوة عدائية كبيرة، في الاستهداف للمسجد الأقصى ولمدينة القدس بشكلٍ عام.
- العدو الإسرائيلي مستمرٌ خلال هذا الأسبوع في الاقتحامات للمسجد الأقصى، وانتهاك حرمته.
- افتتح العدو الإسرائيلي أيضاً حديقةً استيطانيةً في القدس.
اليوم هو الذكرى لإحراق الصهاينة للمسجد الأقصى، بإشعال النار في المسجد القبلي، في [الحادي والعشرين من (آب) أغسطس، في العام: 1969م]، وهذه الذكرى من أهمِّ ما ينبغي أن تُلفت نظرنا إلى حقيقة المخطط الصهيوني لاستهداف المسجد الأقصى، وهذا شيءٌ مهمٌ جدًّا بالنسبة لنا كمسلمين، تجاه مَعْلمٍ إسلاميٍ مُقَدَّس، من أهم المقدَّسات الإسلامية، مسرى النبي "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ"، وقبلة المسلمين لمدة زمنية مهمة في عصر رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ".
من أهم أركان المخطط الصهيوني لدى الصهاينة اليهود، وغيرهم من النصارى، من المسيحيين، من يتَّجهون معهم في الاتِّجاه الصهيوني، من أهم أركان مخططهم الصهيوني، هو: السعي لهدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه، والسيطرة التَّامَّة على مدينة القدس والتهويد لها، هذا هدفٌ أساسيٌ وركنٌ في مخططهم، ليست مسألة هامشية جزئية، يمكن أن يتنازلوا عنها، ويقبلوا بتركها في مقابل مساومات معيَّنة، أو عروض معيَّنة، أو اعتبارات معيَّنة، وسنتحدث بشيءٍ من التفصيل عن هذه المسألة، هذا هو هدفٌ مشتركٌ- كما قلنا- للصهاينة، ويعتبرونه الأساس للمخطط الصهيوني، يعني: قضية أساسية يُبنى عليها بقية الجزئيات والتفاصيل في مخططهم، وأكثر من ذلك: تُبنى عليها المعالم الأساسية في مخططهم.
الاختراق العقائدي اليهودي الصهيوني صنع اتِّجاهاً صهيونياً واسعاً في الغرب، في أمريكا، وفي أوروبا، بل وإلى أستراليا، وليس فقط في الغرب، وصولاً إلى أستراليا، في أوساط الاتِّجاه المسيحي والنصراني، الاتِّجاه اليهودي صنع اختراقاً كبيراً جدًّا، فصنع هذا الاتِّجاه الصهيوني معه في عقيدة باطلة وخطيرة جدًّا، الاتِّجاه السياسي الغربي هو سائرٌ على أساسها، هذا الاتِّجاه الصهيوني يقوم على أساس الاعتقاد بأنَّ إسرائيل (بأنَّ اليهود وإقامة إسرائيل) هي تجلٍّ إلهي، ويعتبرون ذلك تجسيداً للنعمة من أجل خلاصهم، يعني: يربطون مسألة مستقبلهم الذي يتصوَّرونه مستقبلاً مزدهراً، يهيمنون فيه على كل العالم، يسيطرون فيه على كل المجتمعات البشرية بسيطرةٍ مستحكمة، ينعمون فيه بكل ثروات هذه الأرض، يحوِّلون كل المجتمعات البشرية إلى عبيد لهم، وخانعين لهم... وغير ذلك من آمالهم وطموحاتهم، يعتبرون ذلك متوقِّفاً على تحقيق هذا الهدف: إنشاء ما يسمُّونه بـ [إسرائيل الكبرى].
وهنا اتِّجاهان داخل هذا الاتِّجاه، يعني: هناك في هذا المقطع نفسه، في هذا المكان نفسه من المخطط، اتِّجاهان:
- حيث يتصوَّر الصهاينة المسيحيون: يتصوَّرون بأن ذلك مرتبطٌ به العودة الثانية للمسيح، يعني: ما بعد إقامة إسرائيل الكبرى، وهدم المسجد الأقصى، وإقامة وبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، يأتي المسيح للمرة الثانية؛ ليتحكَّموا معه ويسودوا معه هذا العالم، ويحكم هذا العالم لألف عام قبل أن تقوم القيامة، هذه هي خلاصة عن معتقدهم.
- أمَّا اليهود فمعتقدهم بأنه: سيأتيهم ملكهم الذي يحكمون به العالم، حيث يقيمون حكومة يهودية صهيونية تحكم العالم بكله، ويتحوَّل العالم بكل ما فيه إلى غنيمةٍ لهم، في ثرواته البشرية والمادية وما على الأرض، يتنعَّمون بها، يتحكَّمون بها، يستأثرون بها، يستغلونها في نفس اتِّجاههم الذي هم عليه، من الطغيان، والاستكبار، والظلم، والازدراء للمجتمعات البشرية، والاحتقار لها، وعدم الاعتراف لها حتى بأنها مجتمعات بشرية بشكلٍ حقيقي، فهم يتصوَّرون هذه المسألة، يعني: يربطون المستقبل للمجتمع البشري، ولما يسمُّونه بنهاية التاريخ، بهذا المعتقد، الذي بناءً عليه صمَّموا مخططهم الصهيوني، ويتحرَّكون عملياً لتنفيذه.
فهم يعتبرون إنجاز المخطط الصهيوني، بتمكين اليهود الصهاينة من بناء ما يسمُّونه بـ [إسرائيل الكبرى]، وإقامتها على هذه المساحة من الأرض، التي تشمل الشام بكله، وتشمل العراق، أو أجزاءً في الحد الأدنى واسعةً من العراق إلى نهر الفرات؛ لأنهم يَنُصُّون عليه في نصوصهم التي يعتبرونها نصوصاً مقدَّسة، ويعتبرونها وعداً إلهياً، وكذلك أجزاء واسعة من مصر، إن لم يكن كل مصر، وكذلك يربطون المسألة بنصوص يعتبرونها نصوصاً من الوعد الإلهي، ونصوصاً مقدَّسة، وتلبِّي أطماعهم، أطماع، ورغبات، وأهواء، وطموحات، إلى نهر النيل، ويشمل ذلك أيضاً الجهة البحرية من مصر، المطلِّة على البحر الأحمر، وربما أكثر من ذلك، وأجزاء واسعة من الجزيرة العربية، وتشمل المدينة المنوَّرة، وتشمل مَكَّة المكرَّمة.
هذا هو المخطط الصهيوني، مبنيٌّ على هذا الأساس، ويعتقدون أنه إذا تحقق ذلك؛ ترتب عليه النتائج المهمة- بالنسبة لهم- في السيطرة العالمية التَّامَّة، فهم يعتبرون المسألة مبنيةً على ذلك.
