مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله
المقاطعة الاقتصادية واجب ديني وموقف جهادي

مـوقع دائرة الثقافة القرآنية - تقارير - 5 ذو القعدة 1446هـ
تُعتبر المقاطعة بكل أشكالها من أهم وأخطر الأساليب والوسائل الفعّالة والمستخدمة بشريًّا عبر العصور، فهي ليست وليدة العصر الحاضر، وإن كانت أهميتها وفاعليتها اليوم أكثر بكثير من أي وقت مضى. فمنذ فجر التاريخ، لم تكن القوة العسكرية وحدها وسيلة الشعوب والدول في تحقيق غاياتها أو التعبير عن رفضها، بل برزت أدوات مدنية أشد تأثيرًا وأقل كلفة، يأتي في طليعتها سلاح "المقاطعة الاقتصادية". فالمقاطعة الاقتصادية هي امتناع طوعي أو إلزامي عن التعامل التجاري مع الجهة المستهدفة، فهي موقف حضاري، وفعل جماعي ذو طابع أخلاقي وسياسي واقتصادي، يُعبّر عن رفض السياسات الظالمة أو الممارسات غير الأخلاقية، وقد أثبت التاريخ مرارًا قدرتها على تحقيق تغييرات جوهرية في السياسات والتوجهات، بما يتجاوز أحيانًا أثر المواجهة المسلحة.

 

  • المقاطعة الاقتصادية: المفهوم والمضمون

المقاطعة بشكل عام هي امتناع طوعي أو إلزامي عن التعاطي مع العدو في كل ما يمكن أن يستخدمه أو يستفيد منه في محاربة الإسلام وظلم الناس.
أما مفهوم المقاطعة الاقتصادية،
فهو امتناع طوعي أو إلزامي عن التعامل التجاري من شراء أو بيع أو تبادل السلع والخدمات مع أي جهة سواء كانت فردية أو جماعية أو دولية بقصد إحداث ضرر اقتصادي على تلك الجهة يرغمها على تغيير سلوكها الإجرامي وتعديل سياساتها العدوانية ضد الآخرين.
وتُعتبر المقاطعة الاقتصادية من أخطر أساليب "القوة الناعمة" التي تلجأ إليها الشعوب أو الدول كتعبير عن رفضها لتلك الممارسات أو السياسات ورغبتها في تعديل التوجه العدواني لتلك القوى المتسلطة.

وعلى مرّ العصور، تعددت أشكال المقاطعة وتنوعت دوافعها، لتشمل مقاطعة الدول بعضها البعض، كما فعلت كوبا مع أمريكا منذ ستينيات القرن الماضي، أو مقاطعة الشعوب لمنتجات دول أو شركات بسبب مواقف سياسية أو أخلاقية، كما في مقاطعة المنتجات الفرنسية عام 2020 في بعض الدول العربية والإسلامية بسبب تصريحات مسيئة للإسلام.

  •  مشروعية المقاطعة الاقتصادية

 

  • حول مشروعية المقاطعة يقول الشهيد القائد رضوان الله عليه:

(يجب أن نكون دقيقين في التعامل مع هذه الطائفة، ليس فقط ما يبرز من اليهود، بل ما لا يزال في أعماق أنفسهم نوايا لديهم.
{لا تَقُولُوا رَاعِنَا} توقفوا عن استخدام هذه الكلمة تماماً، عندما يتوقف العرب عن استخدام تلك الكلمة بشكل عام - اتركوها نهائيًّا، لماذا؟ - ليُقفل المجال على اليهودي فلا يعد بإمكانه أن يستخدمها، إذًا ألم يكن هذا موقفًا أمام نوايا وقدّم التوجيه به توجيهًا حاسمًا بعده: {وَاسْمَعُوا}. واسمعوا، ويكفيكم أن تسمعوا، وقد سمعتم كيف كان الذين لا يستجيبون لهدي الله ولا يقيّمون الأشياء التي تُقدّم إليهم، لا تكونوا كبني إسرائيل، تقولون: ما هي الفائدة؟ ماذا لها من فائدة؟ ما هي القيمة لهذه؟ نحن لا نستخدمها غلط؟ لا، اسمعوا، التزموا: {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. وللرافضين، للكافرين نفس اليهود الذين لا زالوا يستخدمون نوايا سيئة، وللرافضين منكم الذين لا يسمعون، اسمعوا: {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} منكم ومنهم.
هذه تعطي – مع أنها تبدو في الصورة قضية عادية – لكنها تعطي منهجًا مهمًّا جدًا في الصراع مع اليهود، أي هي ترسخ عند المسلمين حالة على مستوى عالٍ من اليقظة والحذر والانتباه واتخاذ موقف أمام أي شيء من اليهود وإن كان ما يزال نية في أعماق أنفسهم.
من أين أُوتي العرب؟ من أين أُوتي المسلمون حتى أصبح اليهود هم الذين يدوسونهم الآن؟ من أين؟ لم يحملوا هذه الروحية التي تعطيها هذه الآية: {لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا}. لم يعد لديهم اهتمام حتى بما يشاهدونه، بما يلمسونه، بما يحسونه من اليهود، لم يعد لديهم اهتمام أن يعملوا ضدهم شيئًا. إذًا ألم يفقدوا روحية؟ فقدوا تربية وُجّهت إليها هذه الآية؟ إذا ترى بأنها قضية هامة، وهذا - مثلما قلنا سابقًا - من الأشياء الصعبة بالنسبة للناس، القضايا التي هي في واقعها هامة جدًا جدًا جدًا ولكن أمامهم طبيعية جدًا، هذا الذي يُعتبر موقفًا محرجًا جدًا؛ لهذا كانت هذه الآية في مقدمة الآيات التي لتوجيه المسلمين بعد تقديم العبرة الشاملة من خلال ما ذكره عن بني إسرائيل.)
هكذا أوجب الله على المسلمين مقاطعة اليهود على مستوى مفردة عربية في زمن كان الإسلام والمسلمون هم الأقوى، فكيف لا تكون مقاطعتهم اليوم أشد وجوبًا وقد صاروا أشد عدوانية وضررًا بالإسلام وأهله.

