كانت حكومة اليابان تبدو حتى في أثناء الإستسلام كانوا يحرصون على أن تبقى لهم هويتهم، كل شيء ممكن لكن هويتهم، ومَلِكُهم، قد يبدو الملك، قد تبدو الحكومة مستسلمة، أليس الإستسلام حاصلاً؟ لكن من الداخل هو يعرف كيف يعمل، من الداخل يثور، مستسلم وممكن أن يقف مع أمريكا في مواقف لكنه من الداخل يعرف أنه على رأس شعب قُهر، وأن من واجبه أن يصعد بهذا الشعب ليكون هو الذي يقهر أعداءه ولو في أي ميدان من الميادين؛ هم يعرفون أن الصراع هو صراع شامل، لم يعد فقط صراعاً عسكرياً، بل صراعاً شاملاً، وأبرز ما فيه الصراع الإقتصادي فيما بين الدول.
اتجهوا نحو البناء فعلاً وهو أن يقفوا على أقدامهم، ما الذي حركهم؟ مشاعر داخلية نحو وطنهم، مشاعر داخلية من العداء لأولئك، شعور بأنهم قهروا. روحية افتقدها المسلمون أنفسهم وهم من يمتلكون دين العزة، وهم من يمتلكون القرآن الذي فيه ما يكشف لهم واقعهم في أي عصر من العصور، يبين لهم ما هم عليه، يبين لهم لدرجة أن القرآن يبدو - وهو كتاب مخطوط - حياً وواعياً أكثر منا فيما نحن عليه في كل عصر يستطيع أن يكلمك بما أنت عليه، وواقعك عليه، وكيف واقعك.
عاد اليابانيون وهم مجاميع كثيرة، وبنوا بلادهم فعلاً حتى أصبحوا دولة صناعية كبرى، دولة تملك رأس مال رهيب جداً، لها ثقل اقتصادي عالمي، أصبحت منتجاتها تغرق الدنيا وهي بلد صغير!
لدينا من التربة أكثر مما لديهم، بلدنا أوسع من بلادهم. من أول المشروبات التي كانت تصل إلينا مشروبات يابانية نشربها من شركة [ميتسو بيشي] عصاير, هم كانوا يزرعون في قوارب في البحر, لاحظ كيف يعمل الرجال, ليست لديهم تربة, وأراضيهم ضيقة, أراضي جُزُر هكذا مفككة, فكانوا يستغلون أن يصنعوا قوارب من الخشب أو من أي مادة ويبحثوا عن كيف يملأونها بالتراب؛ لأنه لا يوجد لديهم مساحات كافية لأن تُزرع, بلد ضيق, يزرعون في البحر, يملئون الزوارق بالتراب ويزرعونه, يزرعون حتى في شُرفات منازلهم, الأسرة نفسها تزرع الباميا والبطاط والطماطم في شرفات المنازل, تعمل على اكتفاء نفسها من الخضار من الأسطح لضيق الأرض لديهم, ومن شرفات المنازل (البرندات).
ما الفارق بيننا وبينهم؟ هو أنهم يعرفون من هم، ويعرفون الآخرين الذين كانوا يرسلون أولادهم إليهم من هم، ويرعون الطلاب عندما يسافرون إلى أولئك، فلا يمشي إلا وقد صار فاهماً. أصبحنا لا نعي من نحن، فما الذي تعرف بعد أن تكون لا تعرف من أنت؟ إذا كنتَ لا تعرف من أنت، ولا تعرف الآخرين من حولك فلا تستطيع أن تبني نفسك فعلاً.
وجدنا كيف أنفسنا: أراضي كثيرة مهملة، ساحات واسعة صالحة للزراعة مهملة، ونستورد كل شيء حتى [الملاخيخ] نستورد كل شيء حتى [القلوة]! ألسنا نستوردها؟ يذهب الشخص يشتري كم [فشار]! وهكذا وضعية البلدان الأخرى. تدخل سوق (الملح) أسواق صنعاء، وترى فيها فاصوليا، وعدسا، وترى فيها فولا، وترى فيها مختلف الحبوب، هذا من استراليا، وهذا من الصين، وهذا من تركيا، وهذا لا أدري من أين؟! وهذا ...
كأن اليمن صخرة لا يصلح أن يزرع فيه شيء! أليس كذالك؟! أصبح وكأنه صخرة واحدة، ولو كان صخرة واحدة لاستطاع الناس كما عمل اليابانيون أن يزرعوا فوق أسطح المنازل وفي شرفات المنازل، ألم يكن بالإمكان أن يزرعوا فوق الصخرة؟ يعمل قليلاً من التراب فوق الصخرة هذه ويزرع فيها أي شجرة مفيدة؟
فعندما يفقد الناس الهوية فعلاً وتصبح وضعيتك بالشكل الذي تخدم عدوك، فسيأتي عدوك ليقول: (تحرك، تعلَّم، تعلَّم)؛ لأنهم من وضعوا كل شيء لنا، هم من عرفوا كيف سنكون عندما نتعلم، لو أن هناك تعليماً صحيحاً يبني - فعلاً - هل يمكن أن نسمع من جانبهم كلمة تعلّم؟
لكنهم لا يعملون على أن نزرع، حتى الصندوق الاجتماعي ممكن يبني مراكز صحية، ممكن يبني مدارس، ممكن يبني حواجز مائية، لكن جانب الخدمة في الزراعة، لا، خزانات يشرب منها الناس، لكن أن يسقوا المَزَارع منها، لا، لا يريدون أن نزرع؛ لأنهم يعرفون ماذا يعني أن نزرع، متى ما زرعنا ملَكنا قوتنا، متى مَلَكنا قوتنا استطعنا أن نقول: لا، استطعنا أن نصرخ في وجوههم، استطعنا أن نتخذ القرار الذي يليق بنا أمامهم، فما دمنا لا نملك شيئاً لا نستطيع أن نقول شيئاً.
لهذا تجد الزراعة في اليمن مهملة، الزراعة مدمَّرة، وهكذا تجد في بقية الشعوب الأخرى في (السودان) في (مصر) كل هذه البلدان، لا يهتمون بالزراعة، (تعلموا، لكن لا تزرعوا)! لو أن التعليم صحيح بالشكل الذي يجعلنا واعين، نعرف من هم ومن نحن، وكيف يجب أن نكون؛ لما تكلموا بكلمة واحدة: تعلّموا.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من نحن ومن هم
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ: شهر شوال 1422هـ
اليمن – صعدة