في المعتقد الصهيوني، في الاتِّجاه الواسع، في الاتِّجاه الواسع لمئات الملايين الآن في أمريكا، في أوروبا، في أستراليا، لمئات الملايين، أصبح لديهم معتقد: أنَّ دعمهم لهذا المخطط، هو مشاركةٌ في تنفيذ الإرادة الإلهية، وأنَّه عبادة، وفي معتقدهم أنَّ الله يساعد من يساعد إسرائيل، وأنَّه يعادي من يعادي إسرائيل، وأن العائق الآن أمام العودة الثانية للمسيح، هي: عدم الإنجاز لهذا المخطط، وكلَّما أسرعوا في إنجازه؛ كلَّما قرَّبوا الوقت لمجيء المسيح... وهكذا حوَّلوا المسألة إلى مسألة اعتقادية دينية، مرتبطٌ بها أيضاً المستقبل العام للمجتمع البشري بكله، للعالم جميعاً، وبنوا عليها أيضاً أطماعهم، رغباتهم، مشاريعهم الاستعمارية؛ لأن هذه المعتقدات هي تلبِّي أهواءهم، وتنسجم مع طموحاتهم، الرامية إلى الاستعمار، إلى السيطرة، إلى الاستغلال، إلى النهب، إلى إخضاع الشعوب الأخرى، والتَّحَكُّم بها، والاستعباد لها.
فالمعتقد اليهودي الصهيوني هو متمحور حول مسألة ما يسمُّونه بـ [إعادة بناء الهيكل]، وهدم المسجد الأقصى، وبناء هيكلهم المزعوم على أنقاضه، متمحور حول هذه النقطة كمحور أساس للمخطط الصهيوني.
عنوان الهيكل المزعوم، هو عنوان أساس في مخططهم الصهيوني، وفي معتقدهم، وهم أحاطوه بخرافات وأساطير بشعة جدًّا، فيها إساءة كبيرة إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وفيها افتراء عظيم على الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
من افتراءاتهم الرهيبة، البشعة، المسيئة إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": أنَّهُم يزعمون أنَّه- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا- اعترف بأنَّه أخطأ لمَّا لم يمنع خراب الهيكل المزعوم، يقولون: أنَّ هذا الهيكل قد تعرَّض للخراب لمرَّتين في التاريخ، واحدة منها: ما قبل سبعمائة سنة من ميلاد المسيح، عندما هجم الملك البابلي عليهم، فهم يقولون ويفترون على الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" افتراء عظيماً، ويسيئون إليه إساءةً بالغة: بأنَّه تندَّم لمَّا لم يمنع خراب الهيكل المزعوم، يقولون: [أنَّه صار يبكي ويزأر قائلاً: تباً لي؛ لأني صرَّحت بخراب بيتي، وإحراق الهيكل، ونهب أولادي]، ويقصدون بعبارة [أولادي] أنفسهم، في افترائهم العظيم على الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأنَّه- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا- يبكي ويلطم كل يوم، إلى حين إعادة بناء هيكلهم المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى.
بمثل هذه الخرافة وغيرها الكثير من الخرافات، والأباطيل، والأقوال، التي فيها إساءات كبيرة إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، رمَّزوا موضوع هيكلهم المزعوم، وجعلوه قضية أساسية لهم، يتحرَّكون لتنفيذها؛ لأن ذلك يبنى عليه- بحسب اعتقادهم- تحقق بقية الآمال، والطموحات، والرغبات، التي جعلوا منها معتقداً دينياً، وهي أهواء ورغبات وطموحات تُعبِّر عن أطماعهم، وتنسجم مع نفسيتهم الخبيثة، الإجرامية، المتوحِّشة، الطامعة، فهم يسعون فعلاً إلى تحقيق هذا الهدف بشكلٍ عمليٍ.
ولـذلك هناك مساعٍ عملية، وتوجُّه جاد للصهيونية لتنفيذ ذلك، ما يقومون به من حفريات تحت المسجد الأقصى، وما يعملونه بهدف طبع مدينة القدس بالطابع اليهودي، وما عملوه خلال سنوات طويلة في هذا السياق نفسه، هو لهذا الهدف، حتى الاقتحامات المتكرِّرة للمسجد الأقصى، والانتهاك لحرمته في كل أسبوع، بل يكاد أن يكون ذلك بشكلٍ يومي، هو في هذا السياق: لتنفيذ هذا الهدف الإجرامي والخطير، ولديهم مؤسسات وجمعيات كثيرة، في أمريكا، ولليهود الصهاينة على المستوى العالمي، أمَّا اليهود الصهاينة في فلسطين، المحتلُّون لفلسطين، فنشاطهم مكثَّف جدًّا: مؤسسات، جهات، جمعيات، وهو توجُّه بالنسبة لهم رسمي، توجُّه يتَّجهون فيه جميعاً، ومع ذلك من يدعمهم، من يقف معهم في الصهيونية العالمية، في أوروبا، في أمريكا وغيرها، على المستوى الرسمي، وعلى مستوى مؤسسات وجمعيات كثيرة، في الأوساط الشعبية في أوروبا وأمريكا تجمع التبرعات، تنشط بشكلٍ دعائيٍ واسع، وتثقيفي واسع، تجمع المال، وكذلك تجمع التأييد الشعبي الواسع في الأوساط الغربية، والدعم بكل أشكاله: الدعم على المستوى السياسي، الدعم على المستوى المادي... الدعم على كل المستويات؛ لتنفيذ هذا المخطط، وهم يسعون لذلك بشكلٍ مكثَّف.
الرؤية الصهيونية تقوم على تعظيم وتقديس هذا المخطط، يعني: يعتبرونه في الأساس خطةً إلهية، يعملون على تنفيذها من باب أنها عبادة، وكذلك- كما قلنا- تلبِّي أطماعهم، ورغباتهم، وأهواءهم في السيطرة، في الاستئثار، في الاستهداف لهذه الأُمَّة، في السيطرة على المجتمعات البشرية، في السيطرة على هذه المنطقة، التي يعتبرونها ذات أهمية جغرافية، ذات أهمية كبيرة جدًّا على المستوى العالمي؛ ولـذلك هم يتحرَّكون لذلك بتعبئة دائمة لديهم، ويوجِّهون مواقفهم السياسية بناءً على ذلك، إلى درجة أنَّ في بعض الكتابات، وبعض الأخبار: أنَّ القرارات الأمريكية تجاه أي مسألة تتعلَّق بذلك، تتعلَّق بما يسمُّونه بـ [الشرق الأوسط]، لابدَّ فيها عندهم من استشارة أشخاص ممن يعتبرونهم من الكهنة والقسيسين، الذين يستشيرونهم قبل اتِّخاذ أي قرار؛ حتى لا يكون معارضاً لما يسمُّونه بالإرادة الإلهية، يعني: حتى لا يؤثِّر أي تأثير سلبي على نفس المخطط، بل يكون أي قرار بما يخدمه، وبما يفيد لصالح ذلك المخطط.