 

  • أنواع المقاطعة وأهدافها

  • أولًا: المقاطعة الشعبية

تتجلى هذه الصورة حينما تتبنى الشعوب حملات شعبية تنبع من وعي جماعي، رافضة دعم شركات أو دول تنتهك حقوق الإنسان أو تدعم الاحتلال أو تنشر الفساد الأخلاقي والبيئي.
وهي من أكثر أشكال المقاطعة فعالية، لأنها تضرب في العمق التجاري، وتؤثر على المبيعات وسمعة الجهة المستهدفة.

  • ثانيًا: المقاطعة الرسمية

تُمارسها الحكومات وتكون غالبًا مرتبطة بعقوبات اقتصادية أو سياسية، كما في العقوبات الغربية على إيران أو روسيا، أو قرارات المنع والحظر على سلع أو استثمارات معينة.

  • ثالثًا: المقاطعة الأخلاقية

وهي مقاطعة نابعة من ضمير جمعي أو فردي ضد جهة تُمارس سلوكًا غير أخلاقي، مثل مقاطعة الشركات المتسببة في كوارث بيئية كالتلوث البيئي.

رابعًا: المقاطعة الاقتصادية الدفاعية
وتُستخدم لحماية المنتجات الوطنية من المنافسة غير العادلة، كما في قرارات بعض الدول فرض رسوم إغراق على منتجات أجنبية تهدد الصناعة المحلية.

خامسًا: المقاطعة الفكرية والثقافية
وهي مقاطعة الثقافة والفكر اللذين يمثلان خطرًا حقيقيًّا على الأمة، كالثقافات المغلوطة والفكر المضل اللذين يستغلهما الأعداء لتجين الأمة وإضلالها.

 

  • أثر المقاطعة الاقتصادية على الطرف المستهدف


1. الضرر المالي والتجاري المباشر
عندما تتعرض شركة أو دولة لمقاطعة واسعة النطاق، فإن الأثر الأول يتمثل في انخفاض أرباحها وتراجع مبيعاتها إلى حد الإفلاس.
وقد شهدنا ذلك بوضوح في حملة المقاطعة الشعبية للمنتجات الدنماركية عام 2006، ردًا على الرسوم المسيئة للرسول الله محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- حيث تعرضت الشركات الدنماركية لخسائر تجاوزت مليار دولار، مما دفع بعض الشركات إلى إصدار اعتذارات علنية في محاولة لوقف نزيف الخسائر.

2. تآكل السمعة والموثوقية
المقاطعة لا تُحدث فقط أثرًا اقتصاديًّا مباشرًا، بل تؤدي إلى تراجع ثقة المستهلكين حول العالم في العلامة التجارية المستهدفة. وعادة ما تكون استعادة السمعة أصعب من تعويض الخسائر المالية.

3. الضغط السياسي والإعلامي
حين تقترن المقاطعة بتحرّك إعلامي منظم، فإنها تُحرج الجهات المستهدفة أمام الرأي العام العالمي. حدث هذا في مقاطعة يمن الإيمان والحكمة للمنتجات الأمريكية والإسرائيلية، حيث تسبب في إحراجهم وتكبدهم خسائر كبيرة، ومنها مقاطعة الهند للإمبراطورية البريطانية، مما ضرب سمعتها وكبدها خسائر فادحة.

