مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله
بدلا من التحذير من الدنياتوجه إلي النفوس لتزكيتها،وهكذا توجه القرآن.

لا يصح أن ننطلق نحذر الناس من الدنيا؛ لأنها خداعة مكارة، هي نعمة عظيمة، إذاً تعال حذر من الألسن وقل: اقطعوا الألسن أيها الناس، فإن الألسن تكذب، وتشهد الزور، وتحلف الأيمان الفاجرة، وتؤيد الباطل، وتنطق بالباطل، وتعيب هذا، وتسخر من أولياء الله، وهكذا.. الألسن، الألسن اقطعوها، هل هذا منطق؟! لا.
هكذا حديث أولئك عن الدنيا الحديث نفسه، إذا كنت تريد أن تعزل الناس عن الدنيا وأن يتركوها ويبقوا صعاليك فلا يستطيعون أن يعملوا شيئاً لدينهم، ولا يستطيعون أن يعملوا شيئاً يعزون به أنفسهم ويستغنون به عن أعدائهم؛ لكون الدنيا هي مكارة وخداعة، إذاً قل للناس أن يقطعوا ألسنتهم؛ فألسنتهم تكذب. الله الذي خلق المال هو الذي خلق الألسن، الذي خلق المال هو الذي خلق الأعين والألسن، إذاً أخرجوا أعينكم فإنها تنظر إلى المحرمات، اقطعوا ألسنتكم فإنها تكذب وتشهد الزور وتحلف الأيمان الفاجرة... وهكذا! الأنفس،
ولهذا جاء القرآن بهدايته الواسعة متجهاً نحو النفوس ولم يصب جامَّ غضبه على الدنيا، بل هو من يذكرنا بهذه النعم العظيمة في الدنيا، لم يأت ليقول للناس كما يقول كثير من أولئك الذين يرشدون الناس من (أطرف كتاب ) يرونه، بل قال الله للناس: لا تغرنكم الحياة الدنيا فقط، لا تلهيكم، لا تنخدعوا بها، لا تؤثروها على الآخرة.. هذه عناوين حديث القرآن عن الدنيا.
لكن انطلقوا فيها ابتغوا من فضل الله فيها، تحركوا فيها، ولكن اهتدوا فيها وأنتم تتحركون فيها بهديي، زكوا أنفسكم بهديي، حينئذ فليملك أحدكم كما يملك سليمان لا تغره الدنيا ولا تخدعه الدنيا، سليمان الذي قال :{هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي} وإشارة (هـذا)إلى الملك العظيم الذي أوتيه {لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}.. هكذا يأمر الله سبحانه وتعالى أولياءه، أو يذكر أن أولياءه هم دائماً يدعون الله أن يرزقهم تذكر وشكر نعمه، وهم أولئك الذين إذا ما ملكوا نعمه الكثيرة - كيفما بلغت - فلا تملكهم، لا تخدعهم، لا تغرهم، لا يؤثرونها على الآخرة، لا تلهيهم عن ذكر الله. فهل تتذكر وأنت تملك شيئاً من الدنيا قد يكون ما تملك يساوي [قدراً] أو اثنين من قدور سليمان التي كان يعملها الشياطين له {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ}(سـبأ: من الآية13) أليس هكذا في الآية؟.
وتريد أن تطغى، تريد أن تتكبر، تنسى أن تطلب من الله أن يدخلك في عباده الصالحين. تعال، انظر إلى سليمان الذي ملَكَ الدنيا، ملَكَ الجبال، ملَك الطير، ملَك الجن، ملَك الإنس، ملَك البر والبحر، ملَك الرياح، تعال إلى كلماته الرقيقة: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ}.
بعض الناس ينسى أن يدعو لوالديه فيما إذا تركوا له مالاً بل قد يقول: " الله لا يرحمه إنه أعطى فلانة الجربة الفلانية, قال: كان عادها مهر, وقال : يريد يتخلص"مازال يحز في نفسه أن والده خلّص ذمته من مهرأخته أومهربنته!
سليمان يقول: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ} هذا الملك كله أنا أريد أن أسخره في الأعمال الصالحة، تلك الأعمال التي ترضيك {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} أليست هذه كلمات رقيقة؟ ما أبعد الناس، أولئك الذين لا يملكون مثل قدور سليمان عن هذا المنطق، أصبح الناس كما قال الله: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} (العلق:6-7).