الرؤية الصهيونية العالمية، في أمريكا، في أوروبا، في أستراليا، ولدى اليهود أنفسهم، تقوم على تعظيم وتقديس هذا المخطط، والسعي لتنفيذه؛ لأنهم يعتبرونه مخططاً مفيداً لهم بالاعتبار الديني والدنيوي، يعني: يعتبرونه مخططاً دينياً له نتيجة دنيوية، له نتيجة سيطرة، استئثار، احتلال، نهب، استعباد، يحقق لهم ما يطمحون له من النفوذ، من التَّحَكُّم، من الاحتلال، من النهب، من الاستعباد لهذه الشعوب، وعلَّقوا عليه كل آمالهم كوعدٍ إلهي على هذا الأساس؛ ولـذلك هم رسَّخوا هذه النظرة تجاهه، أنه مشروع مُقَدَّس بالنسبة لهم، ومشروع مُعَظَّم، يطبعونه بطابعٍ دينيٍ، ويبنون عليه نتائج كبرى، تحقِّق لهم الرغبات والآمال والطموحات، التي هي طموحات شريرة، عدوانية، إجرامية، ظالمة، هي عبارة عن احتلال، عن سيطرة، عن اغتصاب، عن إبادة، عن نهب، عن استعباد لهذه الشعوب.
الحقيقة تجاه هذا الموضوع كشفها الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في القرآن الكريم، بما يبيِّن أصل المسألة ما هي:
- هل هي فعلاً عبارة عن مخطط مقدَّس، ومطبوع بطابع ديني إلهي، وبالوعد الإلهي، ويرتبط بها نتائج إيجابية في المجتمع البشري، وعلى واقع الأرض، ولمستقبل العالم؟
- أم هي مسألة مختلفة تماماً؟
الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" كشف في القرآن الكريم حقيقة هذه المسألة، وينبغي أن يكون هناك نشاط كبير في أوساط المسلمين، ثم على المستوى العالمي؛ لتبين أصل هذه المسألة، بما يكشف زيفهم، بما يبين بطلان ما يدَّعونه، وما يروِّجون له من باطلٍ وضلال، يبنون عليه أكبر مظلمة في هذا العصر، جريمة القرن، فيما يفعلونه ضد الشعب الفلسطيني، وضد شعوب هذه الأُمَّة.
بالرغم من التحريف الذي قام به اليهود على مدى التاريخ، تحريف مستمر في كل جيل، وما قاموا به من طمسٍ للحقائق، إلَّا أنَّ الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" كشف مخططهم في القرآن الكريم، ثم يتجلَّى في واقعهم، فيما قدَّموه كتحريف، وفي ممارساتهم الإجرامية، ما يشهد للحقيقة التي قدَّمها الله وبيَّنها في القرآن الكريم.
يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في القرآن الكريم في (سورة الإسراء(، بعد أن ذكر أنه أسرى بالنبي "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ" إلى المسجد الأقصى، قال الله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا}[الإسراء:4-8].
يبيِّن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في هذه الآيات المباركة، عن بني إسرائيل فيما أخبرهم به في الكتاب، حتى في التوراة، أخبرهم به في التوراة، ومن غير المستبعد أن يكون أيضاً ورد في الإنجيل الضائع، إنجيل عيسى "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، الذي أنزله الله على نبيه عيسى "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، ثم ذكر الله هذه الحقيقة أيضاً في القرآن الكريم، فالله أخبرهم أنه سيكون لهم دور، لكنه دور سلبي، سيء، ليس دوراً مُقَدَّساً كما يصوِّرونه، وأنه مدعومٌ إلهياً؛ باعتباره مشروعاً لخير المجتمع البشري، وباعتبارهم جديرين بهذا الدور، الذي يجعلهم فوق المجتمعات البشرية بكلها، هو أولاً دورٌ سيءٌ للغاية، عنوانه الإفساد في الأرض، الإفساد الواسع، الإفساد الشامل، في وضعٍ يتمكنون فيه من سيطرة، ويستغلونها لهذا الدور: ليكونوا مفسدين في الأرض فساداً شاملاً، في كل المجالات: إفساد لمعتقدات الناس، إفساد لأخلاقهم، إفساد في كل مجالات حياتهم: في المجال السياسي، في المجال الاقتصادي، في الجانب الاجتماعي... في كل شؤون الحياة، فساد شامل، وفساد عام، {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}[الإسراء:4]، ومع الفساد عنوان آخر هو العلو، هو الاستكبار، الاستكبار، والظلم، والطغيان، الذي يمارسونه ضد غيرهم من المجتمعات البشرية؛ فهو ليس دوراً مقدَّساً، ولا دوراً إيجابياً، ولا دوراً مدعوماً من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، يمثِّل الإرادة الإلهية لخير المجتمع البشري؛ بل هو دورٌ في غاية السوء والخطورة على المجتمعات البشرية، وله أسبابه، له أسبابه السيئة في واقع الناس حتى يتمكَّنون من أن يكون لهم هذا النفوذ الذي يساعدهم لتحقيق هذا الدور السيء جدًّا.
مع اختلاف المفسِّرين حول مسألة المرَّتين، {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}[الإسراء:4]، هل قد مضت المرتان؟ أو مرَّة وبقي مرَّة أخرى؟ إلَّا أنهم يدركون أنَّ قول الله تعالى: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا}[الإسراء:8]، تبيِّن أنها سُنَّة من سنن الله تعالى معهم، أنه كلما عادوا لفسادهم من موقع النفوذ، من موقع التأثير، من موقع السيطرة؛ فإنَّ الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لن يترك لهم المجال، لابدَّ أن يضربهم، لابدَّ أن يؤخذهم، بل أكثر من ذلك: الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" قال في القرآن الكريم: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}[الأعراف:167]؛ لأن الله يعلم شرَّهم، وسوأهم، وخبثهم، وعدوانيتهم، وإجرامهم، ووحشيتهم، وما يشكِّلونه من خطرٍ على بقية المجتمعات البشرية؛ ولـذلك فالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" ليس بغافلٍ عنهم، ولا عن إجرامهم.
فهذه هي الحقيقة، ليست الحقيقة كما صوَّروها ويرسِّخونها في أوساط المجتمعات الغربية، ويثقِّفون بها تثقيفاً وتعليماً في المجتمعات الغربية، للنظر إليهم على أنهم- كما يقولون- يمثلون الإرادة الإلهية، ولخير المجتمع البشري، وأنهم يتحرَّكون في إطار مشروع إلهي، مدعوم من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، المشكلة قد يكون لها وجه آخر فيما يتعلَّق بأُمَّتنا الإسلامية، هو جانب التسليط؛ لتفريط هذه الأُمَّة كأمة بشكلٍ عام في مسؤولياتها الكبرى، وهذا ما سنتحدث عنه في مقام آخر إن شاء الله.
حينما نعود إلى النصوص المحرَّفة، التي تعبِّر عن هذا المشروع الذي يروِّجون له، عن المخطط الصهيوني الذي يسعون من خلاله إلى تنفيذ مشروعهم ذلك، يتبيَّن لنا- بالرغم من التحريف- أنَّ الحقيقة هي ما ذكره الله في القرآن الكريم؛ لأنهم كيف يصوِّرون المسألة في مشروعهم؟ كل نصوصهم عنه تكشف أنه مشروعٌ عدواني، إجرامي، وحشي، قائم على الإبادة للمجتمعات البشرية، والاستعباد لها، والنهب لثرواتها، والإذلال لها، يعني: ليس لهذا المشروع الصهيوني أي رسالة إيجابية تُقَدَّم إلى المجتمعات البشرية، ليس له رسالة إيجابية إطلاقاً، هو عبارة عن إجرام، عن ارتكاب إبادة جماعية، عن احتلال، عن نهب، عن سيطرة، عن احتقار للناس، ليس فيه أي خير يقدَّم للناس، ليس له أي محتوى إيجابي يقدَّم للناس، ليس فيه سوى مسألة تمكين اليهود الصهاينة من السيطرة على المجتمعات البشرية؛ لإبادة بعضها، واستعباد البعض الآخر بحسب مصالحها، واحتلال الأرض، ونهب الثروات، والاستغلال غير الإنساني، الاستغلال القائم على أن المجتمعات البشرية حيوانات بأشكال بشرية؛ لتليق بخدمة اليهود، استغلال للناس على هذا الأساس، هذا لا يمكن إطلاقاً، ومن المستحيل أن يكون مشروعاً إلهياً؛ لأنه ليس فيه أي خير للمجتمعات البشرية.