4. أثر داخلي في توازن القوى
في بعض الحالات، تؤدي المقاطعة إلى تنشيط تيارات إصلاحية داخل الجهة المستهدفة، تدعو إلى مراجعة السياسات المسيئة التي أدت إلى المقاطعة من الأساس، تجنبًا لتصعيد الأزمة.

 

  • أثر المقاطعة على الطرف المُقاطِع

1. تعزيز الصناعات الوطنية
من أبرز الآثار الإيجابية للمقاطعة على الدول أو الشعوب المُقاطِعة هو تنشيط الإنتاج المحلي، والسعي نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي. فعندما قاد المهاتما غاندي حملة "السوادشي" ضد البضائع البريطانية في الهند، شجع على صناعة النسيج المحلي واستخدام المغزل اليدوي، فأعاد الحياة إلى الحرف الهندية التقليدية، وبث في نفوس الهنود روح الاستقلال.

2. رفع الوعي السياسي والاقتصادي
المقاطعة تُساهم في تشكيل وعي جمعي يُدرك أهمية الاستهلاك المسؤول، ويعي أثر خياراته الشرائية على القضايا الإنسانية والسياسية، وهو ما يُعيد تعريف العلاقة بين المواطن والأسواق العالمية.

3. تحرر القوة الشرائية والاستهلاكية من التلاعبات الأجنبية
خاصة إذا كانت البدائل المحلية غير كافية، أو إذا كانت السلع المقاطعة ضرورية، ما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار مؤقتًا أو اضطراب في سلسلة التوريد.

4. اختبار الإرادة الجماعية
نجاح المقاطعة يعتمد على الاستمرارية والانضباط الشعبي، وهو ما يختبر إرادة الشعوب وقدرتها على التضحية بالراحة أو التفضيلات الشخصية من أجل مبدأ أو قضية عامة.


أمثلة واقعية وتاريخية على المقاطعة الاقتصادية

1. حملة "السوادشي" الهندية (1905 - 1947)
تُعد واحدة من أنجح حركات المقاطعة في التاريخ الحديث. انطلقت بدعوة من المهاتما غاندي لمقاطعة البضائع البريطانية والاعتماد على الإنتاج المحلي. لم تساهم هذه الحملة في الإضرار بالاقتصاد البريطاني فحسب، بل صنعت حالة وعي قومي ومهّدت الطريق للاستقلال.

  • 2. مقاطعة جنوب إفريقيا

من أعظم الشواهد على تأثير المقاطعة في تغيير النظام السياسي. استمرت عقودًا من المقاطعة الاقتصادية والثقافية الدولية، حتى اضطرت الحكومة العنصرية في 1991 إلى إلغاء سياسات الفصل العنصري، وخرج نيلسون مانديلا من السجن بعد 27 عامًا ليتولى قيادة البلاد.

3. حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)
أُطلقت عام 2005 من قبل ناشطين فلسطينيين وتوسعت لتشمل مؤسسات أكاديمية وثقافية في شتى أنحاء العالم، تدعو لمقاطعة العدو الإسرائيلي بسبب سياساته تجاه الفلسطينيين. ورغم الضغوط الدولية على الحركة، إلا أنها نجحت في تقليص تعاملات شركات كبرى مع الاحتلال.

  • شروط نجاح المقاطعة

• وضوح الهدف السياسي أو الأخلاقي للمقاطعة.
• وجود بدائل محلية أو أجنبية للمنتجات المقاطعة.
• إرادة جماعية راسخة واستعداد لتحمل بعض التبعات.
• تنظيم إعلامي واستراتيجي يضمن استمرار الزخم.
• تقييم دوري لأثر المقاطعة وتكييف أدواتها حسب المرحلة.
وأخيرًا
إن المقاطعة الاقتصادية ليست مجرد فعل احتجاجي عابر، بل هي ممارسة مدنية راقية تُجسد إرادة الشعوب الحرة في تقرير مصيرها وتحديد علاقتها بالعالم وفق مبادئ وقيم. ولئن كانت المواجهة المسلحة تفرض كلفة باهظة، فإن المقاطعة تُعطي الشعوب أداة ضغط أقل تكلفة وأكثر مرونة وتأثيرًا على العدو، وأسرع في تحقق نتائجها.
وفي زمن تتشابك فيه المصالح وتتداخل فيه القضايا، تبقى المقاطعة الاقتصادية فعلاً حضاريًّا راقيًا، يمارس تأثيره القوي والعميق في رسم خطوط التوازنات العالمية الجديدة.

  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر