ليس هناك ثقة بالله بأنه عندما يشرِّع، عندما يهدي، عندما يرسم طرقاً معينة: طريق إلى الجنة، طريق كيف نواجه الحياة، كيف نواجه الآخرين، أنها حقائق ثابتة، وأنه هدانا إليها من منطلق رحمته بنا، فهو من يجب أن نثق به وثوقا كبيراً.
أي: حتى هذه لم تحصل هي، لأسباب كثيرة تراكمت من ثقافتنا - مثلاً - وعن طريق أن نثقف سواء بالكلمة، أو بالكتاب، من هنا أو من هناك، فيحصل داخله أشياء تجعلنا على هذا النحو، فلا أحداث فيما بعد استطاعت أن تكشف لنا واقعاً، متى ما كشفت لنا واقعا لم نهتد لطريق الخروج منه. هذا التيه الرهيب جداً جداً لا يمكن أن يكون المخرج منه إلا عن طريق القرآن والثقة بالله سبحانه وتعالى.
تلك الآيات التي قرأناها في وقت العصر، عندما نرجع إلى تفسيرها هي في كتاب هو من أبرز الكتب لدينا، تفسير [الزمخشري] الزمخشري معتزلي سني، وهو من التفاسير التي متى ما قرأه أحد أصبح (الأخ العلامة) في مصطلحاتنا، اقرأها تجد تفسيره لها وإذا هي بالشكل الذي تعتبره في الواقع يهبط بالقرآن ويهبط بك إلى تحت الصفر في المسألة، يضيِّق المسالة جداً بشكل رهيب جداً، يعطل الإستفادة الكاملة من هذه الآيات بما هو أقرب شيء إلى المسخ، مع أنه انطلق يفسر بجدية.
هو ذهب ليفسر في مكة عند الحرم، وانطلق في تفسيره على أساس أن يقاوم المُجبرة، وهذا هو الذي جعلنا نحن الزيدية نعجب بتفسيره أنه معتزلي فيما يتعلق بمقاومة المجبرة في معتقدات معينة، يتحدث ويتعرض لهذه المسائل فينتصر لجانب العدل ولجانب التوحيد.
لكن لم تكن المسألة بالشكل الذي يمكن أن يعطيك القرآن عندما ترجع إليه من خلال قرنائه، مثلما قال الإمام الهادي: (القرآن يدل على العترة، والعترة تدل على القرآن). فبذل الزمخشري جهداً كبيراً، وفسر لقرآن في أربعة أجزاء في مكة، ولكن تعال إلى القرآن من خلاله، وبعد أن تستقرئ الأحداث، الأحداث التي كشفت العقائد الصحيحة، والعقائد الباطلة، كشفت النظرات الصحيحة، والنظرات الباطلة، الأحداث هي دروس.
الكون هو كتاب آخر يكشف - أيضاً - صحة هذا الكتاب نفسه، القرآن يكشف كيف يمكن أن تكون الأحداث على النحو الذي تحدث عنه، كيف يمكن أن يكون واقع الحياة على النحو الذي تحدث عنه؛ لهذا تأتي بعد كل فقرة من المواضيع المهمة التي فيها هداية الأمة إلى أشياء مهمة جداً يقول فيها: آيات الله {تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.
تعتبر أعلاماً تكشف لك الحقائق، ومن خلال الرجوع إلى القرآن، والرجوع إلى الأحداث والوقائع، والرجوع إلى العترة تتجلى الأمور بشكل آخر، فترى في الأخير أن هذا المفسر، أو هذا، أو هذا من أولئك تصبح المسألة - على الرغم من حسن نيته وعلى الرغم من جديته - تصبح المسألة وكأنها تضييع للقرآن، تضييع للقرآن حقيقة.
لأن هذا ربما انطلق بنظرة أنه يريد أن يقدم لك القرآن لكن من منطلق آخر مثلاً، أو هو نفسه ما زال يحمل عقائد تجعله بالشكل الذي لا يهتدي إلى القرآن بالشكل المطلوب، أو يعطف القرآن على ما لديه من عقائد هي مغلوطة؛ فجاء بهذا الشكل.
لهذا الإمام الخميني قال في كلمة أنه عندما يرجع إلى تفاسير معينة، لم ير تفسيراً يلبي ما يريد، يعود إلى التفاسير لكن ما رأى التفسير الذي يشبع الموضوع القرآني، يكشف القضية بالشكل المطلوب، ما حصل ذلك نهائياً.