انظروا إلى بعضٍ من نصوصهم، التي تكشف هذه الحقيقة: أنه دور إفساد في الأرض، إفساد للحياة، إهلاك للحرث، والنسل، إبادة، إجرام، ووحشية:
- من نصوصهم تلك، التي تعبِّر عن هذا المشروع قولهم، طبعاً يحسبونها في افترائهم على الله: [وأمَّا مدن هؤلاء الشعوب، التي يعطيك الربُّ نصيباً]، هكذا يعتبرون المجتمعات البشرية، ومدنها، وممتلكاتها، مجرَّد عطية إلهية كنصيب يعطيها لأولئك المجرمين، [فلا تُبقِ منها نسمة]، يعني: اعمل على إبادتها جميعاً إبادة جماعية، يعني: لا تُبقِ منها لا أطفالاً، ولا نساءً، ولا كباراً، ولا صغاراً، ولا أحد أبداً.
- في تلك النصوص: [وأهلكوا كل ما في المدينة]، يعني: عندما تسيطرون، [من رجلٍ، وامرأةٍ، وطفلٍ، وشيخٍ، حتى البقر والغنم والحمير]، هذا نص من نصوصهم، التي في إطار مشروع السيطرة والاحتلال والاستعباد لهذه الشعوب.
- حتى في مسألة الاستعباد للشعوب، نجد نصوصاً كثيرة من نصوصهم التي تعبِّر عن ذلك المشروع، منها هذا النص: [حين تقترب من مدينةٍ لكي تحاربها، استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك] يعني: صالحت ولم ترد أن تدخل معك في حرب، فماذا تفعل؟ [فإن أجابتك فكل الشعب الموجود فيها يكون للتسخير ويُستَعبد لك]، يعني: يتحوَّلون إلى مسخَّرين لخدمتك، وعبيداً لك.
هذه هي المعتقدات اليهودية، التي يتحرَّك على أساسها الصهاينة، وهي- كما نرى- استعباد لمن لا يريدون إبادتهم من الشعوب، يعني: يبيدون من أرادوا، وبقدر ما أرادوا، ويستبقون من أرادوا كعبيد مسخَّرين لخدمتهم، لا يمتلكون أي حُرِّيَّة، ولا كرامة إنسانية، ولا أي قرار؛ إنما يخضعون لهم خضوعاً مطلقاً كالحيوانات، للتسخير في الخدمة، وللاستعباد التام، هل يمكن أن يكون هذا مشروعاً إلهياً، يُقَدَّم للمجتمعات البشرية مشروعاً مقدَّساً معظَّماً؟! أو أنَّه مشروع شيطاني، وحشي، إجرامي، قائم على الاستعباد للناس.
كيف هي رسالة الله مع كل أنبيائه إلى الناس جميعاً في كل عصرٍ ومصر؟ أليست لإنقاذ الناس من الاستعباد؟! أليست قائمةً على تحرير الناس من العبودية لغير الله تعالى؟! {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل:36]، الرسالة الإلهية في كل عصر، هؤلاء مشروعهم مشروع استعباد للناس، ومخططهم لتنفيذه قائمٌ على هذا الأساس.
- من النصوص أيضاً الواردة معهم: [يُستَعْبَدُ لك شعوب، وتسجد لك قبائل]، استعباد لشعوب بأكملها، هذا المخطط اليهودي، وهي آمالهم، نفسياتهم، خبثهم هو بهذا المستوى، طموحهم هو على هذا الأساس: أن يستعبدوا الشعوب، أن تتحوَّل إلى عبيد لهم، [يُستَعْبَدُ لك شعوب، وتسجد لك قبائل]، تسجد: خضوع تام، وإذلال في منتهى الإذلال.
أيضاً على مستوى العمل للوصول إلى تنفيذ هذا المخطط، ما الذي اعتمدوه من وسائل؟ وماذا يعتمدون عليه كحالة قائمة، مشاريع قائمة، مخططات قائمة، أعمال وأنشطة واسعة يتحرَّكون فيها؟ كل وسائلهم لتنفيذ هذا المخطط هي:
- إفساد بكل أشكاله وأنواعه.
- إضلال بكل أشكاله وأنواعه.
- إجرام، ارتكاب جرائم رهيبة للوصول إلى هذا الهدف، وحين الوصول إلى تحقيقه، وإقامة ما يسمُّونه بـ [إسرائيل الكبرى]، للاستمرار في ذلك، وللطغيان، والإجرام، والاستكبار... وهكذا.
يعني: ليس مشروعاً مقدَّساً، هم كما قال الله عنهم: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[المائدة:64]، {يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء:44].
على مدى قرون من الزمن وهم يعملون للوصول إلى تنفيذ هذا الهدف، إلى تحقيق هذا المخطط، وهم يشتغلون في الإفساد في الأرض، ويشتغلون لإضلال المجتمعات البشرية عقائدياً، ثقافياً، فكرياً، التأثير على اتِّجاهاتها وولاءاتها بما يخدمهم، بما يساعدهم على الوصول إلى تنفيذ هذا الهدف، هذا المخطط؛ ولـذلك حوَّلوا المجتمع الغربي إلى بؤرة: بؤرة للضلال، بؤرة للفساد، دمَّروا القيم الإنسانية الفطرية التي فطر الله الناس عليها، دمَّروا الأخلاق، مكارم الأخلاق نسفوها، دمَّروا الفضائل، حوَّلوا الوضع في المجتمعات الغربية إلى واقع موبوء، موبوء بالرذائل، بالفواحش، بالدناءة، بالانحطاط حتى عن المستوى الإنساني.
الآلاف المؤلَّفة في المجتمعات الأوروبية يتحوَّلون في حياتهم إلى حياة الكلاب، يُباعون في الأسواق على أنهم كلاب، ويرضون لأنفسهم أن يتحوَّلوا في واقع حياتهم في حالة الكلاب تماماً، ينبحون بدل الكلام، يقلِّدون الكلاب، يلبسون أشكالاً على أجسادهم بأشكال الكلاب، والبعض منهم على أشكال القردة، إلى هذا المستوى من الانحطاط والدناءة.
