وجاءها المنقذ بذلك النور، رسول الله محمد "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ"، بما يمتاز به من مؤهلاتٍ راقيةٍ وعظيمة، بلغ بها أعلى مراتب الكمال الإنساني، ومجسِّداً في زكائه، ورشده، وروحيَّته، وحكمته، للقرآن الكريم، وتجلَّت عظمة الرسالة الإلهية بالقرآن والرسول، بما تمتاز به:
- من الحق الواضح، ومن قوَّته وبرهانه، {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}[الإسراء:81].
- ومن توافقها مع الفطرة البشرية، التي فطر الله الناس عليها.
- ومن معجزة القرآن الكريم في كل وجوه الإعجاز، من: حكمته وإحكامه، وعظمة هديه، وسعت معارفه، وبلاغته الخارقة، وأنباء الغيب فيه، وصونه عن التحريف، وحفظه للأجيال... إلى غير ذلك، فهو كما قال الله عنه: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء:88].
- وبأنه مشروع الله "تَبَارَكَ وَتَعَالَى" لعباده، من منطلق رحمته، وملكه، وحكمته، وعزَّته، يحظى من آمن به، وتحرَّك على أساسه، بمعونته، ونصره، وما وعد الله به من وعوده في عاجل الدنيا وآجل الآخرة.
وتحرَّك به رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ"، يحمل الحرص العظيم على هداية الناس، بمختلف فئاتهم وتوجهاتهم، إلى الدرجة التي قال الله "تَبَارَكَ وَتَعَالَى" عنها في القرآن الكريم: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[الشعراء:3]، وقال "تَبَارَكَ وَتَعَالَى": {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة:128].
بهذا النور العظيم، والحق الواضح، تحرَّك رسول الله محمد "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ"، لإنقاذ البشرية، ولما فيه صلاح حياتها في الدنيا والآخرة، مبلِّغاً لرسالة الله "تَبَارَكَ وَتَعَالَى" بأرقى مستوى، وبدأ مشواره في تبليغ الرسالة من موطنه في مكَّة المكرَّمة، حيث أمضى فيها ثلاثة عشر عاماً من: التبليغ، وإقامة الحُجَّة، والدعوة إلى الإسلام، وبناء نواةٍ مؤمنةٍ للأُمَّة المسلمة.
إلَّا أنَّ مجتمع مكَّة لم يحظَ بالتوفيق للشرف العظيم، في أن يكون حاضناً للرسالة الإلهية، ووصل به الحال في التكذيب، والصدِّ، والإعراض، كما قال الله تعالى: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}[يس:7]، وكان من أبرز المؤثِّرات السيئة عليهم:
- ارتباطهم الشديد برموز وقادة الكفر، من الطغاة المجرمين، والملأ المستكبر.
- إضافةً إلى توجُّههم المادي، وأطماعهم ومعاييرهم المادية.
ومن بين كلِّ القبائل العربية، التي عرض النَّبِيّ "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ" عليها الهجرة إليها، في موسمين من مواسم الحج، حظي (الأوس، والخزرج) اليمانيون القاطنون في يثرب (المدينة المنوَّرة) بالشرف العظيم، فهاجر رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ" إليهم، وأصبح بلدهم موطناً تكوَّن فيه المجتمع المسلم من مهاجرين وأنصار، وبدأت مرحلةٌ جديدة من التمكين للرسالة الإلهية، ودين الله الحق، وعمل رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ" على بناء أُمَّةٍ قويةٍ، تتمكَّن من العمل بمنهج الله "تَبَارَكَ وَتَعَالَى"، وهديه العظيم، وتتحرَّك به نوراً للعالمين، وخلاصاً للمستضعفين، وصلاحاً يهتدي به من اتَّبعه من الناس.