بعض العلماء - فعلاً – يقولون: إن القرآن واسع بالشكل الذي لا يمكن لأحد إطلاقاً أن يحيط به علماً، مثلما قال الإمام علي بأنه: (بحر لا يدرك قعره) لكن وفي المقابل يأتي آخرون فيقولون: بأنه لا يمكن أن يكون فيه خطاب لا نفهمه نحن، أي: لا يفهمه أي واحد منا، هو كتاب له آلية معينة، ومن خلال هذه الآلية مثلما قال الزمخشري: نهتم بالمعاني والبيان، أي: في جانب معرفة البلاغة، وندخل إلى القرآن، والقرآن يجب أن نفهم فيه كل شيء! لو افترضنا بأن فيه شيئاً أنا لا أفهمه يعني ذلك أنني أصبحت مكلفا أن الله كلفنا بشيء ونحن لا نفهمه.
فهذه النظرة هي نفسها ضيقت القرآن؛ لأنها انطلقت من مسألة التكليف بالأحكام الخمسة، ومن منطلق أن القرآن هو كتاب تشريعي يدور في هذه الدائرة: التكليف الفلاني، وليس كتاب هداية، فعندما ينظر الإنسان هذه النظرة الضيقة يصبح القرآن - فعلاً - ضيقاً.
وفي الأخير ما الذي سيحصل؟ ستجده في الأخير ما أفادك بشيء، فترجع إلى أشياء أخرى؛ فتغرق في الضلال، ثم تصبح مجاملاً لتلك الآيات، تجاملها فقط مجاملة، وإلا لم يعد فيها شيء.
لكن ترجع إلى القرآن ككتاب هداية, ومتى ما رجعت إلى تفسير من التفاسير فأيضاً من هذا المنطلق: أنه ما الذي يمكن أن يعطيني هذا المفسر بالنسبة لهذه الآيات من وجهة نظر بحث عن هداية, ليست مسألة حفظ أو ما حفظ، فسيمكن أن يستفيد الإنسان من القرآن, ويستفيد الناس جميعاً من خلال القرآن, وكل إنسان بحسب معرفته, بحسب صحة نظرته, فيفهم الناس الكثير من القرآن ولو على أقل تقدير ما يعزز ثقتهم بالله سبحانه وتعالى, ما يرسخ في نفوسنا الخوف منه, ما يجعلنا نهتدي بأشياء كثيرة وضعها, كأعلام, مقاييس, قواعد, ترسخ لدينا وعياً ننطلق منه.
تجد من العجيب أن كل الناس يقولون: إن الله تحدث عن اليهود كثيراً في القرآن، ألم يتحدث عنهم كثيراً في القرآن؟ لكن نسوا بأن من تحدث عن اليهود في القرآن ليس من الممكن إطلاقاً أن يتحدث عنهم ثم لا يوجه الأمة إلى كيف تكون في ميدان مواجهتهم، أصبحت النظرة إلى ما عرضه عن أهل الكتاب في القرآن الكريم وكأنه عرض تاريخي، وسرد تاريخي قصصي فقط.
الخلاصة: العودة إلى القرآن من منطلق ثقة، الإعتماد على الله سبحانه وتعالى، والنظرة إلى القرآن بأهمية كبرى، أن يكون للقرآن مكانة كبيرة في نفسك، تُجِلّ القرآن، تعظّم القرآن، حتى تثق بتوجيهاته، وإلا فأحيانا قد تصبح عالماً، تسمى عالماً، تصبح عالماً كبيراً وعمرك كم سنين وأنت (مقروي) لكن ويبقى - في واقع المسالة - تعاملك مع القرآن بالشكل المهزوز، فتصبح لا تستفيد منه حتى لو أصبحت عالماً، لديك مكتبة كبيرة.
لاحظ كيف جانب واحد تحدثنا عنه، جانب أننا نسينا من هم هؤلاء، ولم نتعامل معهم من منطلق ما يوحي به القرآن في كيف يجب أن نتعامل معهم كأعداء؛ فتجمّع لنا الشقاء والضلال كله، تجمّع لنا على أيدي هؤلاء.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من نحن ومن هم
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ: شهر شوال 1422هـ
اليمن – صعدة