أمَّا الأخلاق ومكارم الأخلاق فضاعت تماماً في المجتمع الغربي، المجتمع مليء بالفواحش، بالإباحية، بالرذائل، بالخمور والمخدرات... بكل أنواع الجرائم، العفة دُمِّرَت نهائياً، أصبحت الفواحش عندهم من الأشياء المعتادة تماماً، المنتشرة، بدأوا الأمر بنشر الدعارة والفساد اللا أخلاقي، ثم عمَّ ذلك حتى أصبح طابعاً في الغرب، ثم أتى في هذه المرحلة- بفعل اليهود، ونشاط اليهود- أن يروِّجوا للشذوذ الجنسي واللا أخلاقي، وأن يُعَمِّمُوه عالمياً، وأن يُقَنِّنُوه بالقوانين التي تبيحه، وهو من أبشع الجرائم والفواحش والرذائل في المجتمعات البشرية.
فهم مصدر للإجرام، للإضلال، الإضلال بكل أشكاله، حتى النشر للإلحاد هم وراء ذلك، وراء كل المعتقدات الباطلة التي تنشر الضلال، وتنحرف بالناس عن الحق، كم نشروا من عقائد ضالة وباطلة في العالم؛ فهم مصدر للضلال، للإفساد في الأرض، وللجرائم، أبشع الجرائم هم من يقف وراءها فيما عملوه مباشرةً، وفيما هندسوا له وهم وراءه، وما يفعلونه الآن في قطاع غزَّة على مدى اثنين وعشرين شهراً واضح، منتهى الإجرام.
فكيف يكون هؤلاء في إطار مشروع مقدَّس، معظَّم، تعظِّمه الملايين في الغرب الكافر، تقدِّسه، تدعمه، تُجْمَع له التبرعات، توجَّه له المواقف؟! فالمسألة عندهم هي مسألة سيطرة، واستعباد، ونهب، واستباحة، وإجرام، يريدون أن يحكموا بها العالم، وأن يكون على رأسهم ملكهم، الذي يعتبرون أنهم وُعِدُوا به، ليكون حاكماً على الأرض في حكومةٍ لهم هم، وهو منهم، يعتبرونه منهم.
كل هذا- مع ممارساتهم الإجرامية والإفسادية- كل هذا شاهدٌ على أنَّ الحقيقة هي كما ذكرها الله في القرآن الكريم، وأنَّ الذي كان في التوراة هو هذه الحقيقة: إفساد في الأرض، علو، تصرفات إجرامية، وليس مشروعاً مقدَّساً ولا معظَّماً، ونهايته أيضاً الضربة الإلهية القاصمة، والتنكيل الإلهي بهم، في المرَّتين نفسها، ثم عندما قال: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا}[الإسراء:8]، يعني: يعود الله بالتسليط عليهم، بالانتقام منهم، بأن يضربهم ضربةً كبيرةً جدًّا.
ولهذا عندما نأتي إلى ما يمثِّل مشروعاً إلهياً حقّاً، لخير المجتمعات البشرية، ونعود إلى القرآن الكريم، كيف هو المشروع الإلهي، الذي هو لخير المجتمعات البشرية؟
يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" مخاطباً لهذه الأُمَّة الإسلامية: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران:110]، هذه الأُمَّة في مقدِّمتها: أبرارها، أخيارها، الصالحون منها، الهداة منها، الذين عليها أن تقتفي بهم، أن تقتدي بهم، في مقدِّمتهم: رسول الله محمد "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ"، وعلى هذه الأُمَّة أن تقتدي بهم، وتسير في مسيرتهم، التي هي قائمة على هذه العناوين المقدَّسة العظيمة: {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران:110]، هذه مبادئ إلهية:
- أمر بالمعروف، الذي يحتاج إليه العالم، يسمو به الإنسان، تستقيم به الحياة.
- نهي عن المنكر، عن الظلم، عن الفساد، عن الإضلال... عن كل ما يندرج تحت عنوان المنكر، مما يسيء إلى المجتمع البشري، وينحط به، ويمثل مشاكل كبيرة في حياته، وضرراً وخطراً عليه، جرائم، مفاسد، مظالم... كل ما يندرج تحت عنوان المنكر.
- {وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران:110]، الإيمان بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" يُعَبِّد الناس لله، يجعلهم يتحرَّكون على أساس هديه وتعليماته.
عندما نأتي إلى ما يمثل المشروع الإلهي، الذي فيه الخير للمجتمعات البشرية، نجد قول الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمران:64]، هكذا هو المشروع الإلهي، هكذا ما يقدِّمه الله لعباده: دعوة إلى الحُرِّيَّة الحقيقية، ألَّا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، وأولئك ماذا يقولون؟ يقولون: [تُستَعْبَدُ لك شعوب، وتسجد لك قبائل]، فكل الشعب مسخَّرين لك وعبيداً لك، استعباد، استعباد للناس؛ أمَّا ما يقوله الله في القرآن الكريم يعني حُرِّيَّة لكل المجتمعات البشرية، {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمران:64].
يقول الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ}[آل عمران:104] هذا عنوان إلهي؛ أولئك مشروعهم دمار، خراب، إبادة جماعية، [لا تُبقِ منهم طفلاً ولا امرأةً، ولا كبيراً، ولا صغيراً، وحتى الغنم والبقر والحمير]؛ المشروع الإلهي يقول: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ}[آل عمران:104]، الخير هو العنوان الذي يقدِّمونه للبشرية، يدعون إليه، يتحرَّكون على أساسه، {وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران:104].
الدعوة في القرآن الكريم، العلاقة التي تبنى على أساسها التعاملات في القرآن الكريم، يقول الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة:8]، في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[المائدة:8]، يعني: حتى مع من تبغضون، اعتمدوا العدل في معاملاتكم، كونوا شهداء بالقسط، كونوا قائمين بالقسط، قائمين بالعدل، متعاملين على أساسه.
العنوان للرسالة الإلهية بكلها، يقول الله تعالى لخاتم رسله وأنبيائه محمد "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ": {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:107]، للعالمين جميعهم، هكذا هي الرسالة الإلهية، ما يقدَّمه الله، هذا الذي هو مشروعٌ إلهيٌ يُقَدَّم لخير المجتمعات البشرية.
أمَّا أولئك الذين يسمِّيهم السفير الأمريكي بأنهم: [نوراً للأمم]! يقول عنهم: [أنَّ الله اختارهم ليكونوا نوراً للأمم]، أي نور؟! مشروعهم، نصوصهم، ممارساتهم، معتقداتهم، مخططاتهم؛ كلها إضلال، كلها إجرام، كلها إفساد، نشرٌ للرذائل، نشرٌ للضلال، دعمٌ للانحراف والتحريف بكل أشكاله، بل على العكس من ذلك، الله قال عنهم، وعمَّن هو على نهجهم وفي اتِّجاههم في العداء للرسالة الإلهية: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[الصف:8].
ولـذلك ننادي أبناء أُمَّتنا الإسلامية جمعاء، وكل المجتمعات البشرية، أن ينظروا إلى أولئك اليهود الصهاينة، ومن معهم في ركبهم الصهيوني، بنظرة القرآن الكريم، وبعين الواقع والحقائق، أن ينظر إليهم على أساس الواقع، على أساس الحقائق المتجلِّية في ممارساتهم، في معتقداتهم، في مخططاتهم، في مسلكهم العام، وهذا شيءٌ واضحٌ جدًّا؛ أمَّا مسألة التعامي عن حقائق القرآن وحقائق الواقع، فهو لا يجدي شيئاً، والمتعامون كثيرٌ من أُمَّتنا: أنظمة، حكومات، زعماء، تيارات وقوى، شخصيات، لا يريدون أن ينظروا بنظرة القرآن الكريم، ولا أن ينظروا أيضاً إلى الحقائق المتجلَّية في الواقع، المشاهدة، المحسوسة، الملموسة، التي تفرض نفسها، والتي ملأت سمع الدنيا وبصرها؛ يريدون دائماً أن ينظروا بنظرة مختلفة تماماً؛ ليبنوا عليها مواقف حمقاء بكل ما تعنيه الكلمة، هذا لا يجدي شيئاً، لا ينفع الأُمَّة بشيء.
الصراع حتمي، حتمي بكل ما تعنيه الكلمة، ما بيننا وبين أولئك المجرمين الصهاينة اليهود، ومن معهم في ركبهم الصهيوني، من صهاينة العالم في الشرق والغرب، الصراع حتمي؛ لأن مخططهم تدميري، وظلامي، وإجرامي، ووحشي، وهو استهداف لهذه الأُمَّة، لهذه الشعوب، لا يمكن التأقلم معه، ولا التعايش معه، من يريد لنفسه أن يكون عبداً لهم؛ فهو يخسر الدنيا والآخرة، ولن تتحقق له آماله وطموحاته.
للأسف الشديد، معظم السياسات والتوجُّهات في أُمَّتنا الإسلامية، في البلاد العربية وغيرها، هو قائم على نظرة غبية، وعلى تعامٍ تام عن كل هذه الحقائق الواضحة والجلية، تعامٍ تام عنها، وهذا شيءٌ مؤسفٌ جدًّا! هذا ظلمٌ للنفس، وظلمٌ للناس، وإسهامٌ في ظلم الشعب الفلسطيني، والشعوب التي تكتوي قبل غيرها بنار العدوان الإسرائيلي، والإجرام الصهيوني، إسهامٌ في ذلك الظلم، وعاملٌ أساسيٌ في كل ما يحدث.
ولـذلك مع الوعي بحتمية الصراع؛ لأن ذلك المخطط ومشروعه هو مخطط تدميري، ظلامي، قائم على الاستهداف، على الإبادة، على الإجرام، على الإفساد في الأرض، {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ}[الإسراء:4] هؤلاء، تأتي لتقول: [نريد أن نتعايش معهم]، هو بكل توجُّهه مفسد، مفسد، هل تعي ما يعني مفسد؟! يستهدفك أنت بفساده، الفساد الصهيوني هو فساد ليس منحصراً في واقعهم هم، يصدِّرونه، يصدِّرونه، ضلالهم يصدِّرونه، فسادهم يصدِّرونه، وطغيانهم يستهدف الناس الآخرين، الشعوب الأخرى، التي يقولون عنها: [فلا تُبقِ منها نسمة]، [اقتل الطفل والمرأة، والكبير والصغير، والرجل والمرأة... وهكذا، والبقر والغنم والحمير، اقتل كل شيء]، هذا استهداف للناس، هم هكذا، هذه هي حقيقة قائمة عنهم، فالصراع معهم حتمي؛ إنما ينبغي أن يكون كل ما تركِّز عليه الأُمَّة: كيف نتحرَّك في هذا الصراع بشكلٍ صحيح، بشكلٍ فعَّال، بشكلٍ مجدٍ، كيف نصلح واقعنا الداخلي، الذي كان ما فيه من الخلل، من عوامل أن ينجحوا في أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه؛ وإلَّا فالصراع معهم حتمي، هم بهذا الشكل.
وفي نفس الوقت هذا صراع له أفق، له نتيجة في إطار وعد الله الحق، يكفي المسلمين جميعاً قول الله "تَبَارَكَ وَتَعَالَى": {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} [الإسراء:8]، وعدٌ صريح، وعدٌ حقيقي؛ إنما يجب أن نتعامل مع هذا الوعد الإلهي بإيمان، بثقة، بثقة تامَّة بالله، وإيمان بوعده الحق، وأن نتحرَّك عملياً.
اليهود الصهاينة، ومن معهم في ركبهم الصهيوني من المجتمعات الغربية، هم يتحرَّكون عملياً لتنفيذ ما يقولون عنه أنَّه وعد إلهي، وهو افتراء على الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأكاذيب، يعظِّمون ويقدِّسون ما هو باطل، ما هو إجرام، ما هو طغيان، ما هو ظلم، وما هو فساد؛ ونحن أصحاب حق، قضية عادلة، ومنهجنا الذي منحنا الله إياه، في كل ما فيه من تعليمات وعناوين، هو نورٌ حقيقي، ليس فيه حتى ما يستفز المجتمعات البشرية التي تتعامل بفطرتها؛ إنما من يتأثَّر بالاتِّجاهات الشيطانية، قد يشغِّله اليهود، وإلَّا انظروا إلى هذه العناوين، التي قرأنا عنها آيات قرآنية، ليس فيها من تلك المفردات التي مع اليهود: استعباد، إذلال، إبادة جماعية، تدمير.
ولـذلك اليهود هم عملوا على أن يصنعوا نموذجاً مشابهاً لهم في التَّوَجُّه الإجرامي والوحشي، والسلوك الأعمى في التعامل مع الناس، هو: (التكفيريون) الجماعات التكفيرية، ليكون مشابهاً لهم؛ ليشوِّهوا الإسلام، لكنه مفضوح في بُعدِه عن القرآن الكريم، وفي تماهيه مع اليهود الصهاينة، وانسجامه معهم؛ لأنه لا يتبنى مواجهتهم على الإطلاق؛ بل يتجَّه بكل وضوح إلى منع الأُمَّة عن أي مواجهة معهم، أو تحرُّك ضدهم، ويعادي من يعاديهم من أبناء الأُمَّة.
من الدلائل الواضحة والبيِّنة على إمكانية أن نخوض هذا الصراع بنجاح، هو: ثبات إخوتنا المجاهدين في قطاع غزَّة، والفاعلية العالية لجهادهم، بالرغم من أنهم على مستوى الإمكانات المادية، لا يكادون يمتلكون شيئاً مقارنةً بما يمتلكه العدو الإسرائيلي، وما هو بحوزته، وما يحظى به من دعم.
العدو الإسرائيلي، بالدعم والشراكة الأمريكية، والدعم الغربي المفتوح، يحاربهم، يشن عليهم عدوانه، يسعى إلى القضاء عليهم، ومع ذلك يفشل، كل هذه المُدَّة (على مدى اثنين وعشرين شهراً وأكثر) وهم في ثبات، وينفِّذون العمليات المنكِّلة بالعدو الإسرائيلي.
في هذا الأسبوع، بعد كل هذه المُدَّة الطويلة من العدوان الوحشي، والهمجية الإسرائيلية، والتدمير الشامل والحصار الشديد، في هذا الأسبوع نفَّذ الإخوة المجاهدون في قطاع غزَّة عمليات كثيرة، عظيمة، منكِّلة بالعدو، نفَّذت كتائب القسَّام ما يقارب (خمس عشرة عملية)، من أبرزها ومن أهمها: العملية التي هي نوعية واستثنائية حتى في اعترافات العدو الإسرائيلي في (خان يونس)، عملية موفَّقة، نكَّلت بالعدو الإسرائيلي، وتفاجأ بها، وتفاجأ أن يكون مثل هذا المستوى من الأداء الفعَّال والمنكِّل بالعدو، بعد كل هذه المُدَّة الزمنية الطويلة.
بل لفاعلية العمل الجهادي الذي تقوم به كتائب القسَّام، وسرايا القدس... وبقية الفصائل الفلسطينية المجاهدة في قطاع غزَّة، العدو الإسرائيلي يواجه مشكلة حقيقية في القوى البشرية، إلى درجة التفكير أن يجلب مقاتلين من الجاليات اليهودية ومرتزقة من بلدان أخرى، ومناطق أخرى في العالم؛ لأنه يواجه أزمة حقيقية، ومعه المشكلة الداخلية في مسألة تجنيد (الحريديم)، فهناك عمليات فعَّالة.
في هذا الأسبوع كان هناك عمليات لكتائب القسَّام، وعمليات لسرايا القدس متنوعة وفعَّالة، ومعهم أيضاً بقية الفصائل المجاهدة في قطاع غزَّة.
في أثناء عملية (خان يونس)، أثناء الاشتباك، كان هناك رسالة مهمة لأحد المجاهدين الفلسطينيين، ننقلها أيضاً لكل أُمَّتنا الإسلامية، قال فيها: [نقول للأمة جمعاء: نحن حُجَّةٌ عليكم، لا حُجَّةٌ لكم، لا سامح الله من تخاذل، ولا سامح الله من ترك غزَّة وحدها، وحسبنا الله ونعم الوكيل]، هذه رسالته، هي رسالة عبَّر فيها عن وجدان كل مجاهد في قطاع غزَّة، هذا هو لسان حال الجميع في غزَّة، لسان حال المجتمع، لسان حال المجاهدين، تجاه تخاذل هذه الأُمَّة (أُمَّة الملياري مسلم)؛ لأنه تخاذلٌ مخزٍ، وفعلاً لن يسامح الله هذه الأُمَّة على تخاذلها، أُمَّة بهذا المستوى من الإمكانات، والقدرات، والعدد، والعُدَّة، وتتفرج تجاه ذلك الإجرام على من هم منها، الشعب الفلسطيني من هذه الأُمَّة، من هذه الأُمَّة، وتجاه عدو هو عدو لها جميعاً، خطره وشره عليها جميعاً،
وفعلاً الحالة هي حالة سلبية في واقع الأُمَّة، يجب أن نكون صريحين بعد كل هذا الوقت الطويل، وتجلِّي الحقائق الواضحة، الحالة أكثر من مسألة تخاذل، هناك من أبناء الأُمَّة من يتعاون مع العدو الإسرائيلي، من يدعمه:
- السفينة السعودية، التي افتضحت في أحد الموانئ الإيطالية، وهي تحمل السلاح للعدو الإسرائيلي، هل هي مجرَّد نقل لأسلحة للعدو الإسرائيلي، هل النظام السعودي الذي يملك أكبر احتياطي من النفط في العالم يعمل حمَّال بالأجرة، فيحمل السلاح لكي يحصل على أجرة للعدو الإسرائيلي، هذا دعم، دعم من طرف داعم، النظام السعودي هو أغنى الأنظمة في العالم العربي بكله، لديه ثروة كبيرة جدًّا، هو لا يشتغل حمَّال بالأجرة، هذا دعم من طرف داعم، يقدم الدعم العسكري بالسلاح للعدو الإسرائيلي، ولا شك أنَّ هناك أشكال أخرى من الدعم غير العسكري.
- الصفقة المصرية، التي عقدها النظام المصري مع الصهاينة بـ (خمسة وثلاثين مليار)، هذه كارثة، هذا دعم هائل للعدو الإسرائيلي، تحت عنوان (الحصول على الغاز)، يمكن لمصر أن تحصل على الغاز في استثمارات في داخل مصر بهذا المبلغ الهائل جدًّا، أو يمكن أن تحصل عليه من أي بلدٍ إسلامي أو عربي، يتوفر الغاز وهو موجود؛ لكن لماذا من العدو الإسرائيلي على وجه التحديد؟ دعم للعدو الإسرائيلي.
فالحالة سلبية ومؤسفة جدًّا في واقع العرب قبل غيرهم؛ لأنَّه مؤثِّر على بقية الدول الإسلامية، ولأنهم يعادون من يقف مع فلسطين، كما هو حالهم مع إيران، يعادون إيران؛ لأنها تقف مع الشعب الفلسطيني ومجاهديه.
- تبنِّي نزع سلاح حركة حماس، وهو موقف سعودي، وموقف لأنظمة عربية، وموقف حتى للسلطة الفلسطينية، هذا هو لدعم لإسرائيل، تعاون مع العدو الإسرائيلي، وتبني المطالبة بنزع سلاح المقاومة في لبنان، وحزب الله في لبنان، هذا هو دعم للعدو الإسرائيلي؛ لأنهم يريدون أن يُنْزَع أي سلاح في يد طرف يتصدَّى للطغيان الإسرائيلي، يقف عائقاً أمام المخطط الصهيوني، فهناك من هو داعم للعدو الإسرائيلي، ومتواطئ معه.
- المسار أيضاً أو حالة الجمود التي نراها في معظم البلدان العربية الإسلامية، هي جمود بقرار، قرار سياسي من تلك الأنظمة، منعت أي تحرُّك لمساندة الشعب الفلسطيني، وتسجن وتعاقب من يتحرَّك، وليس جموداً هكذا على وجه الصدفة، ويجري بدون أي قرار؛ إنما هو بقرار وموقف، موقف رسمي.
- حتى في المسار تجاه القضية الفلسطينية، كيف هو المسار الإسلامي؟ نحن ذكرنا تاريخ الإحراق الصهيوني للمسجد الأقصى، انظروا كيف قابل المسلمون تلك الجريمة تجاه مَعْلمٍ مقدَّس من أعظم المقدَّسات الإسلامية، ماذا فعلوا؟ بعد عشر سنوات من الحادثة، يعني: حتى يتَّخذوا قراراً، أو موقفاً، أو خطوةً، استمر هذا الحال لعشر سنوات، بعد عشر سنوات من جريمة الإحراق للمسجد الأقصى، اتَّخذوا قراراً في منظَّمة المؤتمر الإسلامي التي تمثِّل كل العالم الإسلامي، كل الحكومات والبلدان الإسلامية، اتَّخذوا قراراً بتشكيل لجنة لتقوم بوضع استراتيجية مشتركة لتحرير القدس، وشُكِّلت اللجنة أو لم تُشَكَّل، صدر هذا القرار من منظمة المؤتمر الإسلامي، ومنذ صدور هذا القرار إلى اليوم، وبعد خمسة وأربعين عاماً، لا أثر ولا خبر، لا تحرُّك، ولا رؤية، ولا استراتيجية، ولا مشروع، ولا خطوات عملية... ولا شيء، هل هذا مسار لأناس لديهم جِدِّيَّة، لديهم تحرُّك صادق، لأناس يصدقون مع الله، ومع شعوبهم، ومع قضايا أمتهم، أي مسار؟! عشر سنوات من بعد حادثة الإحراق إلى حين اتِّخاذ القرار، وبعد اتِّخاذ قرار بتشكيل لجنة لوضع هذه الاستراتيجية لتحرير القدس، أكثر من خمسة وأربعين سنة ولا أثر ولا خبر، ولا تحرُّك بأي شكلٍ عمليٍ جاد إطلاقاً، هذا دليلٌ واضح أنَّ هؤلاء ليسوا جادين إطلاقاً، ليس لديهم لا نيَّة، ولا إرادة، ولا توجُّه، ولا تفكير في أن يقوموا بأي موقف عملي جاد تجاه هذه القضية، تجاه هذا الخطر الذي يستهدف كل الأُمَّة.