لكنَّ قوى الطاغوت المرتبطة بالشيطان، من مشركي العرب، ومن اليهود، ومن النصارى، اتَّجهت لمحاربة الإسلام بكل الوسائل، ومن ذلك: المحاربة عسكرياً، تتويجاً لحربهم الدعائية، التي كانت منذ بداية تحرُّك الرسول "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ" بالرسالة الإلهية، ومحاولاتهم المتكرِّرة لاغتياله، واضطهادهم للمستضعفين المسلمين، وقد تجلَّى في ميدان المواجهة، وفي مقابل أعتى التحديات: أنَّ الإسلام دينٌ لا يقبل الهزيمة، وأنَّه مشروعٌ للانتصار لأُمَّةٍ تلتزم به، وتهتدي بنوره، وتحمل رايته، وتتحرَّك على أساسه، حيث أنَّه يتوفَّر فيه أعظم عناصر القوَّة، وأسباب الانتصار:
- وفي مقدِّمة ذلك: الصلة بالله "تَبَارَكَ وَتَعَالَى"، وبمعونته، وتأييده، ونصره.
- والقوَّة المعنوية الإيمانية العظيمة.
- والأسباب العملية وفق سُنَنِ الله، ووفق تعليماته الحكيمة.
ولـذلك فَشِلَت وهُزِمَت كل القوى والكيانات التي حاربت الإسلام آنذاك، بالرغم مما تمتلكه من إمكانياتٍ ماديةٍ وعسكريةٍ هائلة، ومما هي عليه من المكر، والدهاء، والخبث، والحيلة، والخداع، كاليهود، الذين حاربوا الإسلام بمختلف تجمُّعاتهم المتوزِّعة في مستوطناتٍ متفرِّقة، أنشأوا لهم فيها الحصون المنيعة، وأعدُّوا العُدَّة العسكرية، وتمكَّنوا من تأليب العرب ليحاربوا الرسول "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، وكان من ذلك: تأليبهم وتخطيطهم لأكبر هجومٍ عسكريٍ استهدف المسلمين إلى المدينة، في أكبر جمعٍ عربيٍ مقاتل ضد رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ" والمسلمين، في غزوة الأحزاب، المعروفة بـ (غزوة الخندق)، وكان فيها ما ذكره الله في القرآن الكريم في (سورة الأحزاب)، وما قبلها وما بعدها كانوا في تآمرٍ مستمر، وتأليبٍ دائم، ومكرٍ كبير، يستهدفون به الرسول والمسلمين والإسلام.
إلَّا أنَّ رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ"، وبهداية الله "تَبَارَكَ وَتَعَالَى" ونوره، واجههم بمستوىً متقدِّمٍ وعظيم، أفشل كل مساعيهم الشيطانية، في حربهم الناعمة، التي حاولوا من خلالها اختراق المجتمع المسلم؛ بهـدف إضلاله وإفساده وتفريقه؛ فحرَّم الولاء لهم، والعلاقة معهم، وبقيت الصلة بهم منحصرةً من جانب المنافقين، الذين احتفظوا بعلاقات التآمر معهم، وقال الله عنهم في القرآن الكريم: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}[النساء:138-139]، وقال عنهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}[المجادلة:14].
وكان موقف القرآن الكريم، والرسول "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ"، حاسماً مع اليهود وسائر الكافرين، وكذلك المنافقين، كما في الآية المباركة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[التوبة:73].
وتمكَّن رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" من تطهير الجزيرة العربية من رجسهم ونفوذهم، ووجَّه لهم ضرباتٍ قاضية على هامش حركته الجهادية، في مختلف تجمُّعاتهم، في: بني قينقاع، وبني النظير، وبني قريظة، وخيبر، وفدك، وبقيَّة تجمُّعاتهم في وادي القرى... وغيره.
كما واجه أيضاً إمبراطورية الرومان، وارتقى بالمسلمين إلى مستوى الجهوزية للفتوحات الكبرى، وطهَّر الجزيرة العربية من قوى الطاغوت والشرك، وفتح الله له مكَّة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وانتقل بالمسلمين إلى أرقى مستوى بين الأمم والمجتمعات والأقوام، يتميَّزون برسالة الإسلام، في نورها، وعدلها، وخيرها، وقوَّتها.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من خطاب السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي
بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف
12 ربيع الأول 1447هـ 4سبتمبر 2025م