درس الإثنين والثلاثاء
{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}
ألقاها السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه
🌳 نقاط هامة للمراجعة وربطها بالواقع
نعمة الهداية وسنة الله في الهداية
🌴 ما هو أهم موضوع في الفاتحة خاصة وفي القرآن الكريم عامة؟
🌴 القرآن الكريم كله يؤكد قضية هي: أن للحق أعلاماً، وللباطل أعلاماً،
🌴 الذي يقول: [لسنا ملزمين نتبع أحد، ولست بحاجة أن أتبع أحد، وأنا باستطاعتي أن أهتدي] هو ممن ليس للهداية قيمة لديه أبداً.
🌴 السورة تؤكد لنا، ونحن نقرأها كل يوم عدة مرات: أن قضية البحث عن الهداية قضية مهمة، وأن الوقوع في صراط المغضوب عليهم، أو في صراط الضالين قضية خطيرة جداً،
🌴 حتى وإن كنت تحفظ القرآن عن ظهر قلب، حتى وإن كان ذكاؤك على أرقى درجة من الذكاء، مهما كنت، إنك بحاجة إلى ارتباط يومي بالله؛ ليمنحك الهداية، وليبصرك صراط الذين أنعم عليهم.
🌴 تحدث عن البدائل التي تفرض نفسها على الإنسان عندما يبتعد عن أعلام الحق والهدى.
💐 مع الدرس نسأل الله الهداية
ولنفهم بأن الأشياء كلها التي الله يتعبدنا بها، كلها، كلها تتركز على خلق وعي، وبصيرة في نفسي، ونفسك، ونفس أي واحد. إذا لم نكن لا نعي، ولا نفهم فسنكون مثل من يمرون، ويسيرون في جبل من الذهب، يطأ الذهب، ويجلس على ذهب، ويمشي إلى هناك، وهو يريد أن يمشي يسرح عامل بخمس مائة ريال، وهو يمر على جبل من الذهب. ................ [أدعوك يا ألله، وأنت من لك الثناء والمجد، أنت] رب العالمين، وأنا بحاجة في حياتي، بحاجة، وأنا مقر، ومؤمن بأن هناك يوم جزاء على الأعمال، وأن للجزاء الحسن طريقة واحدة محددة، هدى الله إليها، أنا بحاجة إلى الله سبحانه وتعالى أن يهديني. أن يأتي بعد هذا، أن يدعو الإنسان الله سبحانه وتعالى فيقول: {اهدِنَـــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} (الفاتحة6) اهدنا الصراط المستقيم، اهدنا أنت يا الله، من لك الثناء، {الْحَمْدُ للّهِ}، من أنت {رَبِّ الْعَالَمِينَ}، من أنت {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، من أنت {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، نريد منك أن تهدينا إلى صراطك المستقيم. يأتي بلفظ دعاء للتعبير عن أنها قضية تهمنا، قضية أن نهتدي، وأننا نبحث عن الهدى، ونريد الهدى، فنحن نطلب، فأنت عندما تدعو يأتي الشيء بتعبير الدعاء، ولفظ الدعاء؛ لأنها قضية هامة لديك، أنت تنشدها. أليس الدعاء طلب، أنا أنشد الهداية، هل نحن ننشد الهداية؟ تجد أننا متى ما جاء أحد يهدينا [فيا الله نسمع له، يا الله نجامله] ليست قضية مهمة لدينا قضية الهداية، مع أن الله سبحانه وتعالى جعلها أفضل نعمة على الإنسان. نِعَمَه عظيمة جداً علينا، لكن أعظم نعمة له على الإنسان هو الهداية، نعمة الهداية، الهداية بدينه، الهداية بكتابه، الهداية بنبيه، هذا الدين الذي هو هدى، فنحن نقول: اهدنا أنت يا الله، اهدنا إلى صراطك المستقيم. الدنيا مليئة بالطرق، وأنت لك يوم جزاء، وجزاء محدود، وجزاء حاسم، ونحن نثق بأننا بحاجة في حياتنا إلى هدايتك، هناك طرق قد نسير عليها فنضل في حياتنا، ونشقى كما ضل أبونا من قبل، كما شقي. نحن نريد أن تهدينا إلى صراطك المستقيم، ونحن بحاجة إليك أنت مهما كثر المرشدون، مهما كثر الدعاة، مهما كثر الموعظون، نحن بحاجة إليك أنت أن تهدينا. أليس هذا دعاء يقوله المسلمون جميعاً؟ حتى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وهو يدعو: اهدنا الصراط المستقيم. ولأن الدنيا هنا يمر الإنسان فيها بأحداث كثيرة، ومتغيرات كثيرة، ومواقف كثيرة، متعددة، وليس هناك موقف، أو قضية، أو حدث هو خارج عن إطار أن يكون حق، أو باطل، أن يكون فيه لله رضا، أو يكون مما يؤدي بالإنسان إلى سخط الله سبحانه وتعالى. فنحن بحاجة منك يا الله أن تهدينا في كل شئون حياتنا، في كل مواقفنا، أن تكون أنت ترعانا، نحن نريد أن تهدينا إلى صراطك المستقيم، لا نضل، لا نشقى. من الذي يكون لديه هذا الشيء مهم؟ هو من هو مؤمن بيوم الجزاء، ومن هو مؤمن بأنه بحاجة إلى الهدى في الدنيا، أنه إذا ما انحرف عن هدي الله، وانحرف الناس عن هدي الله، سيضلون، ويشقون، ويعانون، وسيكون الشقاء ليس فقط من جانب أعداء الله. لاحظوا نحن عندما نقصر، لا نستجيب لله سبحانه وتعالى، ما الذي يحصل؟ المفسدون في الأرض يعملون عملهم في الشقاء، والله سبحانه وتعالى من جانبه يمنع خيراته، يمنع بركاته، ويحول دون أشياء كثيرة؛ لأنه رآنا غير مستحقين، عقوبة لنا، فيكون الإنسان بإعراضه عن هدي الله جلب على نفسه الشقاء، سواء ما كان من جانب أعداء الله، وما كان من جانب الله عقوبة له على إعراضه عن هدي الله. فالإنسان الذي يفهم أهمية الهدى، والآية نفسها عندما نرددها دائماً هي تذكرنا أيضاً بأن قضية الهداية قضية مهمة، لماذا الله يأمرنا بأن نقرأ هذه السورة، والموضوع الرئيسي فيها موضوع الهداية. ألم يأخذ الكلام عن الهداية نحو ثلثي الفاتحة، موضوع الهداية هو أكبر موضوع داخل الفاتحة؛ لأنه أكبر موضوع داخل القرآن؛ لأنه هو الموضوع الرئيسي، الهداية. القرآن من أجل هداية الناس، الرسول من أجل هداية الناس، كل ما جاء من خطاب من جانب الله، من توجيهات كلها تصب في قالب الهداية للناس، كل عمل الله بالنسبة لنا هو هداية، توجيهات للهداية. فجاء الحديث عن الهداية في سورة [الفاتحة] نفسها يأخذ أكبر مساحة داخل سورة [الفاتحة] التي هي نفسها تعبر عن محتوى القرآن بصورة عامة، وباختصار. فمن يتأمل يجد أنه عندما نؤمر بأن نقرأ هذه السورة، وأهم شيء فيها هو: طلب الهداية، أي: أن الهداية قضية مهمة جداً جداً، أي: أنها قضية يجب أن نحرص عليها، وأن نبحث عنها وأن نبذل في سبيلها كل غال ونفيس، من أجل أن نهتدي. فكيف بالناس الذين تعرض عليهم الهداية بالمجان، كيف بالناس الذين طريقتهم طريقة صحيحة، وعقائدهم صحيحة، والهدى يقدم إليهم بسهولة، وهم لا يرون له قيمة، ولا يلتفتون إليه، ولا يعتبرونه شيئاً!. أليس هـذا كفر؟ كفر بأعظم نعمة أنعم الله بها على الإنسان. ولأن واقع الناس هكذا قال الله عن الإنسان: {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}(عبس17). كان الأنبياء يأتون إلى الناس فيقولون: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}(الشعراء109) يكاد أن يتفجر من الأسف، من الألم، عندما يرى قومه لا يهتدون، يوجههم، يهديهم، يعلمهم، يبصرهم، ويقول: أنا لا أسألكم أجراً على هذا أبداً. لا يلتفتون إليه ولا يبالون به!. نوح ظل في قومه كم؟ تسع مائة وخمسون سنة، ولم يستجب له إلا القليل القليل منهم؛ لأنه لا قيمة عند أكثر الناس لهداية الله؛ لأنهم لم يفهموا بعد أهمية هداية الله بالنسبة لحياتهم، وارتباطها بحياتهم. هذه هي المشكلة الرئيسية لدى الإنسان، وهي مشكلة نحن نعاني منها، نحن نعاني منها. {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} الصراط هو: الطريق الواضح. والمستقيم: قيِّم، لا عوج فيه، ولا التواآت، طريق واضح؛ لأن هدي الله، ودين الله، هو: طريق واضح، لا يضل من يسير عليه، ولا يشقى من يسير عليه. فنحن نقول: أنت يا الله، {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}. {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}(الفاتحة7) ألم يكن يكفي أن يقال: اهدنا الصراط المستقيم؟ لكن القرآن الكريم كله يؤكد قضية هي: أن للحق أعلاماً، وللباطل أعلاماً، لصراط الله أعلام، ولطريق الشيطان أعلام، فلا نتصور أن صراط الله صراط مستقيم هكذا، شيء ينبت في الأرض، أو شيء ينزل من السماء، أو شيء تأتي به الريح، إنه طريق ناس، إنها مسيرة بشر، يهديهم الله، ويهدي بهم عباده. فيقرر المسألة؛ لأن هذه قضية مهمة، وهي مهمة خاصة بالنسبة لطلاب العلم، أحيانا قد يأتي الإنسان يطلب العلم، ويظن أن باستطاعته أن يطلع لوحده [بَصَلَة]، فهو لا يحتاج إلى أحد، ولا يبحث عن ناس يسير وراءهم، لا يبحث عن ناس يسيرون على صراط الله، يسير وراءهم، [أنا عندي عقل، واستطيع أعرف حق وباطل، ولست بحاجة إلى أحد، والحق له طريق يستطيع الإنسان أن يعرفه!] يظن أنه يمكن أن يطلع لوحده!. سورة [الفاتحة] تقرر بأن الصراط المستقيم هو صراط أولئك، صراط ناس يسيرون عليه. ألم يقل: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} {الذين} أليست تعني ناس أنعمت عليهم، يعني: ناس من خلقك، من عبادك؟. فالإنسان الذي هو معبد نفسه لله، ليس لديه أنفة بأنه ليس مستعداً أن يمشي وراء أحد، القضية عنده نعمة كبيرة جداً، وهو لا يخطر بباله بأنها إشكالية أن يسير وراء أحد ممن هم يسيرون على صراط الله المستقيم. إنه يهمه أن يبحث عن الهداية، أنا أريد أن أبحث عن الهداية، وأنا فاهم، وأنا واعي، وأنا مؤمن، والقضية مسلَّمة لدي، أن لصراطك المستقيم أعلام، وأن صراطك المستقيم يتمثل في مسيرة فئة من عبادك، أنعمت عليهم بالهداية، وأنعمت عليهم بأن جعلتهم أعلاماً لدينك، وهداة لدينك. الذي يقول: [لسنا ملزمين نتبع أحد، ولست بحاجة أن أتبع أحد، وأنا باستطاعتي أن أهتدي] هو ممن ليس للهداية قيمة لديه أبداً. لاحظ أنت عندما تكون ماشي إلى منطقة، وأنت لا تعرف الطريق، فيأتي طفل يعلمك الطريق، ألست ستعتبر له فضلاً كبيراً، أن تمشي وراءه، تمشي وراء هذا الطفل، لا تتذكر بأنك يعني أنت فلان، وماشي بعد ذلك الطفل! أنت القضية لديك هو أنك تريد أن تعرف الطريق، أنا أريد أن أصل إلى المنطقة الفلانية. من الذي يخطر في باله بأنه [والله شوعه أن أمشي وراء طفل] هل أحد يخطر في باله هذه؟ يهمه أن يصل إلى الغاية. فأنا هنا، و[الفاتحة] تقرر أن القضية مسلَّمة هي: أنه، أنا أريد أن أمشي على صراطك المستقيم، وأنا أعرف أن صراطك المستقيم هو صراط ناس أنعمت عليهم، هل لدي مانع أن أمشي وراءهم؟ لا، لا يخطر ببالي أنها قضية أتمنع عنها، أن أمشي وراءهم، يهمني أن أهتدي إلى صراطك، وسأمشي وراءهم {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} (الفاتحة7). ونفس الشيء بالنسبة للباطل، بالنسبة للضلال، له ماذا؟ له أعلامه، وله من يمثله، الضلال هو مسيرة بشر، والحق هو مسيرة بشر، حتى عندما يأتي شخص أحياناً قد يقول لك بعض الناس [هذه المذاهب لا، إنس أبوها إتِّباع فلان، واتباع فلان، نحن نريد أن نتبع كتاب الله وسنة رسوله] أليسوا يقولون أحياناً هكذا؟ [نحن نريد نتبع كتاب الله وسنة رسوله نكن نحاول ما هو نتبع الناس] وهكذا. لكن لاحظ عندما يدخِّل لك مجموعة ناس إلى بيتك، قل له: بَعْدَك، وما دريت إلا وقد دخِّل لك البخاري! أليس البخاري رجَّال. مكتبة حاول أن تستعرض عناوين صف من الكتب ماذا تجد؟ عندما يكون لديك خزانة داخلها خمسون كتاباً، معناه داخلها خمسون رجَّالا، أليس كذلك؟ داخلها خمسون رجَّال. يقدم لك البخاري، ومن هو البخاري؟ هو اسم بخار؟ لا، رجَّال، ومعك ابن تيمية رجَّال، ومعك محمد بن عبد الوهاب رجَّال، ومعك الهادي يحيى ابن الحسين رجَّال، ومعك مكتبة، تجد عند ما يقول لك: نحن لا نريد نتبع الناس، ولا شيء، نحن نتبع سنة رسول الله، وأعطاك البخاري، وأعطاك مسلم، وأعطاك كتاب لمحمد بن عبد الوهاب، وأعطاك كتاب لمقبل، وأعطاك كتاب لابن تيمية. لاحظ كم معك! قائمة رجال، اكتب أسماءهم، ألم يدخل لك ناس؟ لا تتصور بأن الحق والباطل يمكن أن يكون شيئاً لا علاقة له بالناس، لا أحد يستطيع أبداً، إلا إذا الحق والباطل يمكن أن يعلب كبسولات، حتى يأكل واحد حبه بعد كل أكله، ممكن؟! لا يوجد. الحق له أعلامه، وهو مسيرة ناس، لا أحد يستطيع أن يتخلى عن هذه، والباطل مسيرة ناس لها أعلامها، طريق لها أعلامها، ولها دعاتها، ويسير عليها الصفوف الكثيرة من الناس؛ ولهذا جاءت سورة [الفاتحة] تتحدث بأنه طريق الحق واحدة، في مقابل طريقين، من هنا، ومن هنا، طريق مغضوب عليهم، وطريق ضالين {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} نحن لا نريد أن نمشي على صراط المغضوب عليهم. أليست كلمة غير المغضوب عليهم [الألف واللام] : موصول حرفي؟ تعني ماذا؟ المغضوب عليهم، أليست تعني ناس؟ أي: لا أريد صراط المغضوب عليهم، {وَلاَ} أريد صراط {الضَّالِّينَ}. فسورة [الفاتحة] تقرر قضية مهمة، قضية مهمة جداُ هي: أن تفهم أن الصراط المستقيم صراط ناس، وأن صراط المغضوب عليهم صراط ناس، وصراط الضالين صراط ناس، الله يقول لرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وهو نبي يوحى إليه مباشرة يقول له: {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}(الأنعام90) يعرض له قائمة من الأنبياء، إمش على مسيرة هؤلاء. لماذا أمشي على مسيرة هؤلاء وجبريل يأتيني مباشرة من عندك؟! هكذا، لا بد، إنها مسيرة إلهية، لها أعلامها. هل محمد بحاجة أن يمشي وراء أحد من الأنبياء وجبريل يأتيه مباشرة من عند الله؟ فما معنى أن يقول الله له: {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}؟ لأن هذه سنة إلهية، سنة إلهية، ومسيرة إلهية، تتجسد في مسيرة أوليائه من الأنبياء والصالحين، وورثة كتبه، وأعلام دينه. {الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} أنعمت عليهم بماذا؟ بالمال، أو أنعمت عليهم بصحة الأجسام؟ نحن في مقام البحث عن الهداية، أي: الذين أنعمت عليهم بالهداية، هذا شيء آخر يؤكد إقرارنا بأن الهداية هي من عندك، إهدنا، وأولئك الذين هديتهم، ونحن نريد أن نسير على صراطك الذي هو صراطهم. هم أيضاً ممن أنعمت عليهم بالهداية، أي: أن كل هدى يحصل للناس، يحصل لملك من ملائكة الله، أو يحصل لنبي من أنبياء الله، أو يحصل لأي إنسان هو من عند الله، لا أحد يستطيع أن يهدي نفسه بعيداً عن الله، لا أحد يستطيع أن يهدي نفسه، ويرشد نفسه، لا في حياته، ولا لآخرته بعيداً عن الله سبحانه وتعالى. فهذه السورة تؤكد على مسألة الربط بالله، أنك بحاجة إلى أن ترتبط بالله مباشرة، حتى وإن كنت نبياً يوحى إليك، حتى وإن كنت تحفظ القرآن عن ظهر قلب، حتى وإن كان ذكاؤك على أرقى درجة من الذكاء، مهما كنت، إنك بحاجة إلى ارتباط يومي بالله؛ ليمنحك الهداية، وليبصرك صراط الذين أنعم عليهم. {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} أولئك الذين طريقهم طريق باطل بتمرد مع علم. {وَلاَ الضَّالِّينَ} وهم الكثير، طريقتهم ضالة، وهم على ضلال، علموا أو لم يعلموا. نحن لا نريد أن نسير في طريق هؤلاء، ولا في طريق هؤلاء. إلهنا اهدنا إلى صراطك المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين. يقال في تفسيرها، بأن المغضوب عليهم: هم اليهود، والضالين: النصارى. الآن في الدنيا الطريقة التي ترسم في العالم هذا كله طريق من؟ أليست طريق اليهود والنصارى؟ نحن المسلمون هل يهمنا هذا الأمر، ونحن نرى أن الطرق التي تسيطر في هذه الدنيا، الصراط الذي يرسم للبشرية في هذه الدنيا، حتى داخل بلدان المسلمين، هو صراط اليهود، وصراط النصارى، طريقة اليهود، وطريقة النصارى!. الطريقة التي رسموها للبشر يسيرون عليها في كل مجالات حياتهم: في السياسة، والاقتصاد، والثقافة، وغيرها، أليست كلها من عند اليهود والنصارى؟ أليسوا هم الآن من يرسمون طريقين؟ طريقين في الدنيا، ونحن المسلمون مع علمنا بذلك لا يهمنا، ونحن نرى أن الدنيا غارقة في بحر من الضلال، يتمثل في صراط الذين غضب عليهم، وصراط الضالين، لا يهمنا أن نبحث عن صراطه المستقيم: صراط الذين أنعم عليهم! هل يهمنا هذا؟ القليل من الناس من يهمه هذا، ممن يعرفون أن الهداية قضية مهمة، وأنه أن يسير على طريق اليهود، أو على طريق رسمها النصارى، أو رسمها اليهود، أن هذا ضلال. الله يقول لنا في سورة [الفاتحة] التي نقرؤها كل يوم، نحن لا نريد طريق الضالين، نحن لا نريد طريق المغضوب عليهم، أليس هذا ما تعنيه [الفاتحة]: {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}؟ نحن لا نريد الضالين، لا نريد المغضوب عليهم، نقول يومياً هكذا: لا نريد طريقهم، لا نريد صراط الذين غضبت عليهم، لا نريد صراط الذين هم ضالون، ونحن نسير على صراطهم، ونحن نمشي على طريقتهم، ونحن نتثقف بثقافتهم، وتحكمنا قوانينهم، وسياستنا تسير على الأسس التي وضعوها!!. لأننا لا نفهم، نتحدث ولا نفهم، نصلي ولا نفهم، ونرى كل شيء من حولنا ضلال، وباطل، ولا يهمنا ذلك، وكأن كل شخص منا لديه [تصاريف] التي يسمونها [تصاريف] أو لديه مناعة بأنه لا يمكن أن يضل! ضلال هكذا تلقائياً، كل واحد منا مع علمه بأن الدنيا مليئة بالضلال يتصرف لا يهمه أن يبحث عن الهدى، ولا أن يهتدي، ولا يهمه الموضوع، أنه ربما أكون على ضلال، ربما أكون على ضلال، لا احد يتساءل، نمشي في الدنيا وكأننا محصنين، لدينا مناعة من الضلال!. أليس هذا هو الشعور السائد لدينا؟ كل شخص يمشي في الدنيا وكأن لديه مناعة من الضلال، أو هو لا يبالي ضل أو لم يضل، المهم أن أمشي [وين ما غدَّرت باتت] لا يهمه أن يقع في الضلال. ولكن هذه السورة تؤكد لنا، ونحن نقرأها كل يوم عدة مرات: أن قضية البحث عن الهداية قضية مهمة، وأن الوقوع في صراط المغضوب عليهم، أو في صراط الضالين قضية خطيرة جداً، تتردد على مسامعنا كل يوم عدة مرات، كم نقرأ الفاتحة في اليوم والليلة؟ عددوا، الفرائض مع النوافل التي نصليها كم تطلع الفاتحة؟ كم، كم تطلع؟ ما يقرب من عشرين مرة نقول في اليوم الواحد {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}. عشر مرات بالنسبة للفرائض، ألسنا نقرؤها في الصلاة الواحدة مرتين نقرؤها؟ بل الآخرون يقرؤونها أكثر منا، في اليوم أضعاف، أليس الوهابيون يقرؤونها في كل ركعة؟ [عادهم مننا وكذاك]. فلاحظ أنه هذا العدد الكبير في اليوم والليلة، ونحن لا نفهم بعد، لا نلتفت ونتساءل لماذا أردد هذه العبارة في اليوم والليلة هذا العدد الكبير؟ لماذا؟ هل أحد يتساءل؟ لا نتساءل، ونصلي، يصلي واحد عمره لما قد هو شيبة، لا يتساءل، لا يقف مرة مع نفسه يتساءل لماذا تفرض الفاتحة بالذات من بين كل السور؟ ولماذا نرددها هذا العدد كل يوم وليلة، ماذا يعني؟ ستجد أن الفاتحة - كما قلنا سابقاً - الذي أخذ أكثر مساحة فيها هي مساحة الهداية، والخوف من الضلال. القرآن بكله يدور حول هذا الموضوع، هو أن يهدي الناس، ويبعدهم عن الضلال، وهذا هو خلاصة القرآن، خلاصة الدين بكله، خلاصة أن هذا العمل بكله هو أن نهتدي، ونبتعد عن الضلال. لكن لا يهمنا أن نهتدي، ولا نبالي أن نقع في الضلال، هذه هي المشكلة، الله رحيم بنا، ولاحظ هذه من مظاهر رحمته أنك تجد الصلاة مظهر من مظاهر رحمته؛ لأنه داخل الصلاة يذكرك بأشياء مهمة داخلها. {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} جعلها ذكر نردده عدة مرات؛ لأنه يريد لنا أن لا نقع في الضلال؛ لأن الضلال خطير علينا، في الدنيا وفي الآخرة. ماذا أعمل لكم سأشرِّع لكم صلاة تذكرون فيها، ترددون فيها هذا الذكر، ولكن نردده ولا نلتفت ماذا يعمل الباري لنا، هل هناك وسيلة أخرى؟ عمل كل شيء، الشيء الذي لا يمكن أن يعمله أبوك، ولا أمك، ولا أرحم الناس بك. قد تأتي أمك تقول لك: [با تحرق] مرتين، ثلاث، أليس كذلك؟ بعدها ستقول: [بو يدا، لا جِعْلك] أليسوا يقولون هكذا أحياناً؟ أبوك يقول لك: [ارجع يا ِولَيد، إرجع يا وليد] مرتين، ثلاث، [أحسن لك ترجع، ولا فبويدا، إنشاء الله تسقط من على جِلْح] على ما بيقولوا... ماذا يمتلك أبوك، أو أمك؟ تردد تحذيرك، وتنبيهك على الخطورة. أما الله فيذكِّرنا في الصلاة قولوا دائماً: {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}؛ لأن الهداية مهمة بالنسبة لكم، والضلال خطير جداً عليكم في حياتكم، ووراءه جهنم، رددوها كل يوم عدة مرات، رددوها. رددناها ولكننا لا نفهم ماذا يعمل لنا الله، ماذا يعمل بعد هذا، مظهر من مظاهر رحمته العظيمة، مظهر من مظاهر أنه رحيم بنا، رؤوف بنا؛ ولهذا جاءت آية: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} متكررة، بسم الله الرحمن الرحيم. تجد رحمة الله ماثلة أمامك في كل شيء بشكل لا أحد من الناس مهما كان يرحمك يمكن أن يكون على هذا النحو أبداً. لكن كما قال الله: {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}(عبس17) {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}(الأحزاب72). الإنسان ظلوم جهول، جهول لا يرضى أن يفهم، لا يرضى أن يعقل {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}(الأحزاب72) ظلوم، جهول، يظلم نفسه، ويظلم الآخرين، ويتنكر للنعم عليه، وجهول، يعجبه أن يبقى جاهلاً، لا يفهم، لا يرضى أن يفهم. تعليم إلهي يتكرر، ينبهنا على قضية مهمة. ولاحظوا كم أعمارنا! قد يكون أنا عمري أربعة وأربعين سنة، وعمر آخر قد يكون خمسون سنة، أو ثلاثين سنة، أو عشرين سنة، كم تصلي أنت في العشرين السنة؟! هل وقف أحد منا مرة من المرات خلال العشرين سنة، أو الأربعين سنة، وهو يصلي ليتساءل أنه يريد أن يفهم معاني الصلاة؟ ويفهم أنه لماذا [الفاتحة] ولماذا نردد {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}؟ وماذا يعني كل هذا؟ وماذا يدل عليه بالنسبة لله سبحانه وتعالى؟ من أنه دلالة على رحمته العظيمة بنا. لا نتساءل نركَّع يومياً صلاة جوفاء، وسنة بعد سنة، ستين سنة، سبعين سنة، ويموت وهو بعد لم يعرف الصلاة، أليس هذا من الظلم، والجهالة؟ {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من ملزمة: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ: 1423هـ
اليمن – صعدة.