- يتحدث المجرم نتنياهو، يتحدث عن مشروع عملي قائم، عن خطوات عملية يشتغلون عليها لإقامة إسرائيل الكبرى، ومعنى ذلك: السيطرة على بلدانهم، واستعباد هذه الأُمَّة، وعلى مقدَّسات هذه الأُمَّة، يتحدث؛ تصدر إدانات في بيان مشترك لبعض الحكومات والأنظمة ولا أكثر، بيان! أمَّا أولئك يتحرَّكون عملياً، خطوات عملية، تحرُّك عملي جاد، وهؤلاء تجاه أكبر خطر يصدرون بياناً ورقياً، ليس فيه أكثر مما كُتِب كعبارات جامدة على ورقة، ليس لها أي حيِّز عملي، وليس لها أي نشاط يُبنى عليها، ولا مواقف حتى في الحد الأدنى، حتى في المقاطعة الاقتصادية، أو المقاطعة السياسية، فليس لديهم أي جِدِّيَّة في التَّحَرُّك.
فيمــــا يتعلَّـق بالمظـاهــرات المسـانـــدة للشعـب الفلسطينــي:
- كان هناك في هذا الأسبوع مظاهرات لأربع دول عربية وإسلامية، وأيضاً مظاهرات منها مظاهرات حاشدة في بلدان متعدِّدة.
- في بقية العالم: خمسة عشر بلداً خرجت فيه مظاهرات كثيرة، من بينها: مظاهرات ضخمة جدًّا في بعض البلدان.
الضمير الإنساني في العالم يستفيق شيئاً فشيئاً؛ لكن على مستوى بعض البلدان العربية يموت، يزداد مواتاً، وهذا شيءٌ مؤسف!
فيمـــا يتعلَّـق بعمليـــــات الإسنــــاد مـن يمـن الإيمــان:
- استمرَّت العمليات هذا الأسبوع إلى (يافا المحتلَّة).
- أيضاً باتِّجاه أقصى شمال البحر الأحمر؛ لاستهداف سفينتين مخالفتين لقرار الحظر.
بلغت حصيلة العمليات المساندة في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس) في يمن الإيمان، لإسناد الشعب الفلسطيني ضد العدو الإسرائيلي، خلال شهر صفر إلى الآن: القصف بـ (اثنين وأربعين) ما بين صواريخ فرط صوتية وغيرها، وما بين طائرات مسيَّرة، مع إحكام الحظر، ومنع الملاحة الإسرائيلية عبر مسار البحر الأحمر، إلى باب المندب، وخليج عدن، والبحر العربي؛ أيضاً مع الاستمرار في تعطيل ميناء (أم الرشراش).
الأنشطـــة الشعبيـــة مُكَثَّفـــة جدًّا وكبـــيرة:
- ويتصدَّرها في هذا الأسبوع المؤتمر السنوي الموسَّع لعلماء اليمن، الذي أقامته رابطة علماء اليمن، وكان الاجتماع العلمائي حاشداً، وكذلك للخطباء والمتعلمين، وألقيت فيه كلمات قوية ومفيدة، وخرج ببيانٍ مهم، وقوي، ومفيد.
ويجدر بعلماء الدين في بقية البلدان الإسلامية أن يتحرَّكوا بمثل هذا المستوى من التَّحَرُّك؛ لأن عليهم مسؤولية كبيرة أمام الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في بيان ما أنزله الله، مما يبصِّر الأُمَّة، مما يذكِّرها بمسؤوليتها، وبما فيه نجاتها، هذا شيءٌ مهمٌ، ولاستنهاض الشعوب، وإلَّا فالوزر عليهم كبير في تقصيرهم.
- الأنشطة الجامعية ضخمة، ومسيرات الأمس في عِدَّة جامعات، في: صنعاء، والحديدة، وذمار، والبيضاء، والجوف، والمحويت، وعمران، وصعدة، الصوت الأكاديمي والجامعي في اليمن هو الوحيد على مستوى العالم الإسلامي.
- الوقفات، المناورات، المسير العسكري، الأنشطة المتنوعة: كلها حافلة ومكثَّفة، والحمد لله رب العالمين.
- مسيرات يوم الجمعة في الأسبوع الماضي بلغت إلى: (ألف وثلاثمائة وخمسة وسبعين مسيرة ووقفة).
وهذا كما نقول دائماً: من فضل الله، من فضل الله؛ لأن التَّحَرُّك في سبيل الله تعالى، في إطار هذا الاختبار الكبير، في إطار هذا التَّحَدِّي المهم في العالم الإسلامي، تجاه هذه الجريمة الكبرى، جريمة العصر، وجريمة القرن، هذه مسألة مهمة جدًّا، من الشرف للإنسان لكي يحتفظ بإنسانيته، بكرامته الإنسانية، بمصداقية انتمائه الإيماني، أن يتحرَّك، أن يشعر بمسؤولية، أن يكون له موقف، أن يعمل ما يستطيع، فتحرُّك شعبنا- فعلاً- هو من الشواهد والمصاديق الجليَّة لقول رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ": ((الْإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّة)).
من يخضع للعدو الإسرائيلي، من يقبل بالاستعباد الصهيوني؛ لا إيمان له، ولا حكمة له، ولا عِزَّة له، ولا إنسانية له، ولا شرف له، العِزَّة من الإيمان، التَّحَرُّك في وجه ذلك العدو اللئيم، الخسيس، المجرم، المتوحِّش، بمخططه الصهيوني، العدواني، الإفسادي، الإجرامي، الوحشي، التَّحَرُّك من الإيمان، التَّحَرُّك والوقوف بوجه ذلك العدو وذلك المخطط من الإيمان، من الشرف، من الكرامة، من العِزَّة، مسؤولية دينية وإنسانية وأخلاقية.
أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج المليوني الواسع، العظيم، المشرِّف، يوم غدٍ الجمعة إن شاء الله، في العاصمة صنعاء، وبقية المحافظات والساحات.
وَنَسْألُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْرِ لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ المَظْلُوم، وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء.
وَالسَّـــــلَامُ عَلَـيْكُـــمْ وَرَحْـمَـــــةُ اللَّهِ وَبَــرَكَاتـــُهُ؛؛؛