إذاً فالمعالجة أن نأتي نحن لنعالج الإشكالية في النفوس، وهو توجه القرآن الكريم، هو توجه إلى النفوس، لنعلم الناس كيف يزكون أنفسهم. لا أن نأت لنصب جامَّ غضبنا على الدنيا نفسها التي هي نعمة عظيمة من نعم الله، والتي للإنسان دور مهم فيها، في تحقيق عبادته لله سبحانه وتعالى، وشهادته بكمال الله. نتجه إلى النفوس ونذكر الناس كيف يتعاملون مع الدنيا، كيف يملكون الدنيا ولا تملكهم، كيف يكون همهم أن يعملوا أعمالاً صالحة من خلال ما يملكون، وعلى الرغم مما يملكون، وأن ينشدوا ذلك المقام الرفيع: وهو أن يكونوا ضمن عباد الله الصالحين في هذه الدنيا وفي الآخرة.
أيضاً يقول الله سبحانه وتعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (الأحقاف: من الآية15). ويصف أولياءه - سبحانه وتعالى - بأنهم يشكرون نعمته فيقول عن نبي الله إبراهيم عليه السلام : {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (النحل:121) وموسى عليه السلام يتمثل شكره لتلك النعمة في قطع عهد على نفسه فيقول: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ}(القصص: من الآية17).
من منا يقول هذا؟ من منا عندما يرى أمواله التي تدر عليه مبالغ كبيرة، من منا يقول هذا عندما يرى نفسه أنه أصبح في موقف حق وفي عمل حق ، وأنه وفق لأن يكون ممن ينطقون بالحق، ويعملون بالحق ممن يهدون بالحق وبه يعدلون فيقطع على نفسه عهداً أمام الله {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} ؟هل تتصورون بأن موسى عليه السلام دخل من طرف مزرعته وفيها ما لا يقل قيمته عن نحو مليوني دولار من ثمار وممتلكات وآليات داخلها فقال: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ}؟ بل رأى نفسه أنه أصبح إنساناً استطاع أن يقول الحق، وأن يقف موقف الحق، وأن يقف في وجه الظالمين، فكانت هذه هي النعمة الكبرى.
هذه هي من أهم الأشياء التي تخلق لديك حصانة عن أن تنخدع بالآخرين الذين ينطلقون ليثبطوا الناس؛ لأنه من هو ذلك الذي يمكن أن يؤثر فيك وأنت ترى ما أنت عليه نعمة عظيمة، ستسخر منه أنت؛ لأنك ترى ما أنت فيه نعمة عظيمة؛ ولأنك تحس بأنك وفقت إلى نعمة عظيمة من خلال مقارنتك أنت للآخرين الذين يبذلون أموالهم وأيديهم وألسنتهم وأنفسهم في طريق الباطل وفي خدمة الباطل، وأنت تعرف أين سيكون مصيرهم، سترى أنت أنك في نعمة عظيمة فتصبح ممن يكون من المستحيل أن يؤثر عليه الآخرون بدعاية أو تضليل أو خداع أو ترغيب أو ترهيب، يصرفونه عما هـو فيه؛ لأنـه يرى مـا هـو فيه نعمة، نعمة دفعته إلى أن يقول: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ}.
ويذكر الله عن نبيه نوح عليه السلام أيضاً فيقول: {إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً}(الإسراء: من الآية3) هكذا تجد شكر النعم الإلهية في مجال نعمة الهداية والنعم المادية المتعددة شكرها وتذكرها من أهم صفات أولياء الله؛ لما لها من أثر كبير في ربطهم بوليهم، بالله سبحانه وتعالى.
نجد كذلك كيف يأمر الله عباده بشكر نعمته بصورة عامة فيقول: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (النحل:114) {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} (البقرة:152) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (البقرة:172) {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}(العنكبوت: من الآية17). ومتى ستشكر الله؟. إذا كنت دائم التذكر لنعمه العظيمة عليك.

ألقاها السيد / حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
معرفة الله - نعم الله - الدرس الرابع / ص -  11- 12 .

  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر