درس الأربعاء والخميس
تمام...معرفة الله...وعده ووعيده. الدرس الحادي عشر
- نقاط هامة للمراجعة وربطها بالواقع
- {قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا}
- ماهي مظاهر هذا التكذيب؟ وهل المقصود بالتكذيب عدم التصديق؟
- الكبر من أخطر عوامل عدم قبول الحق.
- الذي يرفض في واقعه كمن يرفض في منطقه.
- على العالم أن ينطلق هو ويتقدم المجاهدين في سبيل الله هو ثم ليقتل هو. هذا هو العمل للحفاظ على الإسلام، هذا هو العمل في خدمة الإسلام.
- المتقون هم أناس عمليون، هم ممن لا يفكر في أن هذا مندوب أو هذا واجب فهم ينطلقون طلبا لرضى الله فقط.
- مع الدرس نسأل الله الهداية
{بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} (الزمر: من الآية59) في الدنيا، آيات كثيرة في القرآن الكريم، ليس هناك أعظم من القرآن الكريم من كل الكتب التي نزلها الله إلى عباده، وليس هناك أعظم منه في مجال البيان للناس، وبيان صادق لا يمكن أن تقول: هذا الحديث قد يكون موضوعاً، أو هذا الحديث قد يكون معارض بأقوى منه، أو عبارات من هذه. آيات صريحة جاءتك آياتي التي تبين لك كيف تكون من المتقين، وكيف تكون من المحسنين، وكيف تنطلق في العمل فيما يرضي الله فتكون بعيداً عن التفريط في جنب الله، وكيف تكون ممن يحرص على الهدى، وليس ممن يتحول إلى ساخر. {قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} لكن أنت الذي كذبت {فَكَذَّبْتَ بِهَا} (الزمر: من الآية59). هذا التكذيب لا يلزم فيها أن تقول: كذب. هل نحن نقول في القرآن: كذب؟ لا أحد منا يقول: كذب أبداً، لكن في واقعنا كالمكذبين، أعمال مهمة تتوقف عليها نجاتنا لا نكاد نعد أنفسنا لأن نصغي للحديث عنها أو لأن نسمعها، ومتى ما سمعناها نكون محاولين كيف نتخلص منها، تعامل من هو مكذب والأصل هو العمل، وإلا فمجرد التصديق باللسان قد لا ينفع. هل التصديق بالله سبحانه وتعالى والإيمان بالله بمجرد كلام ينفع؟ ألم يقل عن أولئك أنهم كافرون به؟ وهو من حكى عنهم بأنهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (الزخرف: من الآية87) أليسوا معترفين بالله؟ ومؤمنين بالله؟ ومصدقين بوجوده، وأنه إله؟ الإيمان كله عملي في الإسلام كله، في القرآن كله، الاعتقادات عملية، الإيمان عملي، أما مجرد إيمان لا يتبعه عمل تعتبر كمن ليس بمؤمن. فإذا كان إيماني بالله لا ينفعني؛ لأنني لم أنطلق في العمل على ما يقتضيه هذا الإيمان فكذلك الإيمان بآيات الله، أو أن الإيمان بآيات الله سيكون أكثر من الإيمان بالله هو؟! الإيمان بآياته وأنت لا تنطلق في ميدان العمل بها ستكون كالمكذب بها. {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ} (الزمر: من الآية59) الإنسان يقف أمام آيات الله موقف الرافض لاعتبارات أخرى، وموقف المستكبر الذي يأنف من أن يلتزم بها في واقعه. {وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (الزمر: من الآية59) الكفر أساساً هو رفض، فالذي يرفض في واقعه كمن يرفض في منطقه. الذي يقول: لا. هذا ليس بنبي، هذا ليس كلام الله. أليس هذا كفر؟ في الواقع العملي ما الذي يفرق بينه وبين من قال: نعم هذا نبي وهذا كتاب الله. ولكنه لا يعمل بما جاء به النبي ولا يهتدي بهذا النبي.. أليسوا في الواقع العملي مستوين؟ {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} نعوذ بالله {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ} (الزمر:60) فقد يكون مما يحمل الإنسان على الكذب على الله حالة ترفع من التزام بما هدى إليه الله، كما هو في داخل المسلمين الآن حالات كثيرة من الكذب على الله سبحانه وتعالى، حالات كثيرة من الكذب على الله في الاعتقادات، في الحديث عن الدين، في الحديث عن المواقف التي يجب أن يقفها المسلمون. ونحن أيضاً في أعمالنا في مواقفنا كمن يكذب على الله.. ألسنا نقول أحياناً: [لو كان هذا صحيحاً لكان سيدي فلان في المقدمة].. ألسنا نقول هكذا؟ أي فليس صحيحاً.. أليس هكذا؟ ما هو هذا؟ أليس هذا تكذيباً؟ تسير إلى العالم الفلاني فتقول: [يا خبير هذا فلان يقول لازم نعمل كذا وننطلق من أجل نعمل كذا، وأن القرآن قال كذا وكذا] قد يقول لك: ما يلزمك هذا بكله، أو ذا عندك شيء ربما ما له فائدة]. أنت قلت في نفسك قبل، أو ستقول للآخرين: [لو كان هذا العمل صحيح أو لازم لكان سيدي فلان وسيدنا فلان والعالم الفلاني والعلامة الفلاني في المقدمة... ما معهم إلا كذب]؟. ألست إذاً كذبت بهذا؟ أي قلت: هذا غير صحيح فكأنك قلت: هذا عمل لا قيمة له. قلت: هذا عمل ليس لله فيه رضى. هذا نفسه مظهر من مظاهر الكذب على الله، أنت قدمت الموضوع: بأن هذا لا علاقة بينه وبين الله، فأنت كذبت في هذا. وما أكثر ما يحصل من الناس من ضعاف الإيمان هذه التساؤلات في حالات المواقف العملية. لا أحد يسأل عن الصلاة، أو يسأل عن الصيام، أو عبادات من هذه.. ألسنا كلنا ننطلق في أدائها بسهولة، ولا أحد يذهب ليسأل يبحث إذا وجد له مخرجاً منها؟ لكن متى ما جاءت أعمال هي الأعمال المهمة التي تتوقف عليها النجاة، هذه الأعمال التي يتمناها هؤلاء: التقوى، الإحسان، {لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} {فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} تبدأ التساؤلات وتبدأ التشكيكات هذه هي من الظلم للنفس، من جهالتي، من جهالتي إذا لم أنطلق على هذا النحو.. لماذا أتهرب مما فيه نجاتي من النار؟ لماذا أحاول أن أتهرب مما فيه لله رضى؟ هل أن الله عدو لي فأنا أريد ألا أعمل له إلا أقل ما يمكن؟ أقاصي إلى هذا الحد، هذه حالة غير طبيعية أبداً. ممكن أن تسأل فقط لتتأكد هل هذا مشروع أو أنه محرم، حرام لا بأس أنت تريد أن تعرف هل هذا العمل حرام باعتباره ليس مشروعاً باعتباره مخالف لشرع الله. خرج رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) هو فقاتل وتعرض للآلام، خرج الإمام علي فقاتل ثم قتل هو، فخرج الإمام الحسن فقاتل حتى خذله أعداؤه، ثم قتل هو بالسم، فخرج الإمام الحسين فقاتل حتى قتل. هل كان لدى أولئك نظرة إلى أنفسهم بأن الإسلام يتمثل في شخصه فتتوقف كل حركة من أجل ألا يلحقه ألم؛ لأنه إذا ما لحقه شيء فالإسلام ضرب بكله؟ بل كانوا يرون بأن التضحية بأنفسهم هي الخدمة للإسلام وهي الحفاظ على الإسلام. نحن مررنا بحالة من هذا كان يقال لنا أيام العمل في [حزب الحق] في بدايته وما زالت القضية ما قد الناس متأكدين هل الحزبية مسموحة والاّ لا. يقولون: [بطِّلوا با تكلفوا على العلماء، على أحد من العلماء]! أصبحت النظرة: أن الحفاظ على شخص العالم ليبقى حياً هي الحفاظ على الإسلام! ليس كذلك، بل على العالم أن ينطلق هو ويتقدم المجاهدين في سبيل الله هو ثم ليقتل هو. هذا هو العمل للحفاظ على الإسلام، هذا هو العمل في خدمة الإسلام. عندما زرنا مدينة [قم] خارج المدينة جسر معترض على الخط فيه يمكن ما لا يقل عن سبعين صورة عالم سقطوا شهداء في سبيل الله.. ألم يحفظ الإسلام في إيران عندما سقط العلماء شهداء؟ أن يأتي عالم فيظن أن الحفاظ على شخصه هو يمثل الحفاظ على الإسلام فهذه نظرة مغلوطة، أن يقول لك أو يقول لي: لا تتحرك لأنك ستؤدي بهذا العالم، أو بذلك العالم إلى أن يقتل، فحافظ عليه حرام حافظ عليه، يعتبر حرام ستقضي على الإسلام! لو أنهم خرجوا وصدعوا بالحق لما وصل العامة إلى ما قد وصلوا إليه من الضلال.. ألم ينتشر الوهابيون في كل منطقة؟ ألسنا الآن نعيش حالة التهويد للمجتمع؟ حالة الارتداد بعد الإيمان؟ قد يكون هناك علماء لهم عذرهم فيما بينهم وبين الله. لكن أن تكون قاعدة عامة هي القعود، هي ألا تتحرك من أجل ألا يحصل كذا من أجل ألا يكون كذا، هذا هو الذي يضرب الإسلام. ولأن الكذب على الله سبحانه وتعالى قد يكون أحياناً فيما هو صد عن مواقف حق، صد عن حالة هي تقوى تقي الإنسان من النار {وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} كتلك الآية في [سورة آل عمران]: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} (آل عمران:106) يحصل كذب على الله. ومتى سيحصل لديك الرغبة في أن تدخل في قضية هي في الواقع كذب على الله إلا في مواجهة أعمال أخرى هكذا يحصل في العادة. من الذي سينطلق تلقائياً من جهة نفسه بغير أي باعث آخر ليكذب على الله؟ فعندما تظهر دعوات حق، عندما يظهر أعمال حق، عندما يظهر مواقف حق هنا يظهر في الجانب الآخر الكذب على الله. وقد يكون الكذب على الله بشكل فتوى، فتوى محرمة تصدر ممن يحمل اسم علم، وقد يكون الكذب على الله بعبارة تنطلق من ألسنة الناس للصد عن تلك المواقف الحق؛ فلأنهم صدوا عن مواقف حق فكان صدهم هو مما سود وجه الحياة فتكون وجوههم مسودة. أليس التاريخ أسوداً؟ أليس الواقع أسوداً ومظلماً؟ هكذا من يعملون على أن يبقى هذا الوضع مظلماً تكون وجوههم مسودة.. {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ}. وربما قد يكون مما يدفع الإنسان إلى أن يكذب على الله في مواجهة موقف أنه في نفسه متكبر ليس مستعداً أن يكون مع هؤلاء أو من أتباع هؤلاء، فيستكبر ويأنف؛ لأنه يعود نفسه أن يكون هو الكبير الذي يمشي الناس وراءه، أن يمشي هو وراء الآخرين من أهل الحق. لا.. إذاً هو سيكذب، وإذا كان الكذب لا ينفق إلا بالكذب باسم الدين فهذا هو الكذب على الله، وهذا هو ما يحصل. {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} (الزمر: من الآية61) التقوى هي التي تنجي الإنسان {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} بما عملوه مما حقق لهم الفوز {لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (الزمر: من الآية61) إذاً فاعمل لأن تكون من هؤلاء. فلنعمل إلى أن نكون من هؤلاء ممن - إن شاء الله - {لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}. فانطلق في عملك من قاعدة: أن في هذا العمل لله رضى.. وسـترى أنت أن هذا العمل مهـم جـداً، وسترى كل شيء - تقريباً - واجباً في الأخير، سترى لأهمية هذا في تحقيق هذا الواجب وفي خدمة هذا الواجب سترى الدنيا كلها تصبح تقريباً واجباً، كل شيء واجباً. الذي ينطلق يفرق بين الأحكام فيقول: [هذا ما قد وجب، وهذا ما قد يلزم] قد يكون ممن ليس لديه اهتمام بقضايا كبيرة فهو ممن لا يعرف قيمة ما يخدم هذه القضايا، لا يعرف قيمة ما يخدم إصلاح وضعية الأمة، ما يخدم إعلاء كلمة الله فيراه لا يلزم، وهذا لا يلزم، وهذا لا يلزم. وانتهت كلها. لكن متى ما انطلقت ستكون من أولئك المتقين الذين حكى الله عنهم في قوله: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} (آل عمران: من الآية134). اذهب اسأل عنها كل هذه في قائمة المندوبات في قائمة المندوبات كلها. الإنفاق في سبيل الله قالوا: منسوخ بآية الزكاة. وانتهى الموضوع.! فالذين ينفقون في السراء والضراء عبارة عن تطوعات فقط يعني مندوبة يريد قليل حسنات، وكظم غيظ، وعفو عن الناس. بينما هي وردت هنا في أبرز صفات المتقين الذين أعدت لهم الجنة، وستراها أعمالاً مهمة جداً، ثم قد تراها واجبة عليك في حالات كثيرة واجبة عندما تكون أنت لديك اهتمام كبير فتعرف أهمية هذه في خدمة هذا الذي أنت تهتم به. كيف يقول عن الجنة التي أعدت للمتقين ثم يتحدث عن مندوبات فقط ويترك الواجبات المهمة هناك! لا يأتي بها إلا ليقول لك: المتقون هم أناس عمليون، هم ممن لا يفكر في أن هذا مندوب أو هذا واجب فهم ينطلقون على هذا النحو، والإنطلاقة لتحقيق هذه الأشياء الأربعة: الإنفاق في حالة السراء والضراء، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس هي من الأسس المهمة في ميدان العمل لإعلاء كلمة الله سواء تسميها مندوب أو تسميها واجب؛ أنه لابد - وأنت في حالة العمل لأن تكون من المتقين - لا بد وأنت معدود من المتقين أن تكون متحلياً بها؛ لأنه هكذا وصف المتقين بأنها صفة من صفاتهم اللازمة وليس فقط في النادر.. ألم يأت بها مصدرة بـ [ألـ]؟ الذين ينفقون في السراء والضراء، الكاظمين الغيظ، العافين عن الناس. كصفة دائمة لديهم. {لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أوليائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن يرزقنا الرغبة في العمل بما فيه رضاه، وأن يتقبل منا ويجعل أعمالنا خالصة لوجه الكريم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
[الدرس الحادي عشر – معرفة الله – وعده ووعيده]
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ: 17من ذي القعدة 1422هـ
الموافق: 30/1/2002م
اليمن – صعدة.